الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا لَمْ يُنَفِّذْهُ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ كَانَ إِنَّمَا كَتَبَ مِمَّا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِلْخَصْمِ أَوْ بِمَا أَشْبَهَ وَلَمْ يُفَصِّل ذَلِكَ بِحُكْمِ فَلْيَعْمَل بِرَأْيِهِ الَّذِي يَخْتَارُهُ مِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَلَا يَعْمَل بِرَأْيِ الْكَاتِبِ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا حَكَمَ بِهِ الْقَاضِي الأَْوَّل مِمَّا لَا يَرَاهُ هُوَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْضِيَهُ لاِعْتِقَادِهِ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْقِضَهُ؛ لاِحْتِمَالِهِ فِي الاِجْتِهَادِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَطْلُوبَ بِأَدَائِهِ؛ لأَِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عِنْدَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ الطَّالِبَ مِنْهُ؛ لِنُفُوذِ الْحُكْمِ بِهِ. (1)
رِزْقُ الْقَاضِي:
58 -
الْقَاضِي مِنْ عُمَّال الْمُسْلِمِينَ وَأَجَل عُمَّالِهِمْ، وَهُوَ الْقَيِّمُ بِمَصَالِحِ الْجَمِيعِ، وَقَدْ قَال الْحَنَفِيَّةُ: لَا بَأْسَ أَنْ يُطْلِقَ الإِْمَامُ لِلْقَاضِي مِنَ الرِّزْقِ مَا يَكْفِيهِ مِنْ بَيْتِ الْمَال حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ مَئُونَةٌ وَكُلْفَةٌ، وَأَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْهِ وَعَلَى عِيَالِهِ، كَيْ لَا يَطْمَعَ فِي أَمْوَال النَّاسِ، وَرُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَعَثَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ إِلَى مَكَّةَ وَوَلَاّهُ أَمْرَهَا رَزَقَهُ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي كُل عَامٍ (2) ،
(1) تبصرة الحكام 2 / 13، 14، روضة القضاة 1 / 343، أدب القاضي للماوردي 2 / 129، شرح منتهى الإرادات 3 / 501.
(2)
حديث: " بعثه صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد إلى مكة. . . " ذكره السمناني في روضة القضاة (1 / 86) ولم يعزه إلى أي مصدر ولم نهتد إلى من أخرجه بتمامه، وذكر شطر توليته ابن كثير في السيرة النبوية (3 / 615) .
وَكَذَلِكَ فَرَضَ الصَّحَابَةُ لِلْقُضَاةِ رِزْقًا مِنْ بَيْتِ الْمَال، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَتَبَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فِي الشَّامِ أَنِ انْظُرُوا رِجَالاً مِنْ أَهْل الْعِلْمِ مِنَ الصَّالِحِينَ مِنْ قِبَلِكُمْ فَاسْتَعْمِلُوهُمْ عَلَى الْقَضَاءِ، وَأَوْسِعُوا عَلَيْهِمْ فِي الرِّزْقِ لِيَكُونَ لَهُمْ قُوَّةً وَعَلَيْهِمْ حُجَّةً.
وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ أَخْذِ الْقَاضِي لِلرِّزْقِ هُوَ فِي حَالَةِ كَوْنِهِ فَقِيرًا، أَمَّا إِنْ كَانَ غَنِيًّا فَقَدِ اخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ فَقَال بَعْضُهُمْ: لَا يَحِل لَهُ الأَْخْذُ لأَِنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ فِيهِ، وَقَال آخَرُونَ: يَحِل لَهُ الأَْخْذُ وَالأَْفْضَل لَهُ أَنْ يَأْخُذَ، أَمَّا الْحِل فَلأَِنَّهُ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَكَانَتْ كِفَايَتُهُ عَلَيْهِمْ لَا مِنْ طَرِيقِ الأَْجْرِ، وَأَمَّا الأَْفْضَلِيَّةُ فَلأَِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إِلَى ذَلِكَ فَرُبَّمَا يَجِيءُ بَعْدَهُ قَاضٍ مُحْتَاجٌ وَقَدْ صَارَ ذَلِكَ سُنَّةً وَرَسْمًا فَيَمْتَنِعُ وَلِيُّ الأَْمْرِ عَنْ إِعْطَائِهِ، فَكَانَ الاِمْتِنَاعُ مِنَ الأَْخْذِ شُحًّا بِحَقِّ الْغَيْرِ، وَكَانَ الأَْفْضَل هُوَ الأَْخْذَ. (1)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: إِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَعِنْدَهُ كِفَايَةٌ تُغْنِيهِ عَنِ الاِرْتِزَاقِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ، وَحُكِيَ عَنِ الشَّاشِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ قَال: يَجُوزُ لِمَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَلَهُ
(1) روضة القضاة 1 / 85، بدائع الصنائع 7 / 13، 14 طبع الجمالية سنة 1328هـ، حاشية ابن عابدين 3 / 280.