الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخزائن من الأمتعة، وضرب انية الذهب والفضّة ليفرّقها في أصحابه. وأمر بإحراق مواضع فرميت بالنفط والنيران فقتل بها خلق كثير. فكثر الحرب ببغداد والهدم ودرست المنازل وأحرقت الدروب والدور حتّى أوحشت بغداد من الخراب الشنيع.
وقبض طاهر ضياع من لم يخرج إليه وسمّى منازلهم «دار النكث» وأخذ أموال من لم يأته من بني هاشم فذلّوا وانكسروا. وضعفت الأجناد عن القتال، إلّا باعة الطريق والعراة وأهل السجون والأرباض والطرّارين (1) وأهل السوق، فكانوا ينهبون أموال الناس. واستأمن إلى طاهر جماعة من قوّاد الأمين وصاروا إليه. فاستولى على ما كان بأيديهم من نواحي بغداد في جمادى الآخرة [سنة 197]. ثم استأمن إليه محمد بن عيسى صاحب شرطة الأمين، وكان مجدّا في نصرة الأمين، ففتّ ذلك في عضد الأمين وأشفى على الهلاك.
ثم اقتتل العيّارون والباعة مع الأجناد قتالا عظيما قتل فيه جماعة من أصحاب طاهر وقوّاده، فلم يكن عليه وقعة أشدّ منها. فما زال طاهر يكاتب القوّاد والهاشميّين وغيرهم بعد أن أخذ ضياعهم ودعاهم إلى الأمان وبيعة المأمون حتى أجابه كثير منهم.
وأقبل الأمين على الأكل والشرب، ووكّل الأمر إلى محمد بن عيسى بن نهيك، فكان من الفسّاق [121 ب] والغوغاء ما لم يسمع بمثله. فلمّا طال ذلك على الناس خرج من بغداد من به قوّة، فكان أحدهم إذا خرج أمن على نفسه وماله. فكان العيّارون أصحاب الأمين يقاتلون طاهرا وأصحابه من أهل النجدة والبأس، وهم عراة لا سلاح لهم، وفي يد أحدهم باريّة مقيّرة وتحت إبطه مخلاة فيها
حجارة، فكلّما رماه الفارس الشجاع صاحب السلاح والعدّة والقوّة بسهم استتر منه العيّار فيقع السهم في باريّته أو قريبا منها، فيأخذ السهم ويتركه معه ويصيح:«دانق» ، أي: ثمن النشّابة دانق قد كسبه، ولا يزال كذلك حتّى تفنى سهام الفارس، فيحمل العيّار عليه ويرميه بحجر من مخلاته في مقلاع (1*) فما يخطئه، ثمّ يتبعه آخر فيصرعه أو يهزم، حتّى طال ذلك على طاهر وقتل من أصحابه من قتل. [ف] أمر بالهدم والإحراق فهدم دور من خالفه ما بين دجلة إلى المدينة، فإذا هدمت الدار أخذ أصحاب الأمين أبوابها وسقوفها فيكون ذلك أشدّ على أهلها. فلم يكفّوا عنه بذلك، فمنع الميرة عن بغداد حتى غلت الأقوات، وأخذ الناس بالتّهمة والظنّة وافتتنوا فتقاتلوا ونزلت بهم شدائد لا تكاد توصف قتل فيها خلق عظيم، والحروب مع ذلك متّصلة والحريق والهدم لا يبطل إلى [أن] قتل من العيّارين عالم عظيم. فضعف أمر الأمين وفرّ عنه كثير ممّن حوله، وتحامل عليه السّفلة والغوغاء. وكاتبه طاهر وحذّره وقبض على ضياعه وأمواله، فضجر من ضعف أمره واستثار جنده وأيقن بظفر طاهر به.
ودخلت سنة ثمان وتسعين ومائة
(2*)
اشتدّت الحرب إلى يوم الأربعاء لثمان بقين من المحرّم فقدم طاهر إلى المدينة فقاتل قتالا شديدا فهزم الناس ودخل بالسيف. فنادى مناديه: «من لزم بيته فهو آمن! » وأحاط بمدينة المنصور، وبها الأمين وأمّه زبيدة وأولاده في قصر الخلد حتّى
(1) الطّرّار: النشّال.
(1*) المقلاع: وعاء من جلد مشدود بخيطين ترمى به الحجارة.
