الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكنّ معي خمسمائة قد تبايعنا على أن ندخل مدينة فنتحصّن فيها حتى نعطى الأمان أو نموت كراما.
ثمّ مضى بالخمسمائة. فتتابعت كتب الحجّاج إلى رتبيل في عبد الرحمن أن ابعثه [29 ب] إليّ وإلّا فوالذي لا إله غيره لأوطئنّ أرضك ألف ألف مقاتل!
وكان مع عبد الرحمن عبيد بن سبيع التميميّ- وكان رسوله إلى رتبيل- فخفّ عليه وتقرّب منه.
فقال القاسم بن محمد بن الأشعث لأخيه عبد الرحمن: إنّي لا آمن غدر هذا التميميّ فاقتله!
فخافه عبيد ووشى به [إلى] رتبيل وخوّفه الحجّاج، وما زال به يحسّن له الغدر بعبد الرحمن، وضمن له أن يأخذ له من الحجّاج عهدا ليكفّ عن أرضه سبع سنين حتى أجابه، وخرج سرّا إلى عمارة بن تميم اللخميّ- وكان حصر علقمة والخمسمائة الذين معه- وذكر له ما استقرّ مع رتبيل وما بذل له، فكتب عمارة بذلك إلى الحجّاج فأجابه إليه. فبعث رتبيل برأس عبد الرحمن إلى الحجّاج.
ويقال إنّه كان قد أصابه السلّ فمات فقطع رتبيل رأسه قبل أن يدفن.
وقيل إنّ رتبيل لمّا صالح عمارة عن ابن الأشعث كتب إلى الحجّاج بذلك فأطلق لرتبيل خراج بلاده عشر سنين فأرسل حينئذ ليأخذ عبد الرحمن وثلاثين من أهل بيته فحصرهم وقيّدهم وبعث بهم إلى عمارة فألقى عبد الرحمن نفسه من سطح قصر فمات.
وقيل إنّه قام في الليل وهو في السّطح ليبوّل فردى نفسه.
وقيل: بل سقط بسنة النوم. فاحتزّ رأسه وبعثه إلى الحجّاج فسيّره الحجّاج إلى عبد الملك بن مروان مع عرار بن عمرو بن شأس الأسدي فأرسل الرأس إلى أخيه عبد العزيز بن مروان بمصر فدفنه بها (1*).
وكان مهلك عبد الرحمن سنة أربع وثمانين، وفيه يقول [بعض الشعراء] (الكامل):
هيهات موضع جثّة من رأسها
…
رأس بمصر وجثّة بالرخّج (2*)
قال محمد بن الأشعث: لولا أربع خصال لما أعطيت بشريّا طاعة: لو ماتت أمّ عمرو- يعني أمّه- ولو شاب رأسي، ولو قرأت القرآن، ولو لم يكن رأسي صغيرا.
وخطب الناس بالمربد فقال: أيّها الناس، إنّه لم يبق من عدوّكم إلّا كما يبقى من ذنب الوزغة تضرب به يمينا وشمالا فلا تلبث أن تموت!
فسمعه بعض بني قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة فقال: قبّح الله هذا! يأمر أصحابه بقلّة الاحتراس من عدوّهم فيعدهم الغرور!
1440 - عبد الرحمن بن ملجم [- 40]
(3*)
[30 أ] عبد الرحمن بن ملجم- واسمه يحيى- ابن عمرو بن ملجم بن قيس بن مكشوح بن نفر بن كلدة بن خمير، المراديّ، أحد بني تدول.
ويقال فيه: الحميريّ.
(1*) فدخول ابن الأشعث مصر كان برأسه فقط.
(2*) الرخّج: مدينة من نواحي كابل (ياقوت).
(3*) الوافي: 18/ 286 (340) - الأعلام 4/ 114 - النجوم 1/ 119.
وجاء في أعلى الصفحة هذا التعليق: بنو ملجم ثلاثة:
عبد الرحمن ويزيد وقيس. شهدوا ثلاثتهم فتح مصر.
وكانوا من فرسان تدول المعدودين منهم.
