الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا زَوَّجَ الْأبْعَدُ مِنْ غَيرِ عُذْرٍ لِلْأَقْرَبِ، أَوْ زَوَّجَ أَجْنَبِيٌّ، لَمْ يَصِحَّ. وَعَنْهُ، يَصِحُّ وَيَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَلِيِّ.
ــ
3117 - مسألة: (وإذا زَوَّجَ الْأبْعَدُ مِنْ غَيرِ عُذْرٍ لِلْأَقْرَبِ، أَوْ زَوَّجَ أَجْنَبِيٌّ، لَمْ يَصِحَّ. وَعَنْهُ، يَصِحُّ وَيَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَلِيِّ)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الكلامُ في هذه المسْألةِ في فصْلَين؛ أحدُهما، أنَّه إذا زَوَّجَها الأبْعَدُ مع حُضُورِ الأقْرَبِ، وأجابَتْه إلى تَزْويجِها مِن غيرِ إذْنِه، لم يَصِحَّ. وبهذا قال الشافعيُّ. وقال مالكٌ: يَصِحّ؛ لأنَّ هذا وَلِيٌّ، فصَحَّ أن يُزَوِّجَها بإذْنِها كالأقْرَبِ. ولَنا، أنَّ هذا مُسْتَحَقٌّ بالتَّعْصِيبِ، فلم يَثْبُتْ للأبْعَدِ مع وُجُودِ الأقْرَبِ، كالمِيراثِ، وبهذا فارَقَ القَرِيبُ البعيدَ. الفصلُ الثاني، أنَّ هذا العَقْدَ يَقَعُ فاسِدًا، لا يَقِفُ على الإجازَةِ، ولا يَصِيرُ بالإِجازَةِ صَحِيحًا، وكذلك الحكمُ إذا زَوَّجَ الأجنَبِيُّ، أَو زُوِّجَتِ المرأةُ المُعْتَبَرُ إذْنُها بغيرِ إذْنِها، أو تَزَوَّجَ العَبْدُ بغيرِ إذْنِ سَيِّدِه، فالنِّكاحُ في هذا كلِّه باطِلٌ، في أصَحِّ الرِّوايَتَين. نصَّ عليه أحمدُ في مَواضِعَ. وهذا قولُ الشَّافعيِّ، وأبي عُبَيدٍ، وأبي ثَوْرٍ. وعن أحمدَ رِوايةٌ أُخرَى، أنَّه يَقِفُ على الإِجازَةِ؛ فإن أجازَه، جاز، وإن لم [يُجِزْه، فَسَد. قال أحمدُ في صَغيرٍ زَوَّجَه عَمُّه: فإن رَضِيَ به في وَقْتٍ مِن الأوْقاتِ، جازَ، وإن لم](1) يَرْضَ، فَسَخ. وإذا زُوِّجَتِ اليَتِيمَةُ، فلها الخيارُ إذا بَلَغَتْ. وقال: إذا تَزَوَّجَ (2) العَبْدُ بغيرِ إذْنِ سَيِّدِه، ثم عَلِم السَّيِّدُ، فإن شاء أن يُطَلِّقَ عليه، فالطَّلاقُ بيَدِ السَّيِّدِ،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: «زوج» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإن أَذِنَ في التَّزْويجِ فالطَّلاقُ بيَدِ العَبْدِ. وهذا قولُ أصحابِ الرَّأْي، في كُلِّ مَسْألَةٍ يُعْتَبَرُ فيها الإِذْنُ. ورُوِيَ ذلك في النِّكاحِ بغيرِ وَلِيٍّ عن عليِّ بنِ أبي طالِبٍ، رضي الله عنه، [وعنِ ابنِ سِيرِينَ](1)، والقاسمِ بنِ محمدٍ، والحسنِ بنِ صالحٍ، وإسحاقَ، وأبي يوسفَ، ومحمدٍ؛ لِما رُوِيَ أنَّ جارِيَة بِكْرًا أتَتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فذَكَرَتْ له (2) أنَّ أباها زَوَّجَها وهي كارِهَةٌ، فخَيَّرَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم. رَواه أبو داودَ، وابنُ ماجة (3). ورُوِيَ أنَّ فَتاةً جاءَتْ إِلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالتْ: إنَّ أبي زَوَّجَنِي من ابنَ أخِيه، ليَرْفَعَ بي خَسِيسَتَه (4). قال: فجَعَلَ الأمْرَ إليها. فقالت: قد أجَزْتُ ما صَنَع أبي، ولكنْ أرَدْتُ أن أعْلَمَ أنَّ للنِّساءِ مِن الأمْرِ شيئًا (5). ولأنَّه عَقْدٌ يَقِفُ على الفَسْخِ، فوَقَفَ على الإِجازَةِ، كالوَصِيَّةِ. ووَجْهُ الأُولَى قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«أَيَّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيرِ إذْنِ وَلِيِّهَا، فَنِكَاحُهَا باطِلٌ» (6). وقال: «إذَا نَكَحَ العَبْدُ بِغَيرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ» .
