الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَنْهُ، لَا يَصِحُّ حَتَّى يَسْتَأَنِفَ نِكَاحَهَا بِإِذْنِهَا، فَإِنْ أَبَتْ ذَلِكَ فَعَلَيهَا قِيمَتُهَا.
ــ
3126 - مسألة: (وَعَنْهُ، لَا يَصِحُّ حَتَّى يَسْتَأَنِفَ نِكَاحَهَا بِإِذْنِهَا، فَإِنْ أَبَتْ ذَلِكَ فَعَلَيهَا قِيمَتُهَا)
قال الأوْزَاعِيُّ: يَلْزمُها أن تَتَزَوَّجَه. ورَوَى المَرُّوذِيُّ عن أحمدَ، إذا أعْتَقَ أمَتَه، وجَعَل عِتْقَها صَداقَها، يُوَكِّلُ رجلًا يُزَوِّجُه. فظاهِرُ هذا أنَّه لم يَحْكُمْ بصِحَّةِ النِّكاحِ. قال أبو الخطَّابِ: هي الصحيحةُ. واخْتارَها القاضي، وابنُ عَقِيلٍ. وهو قولُ أبي حنيفةَ، والشافعيِّ، ومالكٍ، لأنَّه لم يُوجَدْ إيجابٌ وقَبُولٌ، فلم يَصِحَّ لعَدَمِ أرْكانِه، كما لو قال: أعْتَقْتُكِ. وسَكَت، ولأنَّها بالعِتْقِ تَمْلِكُ نَفسَها،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيَجِبُ أن يُعْتَبَرَ رِضَاها، كما لو فَصَل بينَهما، ولأنَّ العِتْقَ يزِيلُ مِلْكَه عن الاسْتِمْتاعِ بحُكْمِ المِلْكِ، فلا يَجُوزُ أَن يَسْتَبِيحَ الوَطْءَ بنَفْسِ المُسَمَّى، فإنَّه لو قال: بِعْتُكَ هذه الأمَةَ على أن تُزَوِّجَنِيها بالثَّمَنِ. لم يَصِحَّ. ولَنا، ما روَى أنَسٌ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أعْتَقَ صَفِيَّةَ، وجَعَل عِتْقَها صَدَاقَها. مُتَّفَقٌ عليه (1). وفي لَفْظٍ: أعْتَقَها وتَزَوَّجَها. فقلتُ: يا أبا حَمْزَةَ، ما أصْدَقَها؟ قال: نَفْسَها، عِتْقها. وروَى الأثْرَمُ بإسْنادِه عن صَفِيَّةَ، قالتْ: أعْتَقَنِي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وجَعَل عِتْقِي صَدَاقِي (2). وبإسنْادِه عن علي، رضي الله عنه، أنَّه كان يقولُ: إذا أعْتَقَ الرجلُ أمَّ وَلَدِه، فجعَلَ عِتْقَها صَداقَها، فلا بَأْسَ بذلك. ومتى ثَبَت العِتْقُ صَداقًا، ثَبَت النِّكاحُ؛ لأنَّ (3) الصَّداقَ لا يَتَقَدَّمُ النِّكاحَ، ولو تَأَخَّرَ العِتْقُ عن النِّكاحِ لم يَجُزْ،
(1) تقدم تخريجه في صفحة 66.
(2)
أخرجه أبو يعلى، في: مسنده 13/ 35. والطبراني، في: المعجم الكبير 24/ 74. وانظر الإرواء 6/ 257، 258.
(3)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فدَلَّ على أنَّه انْعَقَدَ بهذا اللَّفْظِ، ولأنَّه لم يُنْقَلْ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه اسْتَأْنَفَ عَقْدًا، ولو اسْتَأْنَفَه لظَهَرَ، ونُقِلَ كما نُقِلَ غيرُه، ولأنَّ مَن جازَ له تَزْويجُ امرأةٍ لغيرِه مِن غيرِ قَرابَةٍ، جازَ له أن يَتَزَوَّجَها، كالإِمامِ. وقولُهم: لم يُوجَدْ إيجاب ولا قَبُولٌ. عَدِيمُ الأثَرِ، فإنَّه لو وُجِدَ لم يَحْكُموا بصِحَّتِه، وعلى أنَّه إن لم يُوجَدْ فقد وُجِدَ ما يَدُلُّ عليه، وهو جَعْلُ العِتْقِ صَداقًا، فأشْبَهَ ما (1) لو تَزَوَّجَ امرأةً هو وَلِيُّها، أو (2) قال الخاطِبُ للوَلِي: أزَوَّجْتَ؟ قال: نعم (3). عندَ أصْحابِنا، وكما لو أتَى بالكِناياتِ عندَ أبي حنيفةَ ومَن وافَقَه.
