الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جاءهم قتل مروان [ف] طلبوا الصلح. فأمّن أبو جعفر معن بن زائدة ثم ابن هبيرة، واشترط عليه أنّه إن نكث أو غدر فلا أمان له. وكان مقيما بواسطيغدو ويروح إلى أبي جعفر في جماعة كثيرة ويتغدّى عنده ويتعشّى إذا حضر في وقت غدائه وعشائه، وهو في ذلك يدسّ إلى محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ويهمّ بالدعاء لآل أبي طالب وخلع أبي العبّاس. فتيقّن أبو العبّاس ذلك من أمره، وكتب إليه أبو مسلم يشير بقتله ويقول: إنّ الطريق إذا كثرت حجارته فسد وصعب سلوكه.
فكتب أبو العبّاس إلى أخيه أبي جعفر يأمره بقتل ابن هبيرة، فأبى ذلك وكره لما أعطاه من الأمان. فكتب إليه: إنّ هذا الرجل قد غدر ونكث، وهو يريد بنا العظمى، وما لكتاب عبد الرحمن (1) فيه أقتله، ولكن لما بان من نكثه وفجوره، فلا تراجعني في أمره، فقد أحلّ لنا دمه.
فأمر أبو جعفر الحسن بن قحطبة فأبى. فقال خازم بن خزيمة: «أنا أقتله» . وساعده على ذلك الأغلب بن سالم التميميّ، والهيثم بن شعبة وغيرهما. فقتلوه وقتلوا ابنه وحوثرة [76 ب] بن سهيل ومن كان معه في القصر، وهم خمسون، وأتوا برءوسهم أبا جعفر. وكان معن بن زائدة وفد إلى أبي العبّاس ببيعة ابن هبيرة وأقام بالكوفة فسلم.
واستخلف أبو جعفر بواسط الهيثم بن زياد الخزاعي وانصرف هو والحسن بن قحطبة ومن معهما إلى أبي العبّاس.
[تحوّل السفّاح من الكوفة إلى الأنبار]
وكتب أبو مسلم إلى أبي العبّاس: إنّ أهل
الكوفة شاركوا شيعة أمير المؤمنين في الاسم وخالفوهم بالفعل، ورأيهم في آل عليّ الرأي الذي يعلمه أمير المؤمنين. وإنّما يؤتى فسادهم من قبلهم بإغوائهم إيّاهم وإطماعهم فيما ليس لهم.
فالحظهم يا أمير المؤمنين بلحظة بوار ولا تؤهّلهم لجوارك. فليست دارهم لك بدار.
وأشار عليه أيضا عبد الله بن علي بنحو ذلك.
فابتنى مدينة بالأنبار وتحوّل إليها.
وأخذ يوما بيد عبد الله بن حسن بن حسن بن عليّ [بن أبي طالب] فجعل يطوف به فيها. وكان له مكرما، فجعل عبد الله يتمثّل [الوافر]:
ألم تر حوشبا أمسى يبنّي
…
منازل نفعها لبني بقيلة
يؤمّل أن يعمّر عمر نوح
…
وأمر الله يأتي كلّ ليلة
فتطيّر أبو العبّاس وقال: أفّ! لقلّما يملك الحسود نفسه ولسانه.
فقال عبد الله: أقلني!
فقال: لا أقالني الله إذن. اخرج عنّي!
فخرج إلى المدينة.
ويقال إنّه أنشده هذا الشعر وقد طوّفه بالهاشميّة حين استتمّ بناءها.
واستعمل أبو العبّاس أخاه أبا جعفر على الجزيرة وأرمينية وأذربيجان في ذي القعة سنة اثنتين وثلاثين.
وولّى يحيى بن محمد بن عليّ الموصل.
وخرج بالجزيرة بريكة بن حميد الشيبانيّ في قوم من الخوارج فحوربوا وقتلوا.
[قتل أبي سلمة الخلّال]
وأراد أبو العبّاس قتل أبي سلمة الخلّال لميله
(1) عبد الرحمن: هو أبو مسلم.
