الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النهج الأمم ولم تجر عن قصد السبيل، نفق في سوقها الإبريز الخالص واللجين المصفّى. وإن ذهبت مع الأغراض والحقود وماجت بسماسرة البغي والباطل، نفق البهرج والزائف. والناقد البصير قسطاس نظره وميزان بحثه وملتمسه (1)، والله الموفّق.
[رجوع إلى المهديّ]
وكانت ولادة المهديّ بسلميّة في ربيع الأوّل سنة ستّين ومائتين. وقيل: ولد ببغداد في سنة تسع وخمسين. وقيل: ولد بالكوفة فيها (2).
ويقال إنّ الحسين لمّا صرف عهده إليه قال له:
«إنّك ستهاجر بعدي هجرة بعيدة، وتلقى محنا شديدة» . وقيل إنّه أخرجه لخاصّة ولده سنة ثمان وستّين ومائتين، وعمره تسعة أعوام، وأظهر لهم العلامات التي فيه، وأعلمهم أنّ عبيد الله هذا ولده، وهو المهديّ وأنّه العاشر من ولد الحسين بن علي والثاني عشر من أبي طالب كما وجد في ملحمة (3) علي بن أبي طالب. ثمّ دفع إلى ولده عبيد الله المهديّ الملحمة وأعلمه أنّه هو العاشر من ولد الحسين. وأنّ في العاشر من ولد عبيد الله ستقطع دولتهم كما قامت في العاشر من ولد الحسين.
فقام بعد وفاته بالأمر وانتشرت دعوته وظهر أمره ببلاد المغرب على يد أبي عبد الله الحسين بن أحمد الشيعيّ وأطاعته كتامة. فلمّا استقام أمر أبي عبد الله ببلاد المغرب أنفذ رجالا من كتامة يثق بهم إلى عبيد الله المهدي ليخبروه بما فتح الله وأنّهم ينتظرونه. وكان خبر عبيد الله قد شاع عند الدولة
العبّاسيّة فطلب، وذلك في أيّام المكتفي بالله.
فخاف عبيد الله على نفسه فخرج من سلميّة ومعه ابنه أبو القاسم محمد نزار- ويقال: عبد الرحمن- وهو يومئذ غلام حدث حين طرّ شاربه، والمهديّ شابّ عند كماله، وخرج معه خاصّته ومواليه، يريد الهجرة إلى أرض المغرب، وذلك في أيّام زيادة الله بن الأغلب. فقدم مصر في زيّ التجّار (1*).
وذكر الأمير المختار عزّ الملك محمد بن عبيد الله بن أحمد المسبّحي (2*) في [219 أ] تاريخه من حوادث سنة إحدى وتسعين ومائتين: فيها قدم الإمام المهديّ ومعه ابنه القائم إلى مصر وأمل أن يقصد اليمن، وكان قد تقدّم بعض دعاته إلى اليمن وفسد أمره، فكره دخولها على هذه الحال فأقام بمصر مستترا في زيّ التجّار. فأتت الكتب من بغداد إلى صاحب مصر بالقبض عليه والأمر بطلبه إلى العامل بها. وكان بعض خاصّة ذلك العامل وليّا مؤمنا فأسرع إلى المهديّ بالخبر، فخرج ومعه ابنه القائم وبعض عبيده، ومعه أموال كثيرة، فاشترى بضائع وجعل الأموال في الأحمال وسار في رفقة في زيّ التجّار.
وأخبرني حسن بن محمد بن أبي علي الداعي أنّ الإمام المهدي صلّى يوما في الجامع العتيق بمصر الصبح تحت اللوح الأخضر، ومعه أبو عليّ
(1) هكذا في المقدّمة، وفي المنقول منها في الاتّعاظ. 66.
ولعلّ الجملة تمّت بالخبر: قسطاس وميزان.
(2)
أي في سنة 259.
(3)
الملحمة هنا: كتاب فيه تنبّؤات بما سيحدث لهم.
(1*) في خروج المهديّ من سلميّة إلى المغرب وأحداث الرحلة، انظر رسالتي «استتار الإمام» و «سيرة جعفر الحاجب» اللتين نشرهما إيفانوف، بمجلّة كلّيّة الآداب بمصر مجلد 4/ 2 ديسمبر 1936. وانظر طبعتنا لكتاب عيون الأخبار، ابتداء من ص 143.
(2*) المسبّحي المؤرّخ (ت 420/ 1029): له ترجمة في الوفيات (رقم 653) وينقل ابن خلّكان كثيرا عن «تاريخه الكبير» ، المسمّى تارة تاريخ مصر، وتارة «تاريخ المغاربة ومصر» . ويظهر أنّ هذا الكتاب مفقود مثل بقيّة مؤلفاته.
