الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ غَابَ غَيبَةً مُنْقَطِعَةً زَوَّجَ الْأَبْعَدُ، وَهِيَ مَا لَا تُقْطَعُ إلا بكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ. وَقَال الخرَقِيُّ: مَا لَا يَصِلُ إلَيهِ الْكِتَابُ، أوْ يَصِلُ فَلَا يُجِيبُ عَنْهُ. وَقَال الْقَاضِي: مَا لَا تَقْطَعُهُ
ــ
كان مَكْرُمَةً في الدُّنْيَا، أو تَقْوَى عندَ اللهِ، كان أوْلَاكُم به رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم (1). يَعْنِي غُلُوَّ الصَّداقِ. فإن رَعبَتْ في رجلٍ بعَينِه، وهو كُفْءٌ، فأرادَ تَزْويجَها لغيرِه مِن اكْفَائِها، وامْتَنَعَ مِن تَزْويجِها مِن الذي أرادَتْه، كان عاضِلًا لها. فإن طَلَبَتِ التَّزْويجَ بغيرِ كُفْءٍ، فله مَنْعُها منه، ولا يكونُ عاضِلًا بذلك؛ لأنَّها لو زُوِّجَتْ بغيرِ كُفْئِها كان له فَسْخُ النِّكاحِ، فلأنْ يَمْنَعَ منه ابْتِداءً أوْلَى.
3113 - مسألة: (وإن غاب غَيبَةً مُنْقَطِعَةً زَوَّجَ الأبعَدُ، وهي ما لا تُقْطَعُ إلَّا بكُلْفَةٍ ومَشَقَّةٍ، في ظاهِرِ كَلامِ أحمدَ. وقال الخِرَقِيُّ: مَا لَا يَصِلُ إلَيهِ الكِتابُ، أو يَصِلُ فلا يُجِيبُ عنه. وقال القاضي: ما لا تَقْطَعُه
= والإمام أحمد، في: المسند 3/ 445. وضعفه في الإرواء 6/ 346، 347.
(1)
أخرجه أبو داود، في: باب الصداق، من كتاب النكاح. سنن أبي داود 1/ 485، 486. والترمذي، في: باب ما جاء في مهور النساء، من أبواب النكاح. عارضة الأحوذي 5/ 36. والنسائي، في: باب القسط في الأصدقة، من كتاب النكاح. المجتبى 6/ 96. والدارمي، في: باب كم كانت مهور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته، من كتاب النكاح. سنن الدارمي 2/ 141. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 41، 48.
الْقَافِلَةُ فِي السَّنَةِ إلا مَرَّةً. وَعَنْ أَحْمَدَ، رحمه الله، إِذَا كَانَ الْأبُ بَعِيدَ السَّفَرِ، زَوَّجَ الْأَبْعَدُ. فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ.
ــ
القافِلَةُ في السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً. وقد قال أحمدُ: إذَا كان الأبُ بَعِيدَ السَّفَرِ، زَوَّجَ الأبْعَدُ) قال أبو الخَطَّابِ:(فيَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ) بالسَّفَرِ البَعِيدِ (ما تُقْصَرُ فيه الصلاةُ) الكلامُ في هذه المسألةِ في (1) أمْرَين؛ أحَدُهما، أنَّ الأقْرَبَ إذا غاب غَيبَةً مُنْقَطِعَةً، زَوَّجَ الأبعَدُ دُونَ الحاكمِ. وبهذا قال أبو حنيفةَ. وقال الشافعيُّ: يُزَوِّجُها الحاكمُ؛ لأنَّه تَعَذَّرَ الوُصُولُ إلى النِّكاحِ مِن الأقْرَبِ مع بَقاءِ ولايَتِه، فيَقُومُ الحاكمُ مَقَامَه، كما لو عَضَلَها، ولأنَّ الأبعَدَ مَحْجُوبٌ بولايةِ الأقْرَبِ، فلا يَجُوزُ له التَّزْويجُ، كما لو كان حاضِرًا، ودَلِيلُ بَقاءِ ولايَتِه أنَّه لو زَوَّجَ مِن حيثُ هو أو وَكَّلَ، صَحَّ. ولَنا، قولُه عليه الصلاة والسلام:«السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ (2)» .
(1) في م: «من» .
(2)
في م: «لها» . والحديث تقدم تخريجه في 6/ 311، 312.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهذه لها وَلِيٌّ، فلا يكونُ السُّلطانُ وَلِيًّا لها، ولأنَّ الأقْرَبَ تَعَذَّرَ حُصُولُ التَّزْويجِ منه، فتَثْبُتُ الولايةُ لمَن يَلِيه مِن العَصَباتِ، كما لو جُنَّ أو مات، ولأنَّها حالةٌ يَجُوزُ فيها التَّزْويجُ لغيرِ الأقْرَبِ، فكان ذلك للأبْعَدِ، كالأصْلِ، وإذا عَضَلَها فهي كمَسْألَتِنا.