فصل: ولا فَرْقَ بينَ أن يقولَ: أعْتَقْتُكِ وجَعَلْتُ عِتْقَكِ صَداقَكِ، وتَزَوَّجْتُكِ. أو لا يقولَ: وتَزَوَّجْتُكِ. وكذلك قولُه: جَعَلْتُ عِتْقَكِ صَداقَكِ. أو (4): جَعَلْتُ صَداقَكِ عِتْقَكِ. كذلك ذَكَرَه الخِرَقِيُّ.
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في م: «ولو» .
(3)
بعده في م: «صح» .
(4)
في م: «و» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ونَصَّ أحمدُ في روايةِ صالحٍ: إذا قال: جَعَلْتُ عِتْقَكِ صَدَاقَكِ. أو: صَداقَكِ عِتْقَكِ. كلُّ (1) ذلك جائز. ويُشْتَرَطُ لصِحَّةِ النِّكاحِ أن لا يكونَ بينَهما فَصْلٌ، فلو قال: أعْتَقْتُكِ. وسَكَت سُكوتًا يُمْكِنُه الكلامُ فيه، أو تَكَلَّمَ بكلامٍ أجْنَبِيٍّ، لم يَصِحَّ النِّكاحُ؛ لأنَّها صارتْ بالعِتْقِ حُرَّةً، فتَحْتاجُ (2) أن يَتَزَوَّجَها برِضَاها بعَقْدٍ وصَداقٍ جديدٍ. ولا بُدَّ مِن حُضُورِ شاهِدَين إذا قُلْنا باشْتِراطِ الشَّهادَةِ في النِّكاحِ. نصَّ على ذلك في رِوايةِ الجماعةِ؛ لقولِه:«لا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِي وَشَاهِدَينِ» (3).
فصل: وإذا قُلْنا بصِحَّةِ النَّكاحِ، فطَلَّقَها قبلَ الدُّخولِ، رَجَع عليها
(1) في م: «كان» .
(2)
بعده في م: «إلى» .
(3)
أخرجه الطبراني، في: المعجم الكبير 11/ 155. عن ابن عباس، وعزاه له الهيثمي في الأوسط والكبير عن أبي موسى، وضعف إسنادهما. مجمع الزوائد 4/ 286.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بنِصْفِ قِيمَتِها؛ لأنَّ الطَّلاقَ قبلَ الدُّخولِ يُوجِبُ الرُّجُوعَ في نِصْفِ ما فَرَض لها، وقد فَرَض لها نَفْسَها، ولا سَبِيلَ إلى الرُّجُوعِ في الرِّقِّ بعدَ زَوالِه، فرَجَعَ بنِصْفِ قِيمَةِ نَفْسِهَا. وبهذا قال الحسنُ، والحَكَمُ (1). وقال الأوْزاعِيّ: يَرْجِعُ بقِيمَتِها (2). ولَنا، أنَّه طَلان قبلَ الدُّخُولِ، فأوْجَبَ الرُّجُوعَ بالنِّصْفِ، كسائِرِ الطَّلاقِ. وتُعْتَبَرُ القِيمَةُ حالةَ الإِعْتاقِ؛ لأنَّها حالةُ الإِتْلافِ. فإن لم تَكُنْ قادِرَةً على نِصفِ القِيمَةِ، فهل تُسْتَسْعَى فيها،
(1) في م: «الحاكم» .
