الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقايس فيه فأنكره عليه وقال: هذا كلام مولى بني تميم- يعني عمرو بن عبيد.
[ضرب أبي جعفر قبل الخلافة]
ولمّا خرج عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب على عبد الله بن عمر بن عبد العزيز عامل يزيد بن الوليد بن عبد الملك، سار إليه أبو جعفر فيمن أتاه من بني هاشم فولاه إيذج من الأهواز فأخذه سليمان بن حبيب بن المهلّب بن أبي صفرة عامل عبد الله بن عمر على الأهواز فحبسه وشتمه ومن هو منه وضربه وأراد قتله، فقال له سفيان بن معاوية (1) ويزيد بن حاتم:
«إنّما أفلتنا من بني أميّة بالأمس. أفتريد أن يكون لبني هاشم عندنا دم؟ فخلّى سبيله. فصار إلى عمرو بن عبيد وأقام عنده. ثم سار مستترا إلى الحميمة. ويقال إنّه مرّ بالزوابي فسأل نوبخت المنجّم عمّا تؤول إليه حاله في وجهه وفيما بعد ذلك، فقال نوبخت: «سيصير إليك ملك العرب.
وأمّا وجهك فسينالك مكروه». وكان من أمره مع سليمان ما كان من ضربه أسواطا يقال إنّها قدر ستّين سوطا.
وقدم مصر هو وأخوه أبو العبّاس عبد الله بن محمد السفّاح، وعمّهما عبد الله بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس قبل استخلافه.
وسار مع أخيه من الحميمة إلى الكوفة فاختفيا بها في بني أود، ومعهما طائفة من أهل بيتهما، حتى كان من ظهور أخيه أبي العبّاس السفّاح ومبايعته بالخلافة ما كان، على ما ذكر في ترجمته من هذا الكتاب. [ف] رأى أبو العبّاس توجيهه إلى واسط لمحاربة يزيد بن عمر بن هبيرة، وقد بعث إلى قتاله أبو سلمة حفص بن سلمة الخلّال وزير
آل البيت، بالحسن بن قحطبة قبل ظهور أبي العبّاس. فكان في نفوس قوم من أهل خراسان على الحسن أشياء فكرهوه، وسألوا أبا العبّاس أن يوجّه رجلا من أهل بيته ليسكنوا إليه ويقاتلوا معه.
فلمّا قدم أبو جعفر واسط تحرّك له الحسن بن قحطبة عن مضربه فقاتل أهل الشام أصحاب ابن هبيرة فهزمهم. وثبت معن بن زائدة الشيبانيّ وقاتل، وترجّل أبو نصر مالك بن الهيثم، ثم افترقوا. ومكثوا أيّاما. فخرج معن بن زائدة ومحمد بن نباتة بن حنظلة فقاتلا بمن معهما أهل خراسان فهزمهم إلى دجلة. فقال لهم أبو نصر:
«يا أهل خراسان، ويلكم! إلى أين تفرّون؟ إنّ [84 ب] الموت بالسيف خير منه غرقا! » فثابوا وحملوا فهزموا أهل الشام، فكانوا على ذلك أحد عشر شهرا.
فلمّا طال عليهم الحصار وجاءهم قتل مروان ببوصير من أرض مصر، أتاهم إسماعيل بن عبد الله القسريّ فقال:«علام تقتلون أنفسكم؟ قد قتل مروان» .
فطلب معن بن زائدة الأمان فأمّنه أبو جعفر.
[قتل ابن هبيرة]
ثم طلب ابن هبيرة (1*) الأمان فأمّنه أيضا. وكتب كتابا وشرط عليه أنّه إن نكث أو غدر فلا أمان له.
وكان مقيما بواسط يغدو ويروح إلى أبي جعفر في جماعة كبيرة يتغدّى عنده ويتعشّى إذا حضر في وقت غدائه وعشائه، وهو في ذلك يدسّ إلى محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب، ويهمّ بالدعاء له وخلع أبي العبّاس (2*).
فكتب أبو العبّاس إلى أبي جعفر يأمره بقتله فأبى
(1) سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلّب.
(1*) ابن هبيرة: وفيات 6/ 313 - الطبري 2/ 1941 - العيون والحدائق 208. المعارف 571 - الكامل 4/ 336.
