الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوم أقام الحزن عندي مذ نأوا
…
وبظلّ منزلة العقيق أقاموا
مذ قوّضت يوم الرحيل خيامهم
…
ضربت لهم بين الضلوع خيام
كانت ببطحاء الغوير بيوتهم
…
مبنيّة ولنا بها إلمام
والشمل مجتمع، وقد مدّت على
…
العلمين من ذاك الحمى أعلام
وربى العقيق تفوح من طرب بهم
…
والبان قد غنّى عليه حمام
والحيّ نشوان بطيب حديثهم
…
فكأنّما دارت عليه مدام
وربوعهم قد أصبحت مخضرّة
…
وتعطّرت بشذاهم الآكام
غرم الزمان عليهم فتباعدوا
…
بعد الدنوّ، وللزمان عرام (1)
شالت جمالهم جمالهم ضحى
…
وسروا وفي كبدي لهم إضرام
وتعطّلت أوطانهم وتصرّمت
…
أيّامهم فكأنّها أحلام
فعليهم وعلى حمى حلّوا به
…
وعلى الزمان تحيّة وسلام
1509 - الوزير [علم الدين] ابن زنبور [العلائيّ][- 754]
(2)
[175 أ] عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن زنبور [القبطيّ]، الوزير الصاحب، علم الدين، ابن تاج الدين.
باشر أوّلا استيفاء الوجه القبليّ شريكا (1*) لوهبة ابن شجرة.
وتوجّه صحبة الأمير علم الدين أيدمر الزرّاق الكاشف، فنهض فيما ندب إليه وعاد.
فلمّا كانت مصادرة النّشو (2*) شرف الدين عبد الوهّاب ناظر الخاصّ لأولاد الجيعان استدعى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون عامّة الكتّاب، وعرضهم ليختار منهم. فأثنى القاضي فخر الدين محمّد بن فضل الله المعروف بالفخر ناظر الجيش على ابن زنبور هذا، وعرّف السلطان بأبيه تاج الدين، فعرفه وأثنى عليه الأمير الأكوز شادّ الدواوين. فصرف السلطان الكتّاب، واستدعى ابن زنبور بعد ذلك وخلع عليه، واستقرّ بهناظر الإصطبل (3*) في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة فتمكّن في مباشرته ونال منها سعادة جليلة القدر إلى أن مات السلطان، وتحكّم الأمير آي دغمش أمير أخور في نوبة الناصر أحمد بن محمد [ف] ولّاه استيفاء الصحبة فاستمرّ حتى مات جمال الكفاة إبراهيم (4*) في ربيع الأوّل سنة خمس وأربعين [وسبعمائة][ف] عيّن لنظر الخاصّ، وهو حينئذ قد بعثه جمال الكفاة لكشف القلاع الشاميّة صحبة جركتمر الحاجب (5*)، فتحدّث الأمير أرغون العلائيّ زوج أمّ السلطان الملك الصالح إسماعيل بن محمد ومدبّر دولته في استقراره ناظر الخاصّ عوضا عن جمال الكفاة. وكان يعنى به-
(1) عرم بالتثليث: اشتدّ وخرج عن الحدّ: «به شدّة وعرام» .
(2)
الوافي 17/ 62 (54) - أعيان العصر 29 (31) - السلوك (سنة 745) 2/ 877 - حسن المحاضرة، 2/ 224.
(1*) الوجه القبلي هو صعيد مصر. والاستيفاء هو مراقبة الحسابات من دفع وقبض ومحاسبة في أموال الدولة أو الجهة (دوزي).
(2*) النشو ناظر الخاصّ. وسمّاه في الخطط، 3/ 375:
القاضي شرف الدين.
(3*) في السلوك 881 زاد: عوضا عن ابن جيعان. وبه: بالقصر.
(4*) جمال الكفاة إبراهيم القاضي ناظر الخاصّ ثم الجيش ثم الشدّ (النجوم 10/ 221).
(5*) جركتمر الحاجب: انظر السلوك 2/ 670.
فرسم بطلبه وتوجّه البريد إليه فأبطأ حضوره نحو شهر. فقام الوزير نجم الدين محمود بن عليّ [بن شروين] وزير بغداد (1) في ولاية الموفّق هبة الله بن إبراهيم ناظر الدولة فاستقرّ في نظر الخاصّ.