(2)
في المغني 9/ 455: «بربع قيمتها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو تكونُ دَينًا تُنْظرُ به إلى حالةِ القُدْرَةِ؟ على رِوايَتَين. وإن قُلْنا: إنَّ النِّكاحَ لا يَنْعَقِدُ بهذا القولِ. فعليها قِيمَةُ نَفْسِها؛ لأنَّه أزال مِلْكَه بعِوَضٍ لم يُسَلَّمْ له، فرَجَعَ إلى قِيمَةِ المُفَوَّتِ، كالبَيعِ الفاسِدِ. وكذلك إن قُلْنا: إنَّ النِّكاحَ انْعَقَدَ به. فارْتَدَّتْ [قبلَ الدُّخُولِ](1)، أو فَعَلَتْ ما يَنْفَسِخُ به نِكاحُها، مثلَ أن أرْضَعَتْ زَوْجَةً له صغيرةً، ونحو ذلك، انْفَسَخَ نِكاحُها، وعليها قِيمَةُ نَفْسِها.
(1) في م: «قبله» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإن قال لأمَتِه: أعْتَقْتُكِ على أن تُزَوِّجِينِي نَفْسَكِ، ويَكُونَ عِتْقُكِ صَداقَكِ. أو لم يَقُلْ: ويكونَ عِتْقُكِ صَداقَكِ (1). فَقَبِلَتْ، عَتَقَتْ، ولم يَلْزَمْهَا أن تُزَوِّجَه نَفْسَها؛ لأنَّه سَلَفٌ في نِكاحٍ، فلم يَلْزَمْها، كما لو أسْلَفَ حُرَّةً ألْفًا على أن يَتَزَوَّجَها، ولأنَّه أسْقَطَ حُقها (2) مِن الخِيارِ قبلَ وُجُودِ سَبَبِه، فلم يَسْقُطْ، كالشَّفِيعِ يُسْقِطُ شُفْعَتَه قبلَ البَيعِ. ويَلْزَمُها قِيمَةُ نَفْسِها. أوْمَأ إليه أحمدُ في رِوايةِ عبدِ اللهِ. وهو مذهبُ الشافعيِّ؛ لأنَّه أزال مِلْكَه منها بشَرْطِ عِوَض لم يُسَلَّمْ له (1)، فاسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ بقِيمَتِه، كالبَيعِ الفاسدِ إذا تَلِفَتِ السِّلْعَةُ في يَدِ المُشْتَرِي،
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «حقه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والنِّكاحِ الفاسدِ إذا اتَّصَلَ به الدُّخُولُ. ويَحْتَمِلُ أن لا يَلْزَمَها شيءٌ، بِناءً على ما إذا قال لعَبْدِه: أعْتَقْتُكَ على أن تُعْطِيَنِي ألْفًا. وهذا قولُ مالكٍ، وزُفرَ؛ لأنَّ هذا ليس بلَفْظِ شَرْطٍ، فأشْبَهَ ما لو قال: أعْتَقْتُكِ، وزُوِّجِينِي نَفْسَكِ. وتُعْتَبَرُ القِيمَةُ حالةَ العِتْقِ، ويُطالِبُها في الحالِ إن كانت قادِرةَ عليها. وإن كانت مُعْسِرَةً، فهل تُنْظرُ إلى المَيسَرَةِ أو تُجْبَرُ على الكَسْبِ؟ على وَجْهَين، أصْلُهما في المُفْلِسِ هل يُجْبَرُ على الكَسْبِ؟ على رِوايتَين (1).
