الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العبّاس (1) حتى نزلا في قبيلتين من قبائل البربر بأرض المغرب يدعوان الناس.
واشتهر أمرهم بسلميّة واشتروا وصار لهم أملاك كثيرة. وبلغ السلطان خبرهم فبعث في طلبهم ففرّ سعيد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن ميمون القدّاح بن ديصان الأهوازيّ الثنويّ إلى مصر وهرب إلى المغرب وصار صاحب الأمر. فلم يلبث إلّا يسيرا حتى قتل أبا عبد الله وتسمّى بعبيد الله وتكنّى بأبي محمّد وتلقّب بالمهديّ وصار إماما علويّا من ولد محمد بن إسماعيل بن جعفر.
/ (قال) وأصلهم من المجوس، وسعيد هذا الذي استولى على المغرب وتسمّى بعبيد الله كان يتيما بعد أبيه في حجر عمّه محمد أبي عليّ، ويلقّب محمد هذا بأبي الشلعلع، وكان على ترتيب الدعوة بعد أخيه يرتّب أمرها لسعيد. فلمّا هلك وكبر سعيد وصار على الدعوة وترتيب الدعاة والرئاسة، هرب، لمّا ظهر أمره وطلبه المعتضد، إلى المغرب. ولمّا هرب من سلميّة ترسّم بالتعليم ليخفي أمره، وكان يقول إنّه تربّى في حجر أبي الشلعلع وأنّه من ولد محمد بن إسماعيل بن جعفر. وكان يقال له «يتيم المعلّم» .
[جريدة الأنساب العلوية ببغداد]
(قال) وحدّثني أخي أحمد بن عليّ أنّه نظر في الجريدة الكبرى في بغداد التي فيها أنساب الطالبيّين في جميع الأقطار، فوجد فيها ذكر هذا الدّعيّ الذي هرب من سلميّة إلى المغرب وخبر دعواه. وهذه الجريدة هي أبين ما في وقتنا.
ولم يدّع سعيد هذا المسمّى بعبيد الله نسبا إلى
علي بن أبي طالب إلّا بعد هروبه من سلميّة، وآباؤه من قبله لم يدّعوا هذا النسب، وإنّما كانوا يظهرون التشيّع والعلم، وأنّهم يدعون إلى الإمام محمد بن إسماعيل، وأنّه حيّ لم يمت. وهذا القول باطل ومكر وخديعة. وباطنهم غير ظاهرهم (1*)، وليس يعرف هذا القول إلّا لهم، وهم أهل تعطيل وإباحة، وإنّما جعلوا علقهم بآل البيت بابا للخديعة والمكر. ولم يتمّ لسعيد أمره بالمغرب إلّا أن قال:«أنا من آل رسول الله» . فتمّ له بذلك الحيلة والخديعة، وشاع بين الناس أنّه علويّ فاطميّ من ولد إسماعيل بن جعفر، وخفي أمر مذهبه في تعطيل الباري تعالى والطعن على جميع الأنبياء، وإباحة أنفس أممهم وأموالهم وحرمهم (2*) - وأطال من التشنيع.
[قول القاضي النعمان]
وقال القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد في «افتتاح الدولة الزاهرة» (3*): بدأنا بذكر صاحب دعوة اليمن وهو أبو القاسم الحسن بن الفرح بن حوشب بن زادان الكوفي، وتسمّى ب «منصور اليمن» لما أتيح له من [212 ب] النّصر والظفر.
وكان من بيت علم وتشيّع، وقد قرأ القرآن وطلب الحديث والفقه على مذاهب الإماميّة الاثني عشريّة أصحاب محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر الصادق الذين كانوا يرون أنّه المهديّ وأنّه يظهر (4*). قال أبو القاسم:
(1) أبو عبد الله الشيعيّ: ترجمة 1224 وأخوه أبو العبّاس المخطوم: رقم 1828.
(1*) أخطأ فانيان القراءة هنا (ص 8 هامش 3) وخطّأ ترجمة كاترمير قبله، وهي الصحيحة، وهي موافقة لما في الاتّعاظ، 34.