وقدم ابن زنبور من الشام بعد ولاية الموفّق فباشر استيفاء الصحبة (2) على عادته إلى أن تسلطن الكامل شعبان بن محمّد [ف] ولّاه نظر الخاصّ عوضا عن الموفّق هبة الله بن إبراهيم، واستقرّ كاتبه فخر الدين بن سعيد مستوفي الصحبة عوضه، ثمّ صرف في العشرين من شهر رجب منها بالفخر ابن السعيد المستوفي. وأعيد إلى الاستيفاء عوضا عن ابن السعيد، وكانت مباشرته نظر الخاصّ [نيفا] وثمانين يوما.
ثمّ خلع [176 ب] عليه في عشرين المحرّم سنة سبع وأربعين [وسبعمائة] واستقرّ في نظر الدولة عوضا عن تقيّ الدين سليمان بن عليّ بن مراجل، رفيقا للوزير نجم الدين محمود بن عليّ وزير بغداد.
ثمّ أعيد إلى نظر الخاصّ في عاشر جمادى الآخرة منها. وأضيفت إليه الوزارة، فخلع عليه في يوم الخميس سابع عشرين ذي القعدة سنة إحدى وخمسين، فاستقلّ بالوزارة ونظر الجيش ونظر الخاصّ بعد ما تمنّع واشترط شروطا كثيرة.
ونزل إلى داره في موكب عظيم.
وجلس يوم السبت تاسع عشرينه بشبّاك الوزارة من قاعة الصاحب بالقلعة في دست الوزارة.
وجلس الموفّق ناظر الدولة قدّامه ومعه جماعة
المستوفين، فطلب جميع مباشري الدولة وقرّر ما يعتمدو [ن] هـ وطلب الحاج محمد بن يوسف المقدّم وشدّ وسطه (1*) وأعاده إلى تقدمة الدولة، وقد كان عزل في وزارة الأمير منجك بابن عمّه أحمد ابن [أبي] زيد. وطلب المعاملين وسلّفهم على اللحم وغيره. وتقدّم بكتابة ما عليه الحال في بيت المال وفي الأهراء: فلم يكن بها درهم ولا إردبّ غلّة، وعرض ذلك كلّه على السلطان والأمراء.
وشرع في عرض الكتّاب والشادّين، وعمل أوراق المتأخّر في النواحي. واهتمّ بتدبير الدولة اهتماما زائدا. وأنفق في بيت السلطان جامكية (2*) شهر، وحمل إلى الحوائج خاناه (3*) ما يحتاج إليه من السكّر والقلوبات (4*) والزيت ونحو ذلك من الأصناف.
وكتب له في تقليد الوزارة «الجناب العالي» ولم تكتب لوزير قبله، وحمل التقليد إليه القاضي علاء الدين علي بن فضل الله فخرج إلى لقائه وبالغ في إكرامه وبعث إليه بتقاديم جليلة.
(1) وزير بغداد: نجم الدين محمود بن علي بن شروين. قدم من بغداد إلى القاهرة فولي الوزارة ثلاث مرّات. وقتل بغزّة سنة 748 (السلوك 2/ 755).
(2)
استيفاء الصحبة: «هذا الديوان هو أرفع دواوين الأموال، وفيه تثبت التواقيع والمراسيم السلطانيّة. وصاحبه يتحدّث في جميع المملكة مصرا وشاما، ويكتب مراسيم يعلّم عليها السلطان» (صبح الأعشى 4/ 29).
(1*) شدّ الوسط: قال ناشر السلوك المرحوم محمد مصطفى زيادة 2/ 663 هامش 3: لعلّها تعني تقليد الإمارة.
وفي الصبح 5/ 34 و 4/ 40: «أرباب السلطان [يلبسون] القباء الإسلاميّ يشدّ عليه السّيف من اليسار» .
وسمّاها أيضا «مناطق مشدودة» وأيضا «الحياصة» فضّة وحتى ذهب. (قال) ولا ترصّع المناطق بالجواهر إلّا في خلع السلطان لأكابر الأمراء.
(2*) الجامكيّة ج جوامك: الراتب المقرّر والجراية في كلّ شهر (صبح 11/ 42، 14/ 398) فالمقاتلة لهم جامكيّة شهرية من الدينارين إلى العشرين (صبح 3/ 519).
(3*) الحوائج خاناه: ومعناها بيت الحوائج، منها يصرف اللحم للمطبخ السلطني والدور السلطانيّة ورواتب الأمراء والمماليك وسائر الجند
…
وكذلك توابل الطعام، والزيت للوقود، والحبوب
…
وهي من أوسع جهات الصرف (صبح، 4/ 12).
