الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
د -
الزِّنَا:
5 -
الزِّنَا بِالْقَصْرِ لُغَةُ أَهْل الْحِجَازِ، وَبِالْمَدِّ لُغَةُ أَهْل نَجْدٍ، وَمَعْنَاهُ الْفُجُورُ، يُقَال: زَنَى يَزْنِي زِنًا: فَجَرَ. وَاصْطِلَاحًا: عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ وَطْءُ الرَّجُل الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُل فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ (1) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْقَذْفَ اتِّهَامٌ بِالزِّنَا.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
6 -
قَذْفُ الْمُحْصَنِ وَالْمُحْصَنَةِ حَرَامٌ، وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَالأَْصْل فِي تَحْرِيمِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ.
أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (2)، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (3) .
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَال: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْل النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَاّ بِالْحَقِّ، وَأَكْل الرِّبَا، وَأَكْل مَال الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ،
(1) حاشية ابن عابدين 4 / 4، وبداية المجتهد 2 / 324.
(2)
سورة النور / 4.
(3)
سورة النور / 23.
وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ (1) .
وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا وَهُوَ: أَنْ يَرَى امْرَأَتَهُ تَزْنِي فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ ثُمَّ يَعْتَزِلَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، فَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الزِّنَى وَأَمْكَنَهُ نَفْيُهُ عَنْهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ قَذْفُهَا وَنَفْيُ وَلَدِهَا.
وَمُبَاحٌ: وَهُوَ أَنْ يَرَى زَوْجَتَهُ تَزْنِي، أَوْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ زِنَاهَا، وَلَيْسَ ثَمَّ وَلَدٌ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ.
صِيغَةُ الْقَذْفِ:
7 -
الْقَذْفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: صَرِيحٌ، وَكِنَايَةٌ، وَتَعْرِيضٌ.
فَاللَّفْظُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْقَذْفُ: إِنْ لَمْ يَحْتَمِل غَيْرَهُ فَصَرِيحٌ، وَإِلَاّ فَإِنْ فُهِمَ مِنْهُ الْقَذْفُ بِوَضْعِهِ فَكِنَايَةٌ، وَإِلَاّ فَتَعْرِيضٌ (2) .
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْقَذْفَ بِصَرِيحِ الزِّنَا يُوجِبُ الْحَدَّ بِشُرُوطِهِ.
وَأَمَّا الْكِنَايَةُ: فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ:
إِذَا أَنْكَرَ الْقَذْفَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ عِنْدَ جُمْهُورِ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ، لِلإِْيذَاءِ، وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا إِذَا خَرَجَ اللَّفْظُ مَخْرَجَ السَّبِّ وَالذَّمِّ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ حُبِسَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، فَإِنْ طَال حَبْسُهُ وَلَمْ يَحْلِفْ عُزِّرَ.
(1) المغني 8 / 215. وحديث: " اجتنبوا السبع الموبقات. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 393) ، ومسلم (1 / 92) من حديث أبي هريرة.
(2)
الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع 3 / 201.
وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ الأَْلْفَاظِ:
فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا قَال لِرَجُلٍ: يَا فَاجِرُ، يَا فَاسِقُ، يَا خَبِيثُ، أَوْ لاِمْرَأَةٍ: يَا فَاجِرَةُ، يَا فَاسِقَةُ، يَا خَبِيثَةُ، أَوْ أَنْتِ تُحِبِّينَ الْخَلْوَةَ، أَوْ لَا تَرُدِّينَ يَدَ لَامِسٍ، فَإِنْ أَنْكَرَ إِرَادَةَ الْقَذْفِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ؛ لأَِنَّهُ أَعْرَفُ بِمُرَادِهِ، فَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ الْقَذْفَ، ثُمَّ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ (1) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِذَا قَال لآِخَرَ: يَا فَاجِرُ، يَا فَاسِقُ، أَوْ يَا ابْنَ الْفَاجِرَةِ، أَوْ يَا ابْنَ الْفَاسِقَةِ، يُؤَدَّبُ، فَإِذَا قَال: يَا خَبِيثُ، أَوْ يَا ابْنَ الْخَبِيثَةِ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ قَذْفًا، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ يُحْبَسُ، فَإِنْ طَال حَبْسُهُ وَلَمْ يَحْلِفْ عُزِّرَ.
