الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: منعني من ذلك أنّي خفت أن يسألني الله:
لم فعلت؟ ويسألك: لم رضيت؟ وقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك.
فسكت، وخرج فرج بن فضالة.
وقال المنصور يوما [93 أ] لهشام بن عروة:
أتذكر يا أبا المنذر حيث دخلت أنا وإخوتي مع أبي الخلائف وأنت تشرب سويقا؟ فإنّا لمّا خرجنا قال لنا أبونا: يا بنيّ استوصوا بهذا الشيخ، فإنّه لا تزال في قومكم عمارة ما بقي مثله.
فقال: ما أذكر ذلك.
فلمّا خرج هشام قيل له: ذكّرك أمير المؤمنين شيئا يتوسّل بدونه!
فقال: لم أذكر ما ذكّرني، ولم يعوّدني الله في الصدق إلّا خيرا.
ودخل عليه سوّار بن عبد الله بن قدامة بن عنزة بن أثلث بن عمرو بن الحرث بن خلف بن الحرث بن جعفر بن كعب بن العنبر العنبريّ قاضي البصرة فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. ادن أبا عبد الله!
فقال: أدنو على ما مضى [عليه] الناس أم ما أحدثوا؟
فقال: على ما مضى عليه الناس.
فدنا ومدّ يده فصافحه، ثم جلس.
وكتب إلى سوّار في بعض الأمور فكان في ذلك إضرار بقوم، فلم ينفّذ سوّار الكتاب فاشتدّ ذلك على المنصور. فكتب إليه سوّار: عدل سوّار مضاف إليك وزين لخلافتك.
فسكن غضبه وأمسك عن ذلك الأمر.
ونظر يوما إلى بعض القضاة وبين عينيه سجّادة فقال له: لئن كنت أردت الله بالسجود، ما ينبغي لنا أن نشغلك عنه. وإن كنت إنّما أردتنا بهذه السجّادة، فينبغي لنا أن نحترس منك.
وكان يحيى بن عروة رضيع أبي جعفر المنصور، وهو مولى لهم، فصيّره على ثقله عام حجّ. فلمّا دعا عبد الله بن عليّ إلى نفسه حمل ثقل أبي جعفر وجواريه وصار إلى عبد الله بن عليّ.
فلمّا هرب استخفى يحيى، ثمّ ظفر به المنصور فأمر فقطّع بالسيوف.
[قتل أبي مسلم]
وكان أبو مسلم إذا أتاه كتاب المنصور وقرأه لوّى شدقه ثمّ ألقاه إلى أبي نصر مالك بن الهيثم فيتضاحكان. ويبلغ المنصور ذلك فيقول: إنّا لنخاف من أبي مسلم أكثر ممّا كنّا نخاف من حفص بن سليمان- يعني أبا سلمة الخلّال.
فلمّا فرع أبو مسلم من محاربة عبد الله بن عليّ وحوى عسكره وما فيه بعث المنصور إليه مرزوقا أبا الخصيب لإحصاء ذلك. فغضب أبو مسلم وقال: ما لأبي جعفر ولهذا؟ إنّما له الخمس!
فقال أبو الخصيب: هذا مال أمير المؤمنين دون الناس. وليس سبيل هذا سبيل ما له منه الخمس.
فشتمه وهمّ بقتله ثمّ أمسك. وبعث إليه المنصور يقطين بن موسى ليحصي ما في عسكر عبد الله بن عليّ. فقال أبو مسلم: أفعلها [93 ب] ابن سلامة الفاعلة؟ - لا يكنّي-.
فقال يقطين: عجلت أيها الأمير، إنّما أمرني أن أحصي ما وجد في عسكر الناكت ثم أسلّمه إليك لتعمل فيه برأيك وتصنع به ما أردت، ويكون قد عرف مبلغه.
فلمّا ورد يقطين على المنصور أبلغه ما قال أبو
مسلم وما قاله هو له، فخاف أن يمضي أبو مسلم إلى خراسان، فكتب إليه: إنّي قد ولّيتك الشام ومصر. فهما أفضل من خراسان. ومنزلك بالشام أقرب إلى أمير المؤمنين، فمتى أحببت لقاءه لقيته.
