الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أعلم مكان أحد من خلق الله اليوم أعلم بابن عفّان وأمره منّي: كنت معه حيث نقم عليه من نقم.
واستعتبوه فلم يدع شيئا إلّا أعتبهم. ثم رجعوا إليه بكتاب له يزعمون أنّه كتبه يأمر فيه بقتلهم فقال لهم: «ما كتبته، فإن شئتم فهاتوا بيّنتكم، فإن لم تكن بيّنة حلفت لكم» . فو الله ما جاءوه ببيّنة ولا استحلفوه ووثبوا عليه فقتلوه. وقد سمعت ما عبته به: فليس كذلك، بل هو لكلّ خير أهل، وأنا أشهدكم ومن حضرني أنّي وليّ لابن عفّان وعدوّ أعدائه.
فقال الخوارج حينئذ: فبرئ الله منك!
قال: بل برئ الله منكم!
وتفرّقوا: فمضى نافع بن الأزرق، وعبد الله بن صفار السعديّ، وعبد الله بن أباض، وحنظلة بن بيهس، وبنو الماحوز إلى البصرة. ومضى أبو طالوت، وأبو فديك عبد الله بن ثور، وعطيّة بن الأسود اليشكريّ إلى اليمامة. ثمّ لحق نجدة بن عامر بهم.
[إعادة بناء الكعبة]
وأخذ ابن الزبير في بنيان الكعبة، وأمر بهدمها فإنّها كانت قد هدمت من الحريق. فأبى الناس وخافوا إن هدموها أن ينزل عليهم العذاب وخرجوا إلى منى فأقاموا بها ثلاثا في انتظار العذاب، وقد ارتقى ابن الزبير على جدار الكعبة بنفسه وهدم. فلمّا لم يصبه شيء عاد من خرج إلى منى. ولم يزل الهدم حتى كشف عن ربض آخذ بعضه ببعض فتركه ابن الزبير مكشوفا ثلاثة أيّام ليراه الناس. وأدخل على خالته عائشة رضي الله عنها سبعين رجلا من خيار قريش فأخبرتهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها:«لولا حداثة عهد قومك بالشرك لبنيت البيت على قواعدإبراهيم» . ثمّ بناه على ذلك الربض ونصب الستر، وكان الناس يطوفون من وراء الستر. وجعل لها بابين [147 ب] لا صقين بالأرض، وزاد فيما يلي الحجر ستّة أذرع. وزاد في طول البيت تسعة أذرع، وقيل:
عشرة أذرع. وأقام في داخل البيت ثلاث دعائم في صفّ، وكانت قبل ذلك ستّا في صفّين. وجعل درجة إلى السطح في الركن الشاميّ. وجعل ميزابا في السّطح، وعمل روازن (1*) للضوء. وكان الحجر الأسود عنده، فلمّا تمّ البناء وضعه بيده.
ويقال إنّه هدم الكعبة بعد ما حجّ بالناس سنة أربع وستّين. وقيل: هدمها للنصف من جمادى الآخرة منها. وقيل: تمّ بناؤها في سنة خمس وستّين، وهو الأظهر.
وفي سنة خمس وستّين عزل أخاه عبيد الله عن المدينة من أجل أنّه خطب الناس فقال: «قد ترون ما صنع الله بقوم في ناقة قيمتها خمسمائة درهم» ، فسمّي «مقوّم الناقة» . وولّى عوضه أخاه مصعب بن الزبير.
[ثورة المختار الثقفيّ]
وفي ربيع الأول سنة ستّ وسبعين وثب المختار بن أبي عبيد (2*) بالكوفة وأخرج منها عبد الله بن مطيع عامل ابن الزبير وادّعي أنّ أبا هاشم محمد بن علي المعروف بابن الحنفيّة (3*)
(1*) الروزنة: الكوّة.
(2*) هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن عميرة بن سعد بن عوف بن ثقيف (حاشية).
(3*) اسمها خولة بنت قيس بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدول بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن أسد بن ربيعة الفرس بن نزار بن معدّ بن عدنان. سبيت في أيّام الردّة (حاشية).
ومحمّد ابن الحنفيّة له ترجمة في المقفّى: رقم 2760.