(1) سقط من: م.
(2)
سقط من: م.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 121.
(4)
في الأصل: «حسبه» .
(5)
تقدم تخريجه في صفحة 123.
(6)
تقدم تخريجه في 16/ 311، 312.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رَواه أبو داودَ، وابنُ ماجة (1). إلَّا أنَّ أبا داودَ قال: هو مَوْقُوفٌ على ابنِ عمرَ. ولأنَّه عَقْدٌ لا تَثْبُتُ فيه أحْكامُه؛ مِن الطَّلاقِ، والخُلْعِ، واللِّعَانِ، والتَّوارُثِ، فلم يَنْعَقِدْ، كنِكاحِ المُعْتَدَّةِ. فأمَّا حديثُ المرأةِ التي خَيَّرَها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فهو مُرْسَلٌ عن عِكْرِمَةَ، روَاه النَّاسُ كذلك، ولم يذْكُروا ابنَ عباس. قاله أبو داودَ. ثم يَحْتَمِلُ أنَّ هذه المرأةَ هي التي قالت: زَوَّجَنِي أبي مِن ابنِ أخِيه ليَرْفَعَ لي (2) خَسِيسَتَه. فخَيَّرَها (3) لتَزْويجِها مِن غيرِ كُفْئِها، وهذا يُثْبِتُ الخِيارَ، ولا يُبْطِلُ النِّكاحَ، والوَصِيَّة يَتَراخَى فيها القَبُولُ، وتَجُوزُ بعدَ الموتِ، فهي مَعْدُولٌ بها عن سائرِ التَّصَرُّفاتِ. ولا تَفْرِيعَ على هذه الرِّوايَةِ لوُضُوحِها. فأمَّا على الرِّوايةِ الأخْرَى، فإنَّ الشَّهادَةَ تعْتَبَرُ في العَقْدِ؛ لأنَّها شَرْطٌ له، فيُعْتَبَرُ وُجُودُهُ معه، كالقَبُولِ، ولا تُعْتَبَرُ في الإِجازَةِ؛ لأنَّها ليست بعَقْدٍ، ولأنَّها إذا وُجِدَت، اسْتَنَد المِلْكُ إلى حايَةِ العَقْدِ، حتَّى لو كان في الصَّداقِ نماءُ مِلْكٍ مِن حينِ العَقْدِ لا مِنِ حينِ الإِجازَةِ. وإن مات أحَدُهما قبلَ الإِجازَةِ، لم يَرِثْه الآخَرُ؛ لأنَّه [مات قبلَ تَمامِ العَقْدِ وصِحَّتِه. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّه إن كان مِمّا لو رَجَع إلى الحاكِمِ أجازَه، وَرِثَه الآخرُ؛ لأنَّه](4) عَقْدٌ تَلْزَمُه
(1) أخرجه أبو داود، في: باب نكاح العبد بغير إذن مواليه، من كتاب النِّكَاح. سنن أبي داود 1/ 480. وابن ماجة، في: باب تزويج العبد بغير إذن سيده، من كتاب النِّكَاح. سنن ابن ماجه 1/ 360. كما أخرجه الدارمي، في: باب في العبد يتزوج بغير إذن من سيده، من كتاب النِّكَاح. سنن الدارمي 2/ 152. وانظر ضعيف سنن أبي داود 202.
(2)
في م: «به» .
(3)
في م: «فتخييرها» .
(4)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إجازَتُه، فهو كالصَّحِيحِ، وإن كان ممَّا لا يُجِيزُه، لم يَرِثْه.