فصل: وإنِ اتَّفَقَ السَّيِّدُ والأمَةُ على أن يُعْتِقَها وتُزَوِّجَه نَفْسَها، فتَزَوَّجَها على ذلك، صَحَّ، ولا مَهْرَ لها غيرَ ما شرَط مِن العِتْقِ. وبه قال أبو يُوسُفَ. وقال أبو حنيفةَ، والشافعيُّ: لا يكونُ العِتْقُ صَداقًا، لكنْ إن تَزَوَّجَها على القِيمَةِ التي له (2) في ذِمَّتِها، وهما يَعْلَمان القِيمَةَ، صَحَّ الصَّداقُ. ولَنا، أنَّ العِتْقَ صَلَح (3) صَدَاقًا في حَقِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فيَجُوزُ في حَقِّ أُمَّتِه، كالدَّراهِمِ، ولأنَّه يَصْلُحُ عِوَضًا في البَيعِ، فإنَّه لو قال: أعْتِقْ عَبْدَكَ على ألفٍ. جازَ، فلأنْ يكونَ عِوَضًا في النِّكاحِ أوْلَى؛ فإنَّ النِّكاحَ لا يُقْصَدُ فيه العِوَضُ. وعلى هذا، لو تَزَوَّجَها على أن يُعْتِقَ أَبَاها، صَحَّ. نَصَّ عليه أحمدُ في رِوايةِ عبدِ اللهِ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّ العِتْقَ يَصِيرُ صَدَاقًا،
(1) انظر ما تقدم في 13/ 339 - 342.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كما لو دَفَع إليها مالًا ثم تَزَوَّجَها عليه. فإن بَذَلَتْ له نَفْسَها ليَتَزَوَّجَها فامْتَنَعَ، لم يُجْبَرْ، وكانت له القِيمَةُ؛ لأنَّها إذا لم تُجْبَرْ على تَزْويجِه نَفْسَها، لم يُجْبَرْ هو على قَبُولِها. وحُكْمُ المُدَبَّرَةِ والمُعَلَّقِ عِتْقُها بصِفَةٍ (1) وأُمِّ الوَلَدِ، حُكْمُ الأمَةِ القِنِّ في جَمِيعِ ما ذَكَرْناه.
فصل: ولا بَأْسَ أن يُعْتِقَ الرَّجلُ الأمَةَ ثم يَتَزَوَّجَها، سواءٌ أعْتَقَها لوَجْهِ الله تعالى، أو أعْتَقَها ليتَزَوَّجَها. وكَرِهَ أنَسٌ تَزَوُّجَ (2) مَن أعْتَقَها لوَجْهِ اللهِ تعالى. قال الأثْرَمُ: قلتُ لأبي عبدِ اللهِ: روَى شُعْبَة، عن قَتادَةَ، عن أنَسٍ، أنَّه كَرِه أن يُعْتِقَ الأمَةَ ثم يَتَزوَّجَها (3)؟ قال: نعم، ذاكَ إذا أعْتَقَها للهِ، كَرِهَ أن يَرْجعَ في شيءٍ منها (4). ولَنا، ما روَى أبو موسى، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَت عِنْدَهُ جَارِيَة، فَعَلَّمَهَا، وَأَحسَنَ إلَيهَا، ثُمَّ أعتَقَهَا، وَتَزَوَّجَهَا، فَذَلِكَ لَهُ أجْرَانِ» . مُتَّفَقٌ عليه (5). ولأنَّه إذا
(1) في الأصل: «على صفة» .
(2)
في م: «تزويج» .
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة، في: المصنف 4/ 157.
(4)
سقط من: م.
(5)
أخرجه البخاري، في: باب تعليم الرجل أمته وأهله، من كتاب العلم، وفي: باب فضل من أدب جاريته وعلمها، من كتاب العتق، وفي: باب فضل من أسلم من أهل الكتابين؛ من كتاب الجهاد، وفي: باب: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} ، من كتاب الأنبياء، وفي: باب اتخاذ السراري ومن أعتق جاريته ثم تزوجها، من كتاب النِّكَاح. صحيح البخاري 1/ 35، 3/ 195، 4/ 74، 204، 7/ 7. ومسلم، في: باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. . . .، من كتاب الإيمان. صحيح مسلم 1/ 134، 135.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في الرجل يعتق أمته ثم يتزوجها، من كتاب النِّكَاح. سنن أبي داود 1/ 473. وابن ماجة، في: باب الرجل يعتق أمته ثم يتزوجها، من كتاب النِّكَاح. سنن ابن ماجة 1/ 629. والدارمي، في: باب فضل من أعتق أمة ثم تزوجها، من كتاب النِّكَاح. سنن الدارمي 2/ 154، 155. والإمام أحمد، في: =
فَصْلٌ: الرَّابِعُ، الشَّهَادَةُ. فَلَا يَنْعَقِدُ إلا بِشَاهِدَينِ عَدْلَين ذَكَرَينِ، بَالِغَينِ، عَاقِلَينِ، وَإنْ كَانَا ضَرِيرَينِ.
ــ
تَزَوَّجَها، فقد أحْسَنَ إليه بإعْفافِها (1) وصِيانَتِها، فلم يُكْرَهْ، كما لو زَوَّجَها غيرَه، وليس في هذا رُجُوعٌ فيما جُعِلَ للهِ؛ فإنَّه إنَّما يَتَزَوَّجُها بصَداقِها، فهو بمَنْزِلَةِ مَنِ اشْتَرَى منها شيئًا.
