الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَرَادَهُ الْمُدَّعِي، لِهَذَا فَإِنَّ مَنْ نَكَل حُبِسَ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ.
وَالْحَبْسُ عِنْدَ النُّكُول إِنَّمَا يَكُونُ فِي دَعْوَى الْقَتْل الْعَمْدِ، أَمَّا فِي الْخَطَأِ فَيُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ وَلَا يُحْبَسُونَ؛ لأَِنَّ مُوجِبَ الْقَتْل الْخَطَأِ الْمَال فَيُقْضَى بِهِ عِنْدَ النُّكُول.
وَدَلِيلُهُمْ فِي هَذَا مَا رُوِيَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الأَْزْمَعِ أَنَّهُ قَال لِسَيِّدِنَا عُمَرَ رضي الله عنه: أَنَبْذُل أَيْمَانَنَا وَأَمْوَالَنَا؟ فَقَال نَعَمْ (1) .
مَنْ تُوَجَّهُ إِلَيْهِمُ الْقَسَامَةُ:
18 -
لَا خِلَافَ بَيْنَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ أَيْمَانَ الْقَسَامَةِ تُوَجَّهُ إِلَى الرِّجَال الأَْحْرَارِ الْبَالِغِينَ الْعُقَلَاءِ مِنْ عَشِيرَةِ الْمَقْتُول الْوَارِثِينَ لَهُ، كَمَا لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي عَدَمِ تَوَجُّهِهَا إِلَى الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ.
وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي تَوْجِيهِهَا إِلَى النِّسَاءِ أَوْ غَيْرِ الْوَارِثِينَ مِنَ الْعَصَبَةِ.
وَقَدْ فَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ كَوْنِ الْقَتْل عَمْدًا، وَبَيْنَ كَوْنِهِ خَطَأً، وَاشْتَرَطُوا فِي الْقَتْل الْعَمْدِ الذُّكُورَةَ وَالْعُصُوبَةَ وَالْعَدَدَ (2) .
وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَحْلِفَ وَرَثَةُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إِذَا طَلَبُوا الْقِصَاصَ أَوِ الدِّيَةَ، وَتُوَزَّعُ الأَْيْمَانُ
(1) المبسوط للسرخسي. . / 111، وحاشية ابن عابدين 5 / 403.
(2)
شرح الخرشي 8 / 56 - 57.
عَلَى الْعَصَبَةِ، وَلَا يَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ أَقَل مِنْ رَجُلَيْنِ؛ لأَِنَّ النِّسَاءَ لَا يَحْلِفْنَ فِي الْعَمْدِ لِعَدَمِ شَهَادَتِهِنَّ فِيهِ فَإِنِ انْفَرَدْنَ عَنْ رَجُلَيْنِ صَارَ الْمَقْتُول كَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، فَتُرَدُّ الأَْيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
وَيَحْلِفُ النِّسَاءُ مَعَ الرِّجَال إِذَا كَانَ الْقَتْل خَطَأً بِخِلَافِ الْعَمْدِ، لاِنْفِرَادِ الرِّجَال بِهِ، وَتُوَزَّعُ الأَْيْمَانُ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْخَطَأِ إِلَاّ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنَّهَا تُحَلَّفُ الأَْيْمَانَ كُلَّهَا وَتَأْخُذُ حَظَّهَا مِنَ الدِّيَةِ، وَيَسْقُطُ مَا عَلَى الْجَانِي مِنَ الدِّيَةِ لِتَعَذُّرِ الْحَلِفِ مِنْ جِهَةِ بَيْتِ الْمَال.
