الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} ، فَيُشْتَرَطُ فِي جَلْدِهِمْ عَدَمُ الْبَيِّنَةِ، وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ عَدَمُ الإِْقْرَارِ مِنَ الْمَقْذُوفِ؛ لأَِنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ كَانَ الْقَاذِفُ زَوْجًا اشْتُرِطَ امْتِنَاعُهُ مِنَ اللِّعَانِ، وَلَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا.
الثَّانِي: مُطَالَبَةُ الْمَقْذُوفِ وَاسْتِدَامَةُ مُطَالَبَتِهِ إِلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ؛ لأَِنَّهُ حَقُّهُ، فَلَا يُسْتَوْفَى قَبْل طَلَبِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَمَنْ قَال: إِنَّ الْحَدَّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ لَمْ يَشْتَرِطِ الْمُطَالَبَةَ، بَل عَلَى الإِْمَامِ أَنْ يُقِيمَهُ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ إِلَيْهِ (1) .
مَا يَسْقُطُ بِهِ حَدُّ الْقَذْفِ:
أَوَّلاً: عَفْوُ الْمَقْذُوفِ عَنِ الْقَاذِفِ:
19 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عَفْوِ الْمَقْذُوفِ عَنِ الْقَاذِفِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إِلَى أَنَّ لِلْمَقْذُوفِ أَنْ يَعْفُوَ عَنِ الْقَاذِفِ، سَوَاءٌ قَبْل الرَّفْعِ إِلَى الإِْمَامِ أَوْ بَعْدَ الرَّفْعِ إِلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ حَقٌّ لَا يُسْتَوْفَى إِلَاّ بَعْدَ مُطَالَبَةِ الْمَقْذُوفِ بِاسْتِيفَائِهِ، فَيَسْقُطُ بِعَفْوِهِ كَالْقِصَاصِ، وَفَارَقَ سَائِرَ الْحُدُودِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي إِقَامَتِهَا طَلَبُ اسْتِيفَائِهَا.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنِ الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ، سَوَاءٌ رُفِعَ إِلَى الإِْمَامِ أَوْ لَمْ يُرْفَعْ.
(1) المغني 8 / 217.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ بَعْدَ أَنْ يُرْفَعَ إِلَى الإِْمَامِ، إِلَاّ الاِبْنُ فِي أَبِيهِ، أَوِ الَّذِي يُرِيدُ سَتْرًا، عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَل الْعَفْوُ مِنْ أَصْحَابِ الْفَضْل الْمَعْرُوفِينَ بِالْعَفَافِ؛ لأَِنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ يُدَارُونَ بِعَفْوِهِمْ سَتْرًا عَنْ أَنْفُسِهِمْ (1) .
قَال ابْنُ رُشْدٍ: وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ هَل هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ أَوْ حَقٌّ لِلآْدَمِيِّينَ أَوْ حَقٌّ لِكِلَيْهِمَا؟ فَمَنْ قَال حَقٌّ لِلَّهِ: لَمْ يُجِزِ الْعَفْوَ كَالزِّنَا، وَمَنْ قَال حَقٌّ لِلآْدَمِيِّينَ: أَجَازَ الْعَفْوَ، وَمَنْ قَال حَقٌّ لِكِلَيْهِمَا وَغَلَبَ حَقُّ الإِْمَامِ إِذَا وَصَل إِلَيْهِ، قَال بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَصِل الإِْمَامَ أَوْ لَا يَصِل، وَقِيَاسًا عَلَى الأَْثَرِ الْوَارِدِ فِي السَّرِقَةِ فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فِي قِصَّةِ الَّذِي سَرَقَ رِدَاءَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَلَاّ يُقْطَعَ، فَقَال لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: فَهَلَاّ كَانَ هَذَا قَبْل أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ (2)، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فِي قِصَّةِ الَّذِي سَرَقَ: فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَطْعِهِ، فَرَأَوْا مِنْهُ أَسَفًا عَلَيْهِ، فَقَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ، كَأَنَّكَ كَرِهْتَ قَطْعَهُ، قَال وَمَا يَمْنَعُنِي؟ لَا تَكُونُوا عَوْنًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ، إِنَّهُ يَنْبَغِي لِلإِْمَامِ إِذَا
(1) روضة الطالبين 10 / 106، 107، والمغني 8 / 217، وتبصرة الحكام 2 / 182، 183، والبدائع 7 / 56، وحاشية ابن عابدين 3 / 182.
(2)
حديث صفوان بن أمية " فهلا كان هذا. . . " أخرجه أبو داود (4 / 555) وصححه ابن عبد الهادي كما في نصب الراية (3 / 369) .