الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَعَ الْفَارِقِ، فَلَوْ لَمْ تُشْرَعِ الشُّفْعَةُ لَلَزِمَ ضَرَرٌ مُتَجَدِّدٌ عَلَى الدَّوَامِ، وَلَا كَذَلِكَ الْبَيْعُ مَعَ الشَّرِيكِ (1) ، وَلَعَلَّهُ لِذَلِكَ عَدَل ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ إِلَى الاِسْتِدْلَال بِمُجَرَّدِ الاِسْتِصْلَاحِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، مَعَ أَنَّ فِيهِ إِنْزَال ضَرَرٍ بِالشَّرِيكِ الْمُمْتَنِعِ، فَهِيَ إِذَنْ مُوَازَنَةٌ بَيْنَ الضَّرَرَيْنِ، أَلَا تَرَاهُ يَقُول: وَهَذَا مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ الْمُرْسَل (2) .
وَالْحَنَابِلَةُ فِي مُعْتَمَدِهِمْ يُوَافِقُونَ الْمَالِكِيَّةَ عَلَى إِجْبَارِ الشَّرِيكِ عَلَى الْبَيْعِ مَعَ شَرِيكِهِ، بَل يُطْلِقُونَ الْقَوْل بِأَنَّ مَنْ دَعَا شَرِيكَهُ إِلَى الْبَيْعِ فِي كُل مَا لَا يَنْقَسِمُ إِلَاّ بِضَرَرٍ أَوْ رَدِّ عِوَضٍ أُجْبِرَ عَلَى إِجَابَتِهِ، فَإِنْ أَبَى بِيعَ عَلَيْهِمَا وَقُسِمَ الثَّمَنُ وَيَزِيدُونَ أَنَّهُ لَوْ دُعِيَ إِلَى الإِْجَارَةِ أُجْبِرَ أَيْضًا (3) .
وَقَدْ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ طَلَبَ الْبَيْعِ لَيْسَ حَتْمًا لإِِجْبَارِ الشَّرِيكِ عَلَى الْبَيْعِ مَعَ شَرِيكِهِ، بَل يَكْفِي طَلَبُ الْقِسْمَةِ؛ لأَِنَّ حَقَّ الشَّرِيكِ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ لَا فِي قِيمَةِ النِّصْفِ، فَلَا يَصِل إِلَى حَقِّهِ إِلَاّ بِبَيْعِ الْكُل، وَلِذَا أَمَرَ الشَّرْعُ فِي السِّرَايَةِ أَنْ يُقَوَّمَ الْعَبْدُ كُلُّهُ، ثُمَّ يُعْطَى الشُّرَكَاءُ قِيمَةَ حِصَصِهِمْ (4) .
(1) بدائع الصنائع 7 / 20، مغني المحتاج 4 / 426.
(2)
بداية المجتهد 2 / 268.
(3)
الفروع 3 / 846.
(4)
قواعد ابن رجب 145.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: عَيْنُ الْمَاءِ
.
48 -
لَا تُقْسَمُ لَا جَبْرًا وَلَا تَرَاضِيًا، إِذْ لَا يُمْكِنُ قَسْمُهَا إِلَاّ بِوَضْعِ حَاجِزٍ فِيهَا أَوْ أَكْثَرَ بَيْنَ النَّصِيبَيْنِ أَوِ الأَْنْصِبَاءِ، وَفِي هَذَا مِنَ الضَّرَرِ وَنَقْصِ الْمَاءِ مَا يَجْعَل الْقِسْمَةَ فَسَادًا، أَمَّا مَجْرَى الْمَاءِ إِذَا اتَّسَعَ لِمَجْرَيَيْنِ، فَإِنَّهُ تَصِحُّ قِسْمَتُهُ تَرَاضِيًا لَا جَبْرًا، إِذْ لَا يُمْكِنُ تَحَقُّقُ الْمُسَاوَاةِ، فَقَدْ يَكُونُ انْدِفَاعُ الْمَاءِ فِي جَانِبٍ أَقْوَى مِنْهُ فِي الآْخَرِ، كَمَا أَنَّ الْمَاءَ نَفْسَهُ تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ تَرَاضِيًا، كَيْفَمَا شَاءَ الشُّرَكَاءُ، أَمَّا جَبْرًا فَلَا يُقْسَمُ إِلَاّ بِالْقِلْدِ - وَهُوَ الْمِعْيَارُ الَّذِي يُتَوَصَّل بِهِ إِلَى إِعْطَاءِ كُل ذِي حَقٍّ حَقَّهُ (1) - هَكَذَا قَرَّرَهُ الْمَالِكِيَّةُ (2) ، وَأُصُول الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لَا تَأْبَى مِنْ قِسْمَةِ الْعَيْنِ نَفْسِهَا تَرَاضِيًا لَا إِجْبَارًا، كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الاِخْتِلَافُ فِي رَفْعِ الطَّرِيقِ وَمِقْدَارِهِ:
49 -
قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَقَاسِمُونَ فِي قِسْمَةِ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ، فَقَال بَعْضُهُمْ: نَقْتَسِمُ وَلَا نَدَعُ طَرِيقًا، وَقَال بَعْضٌ: بَل نَدَعُهُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْمَصْلَحَةِ، وَتَحْقِيقِ مَعْنَى الْقِسْمَةِ عَلَى الْكَمَال مَا أَمْكَنَ، فَإِنْ كَانَ بِوُسْعِ كُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَتَّخِذَ
(1) هذا هو المفهوم من سياق كلامهم، وفي محيط المحيط: القلد (بكسر فسكون) الحظ من الماء، فقريب منه استعماله في آلته.