وَإِذَا قَال: يَا فَاجِرُ بِفُلَانَةَ، فَفِيهِ قَوْلَانِ: الأَْوَّل: حُكْمُهُ حُكْمُ مَا إِذَا قَال: يَا خَبِيثُ، أَوْ يَا ابْنَ الْخَبِيثَةِ.
الثَّانِي: أَنْ يُضْرَبَ حَدَّ الْقَذْفِ، إِلَاّ أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى أَمْرٍ صَنَعَهُ مِنْ وُجُوهِ الْفُجُورِ، أَوْ مِنْ أَمْرٍ يَدَّعِيهِ، فَيَكُونُ فِيهِ مَخْرَجٌ لِقَوْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَإِذَا قَال لآِخَرَ: يَا مُخَنَّثُ، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَيْهِ الْحَدُّ، إِلَاّ أَنْ يَحْلِفَ بِاللَّهِ، إِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ قَذْفًا، فَإِنْ حَلَفَ عُفِيَ عَنْهُ بَعْدَ الأَْدَبِ، وَلَا يُضْرَبُ حَدَّ الْفِرْيَةِ، وَإِنَّمَا تُقْبَل يَمِينُهُ، إِذَا
(1) مغني المحتاج 3 / 369.
كَانَ الْمَقْذُوفُ فِيهِ تَأْنِيثٌ وَلِينٌ وَاسْتِرْخَاءٌ، فَحِينَئِذٍ يُصَدَّقُ، وَيَحْلِفُ إِنَّهُ لَمْ يُرِدْ قَذْفًا، وَإِنَّمَا أَرَادَ تَأْنِيثَهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، ضُرِبَ الْحَدَّ، وَلَمْ تُقْبَل يَمِينُهُ، إِذَا زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ قَذْفًا (1)، وَلَوْ قَال لاِمْرَأَةٍ: يَا قَحْبَةُ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (2) .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: لَا حَدَّ إِلَاّ عَلَى مَنْ صَرَّحَ بِالْقَذْفِ، فَلَوْ قَال رَجُلٌ لآِخَرَ: يَا فَاسِقُ يَا خَبِيثُ، أَوْ يَا فَاجِرُ، أَوْ يَا فَاجِرُ ابْنَ الْفَاجِرِ، أَوْ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ مَا نَسَبَهُ وَلَا أُمَّهُ إِلَى صَرِيحِ الزِّنَا، فَالْفُجُورُ قَدْ يَكُونُ بِالزِّنَا وَغَيْرِ الزِّنَا، وَالْقَحْبَةُ مَنْ يَكُونُ مِنْهَا هَذَا الْفِعْل، فَلَا يَكُونُ هَذَا قَذْفًا بِصَرِيحِ الزِّنَا، فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْحَدَّ، فَقَدْ أَوْجَبْنَاهُ بِالْقِيَاسِ، وَلَا مَدْخَل لِلْقِيَاسِ فِي الْحَدِّ، لَكِنَّهُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ؛ لأَِنَّهُ ارْتَكَبَ حَرَامًا، وَلَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مُقَدَّرٌ؛ وَلأَِنَّهُ أَلْحَقَ بِهِ نَوْعَ شَيْنٍ بِمَا نَسَبَهُ إِلَيْهِ، فَيَجِبُ التَّعْزِيرُ، لِدَفْعِ ذَلِكَ الشَّيْنِ عَنْهُ (3) .
8 -
وَلَوْ قَال رَجُلٌ لآِخَرَ: زَنَأْتَ مَهْمُوزًا، كَانَ قَذْفًا صَرِيحًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ،
(1) الدسوقي 4 / 330، والمدونة 4 / 387.
(2)
حاشية الدسوقي 4 / 328، ومغني المحتاج 3 / 368.
(3)
المبسوط 9 / 119، والمغني 8 / 221، 222، وكشاف القناع 6 / 110.
وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ لِلشَّافِعِيَّةِ؛ لأَِنَّ عَامَّةَ النَّاسِ لَا يَفْهَمُونَ مِنْ ذَلِكَ إِلَاّ الْقَذْفَ، فَكَانَ قَذْفًا، كَمَا لَوْ قَال: زَنَيْتَ.