(4*) القلوبات: المكسّرات المقشورة (كالجوز واللوز): السلوك 2/ 829 هـ 2.
ولم يزل على أجلّ رتبة إلى أن قدم السلطان الملك الصالح بن محمد من دمشق في نوبة الأمير بيبغا أروس القاسميّ نائب حلب. وعمل الوزير المهمّ العظيم (1) في يوم الخميس سابع عشرين شوّال سنة ثلاث وخمسين [وسبعمائة] ومدّ للسلطان سماطا بالغ في الاحتفال به. فخلع عليه وعلى جميع أرباب الوظائف من الأمراء والمباشرين بعد العصر.
فاتّفق أنّه لمّا فرّقت التشاريف (2) التي تخلع على الأمراء غلط الذي أخذ تشريف الأمير صرغتمش رأس نوبة ودخل به إلى الأمير بلبان السناني أستادار (3) ودخل بتشريف بلبان لصرغتمش. [177 أ] فعند ما رآه صرغتمش ظنّ أنّ ابن زنبور تعمّد ذلك احتقارا له، وكان في نفسه منه كوامن، فاشتدّ غضبه، وقام من فوره، وخرج من داره بالقلعة وعبر إلى بيت الأمير شيخو العمري وألقى التشريف قدّامه وقال: انظر فعل الوزير معي!
فقال له شيخو: هذا قد حصل فيه غلط من الذي حمله إليك.
فلم يعجبه منه ذلك وتزايد غضبه، وخرج وبه من الغضب شبه الجنون وهو يقول: هذا شغل الوزير، وأنا ما أرضى بالهوان. والله لا بدّ لي من القبض عليه، ومهما شئت فافعل بي!
فلسوء المقدور صادف الوزير داخلا إلى الأمير
شيخو، وعليه تشريفه، فصاح في مماليكه:
خذوه!
فنزعوا عنه في الحال التشريف وجرّوه إلى بيت أستاذهم الأمير صرغتمش فسجنه في مكان مظلم من بيته. وسجن ابنه رزق الله في موضع آخر.
وكان [صرغتمش] قبل أن يدخل على الأمير شيخو رتّب عدّة من مماليكه على باب خزانة الخاصّ (1*) وعلى باب النحاس وعلى أبواب القلعة، وأوصاهم بالقبض على حواشي ابن زنبور وجميع الكتّاب. فقبضوا على الجميع، وطمعت الغلمان فيهم فسلبوا عدّة من الكتّاب ثيابهم، وحصّل الغلام الواحد ستّ عشرة دواة رهنا على [ما] وعدوه به فجباهم وع [و] دهم من الغد.
وعند ما قبض صرغتمش على ابن زنبور أرسل الأمير جرجي والأمير قشتمر في عدّة مماليك إلى دوره فأوقعوا الحوطة عليها وختموها. وختموا بيوت الزامه (2*) وحريمهم وقت المغرب، وهم آمنون قد اجتمعوا في أفراحهم وتهانيهم. [177 ب] وكتب إلى الأعمال بالحوطة على أمواله مصرا وشاما.
وركب صرغتمش في يوم السبت، ومعه رزق الله ابن الوزير، إلى دورهم وأحضر أمّه وهدّدها.
فأخذ خمسة عشر ألف دينار ذهبا وخمسين ألف درهم فضّة، وصندوقا فيه ستّة آلاف دينار ومصاغ. ووجد في ثقله الذي قدم به من الشام ستّة آلاف دينار ومائة وخمسين ألف درهم فضّة، ومن الثياب والفرو ونحو ذلك ما يجلّ وصفه. ونقل ما في دور أزواج بناته. وطلب بناته فلم يقدر
(1) المهمّ: المأدبة الفاخرة.
(2)
التشريف: نوع من الخلع الفاخرة «وهو جبّة أطلس أسود بطراز مذهب وطوق من ذهب يجعل في عنق المنعم عليه» (صبح 3/ 272).
(3)
الأستادار: هو الذي يحكم في غلمان السلطان وفي باب داره والحاشية والمطابخ والشراب خاناه (صبح 4/ 20).
(1*) خزانة الخاصّ أو خزانة الكسوة، إليها يحمل ما يعمل بدار الطراز بتنيس ودمياط والإسكندرية، وفيها تفصّل الخلع والتّشاريف (صبح 3/ 472).
(2*) في السلوك 2/ 878: أصهاره.