بعثه لأخذ ثأر الحسين عليه السلام. فلمّا استجمع له أمر الكوفة أخذ يخادع ابن الزبير، وكتب إليه:
«قد عرفت مناصحتي إيّاك وجهدي على أهل عداوتك، وما كنت أعطيتني إن أنا فعلت ذلك.
فلمّا وفيت لك لم تف بما عاهدتني عليه. فإن ترد مراجعتي ومناصحتي فعلت، والسلام». وقصد بذلك أن يكفّ ابن الزبير عنه ليتمّ أمره. فأراد ابن الزبير أن يختبر طاعته له فبعث عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزوميّ أميرا على الكوفة وجهّزه بثلاثين ألف درهم. فلمّا بلغ المختار مسيره عمل عليه حتّى صدّه عن الكوفة.
فمضى إلى البصرة واجتمع بابن مطيع. وكتب المختار إلى ابن الزبير: «إنّي اتّخذت الكوفة دارا، فإن سوّغتني ذلك وأمرت لي بمائة ألف درهم سرت إلى الشام فكفيتك أمر ابن مروان» . فقال ابن الزبير: «إلى متى أماكر كذّاب ثقيف ويماكرني؟ » وأنشد [الطويل]:
ولا أمتري عبد الهوان ببدرتي
…
[وإنّي لآتي الحتف ما دمت أسمع]
وكتب إليه: لا والله ولا درهما!
ثمّ إنّ عبد الملك بن مروان بعث بعثا إلى وادي القرى، فكتب المختار إلى ابن الزبير، وقد وادعه ابن الزبير ليكفّ عنه حتّى يتفرّغ لأهل الشام:
بلغني أنّ ابن مروان قد بعث إليك جيشا، فإن أحببت أمددتك بمدد.
فكتب إليه: إن كنت على طاعتي فبايع لي الناس قبلك وعجّل بإنفاذ الجيش ومرهم [148 أ] فليسيروا إلى من بوادي القرى من جند ابن مروان فليقاتلوهم، والسلام.
فسيّر المختار ثلاثة آلاف، عليهم شرحبيل بن ورس، وأمره أن يدخل المدينة ويكتب إليه ليأتيه أمره- وفي عزمه أنّ ابن ورس إذا أخذ المدينة أن يبعث إليه لمحاصرة ابن الزبير بمكّة.
وخشي ابن الزبير مكيدة المختار فبعث ألفين، عليهم عبّاس بن سهل بن سعد وأمره أن يستنفر العرب. وقال له: إن رأيت القوم على طاعتي، وإلّا فكايدهم حتّى تهلكهم.
فلقي عبّاس شرحبيل بن ورس بالرقيم، وقد عبّأ ابن ورس من معه، فجرت أمور آخرها قتل ابن ورس وأكثر من معه. فكتب المختار إلى ابن الحنفيّة يعلمه أنّه بعث إليه جيشا ليذلّوا له الأعداء فقتلهم أصحاب ابن الزبير، واستأذنه في بعث جيش إلى المدينة. فأجابه أنّه لا يريد القتال.
ثمّ إنّ ابن الزبير دعا ابن الحنفيّة ومن معه من أهل بيته وسبعة عشر رجلا من وجوه أهل الكوفة، منهم أبو الطفيل عامر بن واثلة ليبايعوه، فامتنعوا وقالوا: لا نابيع حتى تجتمع الأمّة (1*).
فأكثر عند ذلك ابن الزبير الوقيعة في ابن الحنفيّة وذمّه، وقد خافه أن تتداعى الناس إلى الرضى به. فألحّ عليه وعلى أصحابه في البيعة ثم حبسهم بزمزم وتوعّدهم بالقتل والإحراق، وأعطى الله عهدا إن لم يبايعوه أن ينفّذ فيهم ما توعّدهم به، وضرب لهم في ذلك أجلا.
فكتب ابن الحنفيّة إلى المختار يطلب منه النجدة. فبعث إليه سبعين راكبا عليهم أبو عبد الله الجدلي وأردفه بأربعمائة ثم بمائة ثم بأربعين.
فدخلوا مكّة مع أبي عبد الله وهم ينادون: «يا لثارات الحسين! » ، وبأيديهم الخشب كراهة إشهار السيوف في الحرم، وقد بقي من الأجل يومان. فكسروا باب زمزم وأخرجوا ابن الحنفيّة، فمنعهم من القتال في الحرم. فقال ابن الزبير:
(1*) خزانة الأدب 4/ 41.