وَالْقَوْل الثَّانِي فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ لِلشَّافِعِيَّةِ:
أَنَّهُ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْل اللُّغَةِ فَكِنَايَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعَامَّةِ فَهُوَ قَذْفٌ؛ لأَِنَّ الْعَامَّةَ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ زَنَيْتَ وَزَنَأْتَ.
وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ كِنَايَةٌ.
وَقَال ابْنُ حَامِدٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِنْ كَانَ عَامِّيًّا فَهُوَ قَذْفٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّةِ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا.
9 -
وَلَوْ قَال لِرَجُلٍ: يَا زَانِيَةُ، لَا يُحَدُّ اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ لِلْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّهُ رَمَاهُ بِمَا يَسْتَحِيل مِنْهُ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمُحَمَّدٍ يُحَدُّ؛ لأَِنَّهُ قَذَفَهُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، فَإِنَّ التَّاءَ تُزَادُ لَهُ كَمَا فِي عَلَاّمَةٍ وَنَسَّابَةٍ، وَهُوَ الْقَوْل الثَّانِي لِلْحَنَابِلَةِ، وَرَجَّحَهُ فِي الْمُغْنِي؛ لأَِنَّ مَا كَانَ قَذْفًا لأَِحَدِ الْجِنْسَيْنِ، كَانَ قَذْفًا لِلآْخَرِ، كَقَوْلِهِ: زَنَيْتَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا لَهُمَا جَمِيعًا؛ وَلأَِنَّ هَذَا خِطَابٌ لَهُ، وَإِشَارَةٌ إِلَيْهِ بِلَفْظِ الزِّنَا، وَذَلِكَ يُغْنِي عَنِ التَّمْيِيزِ بِتَاءِ التَّأْنِيثِ وَحَذْفِهَا، وَلَوْ قَال لاِمْرَأَةٍ:" يَا زَانِي " حُدَّ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لأَِنَّ التَّرْخِيمَ
شَائِعٌ، كَقَوْلِهِمْ فِي " مَالِكٍ ":" يَا مَال " وَفِي " حَارِثٍ ": " يَا حَارِ (1) ".
10 -
وَإِنْ قَال زَنَى فَرْجُكِ، أَوْ ذَكَرُكَ، فَهُوَ قَذْفٌ؛ لأَِنَّ الزِّنَا يَقَعُ بِذَلِكَ، وَإِنْ قَال: زَنَتْ عَيْنُكَ، أَوْ يَدُكَ، أَوْ رِجْلُكَ، فَلَيْسَ بِقَذْفٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِيهِ قَوْلَانِ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ، إِنْ قَصَدَ الْقَذْفَ كَانَ قَذْفًا، وَإِلَاّ فَلَا؛ لأَِنَّ الزِّنَا لَا يُوجَدُ مِنْ هَذِهِ الأَْعْضَاءِ حَقِيقَةً، وَلِهَذَا قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ النُّطْقُ، وَالنَّفْسُ تَتَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ (2)، وَمُقَابِل الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ قَذْفٌ، لأَِنَّهُ أَضَافَ الزِّنَا إِلَى عُضْوٍ مِنْهُ، فَأَشْبَهَ مَا إِذَا أَضَافَهُ إِلَى الْفَرْجِ (3)، فَإِنْ قَال: زَنَى بَدَنُكَ، فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ بِقَذْفٍ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ؛ لأَِنَّ الزِّنَا بِجَمِيعِ الْبَدَنِ يَكُونُ بِالْمُبَاشَرَةِ، فَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا فِي الْقَذْفِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَذْفٌ؛ لأَِنَّهُ أَضَافَهُ إِلَى جَمِيعِ
(1) فتح القدير 4 / 191، والمهذب 2 / 291، والمغني 8 / 225.
(2)
حديث: " إن الله كتب على ابن آدم. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 11 / 26) ، ومسلم (4 / 2046) من حديث أبي هريرة.
(3)
مغني المحتاج 3 / 370.
الْبَدَنِ، وَالْفَرْجُ دَاخِلٌ فِيهِ (1) .