ويقال فيه: التجوبيّ، لأنّ كلدة بن خمير أصاب دما في قومه فأتى مرادا وأقام فيهم وقال:
[جبت إليكم] فسمي: تجوب. وأصله من زبير وله في مراد حلف.
وذكر ابن يونس أنّه عبد الرحمن بن ملجم بن عمرو بن يزيد بن غونة بن نفر بن حجية بن تدول بن أنعم بن مراد. وتدول هو تدول بن زاهر بن عامر بن عوثبان بن زاهر بن مراد. وتدول وأنعم أخوان ابنا زاهر.
وقيل: تجوب فخذ في مراد مذحج. وتجوب هذا رجل من حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، كان أصاب دما في قومه فلجأ إلى مراد فقال: جبت إليكم الديار لأحالفكم- فقيل له: أنت تجوب.- فسمّي تجوبا (1) وهو في مراد مذحج رهط عبد الرحمن بن ملجم هذا.
وعداده في مراد وهو حليف بني جبلة من كندة.
وقيل: إنّ مراد أخواله.
قدم مع الأمداد في خلافة عمر بن الخطّاب (رضه).
وقال ابن الكلبيّ: عبد الرحمن بن ملجم بن عمرو بن يزيد بن غونة بن نفر بن حجية بن تدول، الذي قتل عليّ بن أبي طالب.
وقال البلاذريّ: عبد الرحمن بن ملجم الحميريّ، وعداده في مراد. وهو حليف بني جبلة من كندة، ويقال إنّ مراد أخواله. شهد فتح مصر واختطّ بها مع الأشراف لأنّ عمرو بن العاص أمره أن ينزل قريبا منه- وكان فارس تدول المعروف فيهم بمصر، وكان من قرّاء القرآن، قرأ على معاذ بن جبل. وكان ناسكا يجلس في قومه من صلاة الغداة إلى ارتفاع النهار، والقوم يفيضون في الكلام وهو لا يتكلّم بكلمة. وهو الذي أرسل صبيغ بن عسل التميميّ إلى عمر بن الخطّاب (رضه) يسأله عن مستعجم القرآن.
قال المعتمر بن سليمان: سمعت أبي يحدّث عن أبي عثمان النهديّ أنّ رجلا من بني يربوع يقال له: صبيغ، جاء إلى عمر بن الخطّاب فسأله عن النازعات والمرسلات والذاريات. فنظر إليه عمر رضي الله عنه فقال: ضع على رأسك! - فوضع فإذا له وفرة. فقال: لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك!
- ثم كتب إلينا: لا تجالسوه! - فكان إذا جاء وأقبل تفرّقنا عنه ولو كنّا مائة.
وابن ملجم هو أحد أصحاب عبد الله بن وهب السبائيّ المعروف بابن سبأ [30 ب] وبابن السوداء.
وقال بقوله في عليّ بن أبي طالب وصار من شيعته. ثم خرج على علي رضي الله عنه مع من
(1) جاءت هذه التدقيقات في هوامش الصفحة، وأضافت، بعد «فسمّي تجوبا»: وهو خلاف تجيب أحد بطون كندة، وهم ولد أشرس بن شبيب بن السكون بن أشرس بن كندة، وهم عديّ وسعد، وأمّهما تجيب بنت ثوبان بن سليم بن رها بن منبّه بن حرب بن علة بن جلد بن مذحج، وبها قيل: إنّهم تجيب. فمن قال في عبد الرحمن بن ملجم: تجيبيّ، بضمّ التاء وكسر الجيم فقد أخطأ، ونسبه لغير نسبه. وإنّما هو «تجوبيّ» بفتح التاء المثنّاة من فوق، وضمّ الجيم، ثمّ واو وباء موحّدة بعدها ياء آخر الحروف.
والحاشية الثانية تستغرق ظهر الورقة، وفيها:
وقال ابن الكلبيّ: هو عبد الرحمن بن عمرو بن يحيى ابن عمرو بن ملجم بن قيس بن مكشوح بن نفر بن كلدة، من حمير. وكان كلدة أصاب دما في قومه فهرب، فأتى مرادا في الزمن الأوّل فقال: أتيتكم أجوب الأرض إليكم- فسمّي: «تجوب» . (وقال: ) لا أعرف على الأرض امرءا من تجوب اليوم.
