الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَجْرًا (1) .
لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ - وِفَاقًا لِغَيْرِهِمْ - لَمْ يَعْتَدُّوا بِهَذَا الْخِلَافِ وَاعْتَمَدُوا الْجَوَازَ بِإِطْلَاقٍ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الأُْجْرَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَال أَمْ عَلَى الشُّرَكَاءِ - إِلَاّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ يُقَيِّدُونَهُمْ بِالرُّشَدَاءِ، وَيَكْرَهُونَ أَخْذَ الأُْجْرَةِ مِنْ غَيْرِهِمْ، لَكِنْ لَا تُبَاحُ الأُْجْرَةُ لِلْقَاسِمِ إِلَاّ نَظِيرُ تَوَلِّي الْقِسْمَةِ - أَمَّا أَنْ يَأْخُذَ الأُْجْرَةَ مِنَ الْمُتَقَاسِمِينَ بِحُكْمِ مَنْصِبِهِ، دُونَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي قَسَمَ بَيْنَهُمْ، فَهَذَا هُوَ السُّحْتُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ بِفَرْضٍ مِنَ الْقَاضِي أَوِ الإِْمَامِ (2) .
كَيْفِيَّةُ تَوْزِيعِ الأُْجْرَةِ:
35 -
إِذَا كَانَتِ الأُْجْرَةُ عَلَى الْمُتَقَاسِمِينَ لِسَبَبٍ مَا كَإِضَاعَةٍ مِنْ أُولِي الأَْمْرِ، أَوْ عَوَزٍ فِي بَيْتِ الْمَال، أَوْ رَغْبَةٍ مِنَ الْمُتَقَاسِمِينَ عَنْ قَاسِمِ الدَّوْلَةِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ تَوْزِيعِهِ عَلَى الشُّرَكَاءِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
الأَْوَّل: أَنَّهَا تُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ: وَعَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ - دُونَ صَاحِبَيْهِ - وَجَمَاهِيرُ الْمَالِكِيَّةِ، وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَهَؤُلَاءِ يَحْتَجُّونَ بِأَنَّ الأُْجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَل، وَعَمَل الْقَاسِمِ بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ
(1) الفروع 3 / 852.
(2)
الخرشي 4 / 402، 405، المغني 11 / 507، الفروع 3 / 852، 853.
الْمُتَقَاسِمِينَ سَوَاءٌ، إِذْ هُوَ تَمْيِيزُ الأَْنْصِبَاءِ، وَمَا ذَاكَ إِلَاّ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا يَقْبَل التَّفَاوُتَ، فَتَمْيِيزُ الْقَلِيل مِنَ الْكَثِيرِ هُوَ بِعَيْنِهِ تَمْيِيزُ الْكَثِيرِ مِنَ الْقَلِيل، وَإِذَا لَمْ يَتَفَاوَتِ الْعَمَل لَمْ تَتَفَاوَتِ الأُْجْرَةُ، أَمَّا الْوَسَائِل الْمُوصِلَةُ إِلَى هَذَا التَّمْيِيزِ، كَالْمِسَاحَةِ وَمَا تَتَطَلَّبُهُ مِنْ جَهْدٍ، وَالْكَيْل وَالْوَزْنِ، فَهَذَا شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ الْقِسْمَةِ، وَلَيْسَتْ أُجْرَةُ الْقِسْمَةِ مِنْ أَجْلِهِ، وَلِذَا لَوِ اسْتَعَانَ فِيهِ بِالْمُتَقَاسَمِينَ أَنْفُسِهِمْ لَاسْتَحَقَّ أُجْرَتَهُ عَلَى الْقِسْمَةِ كَامِلَةً (1) ، وَضَبْطُ الأُْجْرَةِ بِمِقْدَارِ الأَْنْصِبَاءِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، إِذْ لَيْسَ النَّصِيبُ الْكَبِيرُ دَائِمًا أَصْعَبَ حِسَابًا وَلَا النَّصِيبُ الْيَسِيرُ دَائِمًا أَيْسَرَ، فَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا إِلَاّ بِأَصْل التَّمْيِيزِ (2) .
وَالثَّانِي: أَنَّهَا تُقْسَمُ بِمِقْدَارِ الأَْنْصِبَاءِ: وَعَلَيْهِ الصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَصْبَغُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَعَلَيْهِ عَمَل الْمَغَارِبَةِ أَخِيرًا (3) ، وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ مُعْتَمَدُهُمْ وَعَلَيْهِ مُعَوَّلُهُمْ، وَهَؤُلَاءِ يَتَعَلَّقُونَ بِأَنَّ أُجْرَةَ الْقِسْمَةِ مِنْ مُؤَنِ الْمِلْكِ، فَتُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، كَالنَّفَقَةِ عَلَى الْمَال الْمُشْتَرَكِ مِنْ نَحْوِ إِطْعَامِ بَهَائِمَ وَحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ قَنَاةٍ، وَحَرْثِ أَرْضٍ أَوْ رَيِّهَا،
(1) بدائع الصنائع 7 / 19، العناية مع تكملة فتح القدير 8 / 352.
(2)
الخرشي 4 / 402، مغني المحتاج 4 / 420، الإنصاف 11 / 355.
(3)
التحفة وحواشيها 2 / 76.
وَكَيْل حَبٍّ مُشْتَرًى أَوْ وَزْنِهِ (1) .