وَإِذَا كُسِرَتِ الْيَمِينُ يُكْمَل عَلَى ذِي الأَْكْثَرِ مِنَ الْكُسُورِ وَلَوْ أَقَلَّهُمْ نَصِيبًا مِنْ غَيْرِهِ، كَابْنٍ وَبِنْتٍ عَلَى الاِبْنِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ يَمِينًا وَثُلُثٌ وَعَلَى الْبِنْتِ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ فَيُجْبَرُ كَسْرُ الْيَمِينِ عَلَى الْبِنْتِ لأَِنَّ كَسْرَ يَمِينِهَا أَكْثَرُ مِنْ كَسْرِ يَمِينِ الاِبْنِ، وَإِنْ كَانَتِ الْبِنْتُ أَقَل نَصِيبًا فَتَحْلِفُ سَبْعَةَ عَشَرَ يَمِينًا فَإِنْ تَسَاوَتِ الْكُسُورُ جَبَرَ كُل وَاحِدٍ كَسْرَهُ، كَثَلَاثَةِ بَنِينَ فَعَلَى كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ فَتَكْمُل عَلَى كُلٍّ، فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ يَمِينًا.
جَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قُلْتُ: وَإِنَّمَا يَحْلِفُ وُلَاةُ الدَّمِ فِي الْخَطَأِ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ مِنَ الْمَيِّتِ فِي قَوْل مَالِكٍ، قَال: نَعَمْ، قُلْتُ: فَهَل يُقْسِمُ
النِّسَاءُ فِي قَتْل الْعَمْدِ فِي قَوْل مَالِكٍ؟ قَال: لَا، قُلْتُ: فَهَل يُقْسِمُ النِّسَاءُ فِي الْقَتْل الْخَطَأِ فِي قَوْل مَالِكٍ؟ قَال: نَعَمْ (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَحْلِفُ كُل وَارِثٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ، رَجُلاً كَانَ أَوِ امْرَأَةً فِي دَعْوَى الْقَسَامَةِ بِالْقَتْل، عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ؛ لأَِنَّ الْقَسَامَةَ عِنْدَهُمْ يَمِينٌ فِي الدَّعْوَى، فَتُشْرَعُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى.
قَال الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا كَانَ لِلْقَتِيل وَارِثَانِ فَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْقَسَامَةِ لَمْ يُمْنَعْ ذَلِكَ الآْخَرُ مِنْ أَنْ يُقْسِمَ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَيَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ مِنَ الْمِيرَاثِ (2) ، وَتُوَزَّعُ الأَْيْمَانُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِقَدْرِ حِصَصِهِمْ مِنَ الدِّيَةِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى.
فَإِذَا كَانَ الْمَقْتُول بِلَا وَارِثٍ سَقَطَتِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ، إِلَاّ إِذَا ادَّعَى أَحَدُ الْمُسْلِمِينَ الْقَتْل عَلَى مُعَيَّنٍ، فَإِنَّ لِلإِْمَامِ أَنْ يَنْصِبَهُ لِلْحَلِفِ فِي الْقَسَامَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَيَسْتَحِقَّ بَيْتُ الْمَال الدِّيَةَ، وَإِنْ نَكَل فَقَدِ اخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَجْهٌ يُسْقِطُ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ، وَالْوَجْهُ الآْخَرُ يُوجِبُ حَبْسَهُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ (3) .
(1) المدونة الكبرى 6 / 418، والشرح الصغير 4 / 418.
(2)
الأحكام السلطانية للماوردي ص 282، والأم للشافعي 6 / 101.
(3)
مغني المحتاج 4 / 118، وحاشية البجيرمي 4 / 137.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا كَانَ فِي الأَْوْلِيَاءِ نِسَاءٌ وَرِجَالٌ أَقْسَمَ الرِّجَال وَسَقَطَ حُكْمُ النِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صِبْيَانٌ وَرِجَالٌ بَالِغُونَ، أَوْ كَانَ فِيهِمْ حَاضِرُونَ وَغَائِبُونَ لَا تَثْبُتُ الْقَسَامَةُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ، وَكَذَا لَا تَثْبُتُ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ؛ لأَِنَّ الْحَقَّ لَا يَثْبُتُ إِلَاّ بِبَيِّنَةٍ كَامِلَةٍ، وَالْبَيِّنَةُ أَيْمَانُ الأَْوْلِيَاءِ كُلِّهِمْ، وَالأَْيْمَانُ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ (1) .