فصل: ومتى تَزَوَّجَتِ المرأةُ بغيرِ إذْنِ وَلِيِّها، أو الأمَةُ بغيرِ إذْنِ سَيِّدِها، فقد ذَكَرَه أصحابُنا مِن [الصُّوَرِ التي فيها الرِّوايتان] (1). قال شَيخُنا (2): والصَّحيحُ عندِي أنَّه لا يَدْخُلُ فيها، لتَصْرِيحِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيه بالبُطْلانِ. ولأنَّ الإِجازَةَ إنَّما تكونُ لعَقْدٍ صَدَر مِن أهْلِه في مَحَلِّه، فأمَّا ما لم يَصْدُرْ مِن الأهْلِ، كالذي عَقَدَه المَجْنُونُ أو الطِّفْل، فلم يَقِفْ على الإِجازَةِ، وهذا عَقْدٌ لم يَصْدُرْ مِن أهْلِه، فإنَّ المرأةَ ليست أهْلًا له، بدَلِيلِ أنَّه لو أذِنَ لها فيه؛ لم يَصِحَّ [منها، وإذا لم يَصِحَّ](3) مع الإِذْنِ المُقارِنِ، فلَأن لا يَصِحِّ بالإِجازَةِ المُتَأَخِّرَةِ أَوْلَى. ولا تَفْرِيعَ على هذا القولِ. فأمَّا على القَوْلِ الآخرِ، فمتى تَزَوَّجَتِ المرأةُ (4) بغيرِ إذْنِ الوَلِيِّ، فرُفِع إلى الحاكمِ، لم يَمْلِكْ إجازَتَه، والأمْرُ فيه إلى الوَلِيِّ، فمتى رَدَّه بَطَل؛ لأنَّ مَن وَقَف الحُكْمُ (5) على إجازَتِه، بَطَل برَدِّه، كالمرأةِ إذا زُوِّجَتْ بغيرِ إذْنِها. وفيه وَجْه آخَرُ، أنَّه إذا كان الزَّوْجُ كُفْئًا، أمَرَ الحاكِمُ الوَلِيَّ بإجازَتِه، فإن لم
(1) في م: «الروايتين» .
(2)
في: المغني 9/ 381.
(3)
سقط من: م. وسقطت الواو في: «وإذا» من الأصل.
(4)
سقط من: م.
(5)
في الأصل: «الحاكم» ، وفي م:«بالحكم» . وانظر المغني 9/ 381.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَفْعَلْ، أجازَه الحاكمُ؛ لأنَّه لو (1) امْتَنَعَ [مِن الإِجازَةِ](2) صارَ عاضِلًا، فانْتَقَلَتِ الولايةُ عنه إلى الحاكمِ، كما (3) في ابْتِداءِ العَقْدِ. ومتى حَصَلَتِ الإِصابَةُ قبلَ الإِجازَةِ ثم أُجِيزَ، فالمَهْرُ واحدٌ؛ إمَّا المُسَمَّى، وإما مَهْرُ المِثْلِ إن لم يَكُنْ مُسَمًّى؛ فإنَّ الإِجازَةَ مُسْتَنِدَةٌ إلى حالةِ العَقْدِ، فيَثْبُتُ الحِل والمِلْكُ مِن حينِ العَقْدِ، كما فيَ ذَكَرْنا في البَيعِ، ولذلك لم يَجبِ الحَدُّ. ومتى تَزَوَّجَتِ الأمَةُ بغيرِ إذْنِ سَيِّدِها، ثم خرَجَتْ مِن مِلْكِه قبلَ الإِجازَةِ إلى مَن تَحِلُّ له، انْفَسَخَ النِّكاح؛ لأنَّه قد طَرَأَتِ اسْتِباحَةٌ صَحِيحَةٌ على مَوْقُوفَةٍ فأبْطَلَتْها؛ لأنَّها أقْوَى فأَزالتِ الأضْعَف، كما لو طَرَأ مِلْكُ اليَمِينِ على مِلْكِ النِّكاحِ. وإن خَرَجَتْ إلى مَن لا (3) تَحِلُّ له، كالمرأةِ أو اثنَين (4)، فكذلك أيضًا؛ لأنَّ العَقْدَ إذا وَقَف على إجازَةِ شَخْص، لم يَجُزْ بإجازَةِ غيرِه، كما لو باعَ أمَةَ غيرِه ثم باعَها المالِكُ، فأجاز (5) المُشْتَرِي الثاني بَيعَ (6) الأجْنَبِيِّ. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّه يَجُوزُ بإجازَةِ المالكِ الثاني؛ لأنَّه يَمْلِكُ ابْتِداءَ العَقْدِ، فمَلَكَ إجازَتَه، كالأوَّلِ. ولا فَرْقَ بينَ أن تَخْرُجَ ببَيع أو هِبَةٍ أو إرْثٍ أو غيرِه. فأمَّا إن أعْتَقَها السَّيِّدُ، احْتَمَلَ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: م.
(3)
سقط من: م.
(4)
في م: «اثنتين» .
(5)
في م: «فأجازها» .
(6)
في م: «مع» .