الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الرحمن. ووجّه جهور إلى قرقيسيا فتلقّى أصحاب عبد الله بن عليّ.
وخرج المنصور فعسكر بدير الجاثليق على دجلة، ووجّه عيسى بن عقيل إلى هيت، وعبد العزيز أخا عبد الجبّار إلى بلد (1) وقال له: إن بلغك أنّ ابن عليّ انهزم فلا تبرح مكانك ولا تخلّ بمركزك!
ووجّه قائدا إلى تكريت، وكتب إلى موسى بن كعب أن [241 ب] استخلف ابنك عيينة واقدم! وقد أمرت لك بخمسمائة ألف درهم فاقبضها!
وكتب إلى الحسن بن قحطبة وهو بأرمينية فقدم.
وقدم عبد الله بن عليّ نصيبين فخندق وجمع الأطعمة واستعدّ للحرب. فنزل أبو مسلم بإزائه وكايده لينزل منزله فغرّب وأظهر أنّه يريد الشام لتولية أمير المؤمنين إيّاه الجزيرة والشام، وأنّ قادما تقدّم لمحاربة عبد الله بن عليّ مكانه. فضجّ أهل الجزيرة والشام وقالوا: الآن يقدم أبو مسلم بلادنا فيجتاح أموالنا ويسبي نساءنا وذرارينا ويقتل من وراءنا من رجالنا، ونحن من ملك الدنيا وسعتها في خندق!
فرحل عبد الله بن علي من خندقه، ونزل أبو مسلم رأس العين، ثم انكفأ راجعا حتى نزل خندق عبد الله بن عليّ، ونزل عبد الله خندقه وقد علم أنّهامكيدة من أبي مسلم.
وكاتب أبو مسلم أهل خراسان فانحاز إليه منهم بشر كانوا مع عبد الله، فتخيّل عبد الله ممّن بقي معه منهم وقتل خلقا كبيرا منهم.
وحارب أبو مسلم عبد الله بن عليّ أربعة أشهر.
ثم إنّهم اقتتلوا ذات يوم قتالا شديدا وقد خفّ
أصحاب عبد الله، وأتت أبا مسلم الأمداد وأبو مسلم يقول [الرجز]:
فرّ من الموت وفي الموت وقع
…
من كان يهوى أهله فلا رجع! (1*)
[انهزام عبد الله بن عليّ]
فانهزم أصحاب عبد الله أقبح هزيمة. وسار عبد الله إلى ناحية حرّان ثم إلى الرقّة، وعبر جسرها ثم أحرقه، ومضى في البرّ إلى البصرة فنزل على أخيه سليمان بن عليّ.
وكان أبو مسلم لمّا قدّم مقدّمته وعليها حميد بن قحطبة لقوا عبد الصمد بن عليّ ببلد فقاتله حميد فهزمه وأخذه أسيرا.
ويقال إنّ أبا مسلم وجّه في أيّام محاربته عبد الله بن علي [242 أ] حميدا إلى عبد الصمد وهو بالجزيرة فقاتله وهزمه حتى لحق بالرصافة فأخذ بها وأتى به أبو مسلم فوجّه المنصور مرزوقا أبا الخصيب مولاه فحمله إليه في سلسلة فكلّمه فيه إسماعيل بن عليّ فعفا عنه وأمر له بألف دينار.
وقيل: بل قدم به أبو مسلم معه.
وقيل: بل اختفى بالكوفة حتى كلّم فيه المنصور فأمّنه ووصله.
وقيل: لمّا هزم أتى الرصافة فوافاه عبد الله بن عليّ منهزما هاربا فمضى، وأقام عبد الصمد لأمر أراده وعزم على أن يتبع عبد الله من يومه ولم ير أنّه مطلوب، فوافاه زبارة بن جرير وكان ممّن رتّب قرقيسيا فجرّ برجله وأوثقه وحمله إلى أبي مسلم وهو بتلّ مدايا.
وقدم صالح بن علي بن عبد الله من مصر متمسّكا بطاعة المنصور ومقيما عليها فحارب ابن
(1) بلد: مدينة قديمة على دجلة فوق الموصل (ياقوت).