الفصل الثاني: في الغَيبَةِ المُنْقَطِعَةِ التي يَجُوزُ للأبْعَدِ التَّزْويجُ في مِثْلِها. ففي قولِ الخِرَقِيِّ: هي ما لا يَصلُ إليه الكتابُ، أو يَصلُ فلا يُجِيبُ عنه؛ لأنَّ مثلَ هذا تَتَعَذَّرُ مُراجَعَتُه بالكُلِّيَّةِ، فتكونُ مُنْقَطِعَةً، أي تَنْقَطِعُ عن إمْكانِ تَزْويجِها. وقال القاضي: يَجِبُ أن يكونَ حَدُّ المسَافَةِ أن لا ترَدَّدَ القَوافِلُ فيه في السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً؛ لأنَّ الكُفْءَ يَنْتَظِرُ سنةً ولا يَنْتَظِرُ أكثرَ منها، فيَلْحَقُ الضَّرَرُ بتَرْكِ تَزْويجِها. وقد قال أحمدُ في موضِعٍ: إذا كان الأبُ بعيدَ السَّفَرِ، يُزَوِّجُ الأبعَدُ (1). فيَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ ما تُقْصَرُ فيه (2) الصَّلاةُ؛ لأنَّ ذلك هو السَّفَرُ البعيدُ الذي عُلِّقَتْ عليه الأحْكامُ. وذَهَب (3) أبو بكرٍ [أنَّ حَدَّها] (4) ما لا يُقْطَعُ إلَّا بكُلْفَةٍ ومَشَقَّةٍ؛ لأنَّ أحمدَ قال: إذا لم يَكُنْ
(1) في م: «الأخ» .
(2)
في الأصل: «إليه» .
(3)
في م: «ذكر» .
(4)
في م: «وجوها أحدها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَلِيٌّ حاضِرٌ مِن عَصَبَتِها، كَتَب إليهم حتى يَأْذَنُوا، إلَّا أن تكونَ غَيبَةً مُنْقَطِعَةً لا تُدْرَكُ إلَّأ بكُلْمْةٍ ومَشَقَّةٍ، فالسُّلْطانُ وَلِيُّ مَن لا وَلِيَّ له. قال شيخُنا (1): وهذا القولُ، إن شاءَ اللهُ، أقْرَبُها إلى الصَّوابِ، فإن التَّحْدِيداتِ بابُها التَّوْقِيفُ، ولا تَوْقِيفَ في هذه المسألةِ، فتُرَدُّ إلى ما يَتَعارَفُه النَّاسُ بينَهم، ممَّا لم تَجْرِ العادَةُ بالانْتِظارِ فيه، ويَلْحَقُ المرأةَ الضَّرَرُ بمَنْعِها مِن التَّزْويجِ في مثلِه، فإنَّه يَتَعَذَّرُ في ذلك الوُصُولُ إلى المَصْلَحَةِ مِن نَظَرِ الأقْرَبِ، فيكونُ كالمَعْدُومِ، والتَّحْدِيدُ بالعَامِ كثيرٌ؛ فإنَّ الضَّرَرَ يَلْحَقُ بالانْتِظَارِ في مثلِ ذلك، ويَذْهَبُ الخاطِبُ، ومَن لا يَصِلُ منه كِتاب أبْعَدُ،
(1) في: المغني 9/ 386.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومَن هو على مَسافَةِ القَصْرِ (1) لا تَلْحَقُ المَشَقَّةُ بمُكاتَبَتِه، فكان التَّوَسُّطُ أوْلَى. واخْتَلَفَ أصحابُ أبي حنيفةَ في الغَيبَةِ المُنْقَطِعَةِ، فقال بعضُهم كقوْلِ القاضي، وبعضُهم قال: مِن الرَّيِّ إلى بَغْدادَ. وقال بعضُهم: مِن الرَّقَّةِ إلى البَصْرةِ. وهذان القَوْلان يُشْبِهان قولَ أبي بكرٍ. واخْتَلَفَ أصحابُ الشافعيِّ في الغَيبَةِ المنقطعةِ (2) التي يُزَوِّجُ فيها الحاكمُ، فقال بعضُهم: مسافةُ القَصْرِ. وقال بعضُهم: يُزَوِّجُها الحاكمُ وإن كان الوَلِيُّ قرِيبًا. وهو مَنْصُوصُ الشافعيِّ. وظاهِرُ كلامِ أحمدَ، أنَّه إذا كانتِ الغَيبَةُ غيرَ مُنْقَطِعَةٍ، أنَّه يُنْتَظَرُ ويُراسَلُ حتى يَقْدَمَ أو يُوَكِّلَ.
فصل: فإن كان القريبُ أسِيرًا أو مَحْبوسًا في مسافَةٍ قَرِيبَةٍ، لا تُمْكِنُ مُراجَعَتُه، فهو كالبَعِيدِ، فإنَّ [البَعِيدَ لا](3) يُعْتَبَرُ لعَينِه، بل لتَعَذُّرِ الوُصُولِ إلى التَّزْويجِ بنَظَرِه، وهذا مَوْجُودٌ ههُنا، وكذلك إن كان
(1) سقط من: م.
(2)
زيادة من: الأصل.
(3)
في م: «البعد لم» .