عليهنّ. وعاد إلى القلعة.
وصار صرغتمش ينزل ومعه بدر الدين ناظر الخاصّ وشهود الخزانة وينقل حوامل ابن زنبور حتى أعياهم كثرة ما وجدوا له. وتتبّعت حواشيه فوجد له في ركن داره خمسة وستّون ألف دينار.
ثمّ [طلبه] وجرّده من ثيابه وضربه عريانا فلم يعترف بشيء وعاقب ابنه وامرأته عدّة أيّام.
فكانت عدّة الحمّالين الذين حملوا على رءوسهم ما وجد له من القماش ونحوه ثمانمائة حمّال، سوى ما حمل على البغال.
ووجد له من أواني الذهب والفضّة ما زنته ستّون قنطارا، ومن الجواهر ستّون رطلا، ومن اللؤلؤ كيل إردبّين، ومن الذهب الهرجة (1) مائتا ألف دينار وأربعة آلاف دينار، ومن الحوائص ستّة آلاف حياصة وستّة آلاف كلفتاه زركش.
ووجد له ألفا فرجيّة (2) كان يلبسها، وستّة آلاف بساط، ومن الصنج التي يوزن بها ما قيمته خمسون ألف درهم، ومن الشاشات ثلاثمائة شاش.
ومن الخيل والبغال ألف رأس، ومن البقر ستّة آلاف رأس، وأغنام حلّابة ستّة آلاف [178 أ] رأس.
وخمسة وعشرون معصرة للسكّر. وبيد حواشيه سبعمائة إقطاع، متحصّل كلّ إقطاع منها خمسة وعشرون ألف درهم في كلّ سنة.
ومائة عبد، وستّون طواشيّ، وسبعمائة جارية، وسبعمائة مركب في النيل.
وأملاك قوّمت بثلاثمائة ألف دينار، ورخام
بمائتي ألف درهم، ونحاس بأربعة آلاف دينار، وسروج وبدلات، عدّة خمسمائة.
ووجد له اثنان وثلاثون مخزنا ملانة بأصناف البضائع قوّمت بأربعمائة ألف دينار.
وسبعة آلاف نطع،
وخمسمائة حمار،
ومائتا بستان، وألف وأربعمائة ساقية.
وفي بيت المال مائة وستّون ألف درهم، وفي الأهراء عشرون ألف، وذلك سوى ما نهب له وقت الحوطة وسوى ما اختلس له.
على أتّ موجوده قوّم وبيع بنصف قيمته.
وكان قد عظم إلى الغابة بحيث كان، إذا أخرجت الخيول من الإصطبل السلطان [يّ] للتفرقة على أرباب الوظائف في كلّ سنة تخرج له ثلاثة أرؤس. وإذا خلع على أرباب الوظائف يخلع عليه ثلاث خلع.
وبعدت كلمته وقويت مهابته، وفخمت نعمته وتجاوزت سعادته. واتّجر في سائر الأصناف حتى في الملح والكبريت. وكان ربح متجره في سنة واحدة زيادة على ألف ألف درهم، منها ربحه في الزيت الحارّ خاصّة مائة ألف وعشرة آلاف درهم.
فكثرت حسّاده وعاداه الكتّاب لضبطه، فأحصوا عليه ما يتحصّل له وأخذوا في إغراء الأمير صرغتمش به، وأنّه كان يحمل إلى الأمير شيخو مال الخاصّ كلّه، وأنّه هو الذي عمّر له الدار التي على النيل، ويقوم له بما يحتاج إليه في [178 ب] كلّ سنة من الحوائص، حتّى امتلأ من عداوته وصار يسمع شيخو ما ينكيه به ويشنّع عليه بسبب ابن زنبور، ويلتزم أنّه إن مكّن منه أخذ للسلطان أموالا ينتفع بها، وشيخو يتلطّف به ويدافعه عنه، وابن زنبور يصانعه ويحمل إليه الأموال، وهو لا يزداد إلّا حنقا عليه.
(1) الهرجة: هكذا أيضا في السلوك، 2/ 880 ولم نفهمها، وفي أعيان العصر مع نفس المبلغ: ذهب مصكوك.
(2)
الفرجيّة: رداء «مفرّج من قدّام من أعلاه إلى أسفله مزرّر بالأزرار» (صبح 4/ 42) وهي في النفاسة دون دلق القضاة.
والحياصة هي المنطقة أو الحزام. والكلفتاه كالوتة الرأس. وانظر السلوك 2/ 880.