الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عامل حلوان عنها.
ووجّه قحطبة أبا عون عبد الملك بن يزيد الأزدي ومالك بن الطوّاف في أربعة آلاف إلى شهرزور وبها عثمان بن سفيان، وهو على مقدّمة عبد الله بن مروان بن محمد، فناهضا عثمان فقتلاه في العشرين [من ذي الحجّة] سنة إحدى وثلاثين (1).
وتوجّه قحطبة يريد ابن هبيرة حتى أتى الأنبار، وقدم ابنه الحسن بن قحطبة، وهو يريد الكوفة، فواقعه ابن هبيرة ومعه محمد بن نباتة بن حنظلة وحوثرة بن سهيل الباهليّ، فهزمهم أهل خراسان.
وفقد قحطبة (2)، فقيل: غرق في مخاضة، وقيل: وجد مقتولا. وقيل إنّه سقط من جرف فغرق.
وكان قد أوصى، إن حدث به حادث، فالأمير الحسن بن قحطبة. فبعثوا إليه فردّوه وبويع. فسار بالناس، وواقع ابن هبيرة بالنخيلة، فقتل من أهل الشام أكثر من ثلاثة آلاف.
وسوّد (3) محمد بن خالد بن عبد الله القسري بالكوفة، وخرج في أحد عشر رجلا فدعا الناس إلى الرضى من آل محمد، وضبط الكوفة حتى دخل الحسن بن قحطبة، والناس في السواد.
[تصرّف أبي سلمة الخلّال في الدولة]
فسألوا عن أبي سلمة الخلّال وزير آل محمد فدلّوا عليه. فخرج إليهم فقدّموا له دابّة من دوابّ الحسن بن قحطبة فركبها وجاء حتى وقف بجبّانة
السبيع فبايعه أهل خراسان والناس، ثم وجّه أبو سلمة بالحسن بن قحطبة إلى ابن هبيرة، وقد صار إلى واسط، وضمّ إلى الحسن خازم بن خزيمة التميميّ، ومقاتل بن حكيم العكّيّ، وزياد بن مشكان، وعثمان بن نهيك وغيرهم. وولّى الكوفة محمد بن خالد القسريّ. ووجّه حميد بن قحطبة إلى المدائن، ووجّه خالد بن برمك والمسيّب بن زهير إلى دير قنّى، وبعث [72 ب] يزيد بن حاتم في أربعمائة إلى عين التمر، وبعث بسّام بن إبراهيم إلى الأهواز، ففرّ منها عبد الواحد بن عمر ابن هبيرة إلى البصرة. واقتتل أهل خراسان وأهل الشام بواسط مرّات، في جميعها ينهزم أهل الشام.
[ظهور أبي العبّاس السفّاح وبيعته]
هذا وأبو العبّاس السفّاح وأهل بيته بالكوفة قد أخفاهم أبو سلمة الخلّال في دار في بني أود (1*) مذ قدموا في صفر سنة اثنتين وثلاثين. فكان إذا بعث إليه أبو العبّاس يسأله عن خبرهم عنده قال: «لم يئن لظهوركم» . فمكثوا بعد ظهور أبي سلمة كذلك أربعين يوما، وهو يريد أن يصرفها عنهم إلى ولد فاطمة عليها السلام. وكان أهل خراسان يسألونه عن الإمام فيقول: نحن نتوقّعه ولم يئن لظهوره (2*).
ثم أرسل أبو العبّاس إلى أبي سلمة: إنّي على إتيانك الليلة، فقد عرفت أنّي صاحب هذا الأمر.
(1) فتح شهرزور سنة 131 (الطبري 69 والكامل 319).
ويضيف ابن الأثير إلى عبد الملك بن يزيد نسبة الخراسانيّ، ويسمّي مالكا ابن طرافة. أمّا الطبري فيسمّيه ابن ظريف.
(2)
في 8 محرّم سنة 132 (الطبريّ، 72).
(3)
سوّد: لبس السواد شعار العبّاسيّين.
(1*) بنو أود حيّ من اليمن- مروج 4/ 96 (2312). وفي الكامل، 323: في دار الوليد بن سعد مولى بني هاشم في بني داود. أمّا الطبريّ، 80 فقال: في بني أود.
(2*) في المخطوط: لم يأن. والمقريزيّ يضطرب في الهمزة.
وقد اخترنا بين آن يئين أينا بمعنى حان، وأنى يني أنيا بمعنى دنا وقرب ففضّلنا الأوّل: لم يئن، لقربه من رسم المؤلّف.
