الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال: معاذ الله! إنّ الله كتب بني أميّة وابن الزبير محلّين (1) وإنّي والله لا أحلّه أبدا. قال الناس: بايع لابن الزبير! فقلت: وأنّى بهذا الأمر عنه؟ أمّا أبوه فحواريّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأمّا جدّه فصاحب الغار- يعني أبا بكر رضي الله عنه وأمّا أمّه فذات النطاقين. وأمّا خالته فعائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها. وأمّا عمّته فخديجة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم. وأمّا عمّة رسول الله صلى الله عليه وسلم صفيّة فجدّته.
ثم عفيف في الإسلام قارئ القرآن، والله لأحاسبنّ نفسي له محاسبة ما حاسبتها لأبي بكر وعمر، رضي الله عنهما. إنّ ابن أبي العاصي برز يمشي القدميّة- يعني عبد الملك بن مروان- وإنّه لوى دينه- يعني ابن الزبير.
وعن الشعبي (2) أنّ ابن الزبير قال لابن عبّاس:
قاتلت أمّ المؤمنين وحواريّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفتيت بتزويج المتعة.
فقال: أمّا أمّ المؤمنين فأنت أخرجتها وأبوك، وبنا سمّيت أمّ المؤمنين، وكنّا لها خير بنين، فتجاوز الله عنها!
وقاتلت أنت وأبوك عليّا، فإن كان عليّ مؤمنا فقد ضللتم بقتال المؤمنين. وإن كان كافرا فقد بؤتم بسخط من الله لفراركم من الزحف.
وأمّا المتعة فإنّه بلغني أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رخّص فيها وأنّ أوّل مجمر (3) سطع في المتعة (4)
لمجمر في آل الزبير.
[بين ابن عبّاس وابن الزبير]
وقال هشام الكلبي عن أبي مخنف (1*) وعوانة قالا: قال عبد الله بن الزبير يوما، وهو على منبر مكّة، وابن عبّاس حاضر: إنّ ههنا رجلا أعمى الله قلبه [205 أ] كما أعمى بصره، يزعم أنّ متعة النساء حلال من الله ورسوله، يفتي في القملة والنملة، وقد حمل ما في بيت مال البصرة وترك أهلها يرضخون النوى. وكيف يلام على ذلك، وقد قاتل أمير المؤمنين وحواريّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن وقاه بيده- يعني طلحة رضي الله عنه؟
فقال ابن عبّاس لقائده سعيد بن جبير: «استقبل بي ابن الزبير! » ثم حسر عن ذراعيه وقال: يا ابن الزبير [الرجز]:
إنّا إذا ما فئة نلقاها
…
نردّ أولاها على أخراها
حتّى تصير ضرعا دعواها
…
قد أنصف القارة من راماها (2*)
يا ابن الزبير، أمّا العمى فإنّ الله يقول: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج، 46].
وأمّا فتياي في النملة والقملة فإنّ فيهما حكمين لا تعلمهما أنت ولا أصحابك.
وأمّا حمل مال البصرة فإنّه كان مالا جبيناه ثمّ أعطينا كلّ ذي حقّ حقّه، وبقيت بقيّة هي دون حقّنا في كتاب الله وسهامه، فأخذناه بحقّنا.
(1) كان ابن الزبير يدعى «المحلّ» لإحلاله القتال في الحرم (العقد 4/ 413).
(2)
العقد 4/ 14. والشعبيّ إمّا عامر بن شراحيل (ت 105) المعارف 449، أو الحسن بن إبراهيم القاضي (مروج 1347، 1352).
(3)
المجمر: هو الذي يتبخّر به، ويعدّ له الجمر ويوضع فيه البخور (اللسان: جمر).
(4)
في العقد 4/ 14 والمروج 1953: يريد متعة الحجّ لا متعة النساء.
(1*) في المخطوط: أبي مخنقة. وهو أبو مخنف الأزدي (المعارف 537).
(2*) في المروج 3/ 280 (1952): الرجز لرجل من قبيلة القارة (هامش المحقّق رقم 3). وانظر مجمع الأمثال 2867 وفصل المقال للبكري 205 واللسان (قور).