الداعي (1)، فلمّا خرجا من الباب الأوّل ضرب رجل بيده على كمّ الإمام وقال: قد حصلت لي عشرة آلاف دينار.
قال له: وكيف ذاك؟
قال: لأنّك الرجل المطلوب.
فضحك المهديّ وقال لأبي علي الداعي: قدّر هذا الرجل يا أبا علي أنّني ذلك الرجل الذي أريتك إيّاه السّاعة.
ثم ضرب بيده على يد ذلك الرجل الذي ضرب بيده إلى كمّه ودخل معه إلى صدر الجامع وقال له: عليك عهد الله وغليظ ميثاقه أنّني إذا جمعت بينك وبين الرجل الذي تطلبه، كان لي عليك ولصديقي خمسة آلاف دينار؟
ثمّ أخذ بيده وأتى به إلى حلقة قد اجتمع الناس فيها وأدخله من جانبها وفارقه فخرج من الجانب الآخر ولم يلتقوا إلى هذه الغاية.
(قال) وكنت (2) يوما قائما على الجسر بمصر
مع الإمام المهديّ إلى أن سمعت الجرس والنداء عليه: «ألا برئت الذمّة من أحد آوى رجلا من صفته كذا ومن نعته كذا- ووصف صفة المهديّ- ومن أتى به فله عشرة آلاف دينار. حلالا طيّبا» .
فقال لي: «يا أبا عليّ، المقام بعد هذا عجز» ثمّ ركب الجسر وسرت معه. وسألته أن أسير معه إلى المغرب. فقال: «على من أدع من لي ههنا؟ » فبكيت، فأنشدني شعر امرئ القيس [الطويل]:
بكى صاحبي لمّا رأى الدرب دونه
…
وأيقن أنّا لا حقان بقيصرا
فقلت له: لا تبك عينك إنّما
…
نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
ثمّ قبّلت يده وفارقته.
وقال غيره: لمّا وصل المهديّ ومعه ولده القائم نزلا بدار ابن طلحة بعقبة بني فليح في سنة تسع وثمانين ومائتين [219 ب].
وقال مؤرّخ القيروان (1*): فلمّا وصل المهديّ إلى مصر في زيّ التجّار كان عامل مصر عيسى النوشريّ. فأتت الكتب إلى عيسى بأن يقبض عليه- وفيها حليته- من جهة الخليفة، وأنّه ممّن يطلب الأمر لنفسه. وكان المهديّ قد خرج من مصر. فلمّا وصل الكتاب إلى النوشريّ فرّق الرسل في طلبه وخرج بنفسه فلحقه، فلمّا رآه لم يشكّ فيه فقبض عليه وأنزله في بستان وأحضر طعاما وسأله أن يأكل معه. فاعتذر بأنّه صائم.
فرقّ له ودعاه في خلوة وقال له: أصدقني على أمرك، فإنّي أتلطّف في خلاصك.
فخوّفه المهديّ من الله وقال له: اتّق الله، فإنّما أنا رجل تاجر ولست أعرف شيئا ممّا تقولونه.
فخلّى سبيله. ويقال إنّه أعطاه مالا أقرّ عينه.
(1) أبو علي الداعي «باب الأبواب» : هو داعي المهديّ بمصر، الحسن بن أحمد
…
بن عقيل بن أبي طالب (انظر عيون الأخبار، 237). توفّي بإفريقيّة سنة 321 فخلفه ابنه أبو الحسن في منصب داعي الدعاة.
فالحسن بن محمد الذي ينقل عنه المسبّحي هو حفيد باب الأبواب أبي علي، وهو بدون شكّ معاصر للمؤرّخ.
وفي سيرة جعفر الحاجب، 114، ذكر «لمحمد بن الحسين داعي الدعاة الذي بلغ مع الأئمّة المهديّ والقائم والمنصور والمعزّ المحلّ الجليل العظيم» .
واللوح الأخضر: يبدو أنّه ركن من الجامع العتيق مغلّف أو مسقّف بلوح أخضر. انظر الخطط 2/ 249 وحسن المحاضرة 2/ 150.
(2)
المتكلّم هنا هو أبو علي الداعي باب الأبواب. وراوي حديثه هو حفيده الحسن بن محمّد الذي يتحدّث إلى المسبّحي المؤرّخ. وهذا الخبر ملخّص في عيون الأخبار، 151.
(1*) ابن شدّاد.