(1*) في الكامل 4/ 349: من كان ينوي
…
ضبعان في اليوم الذي هزم فيه عبد الله بن عليّ.
وحوى أبو مسلم أموال عبد الله بن علي وجميع ما كان في عسكره وأطلق من أسره ووهب لكلّ أسير أربعة دراهم. ولم يقتل إلّا أبا غسّان لشهادته بما شهد به لعبد الله بن عليّ.
ولمّا علم عامل عبد الله بن علي على دمشق الخبر قتل العكّيّ وابنه خالدا وكانا في حبسه.
وكتب أبو مسلم إلى المنصور يعلمه أنّ الجزيرة والشام بمواضع من الثغور مشحنة للعدوّ وأنّها لا تسدّ إلّا بهم، وسأله الصفح عنهم، وأشار عليه باستصلاح وجوههم واصطناعهم. ووفد [
…
] إليه عدّة من أشرافهم.
وكان عبد الله بن علي لمّا توجّه لغزو الصائفة بلغه أنّ أبان بن معاوية بن هشام بن عبد الملك قد أقبل يريده في أربعة آلاف فقصد له ووجّه على مقدّمته حميد بن قحطبة [242 ب] والعبّاس بن زبيد فلم يكن منهم كبير قتال حتى انهزم أبان وأصحابه وتحصّنوا في حصن كيسوم، فنزل عليه عبد الله فطلبوا الأمان فأمّنهم. وهرب أبان فدلّ عبد الله عليه، وكان في غار، فقطع عبد الله يديه ورجليه ثم ضرب عنقه. وأتى دابق فبلغه خبر وفاة أبي العبّاس. وكانت عند عبد الله بن عليّ أمة الحميد (1) ويقال: أختها أمّ البنين بنت محمد بن عبد المطّلب بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطّلب بن هاشم فقالت له: قتلت أهل الشام فأسرفت، ثم قتلت أهل خراسان وكانوا أنصاركم وأولياء دعوتكم، ثم انتحلت الخلافة وقابلت ابن أخيك، وهو الخليفة، فلم تبق غاية ولم تدع جهدا، ثم هربت إلى غير ملجا ولا حرز. فهلّا متّ كريما! أما والله لتقاسينّ ذلّا طويلا!
فغضب فطلّقها، وكان له منها: محمد، وعيسى، وأمّ محمد، وأمّ عبد الله.
ولمّا هرب عبد الله بلغ المنصور أنّ عبد الحميد بن ربعيّ أبا غانم بالرها، وكان صديقا لأبي الأزهر المهلّب بن العبثر المهريّ، فوجّهه يطلب الشراة وأهل الفساد من الأعراب ويسكّن الناس، فجعل يقتل الأعراب من أهل الدعارة حتى أتى الرها. فبعث إلى أبي غانم: إنّي مشتاق إليك وقد وجّهت في أمر فتركته وملت إليك لأحدث بك عهدا.
فخرج إليه وجعلا يتنادمان، ثمّ ذاكره الخروج إلى المنصور فقال: أنا مستوحش، ولا عذر لي ولا حجّة فيما كان منّي.
ثم إنّه خرج إليه يوما في خفّ فأسكره وحمله فارتحل فأوفده على حميد بن قحطبة وهو وال على الجزيرة فأنفذه إلى المنصور، فقال له [243 أ] المنصور: ويحك! ما حملك على ما صنعت؟
قال: لا عذر لي فأتكلّم.
فقال: أنا أكره أن أقتل رجلا من آل قحطبة، ولكنّي أهب مسيئهم لمحسنهم، وقد وهبتك لا بني قحطبة حميد والحسن.
فقال: يا أمير المؤمنين، إن لم يكن فيّ مصطنع فاقتلني!
قال: إنّك أحمق أهوج. اخرج فأنت عتيق لهم أبدا!
ولمّا أقام عبد الله بن عليّ بالبصرة خرج سليمان ابن عليّ إلى المنصور فطلب له أمانا وقال: يا أمير المؤمنين، إنّ عفوك لا يضيق عنه، وهو ابن أبيك، وفيه مستصلح.
(1) في الجمهرة، 153: هي بنت عبد الله بن عياض.