وكان عدادهم في مراد. وكانت لعبد الرحمن أخت بالكوفة عند رجل من مهرة. فمن عندها خرج ابن ملجم ليلة ضرب عليّا رضي الله عنه.
خرج عليه من المحكّمة وقتله.
وقد نقل عن علي رضي الله عنه من طرق كثيرة أنّه أخبر أنّ ابن ملجم هذا يقتله. قال صالح بن عبد الله مولى آل عليّ: حدثتني أمّي- وكانت خادم علي- قالت: سمعت عليا يقول: ما يحبس الأشقى.
(قالت) قلت: وما الأشقى يا أبا الحسن؟
قال: الذي يضرب هذا حتى يبلّ منها هذا.
وإنّها كانت تسمع عليّا يقول ذلك بالمدينة قبل أن يقدم العراق.
وقال أبو عثمان الأعرج: قال علي رضي الله عنه: لتخضبنّ هذه من هذا! - وأومأ إلى لحيته ورأسه.
وفي رواية: ألا ينبعث أشقاها فتخضب هذه من دم هذا؟ - يعني لحيته من رأسه.
وقال يونس بن بكير: حدثني عنبسة بن الأزهر قاضي جرجان قال: إنّما منع عليّا أن يخضب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: تخضب هذه من هذه- ووضع يده على هامته.
وقال سعيد بن المسيّب: إنّ عليا كان يقول:
ألا ينبعث أشقاها؟ والله لتخضبنّ هذه من هذه!
وقال أبو عوانة عن أبي حمزة الأسديّ: حدّثني أبي قال: سمعت عليّا يقول: يا للدماء! - ويمسح لحيته بيده ويقول: متى تخضب بالدماء؟ - فكنّا نعجب. فما كان إلا قليل حتّى جاء شقيّ مراد فضربه بسيف مسموم فأصابه. فأرادوا أن يقتلوه فقال: لا، إنّ الجروح قصاص. ألينوا فراشه، وأحسنوا طعامه وأحسنوا إليه، فإن أعش، فإنّه عفو أو قصاص. وإن [32 أ] أمت فعجّلوه أخاصمه عند خالقي!
وقال الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة الحماني: سمعت عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار» ! وأشهد أنّه ممّا كان يشير [به] إليّ: لتخضبنّ هذه من هذا! - وأشار إلى لحيته ورأسه.
وقال ابن سيرين: بلغني أنّ عليّا قال: والله لتخضبنّ هذه من هذا! - ووضع يده على لحيته ثم رفعها إلى رأسه- إذا انبعث أشقاها.
وقال أبو مطر عن عليّ أنّه كان يقول: متى يبعث أشقاها يخضب هذه من هذه؟
قال [قلت: ] وإنّه لكائن يا أمير المؤمنين؟
قال: ما كذبت ولا كذبت.
وقال أبو الطفيل: شهدت عليّا، وأتاه عبد الرحمن بن عبد الله بن ملجم فقال: يا أمير المؤمنين، امدد يدك أبايعك!
فكفّ عليّ يده. فقال ذلك ثلاثا، ومدّ عليّ يده ثلاثا. فقال في الرابعة؛ ما يحبس أشقاها، لتخضبنّ هذه من هذه! [الهزج]:
(اشدد) حيازيمك للموت!
…
فإنّ الموت آتيك
ولا تجزع من القتل
…
إذا حلّ بواديك (1*)
وقال سفيان عن عمّار الدهني إنّ عليّا قال على المنبر وهو يخطب إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هل
(1*) في الأغاني 15/ 178: رحالك شدّ للموت وبعد هذين البيتين تعليق عروضيّ في الحاشية، في خطّ مشابه دون أن نجزم أنّه للمقريزي:
الشعر إنّما يصحّ بحذف «اشدد» فتقول: حيازيمك للموت! ولكن الفصحاء من العرب يزيدون ما عليه المعنى، ولا يعتدّون به في الوزن، ويحذفون، على ما كان المخاطب يعلم المراد به. فهو إذا قال:
«حيازيمك» ، فقد أضمر:«اشدد» ، فأظهر ولم يعتدّ به.