(2*) يكرّر المقرزي ما كتبه في ترجمة السفّاح السابقة لهذا.
وكره ذلك لما أعطاه من الأمان. فكتب إليه ثانيا يأمره بقتله وأن لا يراجعه في أمره. فأمر أبو جعفر الحسن بن قحطبة بقتله فأبى. فقال خازم بن خزيمة: «أنا أقتله! » وساعده جماعة، فداروا في القصر ثم دخلوا على ابن هبيرة، وعليه قميص مصريّ وملاءة مورّدة أو صفراء، ومعه ابنه داود وكاتبه عمر بن أيّوب (1) وعدّة من مواليه، وقد دعا بحجّام ليحتجم. فلمّا رآهم مقبلين نحوه سجد، فضرب بالسيوف حتى مات وقتل ابنه ومن كان معه. ويقال: بل جرّوه برجله حتى أنزلوه عن فراشه ثم قتلوه. وجاءوا برأسه ورءوس من كان معه إلى أبي جعفر. وأخذ عثمان بن نهيك سيف حوثرة بن سهيل فضرب به عنقه. وفعل بمحمد بن نباتة وبيحيى بن حضين بن المنذر مثل ذلك.
وكان معن بن زائدة وفد على أبي العبّاس ببيعة ابن هبيرة وأقام بالكوفة فسلم.
وكان ابن هبيرة إذا رأى وهنا وضعفا في أمره أنشد [السريع]:
والثوب إن أسرع فيه البلى
…
أعبى على ذي الحيلة الصانع
كنّا نداريها فقد مزّقت
…
واتّسع الخرق على الراقع
وقال الهيثم بن عديّ: كان زياد بن صالح الحارثيّ مع ابن هبيرة فكتب إليه أبو العبّاس: إنّ لك قرابة وحقّا- وأرغبه، فخرج إليه فانكسر ابن هبيرة وطلب الأمان. (قال) ولمّا أمن ترك بواسط.
فكتب أبو مسلم إلى أبي [85 أ] العبّاس: «إنّه قلّ طريق سهل فيه حجارة إلّا أضرّت بأهله، ولا يصلح والله لكم أمر دونه ابن هبيرة، فاقتلوه عاجلا! فلست آمن أن يكيدكم» . فوجّه أبو العبّاس
رسولا إلى أبي جعفر بكتاب معه يعزم عليه فيه ليقتله. فوجّه أبو جعفر أبا خزيمة ومعه الهيثم بن شعبة والأغلب بن سالم وسلّام (1*) الحاجب في جماعة، فدخلوا رحبة القصر وأرسلوا إلى ابن هبيرة: إنّا نريد حمل ما في الخزائن.
فقال: افعلوا.
فدخلوا الخزائن، فوكّلوا بكلّ خزانة جماعة، ثم دخلوا عليه فقتلوه، ونادى منادي المنصور:
«أمّن خلق الله إلّا عمر بن ذرّ، والحكم بن عبد الملك بن بشر، وخالد بن سلمة المخزوميّ! » وقتل من وجوه أصحاب ابن هبيرة خمسون.
ونودي: «يا أهل الشام، الحقوا بستانكم فاشهدوا أسماءكم هناك» . ووجّه إلى المثنّى بن يزيد بن عمر فقتله. واستخلف بواسط الهيثم بن زياد الخزاعيّ.
وقال أبو الحسن المدائني عن مسلم بن المغيرة قال: كنت مع أبي أيّوب الخوزي في عسكر أبي جعفر، وكان لأبي جعفر بيت قد بني له ومضربه محيط به. وكان في ستارة المضرب خلل، فكنت انظر منه. فرأيت الحسن بن قحطبة إلى جانب أبي جعفر يحدّثه. ثم دعي بحوثرة بن سهيل فجاءعثمان بن نهيك فأخذ سيفه. فأراد أن يتكلّم ثم سكت. فأدخل البيت وأغلق عليه. ثم خرج سلّام حاجب أبي جعفر فدعا بمحمّد بن نباتة فصنع به مثل ذلك. ثم خرج فقال:«أين يحيى بن الحضين؟ » ثم دعا ببسر بن عبد الملك بن بشر- أو قال: بالحكم بن عبد الملك- فقام ومعه أخوه أبان، فقال:«ما فرّق بيني وبينه شيء قطّ» . ثم دعا بخالد بن سنان المرّي، وكان على شرطة ابن هبيرة. ثم قتل خالد بن سلمة المخزومي وابنه. ثم
(1) في الوفيات 6/ 317: عمرو بن أيّوب.
(1*) في الكامل 4/ 338: الهيثم بن شعبة بن ظهير وسلام بن سليم.
قتل حرب بن قطن الهلالي. ثم خرج سلّام فقال للناس: «انصرفوا! » (فقال مسلم بن المغيرة) فسألت عثمان بن نهيك عن السبعة النفر فقال:
«أمّا حوثرة فإنّي أدخلت السيف بين ضلعين من أضلاعه وقلت: يا عدوّ الله، أنت الكاتب إلى مروان: «إنّ الله مخزيهم» ، ثم لم يرضك إلّا شتمنا؟ » ولم يكن في القوم أجزع من محمد بن نباتة: كان يصيح كما يصيح الصبيان، على شجاعته وبأسه. وأمّا خالد بن سنان فقال: يا مجوس، قتلتمونا غدرا [85 ب]! والله لقد قتلنا سيّدكم قحطبة! ». وقتل مع ابن هبيرة رياح بن عمارة مولى هشام، اشتراه بعشرة آلاف درهم فأعتقه. فلمّا جرى الصلح بين ابن هبيرة و (بين) أبي جعفر، قال له أبو جعفر: أعربيّ أم مولى؟
فقال: إن كانت العربيّة لسانا فقد نطقنا بها.
وإن كانت دينا فقد دخلنا فيه.
فاستبرعه. فسأل عنه فقيل: قتل.
ويقال إنّه أمر بأن يستبقى فعجّل عليه.
وهرب أبو علاثة وهشام بن هشيم بن صفوان الفزاريّان، فلحقا فقتلا على الفرات. وقتل أبو عثمان حاجب ابن هبيرة، وهو يتغدّى لحم بقر.
وقتل الحكم بن عبد الملك، أخو بشر بن عبد الملك وابنان له- وقيل إنّه هرب، وأبو علاثة الفزاريّ، وكان على حلوان، ويوسف بن محمد بن القاسم الثقفيّ.
ودعي بحرب بن قطن فطلب فيه الحسن بن قحطبة وقال: خالكم!
فقال له أبو جعفر: إنّ أمير المؤمنين كتب يؤمّنك لرحمك، وحقن دمك.
ويقال: إنهم لمّا دخلوا على ابن هبيرة قام سعد الموصليّ خليفة أبي عثمان الحاجب دون ابن هبيرة وقال: «وراءكم! » فضربه الهيثم بن شعبة على حبل عاتقه فصرعه. وقام داود دون أبيه فقتل.
وكان عمر بن ذرّ يقول: «ضاقت عليّ الأرض، فخرجت على دابّتي أقرأ آية الكرسيّ فما عرض لي أحد، فاستأمن لي زياد بن عبد الله الحارثي فأمّنني أبو العبّاس» . وكان عمر بن ذرّ يحرّض على المسوّدة.
وكان أبو جعفر قد أمّن خالد بن سلمة، فقال أبو العبّاس:«لو كانت له ألف نفس لأتيت عليه! » فقتله.
وكان خازم بن خزيمة يقول: والله ما بدرت إلى قتل ابن هبيرة إلّا مخافة أن يدفع إلى رجل من اليمانيّة فيفخر علينا بقتله.
وطلب سليمان بن عليّ الأمان لعقال بن شبّة بن عقال المجاشعيّ فأمّنوه، فذكر بني العبّاس ففضّلهم وذمّ بني أميّة وتنقّصهم.
وذكر الهيثم بن عدّي قال: أرسل يزيد بن عمر بن هبيرة، وهو محصور بواسط، إلى أبي جعفر، وهو بإزائه: إنّي خارج إليك يوم كذا وداعيك للمبارزة. فقد بلغني تجبينك إيّاي.
فكتب إليه أبو جعفر: يا ابن هبيرة، إنّك امرؤ متعدّ طورك جار في عنان غيّك، يعدك الشيطان ما الله مكذبه، ويقرّب لك ما الله مباعده. فصخ رويدا تتمّ الكلمة ويبلغ الكتاب أجله! وقد ضربت لك مثلي ومثلك: بلغني أنّ أسدا لقي خنزيرا فقال له الخنزير: قابلني!