(2)
الخرشي 4 / 410، بلغة السالك 2 / 242.
لِنَفْسِهِ طَرِيقًا عَلَى حِدَةٍ اسْتَوْفَى مَعْنَى الْقِسْمَةِ، وَلَمْ يُبْقِ شَيْئًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ، وَإِلَاّ فَالْمَصْلَحَةُ تَقْتَضِي إِبْقَاءَ طَرِيقٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمْ، إِذْ لَا يَكْمُل الاِنْتِفَاعُ بِالْمَقْسُومِ بِدُونِهِ، فَيُجْبِرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، يَقْسِمُ مَا عَدَا الطَّرِيقَ، وَيُبْقِي الطَّرِيقَ عَلَى الشَّرِكَةِ الأُْولَى دُونَ تَغْيِيرٍ، إِلَاّ أَنْ يَقَعَ التَّشَارُطُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ التَّغْيِيرِ، كَأَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى أَنْ يَجْعَلُوهُ بَيْنَهُمْ عَلَى التَّفَاوُتِ وَقَدْ كَانَ عَلَى التَّسَاوِي لأَِنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى التَّفَاوُتِ بِالتَّرَاضِي جَائِزَةٌ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيَّاتِ، أَوْ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا مِلْكِيَّةَ الطَّرِيقِ لِبَعْضِهِمْ، وَحَقَّ الْمُرُورِ فَحَسْبُ لِلآْخَرِينَ، وَقَيَّدُوهُ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ بِأَنْ تَكُونَ مِلْكِيَّةُ الطَّرِيقِ لِمَنْ تَرَكَ مُقَابِلاً لَهُ مِنْ نَصِيبِهِ، وَأَهْمَلُوهُ فِي الْمَجَلَّةِ (1) ،
فَإِذَا اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الطَّرِيقِ فَبَالَغَ بَعْضُهُمْ فِي سَعَتِهِ، وَبَعْضُهُمْ فِي ضِيقِهِ، وَبَعْضُهُمْ فِي عُلُوِّهِ، وَبَعْضُهُمْ فِي انْخِفَاضِهِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَجْعَلُهُ عَلَى عَرْضِ بَابِ الدَّارِ وَارْتِفَاعِهِ؛ لأَِنَّ هَذَا يُحَقِّقُ الْمَقْصُودَ مِنْهُ، وَلَا تَتَطَلَّبُ الْحَاجَةُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُحَدَّدُ ارْتِفَاعُهُ بِمَا ذَكَرْنَا لِيَتَمَكَّنَ الشُّرَكَاءُ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِهَوَائِهِ وَرَاءَ هَذَا الْمِقْدَارِ، كَأَنْ يُشْرِعَ أَحَدُهُمْ جَنَاحًا؛ لأَِنَّهُ حِينَئِذٍ بَاقٍ عَلَى خَالِصِ حَقِّهِ، إِذِ الْهَوَاءُ فِيمَا فَوْقَ ارْتِفَاعِ الْبَابِ مَقْسُومٌ بَيْنَهُمْ، كَمَا أَنَّ هَذَا
(1) تكملة فتح القدير 8 / 365، 366، رد المحتار 5 / 173. ترى اللجنة أن هذا متأثر بأعراف زمانهم، أما الآن فقلما يحتاج إلى مرور ثور وتكاد تكون الحاجة منحصرة في مرور العربات والجرارات الزراعية فينبغي اتخاذ الحجم الغالب للجرارات الزراعية معيارًا. هذا متعين الآن لرفع الحرج والضرر، في كل موطن ب
(2)
نيل الأوطار 5 / 262، الخرشي 4 / 277، قواعد ابن رجب 202. وحديث:" إذا اختلفتم في الطريق. . . " أخرجه مسلم (3 / 1232) .