الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1561/ 18 - الشهاب السهرورديّ الصوفيّ [539 - 632]
(1)
[197 أ] عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سعد بن الحسن بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (رضه)، الشيخ العارف، شيخ الشيوخ، أبو حفص، شهاب الدين، السهرورديّ، الصوفيّ، ابن أخي الشيخ أبي النجيب عبد القاهر بن عبد الله.
ولد بسهرورد (2) في رجب سنة تسع وثلاثين وخمسمائة. سمع الحديث من عمّه أبي النجيب، ومن أبي المظفّر هبة الله بن أحمد بن محمد ابن الشبليّ، وأبي الفتح محمد بن عبد الباقي ابن البطّيّ (3)، وأبي زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسيّ، وأبي بكر سلامة بن أحمد ابن الصدر وغيرهم. وصحب عمّه وغيره من المشايخ وسلك طريق الرياضات والمجاهدات، وقرأ الفقه والخلاف والعربيّة وحصّل من العلم ما لا بدّ منه.
ثمّ انقطع عن الناس ولازم الخلوة واشتغل بإدامة الصيام والقيام والذكر وتلاوة القرآن إلى أن خطر له عند علوّ سنّه أن يظهر للناس ويتكلّم عليهم.
فعقد مجلس الوعظ [157 ب] بمدرسة عمّه على شاطئ دجلة من بغداد، وكان قدمها في صباه.
وصار يتكلّم بكلام مفيد من غير تزويق ولا تنميق، وحضر عنده خلق عظيم وظهر له قبول عظيم من الخاصّ والعامّ، واشتهر اسمه وقصده المريدون
من سائر الأقطار وظهرت بركة أنفاسه على خلق كثير من العصاة فتابوا وأنابوا إلى الله (عج) وحسنت طرائقهم، ووصل به خلق عظيم إلى الله (عج)، وصار له أصحاب وأتباع كالنجوم يعرفون أينما كانوا. وبقي شيخ وقته في علم الحقيقة وطريق التصوّف. وانتهت إليه الرئاسة في تربية المريدين.
ودعا الخلق إلى الله تعالى وتسليك طريق العبادة والزهد في الدنيا. وكان صدوقا نبيلا.
وله مؤلّفات، منها: كتاب عوارف المعارف في شرح علوم الصوفيّة وأحوالهم. وكتاب مغاني العاني في التصوّف وآداب القوم وأحوالهم، حدّث به مرارا. وأملى في آخر عمره كتابا في الردّ على الفلاسفة.
وكان أرباب الطريق من مشايخ العصر يكتبون من البلاد صورة فتاوى يسألونه عن أشياء من أحوالهم ومواجيدهم فكتب إليه بعضهم: يا سيّدي إن تركت العمل أخلدت إلى البطالة، وإن عملت دخلني العجب، فأيّهم أولى؟
فكتب في جوابه: اعمل واستغفر الله من العجب.
ثم إنّه ندب إلى الرسالة ليفد رسولا من الديوان العزيز مرّات إلى الشام ومصر والعراق وخوارزم، ورأى من الجاه والحرمة عند الملوك ما لم يره أحد من أبناء جنسه. ثم إنّه رتّب شيخا بالرباط الناصريّ وغيره من الربط، وجلس للوعظ مدّة.
ثم إنّه أضرّ في آخر عمره وأقعد فكان لا يقدر على القيام، ومع ذلك فما أخلّ بالأوراد من النوافل وتلاوة القرآن ودوام الذكر وحضور المسجدالجامع يوم الجمعة في محفّة والمضيّ إلى الحجّ في المحفّة، إلى أن دخل في عشر المائة وعجز وضعف فانقطع في منزله إلى حين وفاته يوم الأربعاء مستهلّ المحرّم سنة اثنتين وثلاثين
(1) وفيات، 22/ 446 (496). أعلام النبلاء، 22/ 373 (239). المنذريّ، 3/ 380 (2565). درويش 2/ 306 (361).
(2)
في المخطوط: شهرزور، وهي غيرها. انظر ياقوت في الموضعين.
(3)
ابن البطّيّ (ت 560): أعلام النبلاء 20/ 481 (304).
وستّمائة، وكانت جنازته عظيمة.
وكان تامّ المروءة كبير النفس ليس للمال عنده قدر. ولقد حصل له ألوف كثيرة من المال فأنفقها ولم يدّخر منها شيئا، ومات ولم يخلّف كفنا ولا شيئا من أسباب الدنيا. وكان مليح الخلق والخلق متواضعا كامل الأوصاف الجميلة والأخلاق الشريفة.
وحجّ مرّة وفي صحبته خلق من الفقراء لا يعلمهم إلّا الله. وكان مع ذلك يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويعظ في ثياب البذلة (1) ويغيث الملهوف ويعين المحتاجين.
ومن شعره قوله [158 أ][البسيط]:
ربع الحمى مذ حللتم معشب نضر
…
تروق أكنافه يزهو بها النظر
لا كان وادي الغضا لا ينزلون به
…
ولا الحمى سحّ في أرجائه مطر
ولا الرياح وإن رقّت نسائمها
…
إن لم تفد نشركم، لا ضمّها سحر
ولا خلت مهجتي تشكو دسيس جوى
…
وحرّ قلبي بريّا حبّكم عطر
ولا رقت عبرتي حتّى تكون لمن
…
ذاق الهوى وصبا في عبرتي عبر
وقوله [المخلّع]:
تصرّمت وحشة الليالي
…
وأقبلت دولة الوصال
وصار بالوصل لي حسودا
…
من كان في هجركم رثى لي
وحقّكم بعد إذ حصلتم
…
بكلّ ما فات لا أبالي
تقاصرت عنكم قلوب
…
فيا له موردا خلالي
عليّ ما للورى حرام
…
وحبّكم في الحشا حلالي
تشرّبت أعظمي هواكم
…
فما لغير الهوى وما لي
فما على عادم أجاجا
…
وعنده [أعين] الزلال (1*)
ووعظ لمّا قدم دمشق فلم يتحرّك أحد فأنشد على الكرسيّ [الكامل]:
لا تسقني وحدي فما عوّدتني
…
أنّي أشحّ بها على جلّاسي
أنت الكريم وما يليق تكرّما
…
أن تحرم الندماء دور الكاس
فلم يبق أحد حتى تواجد وطاب، وقطّعت يومئذ جماعة شعورهم من على رءوسهم وتابوا عن الخطايا.
وقال مرّة في مجلس وعظه [البسيط]:
ما في الصحاب أخو وجد يطارحني
…
حديث ليلى ولا صبّ يجاريني
فأنشد بعض الحاضرين:
ما في الرفاق أخو وجد يطارحه
…
إلّا محبّ له في الركب محبوب
كأنّما يوسف في كلّ راحلة
…
والحيّ في كلّ بيت منه يعقوب
فصاح ونزل عن المنبر وقصد الشابّ الذي أنشد البيتين وكان الجمع عظيما، فلم يجده ووجد موضعه حفرة فيها دم كثير من شدّة ما فحصبقدميه عند تواجده.
(1) «التبذّل ترك التزيّن
…
والهيئة الجميلة تواضعا» (اللسان: بذل).
(1*) بياض بالأصل، والإكمال من طبقات الأولياء لابن الملقّن، 264.