الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمّ عاد وأقام بدمشق وحدّث بها.
ومات في عاشر ربيع الأوّل سنة ستّ وعشرين وستّمائة.
1557 - أبو المعالي جمال الدين الحلاويّ [728 - 807]
(1)
[255 ب] عبد الله بن عمر بن علي بن مبارك، الشيخ المسند المعتقد، جمال الدين، أبو المعالي، ابن الشيخ المعتقد أبي عبد الله، الهنديّ، الصوفيّ، السعوديّ، الحلاويّ- بحاء مهملة.
تفرّد بالسماع من يحيى ابن المصري وغيره من أصحاب النجيب وتصدّى للسماع عليه بزاوية أبيه وجدّه بالأبّارين من القاهرة. فسمع عليه الناس عدّة سنين. وكان حسن الإصغاء للسماع صبورا عليه لا يكاد ينعس حال السماع مع طول المجلس وإن كان ليلا.
وللناس في أبيه وجدّه اعتقاد، وهم من أهل الصلاح والخير.
توفّي وقد قارب الثمانين يوم [
…
] صفر سنة سبع وثماني مائة. ومولده في تاسع المحرّم سنة ثمان وعشرين وسبعمائة.
1558 - عبد الله بن عمرو بن العاص [- 65]
(2)
[256 أ] عبد الله بن عمرو بن العاصي بن وائل ابن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي، القرشيّ، السهميّ، أبو محمد- وقيل أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو نصير، والأوّل أشهر.
كان أسمه العاصي فبدّل رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه واسم العاصي بن مطيع والعاصي بن عمر بن الخطّاب، وسمّى كلّ أحد منهم عبد الله، وذلك في يوم واحد.
وعبد الله بن عمرو أمّه ريطة بنت منبّه بن الحجّاج السهميّة.
ولد وعمر أبيه ثنتا عشرة سنة، فكان أبوه أسنّ منه بهذا- وقيل: كان أبوه أسنّ منه بإحدى عشرة سنة. وأسلم قبل أبيه، وكان فاضلا لما قرأ من الكتب.
واستأذن النبيّ صلى الله عليه وسلم في أن يكتب حديثه فأذن له.
قال: يا رسول الله، أكتب كلّ ما أسمع منك في الرضا والغضب؟
قال: نعم، فإنّي لا أقول إلّا حقّا.
وقال أبو هريرة: ما كان أحد أحفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منّي إلا عبد الله بن عمرو فإنّه كان يعي بقلبه وأعي بقلبي، وكان يكتب وأنا لا أكتب، أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فأذن له.
وروى شفيّ الأصبحيّ عن عبد الله بن عمرو قال: حفظت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ألف مثل.
وكان يسرد الصوم ولا ينام الليل فشكاه أبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ لعينك عليك حقّا، وإنّ لأهلك عليك حقّا، وإنّ لزورك عليك حقّا. قم ونم وصم وأفطر! صم ثلاثة أيّام من كلّ شهر فذلك صيام الدهر.
قال: إنّي أطيق أكثر من ذلك.
فلم يزل يراجعه في الصيام حتى قال له: لا صوم أفضل من صوم داود: كان يصوم يوما ويفطر يوما.
فوقف عبد الله عند ذلك وتمادى عليه.
(1) درر العقود 2/ 356 (687).
(2)
الوافي 17/ 380 (311) - تهذيب التهذيب، 5/ 337 (575). أسد الغابة 3/ 349 (3090).
ونازل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا ختم القرآن، فقال:
اختمه في شهر!
قال: إنّي أطيق أفضل من ذلك.
فلم يزل يراجعه حتّى قال: لا تقرأه في أقلّ من سبع- وبعضهم يقول: أقلّ من خمس. والأكثر على أنّه لم ينزل من سبع، فوقف عند ذلك-.
وقد شهد صفّين مع معاوية، واعتذر من ذلك.