وَذَهَبَ الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْقَتْل إِذَا كَانَ عَمْدًا لَا يَحْلِفُ الْكَبِيرُ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ، وَلَا الْحَاضِرُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ؛ لأَِنَّ الْوَاجِبَ بِالْعَمْدِ هُوَ الْقِصَاصُ، وَمِنْ شَرْطِهِ عِنْدَهُمْ مُطَالَبَةُ جَمِيعِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُول بِهِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الْقَتْل غَيْرَ عَمْدٍ، فَأَجَازَ قَسَامَةَ الْكَبِيرِ الْحَاضِرِ دُونَ اشْتِرَاطِ بُلُوغِ الصَّغِيرِ، وَحُضُورِ الْغَائِبِ؛ لأَِنَّ مَا يَجِبُ بِقَسَامَتِهِمْ هُوَ الدِّيَةُ، فَيَسْتَحِقُّ كُلٌّ مِنْهُمْ قِسْطَهُ مِنْهَا.
وَعَلَى ذَلِكَ يَحْلِفُ أَوْلِيَاءُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ - وَهُمْ وَرَثَتُهُ - وَتُوَزَّعُ الأَْيْمَانُ كَسِهَامِ التَّرِكَةِ، وَيُبْدَأُ بِالذُّكُورِ، وَتُرَدُّ الْقَسَامَةُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُول إِلَاّ النِّسَاءُ، وَكَذَا إِذَا نَكَل الْمُدَّعِي فَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنَ الدِّيَةِ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ وَجَبَتِ الدِّيَةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفِ الْمُدَّعُونَ وَلَمْ يَرْضَوْا بِأَيْمَانِ الْمُدَّعَى
(1) المغني والشرح الكبير 10 / 25.
عَلَيْهِمْ وَجَبَتِ الدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَال، قِيَاسًا عَلَى مَنْ قُتِل فِي زِحَامٍ وَلَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ كَقَتِيلٍ فِي الطَّوَافِ أَوْ فِي جُمُعَةٍ (1) .
وَالْحَنَفِيَّةُ يُوجِبُونَ الْقَسَامَةَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دُونَ الْمُدَّعِي، وَبِنَاءً عَلَيْهِ يَخْتَارُ الْوَلِيُّ خَمْسِينَ رَجُلاً مِنَ الْمَحَلَّةِ الَّتِي وُجِدَ فِيهَا الْقَتِيل وَيُحَلِّفُهُمْ، وَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ الصَّالِحِينَ أَوِ الْفَسَقَةَ، كَمَا يَحِقُّ لَهُ اخْتِيَارُ الشُّبَّانِ وَالشُّيُوخِ، وَيَكُونُ الاِخْتِيَارُ مِنْ أَهْل الْمَحَلَّةِ الَّتِي وُجِدَ فِيهَا الْقَتِيل، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَكُونُ الدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ، أَيْ عَوَاقِل كُل مَنْ فِي الْمَحَلَّةِ.
وَقَدِ اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلَيْنِ فِيمَا لَوْ خَصَّ الْوَلِيُّ قَاتِلاً مُعَيَّنًا مِنْ أَهْل الْمَحَلَّةِ (2) .
الْقَوْل الأَْوَّل: يُوجِبُ الْقَسَامَةَ عَلَى خَمْسِينَ مِنْ أَهْل الْمَحَلَّةِ؛ لأَِنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَسْقُطُ عَنْهُمْ إِذَا لَمْ تَكُنْ لِلْوَلِيِّ بَيِّنَةٌ تُدِينُ الْقَاتِل الْمُخَصَّصَ، قَال السَّرَخْسِيُّ: وَإِنِ ادَّعَى أَهْل الْقَتِيل عَلَى بَعْضِ أَهْل الْمَحَلَّةِ الَّذِينَ وُجِدَ الْقَتِيل بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَقَالُوا: قَتَلَهُ فُلَانٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، لَمْ يُبْطِل هَذَا حَقَّهُ، وَفِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ؛ لأَِنَّهُمْ ذَكَرُوا مَا كَانَ مَعْلُومًا لَنَا بِطَرِيقِ الظَّاهِرِ، وَهُوَ أَنَّ الْقَاتِل وَاحِدٌ مِنْ أَهْل الْمَحَلَّةِ، وَلَكِنَّا لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ حَقِيقَةً (3) .