إلى آل أبي طالب. فقال له داود بن عليّ: لا تتولّ قتله فيحتجّ عليك أبو مسلم بذلك. ولكن اكتب إليه فليوجّه من يقتله.
فدعا أبو العبّاس أخاه أبا جعفر وذاكره أمر أبي سلمة وقال: والله ما أدري، لعلّ الذي كان منه عن رأي أبي مسلم؟ وما لها غيرك. اخرج إلى أبي مسلم مهيبا بما وهب الله لنا وبنجح سعيه فيما قام به من أمرنا، وخذ البيعة عليه، وأعلمه ما كان من أمر أبي سلمة، واعرف رأيه، وعرّفه الذي نحن عليه من شكره ومعرفة حقّه.
(قال) فخرجت إلى خراسان في ثلاثين رجلا، منهم إسحاق بن [77 أ] الفضل الهاشميّ، والحجّاج بن أرطأة، ونحن على وجل. فلمّا شارفت مرو تلقّاني أبو مسلم. فلمّا دنا منّي نزل وقبّل يدي. فقلت:«اركب! » فركب. وقدمت مرو فنزلت دارا. ومكث ثلاثة أيّام لا يسألني عن شيء. ثم قال لي: ما أقدمك يا أبا جعفر؟
فأخبرته. فقال: قد تقدّمت بيعتي وأخذتها لأمير المؤمنين قبل قدومك على من قبلي. ولكنّي أماسحك له (1).
فماسحني ثم قال: أفعلها أبو سلمة؟
قلت: قد فعلها.
فقال: أكفيكموه.
ودعا بمرّار بن أنس الضبّي فقال: انطلق إلى حفص بن سليمان (2) فاقتله حيث لقيته!
فقدم مرّار الكوفة. وكان أبو سلمة يسمر عند أبي العبّاس. فقعد له في بعض الليالي على طريقه، فلمّا خرج قتله. فقالوا: قتلته الخوارج- فقال أبو اللفائف الأسديّ [الخفيف]:
ويح من كان مذ ثلاثون حولا
…
يبتغي حتف نفسه غير آل
لم يزل ذاك دأب كفّيه حتّى
…
عضّه حدّ صارم في القذال
كاده الهاشميّ منه بكيد
…
حيلة غير حيلة الخلّال
وقال المفضّل الضبّي: كتب أبو العبّاس بخطّه أو بإملائه كتابا مع أبي جعفر بن العنات (1*) حين وجّهه إلى خراسان: إنّه لم يزل من رأي أمير المؤمنين وأهل بيته الإحسان إلى المحسن والتجاوز عن المسيء ما لم يكد دينا. وإنّ أمير المؤمنين قد وهب جرم حفص بن سليمان وترك إساءته لإحسانك إن أحببت ذلك.
فلمّا قرأ أبو مسلم الكتاب، وجّه مرّار بن أنس إلى الكوفة لقتل حفص حيث ثقفه (2*). وكتب: إنّه لا يتمّ إحسان أحد حتّى لا تأخذه في الله لومة لائم. وقد قبلت منّة أمير المؤمنين وآثرت الانتقام له.
فقتل مرّار أبا سلمة غيلة. وقيل: قتلته الخوارج. وأمر أبو العبّاس أخاه يحيى بن محمد بالصلاة عليه.
وقال الهيثم بن عديّ: كان أبو مسلم يكتب إلى أبي سلمة: «لوزير آل محمد من عبد الرحمن بن مسلم أمين آل محمّد» . فكتب أبو العبّاس إلى أبي مسلم يعلمه الذي كان من تدبيره في صرف الأمر عنه ونكثه بيعة الإمام، فكتب أبو مسلم يشير بقتله، فكتب إليه:«أنت أولى بالحكم فيه، فابعث من يقتله» . فوجّه مرّار بن أنس الضبّيّ فلقيه ليلا فأنزله عن دابّته ثم ضرب عنقه. ثم جمع أبو
(1) ماسحه فتماسحا: بايعه وصافقه (اللسان) ولم يذكر النفاق والخدعة في المادّة كما فعل دوزي.
(2)
حفص بن سليمان هو أبو سلمة.
(1*) قراءة ظنّيّة.