فصل: وإذا قال: أعْتِقْ عَبْدَكَ على أن أُزَوِّجَكَ ابْنَتِي. فأعْتَقَه، لم يَلْزَمْه أن يُزَوِّجَه ابْنَتَه (2)؛ لأنَّه سَلَفٌ في نِكاح، وعليه قِيمَةُ العبدِ (3). وقال الشافعيُّ في أحَدِ القَوْلَين: لا يَلْزَمُه شيء؛ لأنَّه لا فائدةَ له في العِتْقِ. ولَنا، أنَّه أزَال مِلْكَه عن عَبْدِه بعِوَض شَرَطَه، فلَزِمَه عِوَضُه، كما لو قال: أعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي وعليَّ ثَمَنُه. وكما لو قال: طَلِّقْ زَوْجَتَكَ و (4) عليَّ ألْفٌ. فطَلَّقَها. أو: ألْقِ مَتاعَكَ في البَحْرِ وعليَّ ثَمَنُه. وبهذه الأُصُولِ يَبْطُلُ قَوْلُهم: إنَّه لَا فائِدَةَ له في العِتْقِ.
فصل: قال، رضي الله عنه:(الرَّابِعُ، الشَّهَادَةُ. فَلَا يَنْعَقِدُ إلا بِشَاهِدَينِ عَدْلَين ذَكَرَينِ بَالِغَينِ عَاقِلَينِ، وَإنْ كَانَا ضَرِيرَينِ) المشْهُورُ عن أحمدَ،
= المسند 4/ 395، 398، 402، 414.
(1)
في الأصل: «بإعتاقها» .
(2)
في الأصل: «ابنه» .
(3)
في م: «عبد» .
(4)
سقطت الواو من النسختين، وانظر المغني 9/ 459.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رحمه الله، أنَّ الشَّهادَةَ شرْطٌ لصِحَّةِ النِّكاحِ. رُوِيَ ذلك عن عمرَ، وعليٍّ. وهو قولُ ابنِ عباسٍ، وسعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، وجابِرِ بنِ زيدٍ، والحسنُ بنُ عليٍّ، وابنُ الزُّبَيرِ، وسالمٌ وحَمْزَةُ ابْنَا ابنِ عمرَ. وبه قال عبدُ اللهِ بنُ إدْرِيسَ (1)، وعبدُ الرحمنِ بنُ مَهْدِيٍّ، ويزيدُ بنُ هارونَ، والحسنِ، والنَّخَعِيِّ، وقَتادَةَ، والثَّوْرِيُّ، والأوْزاعِيِّ، والشافعيِّ، وأصحابِ الرَّأْي. وعن أحمدَ، أنَّه يَصِحُّ بغيرِ شُهُودٍ. فَعَلَه ابنُ عمرَ، والعَنْبَرِيُّ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ. وهو قولُ الزُّهْرِيِّ، ومالكٍ، إذا أعْلَنُوه. قال ابنُ المُنْذِرِ: لا يَثْبُتُ في الشَّاهِدَين في النِّكاحِ خبَرٌ. وقال ابنُ عبدِ البَرِّ (2): وقد رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِي وشَاهِدَينِ عَدْلَينِ» . مِن حديثِ ابنِ عباس، وأبي هُرَيرَةَ، وابنِ عمرَ (3)، إلَّا أنَّ في نَقَيَةِ ذلك ضَعْفًا، فلم أذْكُرْه. قال ابنُ المُنْذِرِ: وقد أعْتَقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم صَفِيَّةَ بنتَ حُيَيٍّ وتَزَوَّجَها بغيرِ شُهودٍ (4). قال أنَسُ بنُ مالِكٍ: اشْتَرَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جارِيَةً بسَبْعَةِ أرْؤُسٍ، قال النَّاسُ: ما نَدْرِي أتَزَوَّجَها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أم جَعَلَها أُمَّ وَلَدٍ؟ فلمَّا أرادَ
(1) عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن أبو محمد الأودي الكوفي، الإمام الحافظ المقرئ القدوة، شيخ الإسلام، كان عابدًا فاضلًا ثقة، كان يسلك في كثير من فتياه مسلك أهل المدينة، توفي سنة اثنتين وتسعين ومائة. سير أعلام النبلاء 9/ 42 - 48.