قال ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو أنّه كان يقول: ما لي ولصفّين؟ ما لي ولقتال المسلمين؟
والله لوددت أنّي متّ قبل هذا بعشر سنين!
ثمّ يقول: أما والله ما ضربت فيها بسيف، ولا طعنت برمح، ولا رميت بسهم، ولوددت أنّي لم أحضر شيئا منها، وأستغفر الله عز وجل من ذلك وأتوب إليه!
إلّا أنّه ذكر أنّه كانت بيده الراية يومئذ، فندم ندامة شديدة على قتاله مع معاوية وجعل يستغفر الله من ذلك ويتوب إليه.
وقدم مع أبيه مصر وشهد فتحها، وكان على مقدّمة أبيه في فتح الإسكندريّة، فأصابته [256 ب] جراحات كثيرة فقال لوردان، وهو حامل اللواء:
يا وردان، لو تقهقرت قليلا نصيب الرّوح؟
فقال وردان: الرّوح تريد؟ الروح أمامك وليس هو خلفك!
فتقدّم عبد الله. فجاءه رسول أبيه ليسأله عن جراحه، فقال [الوافر]:
أقول [لها] إذا جشأت وجاشت
…
مكانك تحمدي أو تستريحي!
فرجع الرسول بذلك إلى عمرو فقال: هو ابني حقّا!
واستخلفه أبوه على مصر في إحدى قدمتيه على عمر بن الخطّاب رضي الله عنه. واستخلفه لمّا قدم على عثمان رضي الله عنه. فصرف عثمان عمرا بعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعبد الله على مصر. فسار عنها وأقام مع أبيه بفلسطين. ثمّ سار معه إلى معاوية بدمشق. واستعمله معاوية في حرب صفّين على الميمنة، فتقلّد سيفين ودرعين، قد تقلّد بواحد وهو يضرب بالآخر، وأطافت به خيل عليّ رضي الله عنه فقال عمرو: يا الله، يا رحمان، ابني ابني!
فقال معاوية: اصبر، إنّه لا بأس عليه.
فقال عمرو: لو كان يزيد بن معاوية، إذن لصبرت!
ولم يزل حماة أهل الشام يذبّون عنه حتى نجا هاربا على فرسه.
فلمّا اشتدّت الحرب بصفّين ورفع معاوية المصاحف ودعا عليّا رضي الله عنه إلى الحكم بما في كتاب الله، اختلف عليه أصحابه: فمنهم من رأى أن يتمّ ما هو عليه من قتال أهل الشام، ومنهم من رأى أن يجيب إلى تحكيم القرآن. فجزع أهل الشام وقالوا: يا معاوية، ما نرى أهل العراق أجابونا إلى ما دعوناهم إليه، فأثرها جذعة فإنّك قد غمزت بدعائك القوم، وأطمعتهم فيك.
فدعا معاوية عبد الله بن عمرو فأمره أن يكلّم أهل العراق، فأقبل حتى إذا كان بين الصّفّين نادى (1*): يا أهل العراق، أنا عبد الله بن عمرو بن العاص. إنّها قد كانت بيننا وبينكم أمور للدين أو الدنيا، فإن تكن للدين فقد والله أعذرنا وأعذرتم.
وإن تكن للدنيا فقد والله أسرفنا وأسرفتم. وقد دعوناكم إلى أمر لو دعوتمونا إليه لأجبناكم. فإن يجمعنا وإيّاكم الرّضا فذاك من الله. فاغتنموا هذه
(1*) وقعة صفّين، 552.
الفرجة لعلّه أن يعيش فيها المحترف وينسى فيها القتيل فإنّ بقاء المهلك بعد الهالك قليل.
فلمّا بلغ قوله عليّ بن أبي طالب قال لسعيد بن قيس الهمداني: أجب الرجل!