وأمّا المتعة فإنّ أوّل مجمر سطع في المتعة مجمر في آل الزبير، فسل أمّك عن بردي عوسجة!
وأمّا قتال أمّ المؤمنين فبنا سمّيت أمّ المؤمنين لا بك وبآبائك، فانطلق أبوك وخالك- يعني طلحة- فعمدا إلى حجاب مدّه الله عليها فهتكاه عنها، ثمّ اتّخذاها فئة يقاتلان دونها وصانا حلائلهما في بيوتهما. فو الله ما أنصفا الله ولا محمّدا صلى الله عليه وسلم في ذلك.
وأمّا قتالنا إيّاكم فإن كنّا لقيناكم زحفا ونحن كفّار فقد كفرتم بفراركم من الزحف. وإن كنّا مؤمنين فقد كفرتم بقتالكم إيّانا. وايم الله! لولا مكان خديجة فينا وصفيّة فيكم ما تركت لك عظما مهمورا (1) إلّا كسرته!
فلمّا نزل ابن الزبير سأل أمّه عن بردي عوسجة فقالت: ألم أنهك عن ابن عبّاس وبني هاشم؟
فإنّهم كعم (2) الجواب إذا بدهوا.
قال: بلى، فعصيتك.
قالت: فاتّقه، فإنّ عنده فضائح قريش.
فقال في ذلك أيمن بن خريم بن فاتك الأسديّ [البسيط]:
يا ابن الزبير لقد لاقيت بائقة
…
من البوائق فالطف لطف محتال [205 ب]
لقيته هاشميّا طاب مغرسه
…
في منبتيه كريم العمّ والخال
ما زال يقرع منك العظم مقتدرا
…
على الجواب بصوت مسمع عال
حتى رأيتك مثل [الضبّ] منحجرا
…
خلف الغبيط، وكنت البادئ الغالي
إنّ ابن عبّاس المحمود حكمته
…
حبر الأنام له حال من الحال
عيّرته المتعة المتبوع سنّتها
…
وبالقتال، وقد عيّرت بالمال
لمّا رماك على رسل بأسهمه
…
جرى عليك كسوف الحال والبال
واعلم بأنّك إن حاولت نقصته
…
عادت عليك مخاز ذات أذيال (1*)
وقال حسّان بن ثابت الأنصاري في عبد الله بن عبّاس رضي الله عنه، وقد كلّم عاملا في الأنصار وكلّمه فيهم غيره فلم يبلغ أحد منهم مبلغه في الكلام حتّى قضيت حاجتهم [الطويل]:
إذا قال لم يترك مقالا لقائل
…
بمنتظمات لا ترى بينها فصلا
كفى، وشفى ما في النفوس، ولم يدع
…
لذي إربة في القول جدّا ولا هزلا
سموت إلى العليا بغير مشقّة
…
فنلت ذراها لا دنيّا ولا وغلا
وقال أبو الزناد عن الأعرج عن عبد الرحمن بن حسّان عن أبيه حسّان بن ثابت قال: بدت لنا معشر الأنصار إلى الوالي حاجة، وكان الذي طلبنا أمراصعبا. فمشينا إليه برجال من قريش وغيرهم، فكلّموه وذكروا له وصيّة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا. فذكر
(1) مهمور: في المعاجم: الهمر من الناس: الغليظ.
(2)
كعم ج أكعم: وهو مكعوم الفم مشدود كما يكعم البعير (اللسان). والمنتظر أن تقول أسماء غير هذا إذ تحذّر ابنها من بداهة ابن عبّاس.
هذا ولم نتبيّن قصّة بردي عوسجة. ففي مروج الذهب، 3/ 280 إشارة إلى «البردة والعوسجة» دون تفصيل، وكأنّ ابن عبّاس يعني متعة الحجّ لا متعة النساء فإنّ الزبير أبعد عنه أسماء وقد أحلّت بعد الإحرام ولبست ثيابها وتطيّبت، فخاف «أن يثب عليها» . ولم نجد شرحا للسؤال في مادّتي برد وعوسجة.
(1*) هذه الأبيات لا توجد ضمن ما جمعه الطيّب العشّاش من شعر أيمن بن خريم (حوليّات، 9/ 1972 ص 101) ولا في ترجمة أيمن التي مرّت برقم 893.