(2*) انتهى هنا النقل عن الشريف أخي محسّن. والجملة الموالية تعليق من المقريزي.
(3*) هو كتاب افتتاح الدعوة المعروف. والنقل من ص 2 (طبعة الدشراوي) وص 32 (طبعة وداد القاضي).
(4*) المهدي المنتظر عند الاثني عشرية هو محمد المنتظر بن-
فعرضت لي فكرة يوما في ذلك وذكرت قول الفهري [الهزج]:
ألا يا شيعة الحقّ
…
ذوي الإيمان والبرّ
أتتكم نصرة الله
…
على التخويف والزجر
فلا تدعوا إلى الداعي
…
ن أهل النكث والغدر
فلو قد فقد العاش
…
ر أو زيد على العشر
لدارت عصب الضرّ
…
على الدائر بالشرّ
فعند الستّ والتسعي
…
ن قطع القول والعذر
لأمر ما يقول النا
…
س: بيع الدرّ بالبعر
وصار الجوهر المكنو
…
ن علقا غير ذي قدر
يتيم كان خلف البا
…
ب فانقضّ على الوكر (1)
قوله اليتيم ههنا رمز على المهديّ. (قال أبو القاسم) فرأيت الوقت قد قرب على ما قاله الفهريّ. فخرجت إلى دجلة ثمّ أخذت في قراءة سورة الكهف فإذا شيخ يمشي معه رجل ما نظرت
إلى أحد يملأ قلبي هيبة قبله. فجلس ناحية وجلس الرجل بين يديه. وأقبل غلام فقرب منّي، فقلت:
من أنت؟
فقال: حسينيّ.
فاستعبرت وقلت: بأبي الحسين المضرّج بالدماء، الممنوع من هذا الماء!
فرأيت الشيخ نظر إليّ وكلّم الرّجل الذي بين يديه فقال لي الرجل: تقدّم إلينا!
فقمت وجلست بين يديه. فقال لي: من أنت؟
قلت: رجل من الشيعة.
قال: ما اسمك؟
قلت: الحسن بن فرح بن حوشب.
قال: أعرف أباك من الشيعة الاثني عشريّة.
قلت: نعم.
قال: وأنت منهم؟
قلت: كنت على ذلك إلى أن بطل الأمر في أيدينا.
فقال: سمعتك تقرأ، فاقرأ كما كنت تقرأ!
(قال) فابتدأت من حيث وقفت حتّى بلغت فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ [الكهف: 74]. قال:
أنت ممّن يقول بالعدل والتوحيد؟
قلت: نعم.
قال: فمن أيّ وجه العدل أن تقتل نفس زاكية بغير نفس إلّا لقوله (1*): فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً [الكهف: 80]؟
الحسن العسكريّ بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق، أي الثاني عشر من الأئمة بعد علي بن أبي طالب فالحسن فالحسين فعلي زين العابدين فمحمّد الباقر إلخ.
(1)
نقل الداعي إدريس في كتابه «عيون الأخبار» ص 51 من طبعتنا «تاريخ الخلفاء الفاطميّين بالمغرب «بيروت 1985، أبياتا من هذه المقطوعة، وقد حاولنا هناك التعريف بالفهريّ وكذلك في كتابنا: «الأدب بإفريقيّة في العهد الفاطميّ» .
(1*) في الافتتاح، 7/ 36: إلى قوله
…
ونصّ المقفّى أثبت:
فالاحتجاج مبنيّ على الاستثناء كما فهم فانيان، أي: لا حجّة للخضر عليه السلام إلّا خشيته لما سيؤول إليه أمر الغلام. وما سبق أداة الاستثناء ليس من لفظ الآية وإنّما هو من معناها.
قلت: والله لكأنّني ما قرأتها قطّ، وإنّني إلى علم الوجه في ذلك لفقير.
فقال: دون ذلك ستر رقيق.