وأنفذ الكتاب إليه مع يقطين أيضا. فلمّا قرأه قال: أهو يوليني الشام ومصر مكان خراسان، وخراسان لي؟
وعزم على إتيان خراسان. فنزل المنصور المدائن. وأخذ أبو مسلم طريق حلوان- سمّيت حلوان من أجل أنّ [
…
] (1) - فقال المنصور:
ربّ أمر لله دون حلوان!
وأمر عمومته ومن حضر من بني هاشم أن يكتبوا إليه فيعظّموا عليه حقّ الطاعة، ويحذّروه سوء عواقب الغدر والتبديل والنكث، ويسألوه الرجوع، ويشيروا عليه به. وكتب إليه المنصور:
إنّي أردت مذاكرتك أشياء لم يحتملها الكتاب، فأقبل فإنّ مقامك قبلي يسير.
فلم يلتفت إلى الكتاب. فبعث إليه جرير بن يزيد البجليّ، وكان صديقا لأبي مسلم راجحا عنده. فلم يزل يمسح جوانبه ويرفق به ويعرّفه قبح ما ركب، وأنّ النعمة إنّما دامت عليه بالطاعة، وقال له: إنّ أمر القوم لم يبلغ بك ما تكره. وإنّما لك إن عصيتهم خراسان، وما تدري ما ينساق عليك من شيعتهم من أهل خراسان، ممّن ترى أنّه معك. وإن أطعتهم فخراسان وغيرها من البلاد لك فانصرف راجعا.
فانصرف راجعا وكان المنصور قد كتب إلى أبي مسلم كتابا لطيفا مع أبي حميد المروروذي وقال:
إن أجاب إلى الانصراف، وإلّا فقل له: يقول لك
أمير المؤمنين: نفيت من العبّاس! لئن مضيت ولم تلقني لأوكلت أمرك إلى أحد سواي ولو خضت إليك البحر الأخضر حتّى أموت أو أقتلك.
فلمّا قرأ الكتاب عزم على المضيّ لوجهه.
فأدّى إليه أبو حميد الرسالة فكسرته وعزم على الانصراف إلى المنصور. وخلّف ثقله بحلوان، وعليه مالك بن الهيثم، وقال:«لئن أمكنني قتله لأقتلنّه ثمّ لأبايعنّ لمن أحببت! » وتمثّل بعض من معه [الكامل]:
ما للرجال مع القضاء محالة
…
ذهب القضاء بحيلة الأقوام
[94 أ] فلمّا قدم أبو مسلم على المنصور وهو بالروميّة التي عند المدائن، أمر الناس بتلقّيه، وقام إليه وعانقه وأكرمه وقال: كنت تمضي قبل أن نلتقي فألقي إليك ما أريد!
وأمره أن ينصرف إلى منزله فيستريح ويدخل الحمّام ليذهب عنه كلال السفر ثم يعود. وجعل يزيده إعظاما وبرّا وهو ينتظر الفرصة فيه حتّى قتله.
وذكر أنّ أبا مسلم لمّا أراد الشّخوص إلى خراسان عاصيا كتب إلى المنصور (1*): من عبد الرحمن بن مسلم إلى عبد الله بن محمد. أمّا بعد، فإنّي اتّخذت أخاك إماما، وكان في قرابته برسول الله صلى الله عليه وسلم ومحلّه من العلم على ما كان، ثمّ استخفّ بالقرآن وحرّفه طمعا في قليل من الدنيا قد نعاه الله لأهله (2*)، ومثّلت له ضلاله على صورة العدل فأمرني أن أجرّد السيف وآخذ بالظنّة ولا أقبل معذرة، وأن أسقم البريء وأبرئ السقيم وآثر أهل الدين في دينهم (3*)، فأوطأني في غيركم
(1) هذه حاشية في الهامش مبتورة، ولعلّه كان ينوي أن ينسبها إلى حلوان بن عمران كما عند ياقوت.
(1*) الرسالة في تاريخ الطبري 7/ 483 (أحداث سنة 137) مع اختلاف كبير. وفي الكامل 5/ 470.
(2*) في الكامل: إلى خلقه.