36 -
أ - حِينَ يُقَال تَكُونُ الأُْجْرَةُ بِمِقْدَارِ الأَْنْصِبَاءِ يُمْكِنُ التَّسَاؤُل: أَهِيَ الأَْنْصِبَاءُ الأَْصْلِيَّةُ فِي الْمَال الْمُشْتَرَكِ أَمِ الأَْنْصِبَاءُ الْمَأْخُوذَةُ نَتِيجَةً لِلْقِسْمَةِ؟ مَثَلاً: حِينَ يَكُونُ لأَِحَدِ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفُ الأَْرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ، لَكِنَّهُ يَأْخُذُ بِالْقِسْمَةِ ثُلُثَهَا فَحَسْبُ؛ لأَِنَّهُ أَجْوَدُ، هَل يَكُونُ عَلَيْهِ نِصْفُ أُجْرَةِ الْقِسْمَةِ أَمْ ثُلُثُهَا؟
قَال الشَّافِعِيَّةُ: الأُْجْرَةُ تُوَزَّعُ عَلَى الْحِصَصِ الْمَأْخُوذَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ لأَِنَّهَا مِنْ مُؤَنِ الْمِلْكِ كَنَفَقَةِ الْحَيَوَانِ الْمُشْتَرَكِ (2) .
ب - إِذَا اتَّفَقَ الْمُتَقَاسِمُونَ عَلَى تَحَمُّل الأُْجْرَةِ بِنِسْبَةِ مُخَالَفَةٍ لِقَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ، وَشَرَطُوا ذَلِكَ عَلَى الْقَاسِمِ فَهَل هُوَ شَرْطٌ مُعْتَبَرٌ أَمْ لَاغٍ؟ .
قَطَعَ الشَّافِعِيَّةُ بِاعْتِبَارِهِ؛ لأَِنَّهُ أَجِيرُهُمْ فَلَا يَسْتَحِقُّ فِي إِجَارَةٍ صَحِيحَةٍ إِلَاّ مَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ، وَوَافَقَهُمْ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، لَكِنَّهُمْ لأَِمْرٍ مَا اعْتَمَدُوا بُطْلَانَ الشَّرْطِ (3) ، كَمَا قَرَّرَهُ الشَّافِعِيَّةُ فِي تَوْزِيعِ أُجْرَةِ الْمِثْل حِينَ تَكُونُ
(1) بدائع الصنائع 7 / 19، مغني المحتاج 4 / 420، المغني لابن قدامة 11 / 507.
(2)
المهذب 2 / 308، مغني المحتاج 4 / 419، نهاية المحتاج 8 / 270، وروضة الطالبين 11 / 202.
(3)
مغني المحتاج 4 / 419، المهذب 2 / 306، ومطالب أولي النهى 6 / 559.
الإِْجَارَةُ فَاسِدَةً (1) .
- ج - إِذَا أَتَمَّ الْقَاسِمُ الْقِسْمَةَ، دُونَ أَنْ تُذْكَرَ أُجْرَةٌ، فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، قِيَاسًا عَلَى الْقَصَّارِ يُدْفَعُ إِلَيْهِ الثَّوْبُ لِيَقْصِرَهُ، وَلَا تُسَمَّى أُجْرَةٌ، اللَّهُمَّ إِلَاّ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَامَ بِالْقِسْمَةِ بِتَوْجِيهٍ مِنَ الإِْمَامِ أَوِ الْقَاضِي فَحِينَئِذٍ تَكُونُ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْل.
هَكَذَا قَرَّرَهُ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَهُمْ مُنَازَعُونَ فِي ذَلِكَ تَأْصِيلاً وَتَفْرِيعًا حَتَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْفُسِهِمْ، وَحَسْبُكَ بِخِلَافِ مِثْل الْمُزَنِيِّ وَابْنِ سُرَيْجٍ، ثُمَّ هَذَا الْبُجَيْرِمِيُّ مِنْ أَوَاخِرِ مُتَأَخِّرِيهِمْ يُقَرِّرُ أَنَّ الْقَاسِمَ يَسْتَحِقُّ الأُْجْرَةَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ الطَّالِبُ شَيْئًا، وَيَقُول: إِنَّهُ مُسْتَثْنًى مِمَّنْ عَمِل عَمَلاً بِغَيْرِ أُجْرَةٍ (2) .
د - كَيْفِيَّةُ اسْتِئْجَارِ الْمُتَقَاسِمِينَ مَنْ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ، هِيَ أَنْ يَسْتَأْجِرُوهُ كُلُّهُمْ - وَلَوْ بِوَاسِطَةِ وَكِيلٍ عَنْهُمْ، بِعَقْدٍ وَاحِدٍ - وَمِنْهُ مَا لَوِ اسْتَأْجَرَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَرَضِيَ سَائِرُهُمْ، أَوْ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ كُل وَاحِدٍ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ لِتَعْيِينِ نَصِيبِهِ لِقَاءَ أَجْرٍ مَعْلُومٍ، هَكَذَا قَرَّرَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، إِلَاّ أَنَّ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ لَمْ يَرْتَضُوا إِطْلَاقَ الشَّافِعِيِّ تَصْحِيحَ الصُّورَةِ الأَْخِيرَةِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُل وَاحِدٍ إِنَّمَا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى
(1) نهاية المحتاج 8 / 270، التجريد المقيد 4 / 369.
(2)
مغني المحتاج 4 / 420، نهاية المحتاج 8 / 270، والمهذب 1 / 410، والتجريد المفيد 4 / 369.