فقال لسلم مولى قحطبة ولأسد بن المرزبان:
إنّ رجلا يأتيني الليلة. فإن قمت وتركته فاقتلوه، فإنّه يحاول فساد ما نحن فيه.
فلمّا صار أبو العبّاس إليه ناظره. فغضب أبو سلمة وأراد القيام فتعلّق أبو العبّاس بثوبه وضاحكه، ثم خرج فركب ولم يعرض له. فلمّا لقي أبو العبّاس أهل بيته حدّثهم حديثه وقال: والله ما أفلتّ منه حتّى ساعدته على ما يريد، وإنّه لعلى صرف الأمر عنّا.
فقال داود بن عليّ: الرأي أن نرجع إلى المدينة.
وقال عبد الله بن عليّ: اخرج فأعلم الناس أنّك ههنا.
وخرج صالح بن الهيثم رضيع أبي العبّاس ومعه مولى لهم أسود يقال له سابق (1)، فلقيهما أبو حميد السمرقندي (2) فعرفهما لأنّه كان يأتي الإمام، فقال لصالح: ألست رضيع ابن الحارثيّة؟
وقال لسابق: ألست مولى الإمام؟
فقالا: بلى.
فقال: فما تصنعان ههنا؟
قالا: أبو العبّاس ابن الحارثيّة ورجال من أهل بيته بالكوفة منذ كذا وكذا.
فأتى أبو حميد أبا الجهم بن عطيّة بهما، فصار معهما إلى بني أود في جماعة، ثم دخل دار الوليد (3) فقال: أيّكم أبو العبّاس عبد الله ابن الحارثيّة؟
فقالوا: هو هذا.
فسلّم عليه أبو الجهم بالخلافة، ثم بكى.
فقالوا له: تركنا أبو سلمة هنا، وأنتم حضور فلم يعلمكم خبرنا.
وبعث أبو الجهم إلى وجوه الناس، فأتاه عبد الحميد بن ربعيّ، وإبراهيم بن سلمة، وشبيب بن واج في جماعة، فسلّموا على أبي العبّاس بالخلافة وبايعوه. فبلغ الخبر أبا سلمة فسقط في يده. ثم أتى أبا العبّاس فسلّم عليه بالخلافة، فقال له أبو حميد: على رغم أنفك يا ابن الخلّال.
فقال أبو العبّاس: منه!
وجعل أبو سلمة يقول: إنّما أردت إظهار أمير المؤمنين [73 أ] بعد أن أحكم له الأمور.
ومنع أبو الجهم وأصحابه أبا سلمة من الدخول على أبي العبّاس إلّا وحده. وأتى أبو العبّاس ببرذون أبلق، وأتى أهل بيته بدوابّ، فركب وركبوا، وداود بن عليّ يسايره، وهو عن يساره.
فجعل الناس يقولون لداود: «هذا أمير المؤمنين» وهم لا يعرفونه. فقصّر دون أبي العبّاس حتى عرف أنّه الخليفة. وكان أبو الجهم وعبد الله بن بسّام يمشيان بين يديه، وأبو سلمة يسير خلفه على فرس، والوجوم يتبيّن فيه.
وصار أبو العبّاس إلى المسجد فصعد المنبر وصعده داود بن علي فصار دونه بمرقاة، فخطب أبو العبّاس فقال: الحمد لله الذي اصطفى الإسلام دينا لنفسه فكرّمه وشرّفه وعظّمه، فاختاره لنا وأيّده بنا وجعلنا أهله وكهفه وحصنه والقوّام به والذابّين عنه والناصرين له، وألزمنا كلمة التقوى، وجعلنا أحقّ بها وأهلها. خصّنا برحم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته، ونسلنا من آبائه، وأنشأنا من شجرته، واشتقّنا من نبعته، وجعلنا من أنفسه فوضعنا من
(1) سابق الخوارزمي (الطبري 81 - الكامل 323).
(2)
أبو حميد محمد بن إبراهيم الحميري (الكامل) الطوسيّ (مروج 2315).
(3)
لم يذكر المقريزي صاحب الدار فيما سبق. انظر ص 91 هـ 1.
الإسلام وأهله بالموضع الرفيع، وذكرنا في كتابه المنزّل فقال: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب: 33].