(3*) هذه الفقرات الثلاث مفقودة من الطبريّ ومن الكامل، -
أهل بيتكم العشوة (1) بالإفك والعدوان. ثم إنّ الله بحمده ونعمته استنقذني بالتوبة وكرّه إليّ الحوبة، فإن يعف فقديما عرف ذلك منه، وإن يعاقبفبذنوبي وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصّلت: 46].
فكتب إليه المنصور: قد فهمت كتابك، وللمدلّ على أهل بيته بطاعته ونصيحته ونصرته ومحاماته وجميل بلائه مقال. ولم يرك الله في طاعتنا إلّا ما تحبّ. فراجع أحسن نيّتك وعملك، ولا يدعونّك ما أنكرته إلى التجنّي! فإنّ المغيظ ربّما تعدّى في القول فأخبر بما لا يعلم، والله وليّ توفيقك وتسديدك. فاقدم رحمك الله مبسوط اليد في أمرنا محكّما فيما هويت الحكم فيه، ولا تشمت الأعداء بك وبنا إن شاء الله!
فلمّا قدم وأكرمه ثم صرفه إلى منزله ليستريح، ندم على انصرافه. فلمّا أصبح أبو مسلم غدا إلى المنصور فتلقّاه أبو الخصيب مرزوق فقال له: إنّ أمير المؤمنين مشغول، فانصرف ساعة حتّى يفرغ. فأتى منزل عيسى بن موسى، وكان يحبّه.
وكان عيسى شديد التعظيم له. فدعا له عيسى بالغداء. فبينا هو [94 ب] على ذلك إذ أتاه الربيع، وهو يومئذ مع أبي الخصيب، فقال له: يدعوك أمير المؤمنين- فركب. وشغل عيسى بالوضوء، وقد كان أبو مسلم قال له: اركب معي فكأنّي قد أحسست بالشرّ!
فقال له: أنت في ذمّتي، فتقدّم فإنّي لاحقك.
فلمّا صار أبو مسلم إلى الرواق، قيل له: أمير المؤمنين يتوضّأ، فلو جلست؟
فجلس. وأبطأ عليه عيسى فجعل يسأل عنه، وأعدّ له المنصور عثمان بن نهيك، وهو يومئذ على حرسه، وأعدّ معه شبيب بن واج، وأبا حنيفة (1*) صاحب الدرب ببغداد (2*)، ورجلين من الحرس. وقال لعثمان بن نهيك: إذا عاتبته فعلا صوتي فلا تخرجوا- وكان أصحابه وراء ستر خلف أبي مسلم- فإذا أنا صفّقت فدونكم العلج!
ثمّ قيل لأبي مسلم: قد جلس أمير المؤمنين، فقم! فلمّا قام ليدخل نزع منه سيفه فقال: ما كان يصنع بي مثل هذا!
فقيل له: ليس ذاك إلّا لخير.
وكان عليه قباء خزّ أسود، وتحته جبّة خزّ بنفسجيّ. فدخل فسلّم وجلس على وسادة ليس في البيت غيرها، والقوم خلف ظهره. فقال: يا أمير المؤمنين، استخفّ بي وأخذ سيفي!
فقال: ومن فعل ذلك قبّحه الله؟
ثم قال له: هيه! قتلت أهل خراسان وفعلت وفعلت! ثم جعلت [
…
] بمكّة ليصلّي هذا الغلام بالناس. وألقيت نعلي من رجلي فرفعت نفسك عن مناولتي إيّاها حتى ناولنيها معاذ بن مسلم. وأعجب من هذا إقعادك إيّاي في دهليزك بخراسان مستخفّا بحقّي حتى أشير عليك بخلاف ذلك، فتكارهت على تسهيل إذني وفتح الأبواب لي؟ ثمّ كتابك إليّ تبدأ بنفسك، وخطبتك إليّ [عمّتي] آمنة بنت عليّ (3*)، وقولك إنّك ابن [سليط بن عبد الله بن عباس](4*) لقد ارتقيت يا ابن اللخناء مرتقى صعبا! ثمّ ذمّك أخي وسيرته وقولك إنّه أوطأك العشوة وحملك على الإثم، ثم أنت صاحبي بمكّة تنادي: من أكل طعام الأمير فله
- وهي بعدُ غامضة.