(2*) هذا العنوان الفرعيّ منفرد، كأنّ المقريزيّ أراد ترتيب الترجمة على السنين ثم عدل.
تفرّق عنه عامّة جنده وخصيانه وجواريه في الطرق لا يلوي أحد على أحد، وتفرّق عنه السفلة والغوغاء، وأخذ عليه طاهر الأبواب ولم يبق معالأمين سوى سبعة آلاف فرس من خيارها. فأشار على محمد [الأمين] حاتم بن الصقر ومحمد بن إبراهيم بن الأغلب الإفريقيّ أن يختار ممّن يعرفه سبعة آلاف فيحملهم على هذه الخيل ويخرج ليلا حتى يلحق بالجزيرة والشام، فوافقهم على ذلك (1).
ونمى الخبر إلى طاهر فكتب إلى جماعة ممّن حول الأمين في ردّه عن ذلك، فما زالوا به حتّى رجع عن المسير وطلب الأمان. ثم [122 أ] خرج يوم الخميس لخمس بقين من محرّم سنة ثمان وتسعين بعد العشاء، فذبح وحمل رأسه إلى طاهر فنصبه على برج وكتب إلى المأمون بالفتح وسيّر الرأس إليه، ومعه البردة والقضيب والخاتم. فأخذ ذو الرئاستين الرأس على ترس ودخل به على المأمون، فلمّا رآه سجد. وحينئذ استقامت له الخلافة وهو ابن سبع وعشرين سنة وعشرة أشهر وعشرة أيّام. وبويع له وهو بخراسان وكان قد [
…
] (2).
ولمّا قتل الأمين نودي في الناس ببغداد:
الأمان! ودخل طاهر المدينة يوم الجمعة فصلّى وخطب للمأمون وذمّ الأمين.
فلمّا كان بعد مقتل الأمين بخمسة أيّام وثب الجند بطاهر عند ما طالبوه بالمال. فلم يكن معه ما يعطيهم فهرب منهم إلى عقرقوف ونهبوا متاعه ونادوا: «موسى يا منصور! » وكان طاهر قد أخرج موسى ابن الأمين وأخاه عبد الله من بغداد. فتعبّأ طاهر بمن معه من القوّاد لقتال الجند وأهل
الأرباض ببغداد. فخرج إليه من تخلّف عنه من القوّاد وأعيان أهل المدينة واعتذروا وحالوا على السفهاء، فقبل منهم وأمر لهم برزق أربعة أشهر.
ووضعت الحرب أوزارها واستوسق الناس في المشرق والمغرب على طاعة المأمون والانقياد لخلافته.
ثم خالف نصر بن شبث العقيليّ في شماليّ حلب لهواه في الأمين، وملك سميساط وغيرها.
وكثف جمعه وعبر الفرات إلى الجانب الشرقيّ.
واستعمل المأمون الحسن بن سهل على كلّ ما فتحه طاهر من كور الجبال والعراق وفارس والأهواز والحجاز واليمن، وكتب إلى طاهر بتسليم ذلك إليه وأمر طاهرا أن يسير إلى الرقّة لمحاربة نصر بن شبث، وولّاه الموصل والجزيرة والشام والمغرب. فقدم الحسن في سنة تسع وتسعين إلى بغداد وفرّق العمّال. وسار طاهر إلى نصر فدعاه إلى الطاعة فلم يجب، فكان قصارى طاهر حفظ تلك النواحي من نصر.
وتحدّث الناس بالعراق أنّ الفضل بن سهل قد غلب على المأمون وأنزله قصرا حجبه فيه عن أهل بيته وقوّاده، وأنّه يستبدّ بالأمر دونه. فغضب لذلك بنو هاشم ووجوه الناس واجترءوا على الحسن بن سهل، وهاجت الفتن في الأمصار، فظهر بالكوفة محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب المعروف بابن طباطبا لعشر خلون من جمادى الآخرة [سنة 199] ودعا إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وسلم. وكان [القيّم] بأمره أبو السرايا السريّ بن منصور (1*) فبايعه أهل الكوفة وأتاه
(1) ألف فرس وسبعمائة فارس عند الطبريّ، 8/ 478.
(2)
انقطاع في الرواية.
(1*) السريّ بن منصور، من ولد هاني بن قبيصة الشيبانيّ، الطبريّ، 8/ 528.