الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَوْ عَلَّقَ ابْتِدَاءَهُ عَلَى شَرْطٍ، كَقَوْلِهِ: زَوَّجْتُكَ إِذَا جَاءَ رَأسُ الشَّهْرِ. أَوْ: إِنْ رَضِيَتْ أُمُّهَا. فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ.
ــ
إن قَدِمَ أبوها أو أخُوها. ويَتَخَرَّجُ أن يَصِحَّ النِّكاحُ ويَبْطُلَ الشَّرْطُ. وهو قولُ أبي حنيفةَ، وأظْهَرُ قَوْلَي الشافعيِّ. قاله في عامَّةِ كُتُبِه، لأنَّ النِّكاحَ وَقَع مُطْلَقًا، وإنَّما شَرَط على نفْسِه شَرْطًا، وذلك لا يُوثِّرُ فيه، كما لو شَرَط أن لا يَتَزَوَّجَ عليها ولا يُسَافِرَ بها. ولَنا، أنَّ هذا شَرْطٌ مانِعٌ مِن بَقاءِ النِّكاحِ، فأشْبَهَ نِكاحَ المُتْعَةِ، ولأنَّه شَرَط انْتِفاءَ النِّكاحِ في وَقْتٍ بعينِه، أشْبَهَ نِكاحَ المُتْعَةِ، ويُفارِقُ ما قاسُوا عليه، فإنَّه لم يَشْتَرِطْ قَطْعَ النِّكاحِ.
3179 - مسألة: (وإن عَلَّقَ ابْتِدَاءَه على شَرْطٍ، كقَوْلِه: زَوَّجْتُكَ إذا جاء رَأسُ الشَّهْرِ. أو: إن رَضِيَتْ أُمُّها. فهذا كلُّه باطِلٌ مِن أصْلِه)
لأنَّه عَقْدُ مُعاوضَةٍ، فلم يَصِحَّ تَعْلِيقُه على شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ، كالبَيعِ، ولأنَّه وَقَف النِّكاحَ علي شَرْطٍ، ولا يَجُوزُ وَقْفُه على شرطٍ. وهو قولُ الشافعيِّ.
النَّوْعُ الثَّانِي، أنْ يَشْتَرِطَ أنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا وَلَا نَفَقَةَ، أوْ يَقْسِمَ لَهَا أَكْثَرَ مِن امْرأتهِ الأُخْرَى أَوْ أقَلَّ، فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَيَصِحُّ النِّكَاحُ.
ــ
وعن مالكٍ نحوُه. وذَكَر أبوالخطاب فيما إذا شَرَط إن رَضِيَتْ أُمُّها، رِوايَةً أنّ النكاحَ صحيحٌ؛ لأنَّه يَصِحُّ مع (1) الجَهْلِ بالعِوَضِ، فلم يَبْطُلْ بالشَّرْطِ الفاسِدِ، كالعِتْقِ، ويَبْطُلُ الشرْطُ. والأوَّلُ أصَحُّ؛ لِما ذَكَرْنا.
(النوعُ الثاني، أن يَشْرُطَ أنَّه لا مَهرَ لها ولا نَفَقَةَ، أو يَقْسِمَ لها أكثرَ مِن امرأتِه الأُخْرَى أو أقَلَّ، فالشَّرْطُ باطِلٌ، ويَصِحُّ النِّكاحُ) وكذلك إن شَرَط
(1) في م: «في» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنَّه إن أصْدَقَها رَجَعَ عليها، أو تَشْرُطُ عليه أن لا يَطَأها، أو يَعْزِلَ عنها، أو لا يكونَ عندَها في الجُمُعَةِ إلَّا ليلةً، أو شَرَط لها النّهارَ دونَ الليلِ، أو شَرَط على المرأةِ أن تُنْفِقَ عليه، أو تُعْطِيَه شيئًا، فهذه الشُّرُوطُ كلُّها باطِلة في نَفْسِها، لأنَّها تُنافِي مُقْتَضَاه، وتَتَضَمَّنُ إسْقاطَ حُقُوقٍ تَجِبُ بالعَقْدِ قبلِ انْعِقادِه، فلم يَصِحَّ، كما لو أسْقَطَ الشَّفِيعُ شُفْعَتَه قبلَ البَيعِ. فأمَّا العقدُ في نفْسِه فهو صَحِيحٌ؛ لأنَّ هذه الشروطَ تَعُودُ إلى مَعْنًى زائدٍ في العَقْدِ، لا يُشتَرَطُ ذِكْرُه، ولا يَضُرُّ الجَهْلُ به، فلم يُبْطِلْه، كما لو شَرَط في العَقْدِ صَدَاقًا مُحَرَّمًا. ولأنَّ النِّكاحَ يَصِحُّ مع الجَهْلِ بالعِوَضِ، فجازَ أن يَنْعَقِدَ مع الشَّرطِ الفاسدِ، كالعَتاقِ. وقد نَصَّ أحمدُ، في مَن تَزَوَّجَ امرأةً وشَرَط عليها أن يَبِيتَ عندَها في كلِّ جُمُعَةٍ ليلةً، ثم رَجَعَتْ وقالتْ: لا أرْضَى إلَّا ليلةً وليلةً. فقال: لها أن تَتْرُكَ (1) بطِيبِ نفْسٍ منها، فإنَّ ذلك جائزٌ.