(1)
وأوطأه عشوة بالتثليث: أركبه أمرا ملتبسا صعبا.
(1*) ابن واج المرورّوذي وأبو حنيفة حرب بن قيس في الكامل.
(2*) بغداد ستؤسّس سنة 145.
(3*) في المروج، 2392: أميمة بنت علي بن عبد الله بن عبّاس.
(4*) الزيادات من الكامل 5/ 475.
درهم، ثم كسوتك الأعراب وقولك لهم:
«لأنجدنّكم دون أهل خراسان! » وأعجب من هذا أنّي دفعت في صدر صاحبك بخراسان فقلت:
أيضرب حاجبي؟ ردّوه عنّا إلى العراق!
فقال أبو مسلم: إنّه لا يقال لي هذا القول بعد بلائي وعنائي.
فقال: [95 أ] يا ابن الخبيثة! والله لو كانت مكانك أمة لأجزأت! إنّما عملت ما عملت بدولتنا، ولو كان الأمر إليك ما قطعت فتيلا!
ثم فتل شاربه وفرك يده. فلمّا رأى أبو مسلم فعله قال: يا أمير المؤمنين، لا يدخلنّ نفسك ما أرى! إنّ قدري أصغر من أن يبلغ شيء من أمري مثل هذا المبلغ!
وصفّق المنصور بإحدى يديه على الأخرى، فضرب عثمان بن نهيك أبا مسلم ضربة خفيفة، فأخذ برجل المنصور فدفعه برجله، وضربه شبيب بن واج على حبل عاتقه ضربة أسرعت فيه فقال: وا نفساه! ألا قوّة؟ ألا مغيث؟
فقال المنصور: اضربوا ابن اللخناء!
فاعتوره القوم بأسيافهم. وأمر به فلفّ في مسح أو عباءة وصيّر ناحية.
وكان الطعام قد وضع للحرس وقت دخول أبي مسلم فكانوا قد شغلوا به فلم يعلم أحد منهم بمقتله.
ووافى عيسى بن موسى الباب فاستؤذن له، فقال المنصور:«أدخلوه! » فلمّا وقف بين يديه قال: يا أمير المؤمنين، أين أبو مسلم؟
قال: ههنا آنفا.
فقال: يا أمير المؤمنين، قد عرفت طاعته ومناصحته ورأي الإمام- كان- فيه.
فقال: اسكت يا ابن اللخناء، يا ابن الشاة! - وكانت أمّ عيسى توفّيت وهو صغير أو مرضت، فأرضع لبن شاة- فو الله ما كان في الأرض عدوّ أعدى لك منه! ها هو ذا في البساط! والله ما تمّ سلطانك إلّا اليوم!
ودخل إسماعيل بن عليّ وهو لا يعلم بقتل أبي مسلم، فقال: إنّي رأيت يا أمير المؤمنين في ليلتي هذه كأنّك قتلت أبا مسلم، وكأنّي وطئته برجلي.
فقال: قم فصدّق رؤياك! فها هو في البساط.
فقام فوطئه، ثم رجع ورمى بخفّه وقال:«لا ألبس خفّا وطئت به مشركا! » فأتي بخفّ فلبسه.
ثم أنشد المنصور [طويل]:
وما العجز إلّا أن تؤامر عاجزا
…
وما الفتك إلّا أن تهمّ فتفعلا
وقال أبو دلامة [الطويل]:
أبا مسلم ما غيّر الله نعمة
…
على عبده حتى يغيّرها العبد
أفي دولة المنصور حاولت غدره
…
ألا إنّ أهل الغدر آباؤك الكرد
فلا يقطع الله اليمين التي بها
…
علاك صقيل الشفرتين له حدّ
فما كان إلّا الموت في غمد سيفه
…
وما خلت أنّ الموت يضبطه غمد [96 ب]
أبا مسلم، خوّفتني القتل فانتحى
…
عليك بما خوّفتني الأسد الورد
فأصبحت في أهلي وأصبحت ثاويا
…
بحيث تلاقى في ذرى دجلة المدّ (1*)
وقيل: لمّا قتل أبا مسلم عثمان بن نهيك وشبيب بن واج وأبو حنيفة ورجلان من الحرس
(1*) الأبيات في الأغاني 10/ 247.