(2)
في: التمهيد 19/ 89.
(3)
حديث ابن عباس وابن عمر أخرجهما الدارقطني، في: سننه 3/ 221، 222، 225. وحديث أبي هريرة عزاه الهيثمي للطبراني في الأوسط وقال: وفيه سليمان بن أرقم وهو متروك. مجمع الزوائد 4/ 286.
(4)
انظر تخريج حديث أنس صفحة 66.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أن يَرْكَبَ حَجَبَها، فَعلِمُوا أنَّه تَزَوَّجَها. مُتَّفَقٌ عليه (1). قال: فاسْتَدَلُّوا على تَزْويجها بالحِجَابِ. وقال يزيذ بنُ هارونَ: أمَرَ الله بالإِشْهادِ في البَيعِ دُونَ النِّكَاحَ، فاشْتَرَطَ أصحابُ الرَّأْي الشَّهادَةَ للنِّكاحِ (2)، ولم يَشْتَرِطُوها للبَيعَ (3)! ووَجْهُ الأُولَى أنَّه قد رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ، وشَاهِدَي عَدْلٍ» . رَواه الخَلَّالُ بإسْنادِه (4). وروَى الدَّارَقُطنيُّ (5) عن عائشةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«لَابُدَّ في النِّكَاحِ مِنْ أرْبَعَةٍ؛ الوَلِي، والزَّوْجُ، والشَّاهِدَانِ» . ولأنَّه يَتَعَلَّقُ به حَقُّ غيرِ (6) المُتَعاقِدَين، وهو الوَلَدُ، فاشْتُرِطَتِ الشَّهادَةُ فيه؛ لئلَّا يَجْحَدَه أَبُوه، فيَضِيعَ نَسَبُه، بخِلافِ البَيعِ. فأمَّا نِكاحُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بغيرِ وَلِيٍّ ولا شُهودٍ، فمِن خَصائِصِه في النِّكاحِ، فلا يُلْحَقُ به غيرُه.
فصل: ويُشْتَرَطُ في الشُّهودِ الذّكُورِيَّةُ، والعَدالةُ، والعَقْلُ،
(1) تقدم تخريجه في صفحة 66.
(2)
في م: «في النكاح» .
(3)
في م: «في البيع» .
(4)
عزاه الهيثمي للطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس. مجمع الزوائد 4/ 286 وأخرجه عنه البيهقي السنن الكبرى 7/ 124. وصحح وقفه.
(5)
تقدم تخريجه في صفحة 231.
(6)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والبُلُوغُ، والإِسْلامُ، فأمَّا الذّكُورِيَّةُ، فقال أحمدُ: إذا تَزَوَّجَ بشَهادَةِ نِسْوَةٍ، لم يَجُزْ ذلك؛ لما روَى أبو عُبَيدٍ (1) في «الأمْوالِ» عن الزُّهْرِيِّ، قال: مَضَتِ السُّنَّةُ مِن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن لا تَجُوزَ شَهادَةُ النِّساءِ في الحُدُودِ، ولا في النِّكاحِ، ولا في الطَّلاقِ. ولأنَّه عَقْدٌ ليس بمالٍ، ولا المَقْصُودُ منه المال، ويَطَّلِعُ عليه الرِّجالُ في غالِبِ الأحْوالِ، فلم يَثْبُتْ بشَهادَتِهِنَّ كالحُدُودِ. الثاني، العَدالةُ، وفي انْعِقادِ النِّكَاحِ بشهادَةِ الفاسِقَين رِوايتَان؛ إحْدَاهما، لا يَنْعَقِدُ. وهو مذهبُ الشَّافعيِّ؛ للخَبَرِ. ولأنَّ النِّكاحَ لا يَثْبُتُ بشَهادَتِهما، فلم يَنْعَقِدْ بحُضُورِهما، كالمَجْنُونَين. والثانيةُ، يَنْعَقِدُ بشَهادَتِهما. وهو قولُ أبي حنيفةَ؛ لأنَّه تَحَمُّلٌ، فصَحَّتْ مِن الفاسِقِ، كسائرِ التَّحَمُّلاتِ. وعلى كلتا الرِّوَايتَين لا تُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ العَدالةِ، بل يَنْعَقِدُ بشَهادَةِ مَسْتُورِي الحالِ؛ لأنَّ النِّكاحَ يكونُ في القُرَى والبَوادِي، وبينَ عامَّةِ النَّاسِ ممَّن (2) لا يَعْرِفُ حقيقةَ العَدالةِ، فاعْتِبارُ ذلك يَشُقُّ، فاكْتُفِيَ بظاهرِ الحالِ، وكَوْنِ الشَّاهِدِ مَسْتُورًا لم يَظْهَرْ فِسْقُه، فإن تَبَيَّنَ بعدَ العَقْدِ أنَّه كان فاسِقًا، لم يُؤثِّرْ في العَقْدِ؛ لأنَّ الشَّرْطَ العَدَالةُ ظاهِرًا، وهو أن لا يكونَ ظاهِرَ الفِسْقِ، وقد تَحَقَّقَ ذلك. وقيل: نَتَبَيَّنُ أنَّ النِّكَاحَ كان فاسِدًا؛ لعَدَمِ الشَّرْطِ. ولا يَصِحُّ؛ لأنَّه لو كانتِ العَدالةُ
(1) وأخرجه ابن أبي شيبة، في: المصنف 10/ 58 مختصرًا. وانظر نصب الراية 4/ 79، وتلخيص الحبير 4/ 207.
(2)
في م: «مما» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الباطِنَ شَرطًا، لَوَجَبَ الكَشْفُ عنها؛ لأنَّه مع الشّكِّ فيها يكونُ الشَّرْطُ مَشْكُوكًا فيه، فلا يَنعَقِدُ (1) النِّكاحُ، ولا تَحِلُّ المرأةُ مع الشَّكِّ في صِحَّةِ نِكَاحِها. وإن حَدَث الفِسْقُ فيهما، لم يُؤثِّرْ في صِحَّةِ النِّكاحِ؛ لأنَّ الشَّرْطَ إنَّما يُعْتَبَرُ حالةَ العَقْدِ. ولو أقَرَّ رجلٌ وامرأة أنَّهما نَكَحَا بوَلِيٍّ وشاهِدَيْ عَدْلٍ، قُبِلَ منهما، وثَبَت النَّكاحُ بإقْرارِهما (2). الثالثُ العَقْلُ، فلا يَنْعَقِدُ بشَهادَةِ مَجْنُونَين ولا طِفْلَين؛ لأنَّهما ليسا مِن أهلِ الشَّهادَةِ، ولا لهما قولٌ يُعْتَبَرُ. الرابعُ البُلُوغُ، فلا يَنْعَقِدُ بشهادةِ صَبِيَّين؛ لأنَّهما ليسا مِن أهلِ الشَّهادَةِ، أشْبَها الطِّفْلَ. (و) عنه، أنَّه يَنْعَقِدُ بشَهادَةِ (مُراهِقَين عاقِلَين) بِناءً على أنَّهما مِن أهلِ الشَّهادَةِ. الخامسُ، الإِسْلامُ، فلا يَنْعَقِدُ النَّكاحُ بشهادةِ كافِرَين، سَواءٌ كان الزَّوْجان مُسْلِمَين، أو الزَّوْجُ مُسْلِمًا وحدَه. نَصَّ عليه أحمدُ. وهو قولُ الشافعِيِّ. وقال أبو حنيفةَ: إذا كانتِ المرأةُ ذِمِّيَّةً، صَحَّ بشَهادَةِ ذِمِّيَّين. ويَتَخرَّجُ لنا مثلُ ذلك، بِناءً على الرِّوايةِ التي تقولُ بقَبُولِ شَهادَةِ بعضِ أهلِ الذِّمَّةِ على بعض. والأوَّلُ أصَحُّ؛ لما رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ، وشَاهِدَيْ عَدْلٍ» . ولأنَّه نِكاحُ مُسْلِم، فلم يَنْعَقِدْ بشهادةِ ذِمِّيَّين، كنِكاحِ المُسْلِمَين.
(1) في م: «ينقد» .
(2)
في م: «بشهادتهما» .