فتقدّم سعيد فقال: يا أهل الشام، إنّه كان بيننا وبينكم أمور حامينا فيها عن [257 أ] الدين والدنيا سمّيتموها غدرا [وسرفا](1) وقد دعوتمونا إلى ما قاتلناكم عليه، ولم يكن ليرجع أهل العراق إلى عراقهم ولا أهل الشام إلى شامهم بأمر أجمل منه:
أن نحكم بما أنزل الله. فالأمر في أيدينا دونكم، وإلّا فنحن نحن وأنتم أنتم.
فلمّا انقضت صفّين ثمّ قتل عليّ رضي الله عنه، وصالح الحسن بن علي عليه السلام معاوية واستقرّ له الأمر استعمل عبد الله بن عمرو على الكوفة. فأتاه المغيرة بن شعبة فقال: استعملت عبد الله على الكوفة وأباه على مصر فتكون نازلا بين نابي الأسد.
فعزله عنها واستعمل المغيرة على الكوفة، فبلغ عمرو بن العاصي كلام المغيرة فدخل على معاوية وقال: استعملت المغيرة على الخراج، وإنّه ليغتال المال ولا تستطيع أن تأخذه منه. استعمل على الخراج رجلا يخافك ويتّقيك.
فعزله عن الخراج واستعمله على الصلاة.
وقدم عبد الله بن عمرو مع أبيه مصر فلم يزل بها حتّى مات أبوه وقد استخلفه على مصر فأقرّه معاوية عليها، ثمّ عزله بعتبة بن أبي سفيان، فأقام بمصر إلى أن مات معاوية واستخلف بعده ابنه يزيد بن معاوية. فكره عبد الله بن عمرو أن يبايع ليزيد. وكان مسلمة بن خالد الأنصاري أمير مصر يومئذ بالإسكندريّة فبعث إليه كريب بن أبرهة
وعابس بن سعيد فدخلا عليه ومعهما سليم بن عتر وهو يومئذ قاضي مصر وقاصّ. فوعظوا عبد الله في بيعة يزيد فقال: والله لأنا أعلم بأمر يزيد منكم.
وإنّي لأوّل الناس أخبر به معاوية أن يستخلف.
ولكن أردت أن يلي هو بيعتي.
وقال لكريب: أتدري ما مثلك؟ مثل قصر عظيم في صحراء غشيه ناس قد أصابهم الحرّ فدخلوا يستظلّون فيه فإذا هو ملآن من مجالس الناس. وإنّ صوتك في العرب كريب بن أبرهة وليس عندك شيء. وأمّا أنت يا عابس بن سعيد، فبعت أخراك بدنياك. وأمّا أنت يا سليم بن عتر فكنت قاصّا فكان معك ملكان يعينانك ويذكّرانك، ثمّ صرت قاضيا فمعك شيطانان يزيغانك عن الحقّ ويفتنانك.
وذكر أبو عمر الكنديّ أنّ مسلمة كتب إلى عابس بن سعيد من الإسكندرية بأخذ البيعة ليزيد، فبايعه الجند إلّا عبد الله بن عمرو، فدعا عابس بالنار ليحرق عليه بابه. فلمّا رأى ذلك بايع ليزيد.
ولم يزل بمصر حتّى مات بها للنصف من [257 ب] جمادى الآخرة سنة خمس وستّين. فلم يستطع أن يخرج بجنازته إلى المقبرة لشغب الجند على مروان بن الحكم في داره بسبب قتله الأكدر بن حمام.
وقيل: مات ليالي الحرّة في ولاية يزيد بن معاوية، وكانت الحرّة يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذي الحجّة سنة ثلاث وستّين.
وقيل: مات سنة ثلاث وسبعين.
وقيل: مات بأرضه بالسّبع من فلسطين سنة خمس وستّين.
وقيل: مات بمكّة سنة سبع وستّين وهو ابن اثنتين وسبعين سنة.
(1) الزيادة من وقعة صفّين، 552.