ضربوه بأسيافهم فلم يمت فذبح ذبحا وجرّ برجله فألقي في دجلة. وكان يومئذ ابن ثمان وثلاثين سنة.
وقيل: حمل أبو حنيفة جيفته في صندوق حتى توسّط به دجلة ثم ألقاه.
وسار أبو جعفر بعد ذلك بثلاث إلى الحيرة.
وتمثّل بعد قتل أبي مسلم ببيت الشمّاخ [الطويل]:
وما إن شفى نفسا كأمر صريمة
…
إذا حاجة في النفس طال اعتراضها
وقال بشّار بن برد [الطويل]:
أبا مسلم ما طيب عيش بدائم
…
وما سالم عمّا قليل بسالم
كأنّك لم تسمع بقتل متوّج
…
عزيز، ولم تعلم بفتك الأعاجم
لحا الله قوما شرّفوك عليهم
…
فقد كنت مشروفا خبيث المطاعم
وكان المنصور يقول: أخطأت ثلاث مرّات وقاني الله شرّها: قتلت أبا مسلم، وحولي من يقدّم طاعته على طاعتي. فلو وثبوا وأنا في خرق لذهبت ضياعا. وخرجت يوم الر [ا] ونديّة. ولو أصابني سهم غرب لذهبت ضياعا. وخرجت إلى الشام، ولو اختلف بالعراق سفيان، ذهبت الخلافة ضياعا.
وأمر المنصور حين قتل أبا مسلم بوضع الإعطاء في الناس فجعلوا يأخذون ويبايعون ويلعنون أبا مسلم. وقال أبو دلامة أيضا [الطويل]:
أبو مسلم عبد لعيسى بن معقل
…
أخي دلف لا قول من يتكذّب
حمدت إلا هي حين قتل عدوّكم
…
أبو مجرم أمسى على الوجه يسحب
فإن يك عبدا ذاق حتفا بجرمه
…
فقد صادف المقدار، والحين يجلب
بكت عين من يبكيه ميتا، ولا رأى
…
من الله روحا من له يتعصّب
وقال أبو عطاء السندي [السريع]:
زعمت أنّ الدّين لا يقتضى
…
فاستوف بالكيل أبا مجرم
سقيت كأسا كنت تسقي بها
…
أمرّ في الحلق من العلقم
ولمّا قتل المنصور أبا مسلم دعا بجعفر بن حنظلة البهراني فأراه [إيّاه] مقتولا فقال: وفّقك الله يا أمير المؤمنين، وسدّدك. عدّ خلافتك منذ اليوم!
وكتب المنصور إلى [96 أ] أبي نصر مالك بن الهيثم (1*) وكان أبو مسلم خلّفه في ثقله بحلوان وهو يرى أنّه يرجع إلى خراسان، كتابا على لسان أبي مسلم في القدوم بثقله وما خلّف معه، وختم الكتاب بالخاتم الذي أخذه من أصبع أبي مسلم.
وكانت بينهما علامة فلم يعرفها فيكتب بها (2*).
فامتنع أبو نصر من القدوم. فكتب المنصور إلى عامله بهمذان (3*) بمنعه من النفوذ، فأخذه وحبسه في القصر، وقال لمن معه: والله لا يتحرّك متحرّك إلّا رميت إليكم برأسه!
ثم حمله إلى المنصور فعفا عنه. فلمّا كان يوم الر [ا] ونديّة قام على الباب فذبّ وأبلى فرضي عنه وصارت له مكانة عنده، وولّاه الموصل.
(1*) في العيون، طبعة ليدن، 221: وكان ابن الهيثم لأبي مسلم كالوزير.
(2*) التعبير غامض، وعند الطبريّ، 7/ 493 (طبعة أبو الفضل):
…
علم [مالك] أنّ أبا مسلم لم يكتب الكتاب
…
(3*) وهو زهير بن التركيّ (الكامل 4/ 355).