(1) في م: «تنزل إلا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإن قالتْ: لا أرْضَى إلَّا بالمُقاسَمَةِ كان ذلك حَقًّا لها، تُطالِبُه به إن شاءتْ. ونَقَل عنه الأثْرَمُ، في الرجلِ يَتَزَوَّجُ المرأةَ ويَشْرُطُ عليها أن يَأتِيَها في الأَيَّامِ: يَجُوزُ الشَّرْطُ، فإن شاءَتْ رَجَعَت. وقال في الرجلِ يَتَزَوَّجُ المرأةَ على أن تُنْفِقَ عليه في كلِّ شهرٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، أو عَشَرَةَ دَرَاهِمَ: النِّكاحُ جائزٌ، ولها أن تَرْجِعَ في هذا الشَّرْطِ. ونُقِلَ عن أحمدَ كلامٌ في بعضِ هذه الشُّروطِ يَحْتَمِلُ إبْطال العَقْدِ، فنَقَلَ عنه المَرُّوذِيُّ في النَّهاريَّاتِ واللَّيليَّاتِ: ليس هذا مِن نِكاحِ أهلِ الإِسْلامِ. ومِمَّن كَرِهَ تَزْويجَ النَّهارِيَّات؛ حَمَّادُ بنُ أبي سُليمانَ، وابنُ شُبْرُمَةَ. وقال الثَّوْرِيُّ: الشَّرْطُ باطِل. وقال أصحابُ الرَّأي: إذا سَأَلتْه أن يَعْدِلَ لها، عَدَل. وكان الحَسَنُ، وعطاءٌ، لا يَرَيان بنِكاحِ النَّهاريّاتِ بَأسًا. وكان الحسنُ لا يَرَى بَأسًا أن يَتَزَوَّجَها ويَجْعَلَ لها مِن الشَّهْرِ أيَّامًا مَعْلُومَةً. قال شيخُنا (1): ولَعَلَّ كَراهةَ مَنْ كَرِه ذلك، راجِعٌ إلى إبْطالِ الشَّرْطِ، وإجَازَةَ مَن أجازَه، راجعٌ إلى أصْلِ النِّكاحِ، فتكونُ أقوالُهم مُتَّفِقَةً على صِحَّةِ النِّكاحِ وإبْطالِ الشَّرْطِ، كما قُلْنا، واللهُ أعلمُ. وقال القاضِي: إنَّما كَرِه أحمدُ هذا النِّكاحِ؛ لأنَّه يَقَعُ على وَجْهِ (2) السِّرِّ، وهو مَنْهِيٌّ عنه. فإن شُرِطَ عليه ترْكُ
(1) في: المغني 9/ 487.
(2)
سقط من: م.
الثَّالِثُ، أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ، أَوْ إِنْ جَاءَهَا بِالْمَهْرِ فِي وَقْتٍ، وَإلَّا فَلَا نِكَاحَ بَينَهُمَا ، فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَفِي صِحَّةِ النِّكَاحِ رِوَايَتَانِ.
ــ
الوَطْءِ، احْتَمَلَ أن يَفْسُدَ العَقْدُ؛ لأنَّه شُرِط ما يُنافِي المقصودَ مِن النِّكاحِ. وهذا مذهبُ الشافعيِّ. وكذلك إن شُرِطَ عليه أن لا تُسَلَّمَ إليه، فهو بمَنْزِلَةِ مَن اشْتَرَى شيئًا على أن لا يَقْبِضَهُ. وإن شَرَط عليها أن لا يَطَأها (1)، لم يَفْسُدْ؛ لأنَّ الوَطْءَ حَقُّه عليها. ويَحْتَمِلُ أن يَفْسُدَ؛ لأنَّ لها فيه حَقًّا، ولذلك تَمْلِكُ مُطالبَته به إذا آلى، والفَسْخَ إذَا تَعَذَّرَ بالجَبِّ والعُنَّةِ.