تدري أيّ الناس أشقى؟ صاحب الناقة، والذي يخضب هذه من هذه- وأشار إلى اللحية والرأس.
وكان عليّ يقول: ما يحبس أشقاها!
فيقولون له: لا والله، لا يقتلك أحد إلّا أبدنا عترته؟ (1)
فقال: أذكر الله مؤمنا أن [لا] يقتل بي إلّا قاتلي.
وقال المعلّى بن زياد عن بعض أصحابه قال:
جاء عبد الرحمن بن ملجم [32 ب] إلى عليّ يستحمله، قال: احملني يا أمير المؤمنين!
فنظر إليه علي، فقال: من أنت؟
قال: أنا عبد الرحمن بن ملجم المرادي.
قال: أنت عبد الرحمن بن ملجم؟
قال: نعم.
قال: أأنت عبد الرحمن بن ملجم المرادي؟
قال: نعم.
قال: أنت عبد الرحمن بن ملجم المرادي؟
قال: نعم.
قال: يا عزوان، احمله على الأشقر.
(قال: ) فجيء به فدفع إليه فأخذ بعنانه فجعل يقوده. فلمّا مضى نظر إليه عليّ فقال (الوافر):
أريد حياته ويريد قتلي
…
عذيرك من خليلك من مراد (2)
وكان سبب قتل ابن ملجم عليّا رضي الله عنه أنّه اجتمع هو والبرك بن عبد الله التميمي الصريمي- واسمه الحجّاج- ومعهما عمرو بن بكير التميميّ السعدي بمكّة فتذاكروا أهل النهروان الذين
(1) في المخطوط: أبدنا. وفي أسد الغابة 4/ 116: اهلكنا.
لذلك اخترنا قراءة: أبدنا.
(2)
هذا البيت والأبيات التي تليه، في الأغاني 10/ 26، وفي أسد الغابة 4/ 275. ويصحبها في المخطوط هذا التعليق في الحاشية:
قائله عمرو بن معدي كرب في قيس بن مكشوح المراديّ، والمكشوح هبيرة، سمّي بذلك لأنّه ضرب على-
- كشحه.
ويأتي تعليق آخر في ورقة طيّارة موالية، فيه:
هذا البيت من أبيات تنسب إلى عمرو بن معدي كرب بن عبد الله بن عمرو بن عصم بن عمرو بن زبيد الأصغر- وهو منبّه بن ربيعة بن مسلمة بن هاني بن ربيعة بن زبيد الأكبر، أبو ثور الزبيديّ.
وتنسب أيضا لدريه بن الصمّة، وهي لعمرو أشهر، وأوّلها [الوافر]:
أعاذل عدّتي بدني ورمحي
…
وكلّ مقلّص سلس القياد
أعاذل إنّما أفنى شبابي
…
إجابتي الصّريخ إلى المنادي
مع الأبطال حتّى سلّ جسمي
…
وأقرح عاتقي حمل النّجاد
منها:
ويبقى بعد حلم القوم حلمي
…
ويفنى قبل زاد القوم زادي
تمنّى أن يلاقيني قبيس
…
وددت، أينما منّي ودادي
ولو لاقيتني ومعي سلاحي
…
تكشّف شحم قلبك عن سواد
فمن ذا عاذري من ذي سفاه
…
يرود بنفسه شرّ المراد؟
أريد حياته ويريد قتلي
…
عذيرك من خليلك من مراد
تمنّاني وسابغتي دلاص
…
كأنّ قتيرها حدق الجراد
وسيفي كان مذ عهد ابن ضدّ
…
تخيّره الفتى من قوم عاد
في أبيات كثيرة، وهي من مستحسن قوله.
ويروى: عذيرك بفتح الرّاء وضمّها. فالرفع على معنى: ما هو عذيرك؟ والنصب على معنى: هات عذيرك! - يريد: هات من يعذرك.