الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِذْنُ الثَّيِّبِ الْكَلَامُ، وَإذْنُ الْبِكْرِ الصُّمَاتُ.
ــ
3097 - مسألة: (وإذْنُ الثَّيِّبِ الكَلامُ، وإذْنُ البِكْرِ الصُّماتُ)
أمَّا الثِّيِّبُ (1)، فلا نَعْلَمُ بينَ أهلِ العلمِ خِلافًا في أنَّ إذْنَها الكلامُ؛ للخَبَرِ، ولأنَّ اللِّسَانَ هو المُعَبِّرُ عمّا في القَلْبِ، وهو المُعْتَبَرُ في كُلِّ مَوْضِعٍ يُعْتَبَرُ فيه الإِذْنُ، غيرَ أشْياءَ يَسِيرَةٍ أُقِيمَ الصَّمْتُ فيها مُقامَه لعَارِضٍ. وأمَّا البِكْرُ فإذْنُهَا صُماتُها في قولِ عامَّةِ أهلِ العلمِ؛ منهم شُرَيحٌ، والشَّعْبِيُّ، والنَّخَعِيُّ، والثَّوْرِيُّ، والأوْزاعِيُّ، وابنُ شُبْرُمَةَ، وأبو حنيفةَ. ولا فَرْقَ بينَ كَوْنِ الوَلِيِّ أبًا أو غيرَه. وقال أصحابُ الشافعيِّ: في صَمْتِها في حَقِّ غيرِ الأب وَجْهان؛ أحَدُهما، لا يَكونُ إذْنًا؛ لأنَّ الصُّماتَ عَدَمُ الإِذْنِ، فلا يكَونُ إذْنًا، ولأنَّه مُحْتَمِلٌ للرِّضا [والحياءِ وغيرِهما](2)، فلا يكونُ إذْنًا، كما في حَقِّ الثَّيِّبِ، وإنَّما اكْتُفِيَ به في حَقِّ
(1) في م: «البنت» .
(2)
في م: «وغيره» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأبِ؛ لأنَّ رِضَاها غيرُ مُعْتَبَرٍ. وهذا شُذُوذٌ عن أهلِ العلمِ، وتَرْكٌ للسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّريحَةِ، يُصانُ الشافعيُّ عن إضافَتِه إليه، وجَعْلِه مذهبًا له، مع كَوْنِه مِن أتْبَعِ النَّاسِ لسُنَّةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، [ولا يُعَرِّجُ مُنْصفٌ على هذا القولِ، وقد تقَدَّمَتْ رِوايَتُنا عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم](1) أنَّه قال: «لَا تُنْكَحُ الأيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، ولَا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ» . فقالوا: يا رسولَ اللهِ، فكيف إذْنُها؟ قال:«أنْ تَسْكُتَ» (2). وفي روايةٍ عن عائشةَ أنَّها قالت: يا رسولَ اللهِ، إنَّ البِكْرَ تَسْتَحْيي. قال:«رِضَاؤُهَا صَمْتُهَا» . مُتَّفَقٌ عليه (3). وفي رِوايَةٍ: «تُسْتَأمَرُ الْيَتيمَةُ فِي نَفْسِهَا، فَإنْ سَكَتَتْ فَهُوَ إذْنُهَا» (4). وهذا صَرِيحٌ في غيرِ ذاتِ الأبِ. والأخْبارُ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 121. من حديث أبي هريرة.
(3)
أخرجه البخاري، في: باب لا يُنكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها، من كتاب النكاح. صحيح البخاري 7/ 23 وهذا لفظه. وانظر ما تقدم في صفحة 144.
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 143.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في هذا كثيرةٌ. ولأنَّ الحَيَاءَ عُقْلَةٌ على (1) لِسَانِها، يَمْنَعُها النُّطْقَ بالإِذْنِ، ولا تَسْتَحيي مِن إبائِها وامْتِناعِها، فإذا سَكَتَتْ غَلَب على الظنِّ أنَّه لرِضاها (2)، فاكْتُفِيَ به. وما ذَكَرُوه يُفْضِي إلى أن لا يكونَ صمْتُها إذْنًا في حَقِّ الأبِ أيضًا؛ لأنَّهم جَعَلُوا وُجُودَه كعَدَمِه، فيَكونُ إذًا رَدًّا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالكُلِّيَّةِ، واطِّرَاحًا للأخْبارِ الصَّرِيحةِ الجَلِيَّةِ، وخرْقًا لإِجْماعِ الأُمَّةِ.
فصل: فإن أذِنَتْ بالنُّطْقِ فهو أبْلَغُ وأتَمُّ، وإن ضَحِكَتْ أو بَكَت فهو بِمَنْزِلَةِ سُكُوتِها. وقال أبو يوسف، ومحمدٌ: إن بَكَت فليس بإذْنٍ؛ لأنَّه يَدُلُّ على الكَراهَةِ، وليس بصَمْتٍ فيَدْخُلَ في عُمُومِ الحديثِ. ولَنا، ما روَى أبو بكرٍ (3) بإسْنادِه عن أبي هُرَيرَةَ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «تُسْتَأْمَرُ اليَتِيمَةُ، فَانْ بَكَتْ أو سَكَتَتْ فَهُوَ رِضَاهَا، وإنْ أبَتْ فَلَا جَوَازَ عَلَيهَا» . ولأنَّها غيرُ ناطِقَةٍ بالامْتِناعِ مع سَماعِها للاسْتِئْذانِ، فكان إذْنًا منها، كالصُّماتِ أو (4) الضَّحِكِ، والبُكاءُ يَدُلُّ على فَرْطِ الحَيَاءِ، لا على الكَراهَةِ، ولو كَرِهَتْ لامْتَنَعَتْ، فإنَّها لا تَسْتَحْيي مِن الامْتِنَاعِ،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في م: «كرضاها» .
(3)
وأخرجه أبو داود، في: باب في الاستئمار، من كتاب النكاح، وقال أبو داود: وليس «بكت» بمحفوظ، وهو وهم في الحديث، الوهم من ابن إدريس أو من محمد بن العلاء. سنن أبي داود 1/ 483. وانظر ما تقدم في صفحة 143.
(4)
في م: «و» .