الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِظْهَارُ الْغِنَى عِنْدَ الاِقْتِرَاضِ؛ لأَِنَّ فِيهِ تَغْرِيرًا لِلْمُقْرِضِ (1)، وَقَال أَيْضًا: وَمِنْ ثَمَّ لَوْ عَلِمَ الْمُقْتَرِضُ أَنَّهُ إِنَّمَا يُقْرِضُهُ لِنَحْوِ صَلَاحِهِ، وَهُوَ بَاطِنًا بِخِلَافِ ذَلِكَ حَرُمَ عَلَيْهِ الاِقْتِرَاضُ أَيْضًا، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (2) .
تَوْثِيقُ الْقَرْضِ:
7 -
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ كِتَابَةَ الدَّيْنِ وَالإِْشْهَادَ عَلَيْهِ مَنْدُوبَانِ وَلَيْسَا وَاجِبَيْنِ مُطْلَقًا، وَالأَْمْرُ بِهِمَا فِي الآْيَةِ إِرْشَادٌ إِلَى الأَْوْثَقِ وَالأَْحْوَطِ، وَلَا يُرَادُ بِهِ الْوُجُوبُ (3)، قَال الإِْمَامُ الشَّافِعِيُّ: فَلَمَّا أَمَرَ إِذَا لَمْ يَجِدُوا كَاتِبًا بِالرَّهْنِ، ثُمَّ أَبَاحَ تَرْكَ الرَّهْنِ وَقَال:{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} (4) ، فَدَل عَلَى أَنَّ الأَْمْرَ الأَْوَّل دَلَالَةٌ عَلَى الْحَظِّ، لَا فَرْضٌ فِيهِ يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ (5) . وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (تَوْثِيق ف 7) .
أَرْكَانُ الْقَرْضِ:
8 -
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ أَرْكَانَ عَقْدِ
(1) الإنافة في الصدقة والضيافة لابن حجر الهيتمي ص 155، وانظر نهاية المحتاج 4 / 216.
(2)
تحفة المحتاج 5 / 37.
(3)
أحكام القرآن للجصاص 1 / 481 - 482، والأم للشافعي 3 / 89 وما بعدها، والمغني لابن قدامة 4 / 362، (ط. مكتبة الرياض الحديثة) وأحكام القرآن لابن العربي 1 / 258، 262.
(4)
سورة البقرة / 283.
(5)
أحكام القرآن للإمام الشافعي 2 / 127.
الْقَرْضِ ثَلَاثَةٌ:
1 -
الصِّيغَةُ (وَهِيَ الإِْيجَابُ وَالْقَبُول) .
2 -
الْعَاقِدَانِ (وَهُمَا الْمُقْرِضُ وَالْمُقْتَرِضُ) .
3 -
الْمَحَل (وَهُوَ الْمَال الْمُقْرَضُ) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ رُكْنَ الْقَرْضِ هُوَ الصِّيغَةُ الْمُؤَلَّفَةُ مِنَ الإِْيجَابِ وَالْقَبُول الدَّالَّيْنِ عَلَى اتِّفَاقِ الإِْرَادَتَيْنِ وَتَوَافُقِهِمَا عَلَى إِنْشَاءِ هَذَا الْعَقْدِ.
الرُّكْنُ الأَْوَّل: الصِّيغَةُ (الإِْيجَابُ وَالْقَبُول) :
9 -
لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي صِحَّةِ الإِْيجَابِ بِلَفْظِ الْقَرْضِ وَالسَّلَفِ وَبِكُل مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُمَا، كَأَقْرَضْتُكَ وَأَسْلَفْتُكَ وَأَعْطَيْتُكَ قَرْضًا أَوْ سَلَفًا، وَمَلَّكْتُكَ هَذَا عَلَى أَنْ تَرُدَّ لِي بَدَلَهُ، وَخُذْ هَذَا فَاصْرِفْهُ فِي حَوَائِجِكَ وَرُدَّ لِي بَدَلَهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. . . أَوْ تُوجَدُ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى إِرَادَةِ الْقَرْضِ، كَأَنْ سَأَلَهُ قَرْضًا فَأَعْطَاهُ. . . وَكَذَا صِحَّةُ الْقَبُول بِكُل لَفْظٍ يَدُل عَلَى الرِّضَا بِمَا أَوْجَبَهُ الأَْوَّل، مِثْل: اسْتَقْرَضْتُ أَوْ قَبِلْتُ أَوْ رَضِيتُ وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى (1)، قَال الشَّيْخُ زَكَرِيَّا الأَْنْصَارِيُّ:
(1) بل إنَّ الحنفية نصوا على صحة القرض بلفظ الإعارة، نظرًا لأن إعارة المثليات قرض حقيقة (رد المحتار 4 / 171، والهداية مع فتح القدير، ط. الميمنية 4 / 474) ، وانظر بدائع الصنائع 7 / 394، وشرح منتهى الإرادات 2 / 225، وكشاف القناع 3 / 299، والمغني لابن قدامة 6 / 430 وما بعدها ط. هجر، والمهذب 1 / 309، وأسنى المطالب 2 / 140 - 141، ونهاية المحتاج 4 / 217 - 218، وتحفة المحتاج 5 / 37 - 39، وروضة الطالبين 4 / 32.