وَإِنْ قَال لِرَجُلٍ: أَنْتَ أَزْنَى مِنْ فُلَانٍ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُطْلَقًا؛ لأَِنَّ أَفْعَل يُذْكَرُ بِمَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْعِلْمِ، فَكَانَ مَعْنَى كَلَامِهِ: أَنْتَ أَعْلَمُ بِالزِّنَا مِنْ فُلَانٍ، أَوْ أَنْتَ أَقْدَرُ عَلَى الزِّنَا مِنْ فُلَانٍ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يَكُونُ قَذْفًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَأَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: يَكُونُ قَذْفًا فَيُحَدُّ، وَهَل يَكُونُ قَاذِفًا لِلثَّانِي؟ فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ قَاذِفًا لَهُ، لأَِنَّهُ أَضَافَ الزِّنَا إِلَيْهِمَا، وَجَعَل أَحَدَهُمَا فِيهِ أَبْلَغَ مِنَ الآْخَرِ، فَإِنَّ لَفْظَةَ:" أَفْعَل " لِلتَّفْضِيل، فَيَقْتَضِي اشْتِرَاكَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي أَصْل الْفِعْل، وَتَفْضِيل أَحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ فِيهِ، كَقَوْلِهِ:" أَجْوَدُ مِنْ حَاتِمٍ ".
وَالثَّانِي: يَكُونُ قَاذِفًا لِلْمُخَاطَبِ خَاصَّةً؛ لأَِنَّ لَفْظَةَ: " أَفْعَل " قَدْ تُسْتَعْمَل لِلْمُنْفَرِدِ بِالْفِعْل، كَقَوْل اللَّهِ تَعَالَى:{أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَاّ أَنْ يُهْدَى} (2) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ قَال لِرَجُلٍ:
(1) المبسوط 9 / 129، والمهذب 2 / 290، 291.
(2)
سورة يونس / 35.
يَا زَانِي، فَقَال آخَرُ: صَدَقْتَ، لَمْ يُحَدَّ الْمُصَدِّقُ؛ لأَِنَّهُ مَا صَرَّحَ بِنِسْبَتِهِ إِلَى الزِّنَا، وَتَصْدِيقُهُ إِيَّاهُ لَفْظٌ مُحْتَمَلٌ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ فِي الزِّنَا وَفِي غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ إِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ التَّصْدِيقُ فِي الزِّنَا، وَلَكِنَّ هَذَا الظَّاهِرَ لَا يَكْفِي لإِِيجَابِ الْحَدِّ، إِلَاّ أَنْ يَكُونَ قَال: صَدَقْتَ هُوَ كَمَا قُلْتَ، فَحِينَئِذٍ قَدْ صَرَّحَ بِكَلَامِهِ أَنَّ مُرَادَهُ التَّصْدِيقُ فِي نِسْبَتِهِ إِلَى الزِّنَا، فَيَكُونُ قَاذِفًا لَهُ.
وَقَال زُفَرُ: فِي كِلْتَا الْمَسْأَلَتَيْنِ يُحَدَّانِ جَمِيعًا، وَإِنْ قَال لِرَجُلٍ: أَشْهَدُ أَنَّكَ زَانٍ، وَقَال آخَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَيْضًا، لَا حَدَّ عَلَى الآْخَرِ؛ لأَِنَّ قَوْلَهُ أَشْهَدُ كَلَامٌ مُحْتَمَلٌ، فَلَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْقَذْفُ إِلَاّ أَنْ يَقُول: أَنَا أَشْهَدُ عَلَيْهِ بِمِثْل مَا شَهِدْتَ بِهِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَاذِفًا لَهُ (1) .
11 -
وَمَنْ قَذَفَ رَجُلاً بِعَمَل قَوْمِ لُوطٍ إِمَّا فَاعِلاً أَوْ مَفْعُولاً، فَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ؛ لأَِنَّهُ قَذَفَهُ بِوَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ، فَأَشْبَهَ الْقَذْفَ بِالزِّنَا، وَهَذَا قَوْل الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَبِي ثَوْرٍ.
وَقَال عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ قَذَفَهُ بِمَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ عِنْدَهُمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَذَفَ امْرَأَةً أَنَّهَا وُطِئَتْ فِي دُبُرِهَا،
(1) المبسوط 9 / 120، 121.