فقال الأسد: إنما أنت خنزير، ولست لي [86 أ] بكفء ولا نظير. ومتى فعلت الذي دعوتني إليه فقتلتك قيل: قتل خنزيرا، فلم أعتقد بذلك فخرا ولا ذكرا. وإن نالني منك شيء كان سبّة عليّ، وإن قلّ.
فقال: إن أنت لم تفعل رجعت فأعلمت السباع أنّك نكلت عنّي وجبنت عن قتالي.
فقال الأسد: احتمال عار كذبك أيسر عليّ من لطخ شاربي بدمك.
ولم يمكث ابن هبيرة بعد ذلك إلّا أيّاما حتى طلب الأمان وضرع إليه.
وقال المدائنيّ: قال بعض الخراسانيّين لبعض الفزاريّين: ما كان أعظم رأس صاحبكم!
فقال: أمانكم له كان أعظم!
قال المدائنيّ: حصره أبو جعفر تسعة أشهر.
ولمّا قتل أخرج إلى باب المضمار بواسط فصبّ النفط على جثّته وأحرق. وأمر أبو جعفر بهدم مدينة واسط.
وكان يقول حين حصر: والله لو كان أبو جعفر أعزّ من كليب وائل ما قدر عليّ! ولو كان أشجع من شبيب (1) ما هبته!
وقال أبو جعفر لإسحاق بن مسلم العقيليّ:
كيف رأيت صنيعي بابن هبيرة؟
فقال: تعزيرا، وقد سلّم الله. كنت في خرق، وحولك من يطيعه ويموت دونه ويتعصّب له من قيس وغيرها. فلو ثاروا لذهب الناس. ولكنّ أمركم جديد، والناس بين راج وهائب.
وقال هشام الكلبيّ: خرج ابن هبيرة حين خرج إلى أبي جعفر في جماعة، منهم جعفر بن حنظلة البهرانيّ، فألقى له الحاجب وسادة وقال: اجلس راشدا أبا خالد! وقد أطاف بالحجرة عشرة آلاف من أهل خراسان. ثم أذن له فدخل على أبي جعفر فألقيت له وسادة. فحدّث أبا جعفر ساعة. وكان يركب في خمسمائة فارس وثلاثمائة راجل. فقال
يزيد بن حاتم: ما ذهب سلطان ابن هبيرة بعد! إنّه ليأتينا فيتضعضع له العسكر، فليت شعري ما يقول في هذا عبد الجبّار وجهور بن مروان وأشباههم؟
فقال سلام لابن هبيرة: يقول لك الأمير: لا تسر في هذه الجماعة!
فركب (1*) في ثلاثين فقال له سلّام: كأنّك تريد المباهاة؟
فقال: إن أحببتم نمشي إليكم فعلنا.
فقال: ما هذا باستخفاف، ولكنّ أهل العسكر كرهوا هذا الجمع، فأمر الأمير بهذا نظرا لك.
فكان يركب في رجلين وغلامه.
وختمت خزائنه وبيت ماله ودار الرزق، وفيها طعام كبير.
وعزم أبو العبّاس على قتله. ووجد له كتابا إلى عبد الله بن حسن بن حسن. فأمر أبو جعفر عثمان بن نهيك بقتله [85 ب] فقال: ليقتله رجل من العرب!
فندب له خازما والأغلب والهيثم بن شعبة.
وسأل أبو جعفر ابن هبيرة عن أدم كان قسمه فقال: أيّها الرجل توسّع توسّعا قرشيّا ولا تضق ضيقا حجازيّا! فما مثلي يسأل عن أدم ولا يعاتب عليه. وهذا ضرب أخماس لأسداس.
وقال له أبو جعفر يوما: يا أبا خالد حدّثنا!
فقال: والله لأمحضنّك النصيحة إمحاضا ولأخلصنّها لك إخلاصا: إنّ عهد الله لا ينكث وعقده لا يحلّ. وإنّ إمارتكم حديثة وخلافتكم بكر، فأذيقوا الناس حلاوتها وجنّبوهم مرارتها.
ثم نهض، ونهض معه سبعمائة من القيسيّة.
فقال أبو جعفر: لا يعزّ ملك هذا فيه.
(1) شبيب الخارجي: وفيات 2/ 454 (288).
(1*) في المخطوط: فلمّا ركب.