وَظَاهِرٌ أَنَّ الاِلْتِمَاسَ مِنَ الْمُقْرِضِ، كَاقْتَرِضْ مِنِّي، يَقُومُ مَقَامَ الإِْيجَابِ، وَمِنَ الْمُقْتَرِضِ، كَأَقْرِضْنِي، يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُول، كَمَا فِي الْبَيْعِ (1) .
وَقَال النَّوَوِيُّ: وَقَطَعَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الإِْيجَابُ وَلَا الْقَبُول، بَل إِذَا قَال لِرَجُلٍ: أَقْرِضْنِي كَذَا، أَوْ أَرْسَل إِلَيْهِ رَسُولاً، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْمَال، صَحَّ الْقَرْضُ، وَكَذَا لَوْ قَال رَبُّ الْمَال: أَقْرَضْتُكَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ، وَسَلَّمَهَا إِلَيْهِ ثَبَتَ الْقَرْضُ (2) .
وَالشَّافِعِيَّةُ مَعَ قَوْلِهِمْ - فِي الأَْصَحِّ - بِاشْتِرَاطِ الإِْيجَابِ وَالْقَبُول لِصِحَّةِ الْقَرْضِ، كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ، اسْتَثْنَوْا مِنْهُ مَا سَمَّوْهُ بِـ " الْقَرْضِ الْحُكْمِيِّ "، فَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِيهِ الصِّيغَةَ أَصْلاً (3)، قَال الرَّمْلِيُّ: أَمَّا الْقَرْضُ الْحُكْمِيُّ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ صِيغَةٌ، كَإِطْعَامِ جَائِعٍ، وَكِسْوَةِ عَارٍ، وَإِنْفَاقٍ عَلَى لَقِيطٍ، وَمِنْهُ أَمْرُ غَيْرِهِ بِإِعْطَاءِ مَا لَهُ غَرَضٌ فِيهِ، كَإِعْطَاءِ شَاعِرٍ أَوْ ظَالِمٍ، أَوْ إِطْعَامِ فَقِيرٍ، وَكَبِعْ هَذَا وَأَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ بِنِيَّةِ الْقَرْضِ (4) .
وَاتَّفَقَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَلَى
(1) أسنى المطالب شرح روض الطالب 2 / 141.
(2)
روضة الطالبين 4 / 32.
(3)
تحفة المحتاج 5 / 40، وأسنى المطالب 2 / 141.
(4)
نهاية المحتاج 4 / 218.
أَنَّ رُكْنَ الْقَرْضِ هُوَ الإِْيجَابُ وَالْقَبُول، لَكِنْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الرُّكْنَ فِيهِ الإِْيجَابُ فَقَطْ، وَأَمَّا الْقَبُول فَلَيْسَ بِرُكْنٍ، حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يُقْرِضُ فُلَانًا فَأَقْرَضَهُ، وَلَمْ يَقْبَل، لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي الرِّوَايَةِ الأُْخْرَى: يَحْنَثُ (1)، قَال الْكَاسَانِيُّ: وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: أَنَّ الإِْقْرَاضَ إِعَارَةٌ وَالْقَبُول لَيْسَ بِرُكْنٍ فِي الإِْعَارَةِ، وَوَجْهُ قَوْل مُحَمَّدٍ، أَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ مِثْل الْمُسْتَقْرِضِ، فَلِهَذَا اخْتَصَّ جَوَازُهُ بِمَا لَهُ مِثْلٌ، فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ، فَكَانَ الْقَبُول رُكْنًا فِيهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ (2) .
وَفَرَّعَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى اشْتِرَاطِ الإِْيجَابِ وَالْقَبُول لاِنْعِقَادِ الْقَرْضِ، مَا لَوْ قَال الْمُقْرِضُ لِلْمُسْتَقْرِضِ: أَقْرَضْتُكَ أَلْفًا، وَقَبِل، وَتَفَرَّقَا، ثُمَّ دَفَعَ إِلَيْهِ الأَْلْفَ، أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَطُل الْفَصْل جَازَ؛ لأَِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَصَدَ الإِْيجَابَ، وَإِنْ طَال الْفَصْل لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُعِيدَ لَفْظَ الْقَرْضِ؛ لأَِنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْبِنَاءُ عَلَى الْعَقْدِ مَعَ طُول الْفَصْل (3) .
وَالتَّفْصِيل فِي (عَقْد ف 5 - 27) .
(1) بدائع الصنائع 7 / 394.
(2)
البدائع 7 / 394.
(3)
المهذب 1 / 310.