(الثالثُ، أن يَشْرُطَ الخيارَ، أو إن جاءَها بالمَهْرِ في وَقْتٍ، وإلَّا فلا نِكاحَ بينَهما، فالشَّرْطُ باطِلٌ، وفي صِحَّةِ النِّكاحِ رِوايتان) إحدَاهما، النِّكاحُ صحيحٌ، والشَّرْطُ باطلٌ. وبه قال أبو ثَوْرٍ، فيما إذا شَرَط الخيارَ. وحَكاه عن أبي حنيفةَ. وزَعَم أنَّه لا خِلافَ فيه. وقال ابنُ المُنْذِرِ: قال أحمدُ، وإسحاقُ -إذا تَزَوَّجَها على أنَّه إن جاءَها بالمَهْرِ في وَقْتِ كذا، وإلَّا فلا نِكاحَ بينَهما: الشَّرْطُ باطلٌ والعقدُ جائزٌ. وهو قولُ عطاء،
(1) في م: «يطأ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والثَّوْرِيِّ، وأبي حنيفةَ، والأوْزَاعِي. ورُوِيَ ذلك عن الزُّهْرِيِّ؛ لأنَّ النِّكاحَ عقدٌ لازمٌ، لا يَدْخُلُه خِيارٌ؛ لما في ذلك مِن المَفْسَدَةِ والضَّرَرِ على الحرائرِ، لكَوْنِها تُرَدُّ بعدَ ابْتِذالِها (1) بعقدِ النِّكاحِ، والشَّناعَةِ (2) عليها بأنَّها رُدَّتْ رَغْبَةً عنها لدَناءَتِها، والشَّرْطُ الآخَرُ تعليق للنِّكاحِ على شَرْطٍ، فهو في (3) معنى الخِيارِ، ويَصِحُّ النِّكاحُ؛ لأنَّ النِّكاحَ يَصِحُّ في المجهُولِ، فلم يَفْسُدْ بالشَّرْطِ الفاسدِ، كالعِتقِ. وروَى ابنُ منصورٍ عن أحمدَ في هذا، أنَّ الشَّرْطَ والعقدَ جائِزان؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«المُسْلِمُونَ عَلى شُرُوطِهِم» (4) وذَكَر القاضِي في كتابِه «الرِّوايَتَين والوَجْهَين» : أمّا صِحَّةُ العقدِ، فلأنَّ اللَّفْظَ الذي يَقْتَضِي الدَّوامَ قد وُجِدَ، وإنَّما حَصَل الشَّرْطُ في المَهْرِ، فلم يُؤثِّرْ في العقدِ، وأمّا المَهْرُ، فإنها لَمَّا مَلَكَتْ فَسْخَ النِّكاحِ عندَ تَعَذُّر (5) تَسْلِيمِ المَهْرِ، جاز أن يُشتَرَطَ هذا
(1) في م: «ابتدائها» .
(2)
في الأصل: «البشاعة» .
(3)
سقط من: م.
(4)
تقدم تخريجه في 10/ 149. وانظر ما تقدم في 19/ 20.
(5)
بعده في الأصل: «عدم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المعنى في العقدِ، ولا يُؤثِّرَ فيه. والرِّوايةُ الأخْرَى، يَبْطُلُ العقدُ في هذا كُلِّه؛ لأنَّ النِّكاحَ لا يكونُ إلَّا لازِمًا، وهذا يُوجِبُ جَوازَه، ولأنَّه وَقَفَه على شَرْطٍ، ولا يجوزُ وَقْفُه على شَرْطٍ، كالبَيعِ. وهذا قولُ الشافعيِّ، ونحوُه عن مالِكٍ وأبي عُبَيدٍ.
فصل: فإن شَرَط الخِيارَ في الصَّداقِ خاصَّةً، لم يَفْسُدِ النِّكاحُ؛ لأنَّ النِّكاحَ يَنْفرِدُ عن ذِكْرِ الصَّداقِ، لا يَفْسُدُ النِّكاحُ بفَسادِهِ، فبأن لا يَفْسُدَ بشرطِ الخِيارِ فيه أوْلَى، بخِلافِ البَيعِ، فإنَّه إذا فَسَد أحدُ العِوَضَين فَسَد الآخَرُ. إذا ثَبَت هذا، ففي الصَّداقِ ثلاثةُ أوْجُهٍ؛ أحدُها، يَصِحُّ الصَّداقُ ويَبْطُلُ شَرْطُ الخِيارِ، كما يَفْسُدُ الشَّرْطُ في النِّكاحِ ويَصِحُّ النِّكاح. والثاني، يَصِحُّ، ويَثْبُتُ الخِيارُ فيه؛ لأنَّ عَقْدَ الصَّداقِ عَقْدٌ مُنْفَرِدٌ،