(1) منتهى الإرادات 3 / 335.
(2)
أحكام القرآن للجصاص 2 / 227 - 228.
(3)
المبسوط 26 / 114، وحاشية ابن عابدين 6 / 634.
الْقَوْل الثَّانِي: رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ أَسْقَطَ الْقَسَامَةَ عَنْ أَهْل الْمَحَلَّةِ، لأَِنَّ دَعْوَى الْوَلِيِّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ، يَكُونُ إِبْرَاءً لأَِهْل الْمَحَلَّةِ عَنِ الْقَسَامَةِ فِي الْقَتِيل الَّذِي لَا يُعْرَفُ قَاتِلُهُ، فَإِذَا زَعَمَ الْوَلِيُّ أَنَّهُ يُعْرَفُ الْقَاتِل مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ، صَارَ مُبْرِئًا لَهُمْ عَنِ الْقَسَامَةِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْهُ، فَإِنْ أَقَامَ الْوَلِيُّ شَاهِدَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَهْل الْمَحَلَّةِ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُل، فَقَدْ أَثْبَتَ عَلَيْهِ الْقَتْل بِالْحُجَّةِ، فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِمُوجِبِهِ، وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ مِنْ أَهْل الْمَحَلَّةِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَا تُقْبَل شَهَادَتُهُمَا؛ لأَِنَّ أَهْل الْمَحَلَّةِ خُصُومٌ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ مَا بَقِيَتِ الْقَسَامَةُ (1) .
وَتَسْقُطُ الْقَسَامَةُ عَنِ الْمَحَلَّةِ الَّتِي وُجِدَ فِيهَا الْقَتِيل إِذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْل عَلَى رَجُلٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ الْمَحَلَّةِ الَّتِي وُجِدَ فِيهَا الْقَتِيل، وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى إِنْ لَمْ تَكُنْ لِلْوَلِيِّ بَيِّنَةٌ، لِلتَّنَاقُضِ بَيْنَ الإِْبْرَاءِ وَالاِتِّهَامِ، وَإِذَا اتَّهَمَتِ الْمَحَلَّةُ قَاتِلاً مُعَيَّنًا فِيهَا أَوْ فِي غَيْرِهَا كُلِّفَتْ بِإِحْضَارِ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ أَحْضَرَتِ الْبَيِّنَةَ وَوَافَقَ الْوَلِيُّ حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ، قَال الْكَاسَانِيُّ: وَلَوِ ادَّعَى أَهْل تِلْكَ الْمَحَلَّةِ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ تَصِحُّ دَعْوَاهُمْ، فَإِنْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ
(1) المبسوط 26 / 114 - 115، وبدائع الصنائع 10 / 4757، والاختيار 5 / 56.
الرَّجُل يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ، وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ إِنْ وَافَقَهُمُ الأَْوْلِيَاءُ فِي الدَّعْوَى عَلَى ذَلِكَ الرَّجُل، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقُوهُمْ فِي الدَّعْوَى عَلَيْهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لأَِنَّ الأَْوْلِيَاءَ قَدْ أَبْرَءُوهُ حَيْثُ أَنْكَرُوا وُجُودَ الْقَتْل مِنْهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَى أَهْل الْمَحَلَّةِ أَيْضًا شَيْءٌ؛ لأَِنَّهُمْ أَثْبَتُوا الْقَتْل عَلَى غَيْرِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ لَهُمُ الْبَيِّنَةُ وَحَلَفَ ذَلِكَ الرَّجُل، تَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَى أَهْل الْمَحَلَّةِ (1) .
وَإِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ وَكَانَ أَهْلُهَا مُسْلِمِينَ وَبَيْنَهُمْ ذِمِّيٌّ، فَلَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَيْهِ لأَِنَّ تَدْبِيرَ الْمِلْكِ وَالْمُحَافَظَةَ عَلَيْهِ مِنْ قِبَل الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُزَاحِمُهُمُ الذِّمِّيُّ، لأَِنَّهُ تَابِعٌ، فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ النِّسَاءِ، أَمَّا إِذَا كَانَ الْقَتْل فِي قَرْيَةٍ لأَِهْل الذِّمَّةِ، فَقَدْ وَجَبَتِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ، لأَِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ عَنْ تَدْبِيرِ مِلْكِهِمْ.
أَمَّا إِذَا كَانَ هَذَا الْحَادِثُ فِي زَمَانِنَا هَذَا فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ؛ لأَِنَّ الْحَنَفِيَّةَ يُوجِبُونَ الْقَسَامَةَ عَلَى جَمِيعِ مَنْ فِي الْمَحَلَّةِ الَّتِي اشْتَرَكَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ وَالذِّمِّيُّونَ، فَتَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ بِالتَّسَاوِي، إِلَاّ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ تَتَحَمَّل عَوَاقِلُهُمُ الدِّيَةَ، وَالذِّمِّيَّ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ.
(1) بدائع الصنائع 10 / 4758.
وَقَدْ اسْتَدَل السَّرَخْسِيُّ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ بِقِصَّةِ الرَّجُل الْمَقْتُول مِنْ قِبَل الْيَهُودِ فِي خَيْبَرَ، إِذْ إِنَّ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم أَوْجَبَ الْقَسَامَةَ عَلَيْهِمْ، قَال السَّرَخْسِيُّ: إِذَا وُجِدَ الْقَتِيل فِي قَرْيَةٍ أَصْلُهَا لِقَوْمٍ شَتَّى، فِيهِمُ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ، فَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْل الْقَرْيَةِ الْمُسْلِمُ مِنْهُمْ وَالْكَافِرُ فِيهِ سَوَاءٌ؛ لأَِنَّ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم أَوْجَبَ الْقَسَامَةَ عَلَى أَهْل الْقَرْيَةِ (خَيْبَرَ) وَكَانُوا مِنَ الْيَهُودِ، ثُمَّ يَعْرِضُ عَلَيْهِمُ الدِّيَةَ، فَمَا أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ، وَمَا أَصَابَ أَهْل الذِّمَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ مَعَاقِل فَعَلَيْهِمْ وَإِلَاّ فَفِي أَمْوَالِهِمْ (1) ، وَتَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَى الأَْحْرَارِ الْبَالِغِينَ؛ لأَِنَّهُمْ أَهْل النُّصْرَةِ، أَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَلَا قَسَامَةَ عَلَيْهِمَا؛ لأَِنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْل النُّصْرَةِ، وَقَوْل الْمَجْنُونِ لَيْسَ صَحِيحًا، فَلَا قَسَامَةَ عَلَيْهِمَا، كَذَلِكَ الْمَرْأَةُ لَا تَشْتَرِكُ فِي الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ إِذَا كَانَ الْقَتِيل فِي غَيْرِ مِلْكِهَا، وَعَلَيْهَا الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا إِذَا كَانَ الْقَتْل فِي مِلْكِهَا، وَهَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لأَِنَّهَا مَسْئُولَةٌ عَنْ تَدْبِيرِ مِلْكِهَا، لأَِنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْمَالِكِ هُوَ الْمِلْكُ مَعَ أَهْلِيَّةِ الْقَسَامَةِ، وَقَدْ وُجِدَا فِي حَقِّهَا، أَمَّا الْمِلْكُ فَثَابِتٌ لَهَا، وَأَمَّا الأَْهْلِيَّةُ فَلأَِنَّ الْقَسَامَةَ يَمِينٌ
(1) المبسوط للسرخسي 26 / 111.