الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَحْوَطُ؛ لأَِنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَ يَكُونُ كُفْرًا، وَمَا يَكُونُ كُفْرًا لَا يَكُونُ مِنَ الْقُرْآنِ، وَمَا قَالَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ أَوْسَعُ؛ لأَِنَّ النَّاسَ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ إِعْرَابٍ وَإِعْرَابٍ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْل الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ اللَّحْنَ وَلَوْ غَيَّرَ الْمَعْنَى لَا يُبْطِل الصَّلَاةَ، وَسَوَاءٌ ذَلِكَ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ السُّوَرِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ اللَّحْنَ إِذَا كَانَ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ إِلَاّ إِذَا كَانَ عَامِدًا عَالِمًا قَادِرًا، وَأَمَّا فِي الْفَاتِحَةِ فَإِنْ قَدَرَ وَأَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَإِلَاّ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ.
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ اللَّحْنَ إِنْ كَانَ يُحِيل الْمَعْنَى فَإِنْ كَانَ لَهُ الْقُدْرَةُ عَلَى إِصْلَاحِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، لأَِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ إِصْلَاحِهِ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فَقَطِ الَّتِي هِيَ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ لِحَدِيثِ: إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ (1) ، وَلَا يَقْرَأُ مَا زَادَ عَنِ الْفَاتِحَةِ، فَإِنْ قَرَأَ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَيَكْفُرُ إِنِ اعْتَقَدَ إِبَاحَتَهُ، وَإِنْ قَرَأَ نِسْيَانًا أَوْ جَهْلاً أَوْ خَطَأً لَمْ تَبْطُل صَلَاتُهُ (2) .
(1) حديث: " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم " أخرجه البخاري (فتح الباري 13 / 251) ، ومسلم (2 / 975) .
(2)
الفتاوى الهندية 1 / 81، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 236، والقليوبي وعميرة 1 / 231، وكشاف القناع 1 / 481، والإنصاف 2 / 270.
قِرَاءَةُ الْمَأْمُومِ خَلْفَ الإِْمَامِ:
10 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ خَلْفَ الإِْمَامِ.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَأْمُومِ سَوَاءٌ كَانَتِ الصَّلَاةُ جَهْرِيَّةً أَوْ سِرِّيَّةً لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الإِْمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ (1)، قَال ابْنُ قُنْدُسٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قِرَاءَةَ الإِْمَامِ إِنَّمَا تَقُومُ عَنْ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ إِذَا كَانَتْ صَلَاةُ الإِْمَامِ صَحِيحَةً، احْتِزَازًا عَنِ الإِْمَامِ إِذَا كَانَ مُحْدِثًا أَوْ نَجِسًا وَلَوْ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَقُلْنَا بِصِحَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ لِعَدَمِ صِحَّةِ صَلَاةِ الإِْمَامِ، فَتَكُونُ قِرَاءَتُهُ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى رُكْنِ الصَّلَاةِ فَلَا تَسْقُطُ عَنِ الْمَأْمُومِ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ، لَكِنْ لَمْ أَجِدْ مِنْ أَعْيَانِ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ مَنِ اسْتَثْنَاهُ. نَعَمْ وَجَدْتُهُ فِي بَعْضِ كَلَامِ الْمُتَأَخِّرِينَ.
قَال الْبُهُوتِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الأَْشْيَاخِ وَالأَْخْبَارِ خِلَافُهُ لِلْمَشَقَّةِ.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي السِّرِّيَّةِ.
(1) حديث: " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " أخرجه ابن ماجه (1 / 277) من حديث جابر بن عبد الله، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (1 / 175) .
وَعَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهَا تَجِبُ فِي صَلَاةِ السِّرِّ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ حَيْثُ قَال بِلُزُومِهَا لِلْمَأْمُومِ فِي السِّرِّيَّةِ (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَقْرَأُ مُطْلَقًا خَلْفَ الإِْمَامِ حَتَّى فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ، وَيُكْرَهُ تَحْرِيمًا أَنْ يَقْرَأَ خَلْفَ الإِْمَامِ، فَإِنْ قَرَأَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ فِي الأَْصَحِّ.
قَالُوا: وَيَسْتَمِعُ الْمَأْمُومُ إِذَا جَهَرَ الإِْمَامُ وَيُنْصِتُ إِذَا أَسَرَّ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ خَلْفَهُ قَوْمٌ، فَنَزَلَتْ {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} .
(2)
قَال أَحْمَدُ: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الآْيَةَ فِي الصَّلَاةِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الْبَحْرِ: وَحَاصِل الآْيَةِ: أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِهَا أَمْرَانِ: الاِسْتِمَاعُ وَالسُّكُوتُ فَيُعْمَل بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَالأَْوَّل يُخَصُّ بِالْجَهْرِيَّةِ وَالثَّانِي لَا، فَيَجْرِي عَلَى إِطْلَاقِهِ فَيَجِبُ السُّكُوتُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا.
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَال: لَا قِرَاءَةَ مَعَ الإِْمَامِ فِي شَيْءٍ.
(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 236 - 237، والخرشي على خليل 1 / 269، وكشاف القناع 1 / 386، والإنصاف 2 / 228.
(2)
حديث ابن عباس: " صلى النبي صلى الله عليه وسلم. . . ". أخرجه ابن مردويه كما في الدر المنثور للسيوطي (3 / 155) . والآية من سورة الأعراف / 204.
وَمَنْعُ الْمُؤْتَمِّ مِنَ الْقِرَاءَةِ مَأْثُورٌ عَنْ ثَمَانِينَ نَفَرًا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ؛ وَلأَِنَّ الْمَأْمُومَ مُخَاطَبٌ بِالاِسْتِمَاعِ إِجْمَاعًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا يُنَافِيهِ، إِذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، فَصَارَ نَظِيرَ الْخُطْبَةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا أُمِرَ بِالاِسْتِمَاعِ لَا يَجِبُ عَلَى كُل وَاحِدٍ أَنْ يَخْطُبَ لِنَفْسِهِ بَل لَا يَجُوزُ، فَكَذَا هَذَا (1) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا سِرِّيَّةً كَانَتْ أَوْ جَهْرِيَّةً (2)، لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ (3)، وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يَقْرَأُ الرَّجُل فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. (4)
وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى كَرَاهَةِ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ حَال جَهْرِ الإِْمَامِ، وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ حَال مَا إِذَا كَانَ يَخَافُ فَوْتَ بَعْضِ الْفَاتِحَةِ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ إِمَامَهُ لَا يَقْرَأُ السُّورَةَ أَوْ إِلَاّ سُورَةً قَصِيرَةً وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهُ يَقْرَؤُهَا مَعَ الإِْمَامِ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْرَأَ فِي سَكَتَاتِ الإِْمَامِ أَوْ إِذَا كَانَ لَا يَسْمَعُ الإِْمَامَ
(1) تبيين الحقائق 1 / 131، وحاشية ابن عابدين 1 / 366.
(2)
مغني المحتاج 1 / 156، وشرح روض الطالب 1 / 149.
(3)
حديث: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " تقدم فقرة 4.
(4)
حديث: " لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها. . . ". تقدم ف 4.