ثمّ تحرّك للقيام وتركني. فلمّا غاب ندمت إذ لم أكن تبعته حتى عرفت مكانه. وعظم موقع كلامه من قلبي حتى إذا كنت في حدّ الإياس منه، مرّ بي الرجل الذي كان معه فسلّمت عليه وسألته عن [213 أ] الشيخ، فعرّفني أنّه الإمام (1) وجمع بيني وبينه. فصار يقوّيني ويرمز بقرب الأمر ودنوّ العصر، ويقول في كلامه: البيت يمان والركن يمان والدين يمان والكعبة يمانيّة، ولن يقوم هذا الدين ويظهر أمره إلّا من قبل اليمن.
ثمّ قال لي يوما: يا أبا القاسم، هل لك في غربة في الله؟
قلت: الأمر إليك.
فقال: ما لليمن إلّا أنت! اصبر، كأنّي برجل يقدم من اليمن.
فقدم رجل من أهل جيشان مدينة باليمن، يشار إليه، يقال له أبو الحسن علي بن الفضل، قد خرج حاجّا في سنة ستّ وستّين ومائتين. فلمّا قضى حجّه أتى قبر الحسين بن علي عليهما السلام زائرا في جملة أهل اليمن. فاجتمع برجل من أصحاب
الإمام فحمله إليه. فلمّا رآه واختبر حاله قال لأبي القاسم: «هذا الذي كنّا ننتظره، فاعزم على اسم الله! » ودعا بعليّ بن الفضل وسأله عن أخبار اليمن وقال له: أتعرف عدن لاعة؟
قال: لا.
فقال لأبي القاسم: عدن لاعة (1*) فاقصد، وعليها فاعتمد، ففيها يظهر أمرنا.
وقال لعليّ بن الفضل: إنّني مرسل أخاك هذا داعيا إلى اليمن، وأنت معه.
وتقدّم إلى كلّ واحد منّا ناحية وأوصاه (2*).
وأعطى أبا القاسم كتابا فيه أصول ورموز، كان افتتاحه:«باسم الله الرحمن الرحيم. من أبي المسلمين وأمير المؤمنين ووارث الوارثين، وسماء الطارقين، وشمس الناظرين، وقمر المستضيئين، وقبلة المصلّين، وأمان الخائفين، وقاتل إبليس اللعين، ركن الإسلام، وعلم الأعلام، وقلم الأقلام، ويوم الأيام، ونور التمام، رسالة عبد مسكين يعمل في البحر منذ سنين لعلّ سفينته تنجو من الغرق فينجو فيها من ينجو من العطب» .
ثمّ أفسح الكلام الذي أصّله والمعنى الذي أراده وقال له في عهده إليه: إن لقيت من هو ألحن بالحجّة منك، فانغمس له في الباطن.
قال: وكيف ذاك؟
قال: بقطع الكلام. وتريه أنّ تحت ما يريد الجواب به باطنا لا يمكن ذكره، فتحتجزه بذلك منه إلى أن تتهيّأ لك الحجّة عليه.
(1) انظر في الافتتاح، 37 هامش 4، تلخيص وداد القاضي لمختلف الآراء في اسم الإمام، وانظر كذلك رأي برنارد لويس: أصول الإسماعيليّة، 162. وقضية النسب الفاطميّ وحقيقة الإمام المستودع والإمام المستقرّ قضيّة عويصة خاض فيها القدماء والمعاصرون. انظر إحالاتنا في كتاب المجالس والمسايرات للقاضي النعمان طبعة تونس 1978 ص 410 وطبعة بيروت 1997 ص 376 مع الهوامش وانظر شرح الأخبار للنعمان كذلك، بيروت 1994 ج 3 ص 394 وما يليها، وفي كتاب عيون الأخبار للداعي إدريس، 246.
(1*) عرّفنا بعدن لاعة في ص 62 من تحقيقنا لكتاب عيون الأخبار للداعي إدريس.
(2*) انتهى كلام منصور اليمن هنا. وخبر الدعوة بالمين مفصّل في كتاب عيون الأخبار، 59 - 79.