ثم جعلنا ورثته وعصبته فزعمت السبائيّة (1) الضّلّال والمروانيّة الجهّال أنّ غيرنا أحقّ بالأمر منّا، فشاهت وجوههم بقولهم (2). وبنا هدي الناس بعد ضلالتهم وبصّروا بعد جهالتهم وأنقذوا بعد هلكتهم، فظهر الحقّ وأدحض الباطل ورفعت المحنة (3) وتمّمت النقيصة وجمعت الفرقة، وذلك بالنبيّ محمد صلى الله عليه وسلم. فلمّا قبض الله نبيّه قام بالأمر بعده أصحابه فحووا مواريث الأمم فعدلوا فيها ووضعوها مواضعها وأعطوها أهلها وخرجوا من الدنيا خماصا. ثم وثب بنو حرب وبنو مروان فابتزّوها أهلها فجاروا فيها وأساءوا وظلموا فأملى الله لهم حين آسفوه فانتقم منهم بأيدينا وردّ علينا حقّنا وتدارك أمّتنا وولي نصرنا والقيام بأمرنا كما قال: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ (4) عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ [القصص: 5]. وإنّي لأرجو أن يتمّ لنا ما افتتح بنا، وسيأتيكم العدل والخير بعد الجور والشرّ، وما توفيقنا إلا بالله.
يا أهل الكوفة، [73 ب] إنّكم محلّ دعاتنا وأوليائنا. وأهل محبّتنا، فأنتم أسعد الناس بنا وأكرمهم علينا. وقد زدتكم في أعطياتكم مائة مائة، فاستعدّوا فإنّي السفّاح المنيح (5) والثائر المبير!
وكان موعوكا فجلس على المنبر وأشار لداود بن عليّ بالكلام فقام دونه فقال: شكرا شكرا! شكرا شكرا! إنّا والله ما خرجنا فيكم لنحفر نهرا ولا نبني قصرا ولا نسير سير الجبّارين الذين ساموكم السخف ومنعوكم النصف. أظنّ عدوّ الله أن لن نقدر عليه؟ أرخي له في زمامه حتّى عثر في
(1) المتاميّة في الكامل 324. والسبائيّة عند الطبريّ 82.
(2)
في المخطوط:
…
وجوههم بما ولم وبنا هدى
…
وفي تاريخ الطبريّ والكامل: بم ولم أيها الناس
…
(3)
في المخطوط الحنّة، وفي الكامل: الخسيسة.
(4)
في المخطوط: ولنمنّ.
(5)
في المخطوط: المبيح بالضمّ والباء. وعلّق الشيخ النجّار في الكامل، 4/ 325 فقال: السفّاح المنيح اسم لقدح ذي حظّ كبير في الميسر. وفي اللسان (منح- سفح) بسطة-
عن أسماء القداح وترتيبها، فهي: المصدّر، ثم المضعّف ثم المنيح ثم السفيح (لا السفّاح).
وقد جاء في المخطوط على ورقتين طيّارتين إضافتان لهذه الترجمة لا تجدان مكانهما المعقول في متن الترجمة، فالأولى هي هذه:
…
[74 أ] وذلك أنّ الخبر أتى السفّاح بخروج مروان من حرّان ونزوله الموصل. فجمع السفّاح أهله وقال: من يلق [ى] مروان دوني؟
فقال له عمّه عبد الله بن عليّ: أنا! وأنا له كفؤ.
فقال: صدقت، وبذلك أخبر الإمام إبراهيم.
فعقد له لواء أسود وألبسه السواد وأنهده إليه. ثم أنشد السفّاح مرتجلا [البسيط]:
يا آل مروان إنّ الله مهلككم
…
ومبدل أمنكم خوفا وتشريدا
لا عمر الله من أنسابكم أحدا
…
وبثّكم في بلاد الخوف تطريدا
ودفعهما إلى رجل حصيف وقال له: تحيّل في إنشادهما في عسكر مروان من حيث لا يعلمون، كأنّك هاتف يهتف بهما.
وسار عبد الله بن علي وجرت بينهم حروب. ثم إنّ ذلك الرجل تحيّل في سرب احتفره حتّى وصل إلى أصل شجرة [74 أ] في معسكر مروان، واتّخذ فيه خروقا خفيّة تخرج الصوت، ثم قام، وأنشدهما ليلا. فظنّوه هاتفا يهتف؛ فتفلّلت عزيمتهم وكان ذلك من أسباب الهزيمة.
ولمّا أتى السفّاح رأس مروان سجد ثمّ أنشأ يقول [الطويل]:
تناولت ثأري في أميّة عنوة
…
وحزت تراثي اليوم عن سلفي قسرا
وألقيت ذلّا في مفارق هامهم
…
وألبستها عزّا ولم آلها فخرا
أما الثانية فهي تكرار لما جاء بلوحة 64 ب فألغيناها.