(2*) ثقف الرجل: ظفر به.
الجهم بن عطيّة- وكان عينا لأبي مسلم يكتب إليه بالأخبار- جميع القوّاد فقال: إنّ حفصا كان غاشّا [77 ب] لله ورسوله والأئمّة، فالعنوه! - فلعن.
وقال أبو جعفر المنصور: دوي (1) العبد فأصاب أمير المؤمنين دواءه.
وقال عبد الله بن علي حين بلغه قتله: كلب أصابه قدر فطاح.
ولمّا سمع أبو العبّاس الصراخ عليه قال متمثّلا [الطويل]:
أفي أن أخشّ الحرب فيمن يخشّها
…
ألام، وفي ألّا أقرّ المخازيا؟
ألم أك نارا يتّقي الناس حرّها
…
فترهبني إذ لم تكن لي راجيا؟
وكان بقاء أبي سلمة في دولة أبي العبّاس ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر.
وأعطى أبو العبّاس محمد بن خالد بن عبد الله القسريّ ضياع أبيه فأعطى محمد ولد أخيه يزيد نصفها، فقال أبو العبّاس: إنّا إنّما سلّمنا هذه الضياع إليك لبلائك ومخاطرتك بنفسك، ولم نعطك إيّاها لتقسمها بينك وبين ورثة أبيك.
ويقال إنّه إنّما أعطاه نصف ضياع أبيه فقال له داود بن عليّ: ما جزاؤه مع ما فعل إلّا أن نعطيه إيّاها كملا، فقد أحسن وأجمل.
فأعطاه جميعها.
وقال المدائني: حصر عبد الله بن عليّ إسحاق ابن مسلم العقيليّ بسميساط أو بسروج أو غيرها أيّام ولايته لأبي العبّاس فقال: إنّ في عنقي بيعة وأنا لا أنكثها ولا أزال متمسّكا بها حتّى أعلم أنّ صاحبها قد هلك.
فقال له عبد الله بن عليّ: إنّ مروان قد قتل.
فلمّا تيقّن ذلك طلب الصلح والأمان. فأمّن وحمل إلى أبي العبّاس فكان أثيرا عنده وعند أبي جعفر المنصور، وكانوا ينسبونه إلى الوفاء. وكان فيه جفاء يدارى له. فلمّا خالف عبد الله بن عليّ أبا جعفر المنصور وصار بكّار بن مسلم معه فكان أشدّ الناس على أهل خراسان، قال أبو جعفر: يا إسحاق، ألا تكفينا أخاك؟
قال: اكفني عمّك حتّى أكفيك أخي!
فضحك لقوله.
وكان أبو نخيلة (1*) يوما عند أبي العبّاس، وإسحاق بن مسلم حاضر، وذلك بعد قتل ابن هبيرة وهدم مدينة واسط وبناء أبي العبّاس مدينته بالأنبار فأنشده [الرجز]:
أصبحت الأنبار دارا تعمر
…
وخربت من النفاق أدؤر
حمص وقنّسرينها وتدمر
…
أين أبو الورد وأين الكوثر؟
وأين مروان، وأين الأشقر
…
وأين أجساد رجال تبرّوا؟
هيهات لا نصر لمن لا ينصر
…
وواسط لم يبق إلّا القرقر [78 أ]
بها وإلّا الديدبان الأخضر
…
منازل كانت بهنّ العهّر (2*)
(1) في المخطوط: دوى بفتحتين واضحتين.
المقفى ج 4* م 4
(1*) أبو نخيلة الراجز: انظر الأغاني، 20/ 386 والطبريّ، 8/ 20 - 23. وسيأتي في اللوحة 81 أخبر خروج أبي الورد مجزأة بن هذيل بن ذفر الكلابيّ.
(2*) الكوثر بن الأسود هو صاحب شرطة مروان الجعديّ (الطبريّ، 7/ 320). وأبو الورد يأتي ذكره ص 103.
والأشقر اسم فرس (توضيح في الهامش). وتبر بوزن فرح تبرا بالتحريك: هلك. وتبره بوزن ضرب: أهلكه.-