الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَائِعِ الدَّعْوَى وَتَصَرُّفَاتِ الْخُصُومِ، فَهِيَ دَلِيلٌ أَوَّلِيٌّ مُرَجِّحٌ لِزَعْمِ أَحَدِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ مَعَ يَمِينِهِ مَتَى اقْتَنَعَ بِهَا الْقَاضِي وَلَمْ يَثْبُتْ خِلَافُهَا.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الشَّرِيعَةَ لَا تَرُدُّ حَقًّا وَلَا تُكَذِّبُ دَلِيلاً وَلَا تُبْطِل أَمَارَةً صَحِيحَةً، هَذَا وَقَدْ دَرَجَتْ مَجَلَّةُ الأَْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْقَرِينَةِ الْقَاطِعَةِ أَحَدَ أَسْبَابِ الْحُكْمِ فِي الْمَادَّةِ (1740) وَعَرَّفَتْهَا بِأَنَّهَا الأَْمَارَةُ الْبَالِغَةُ حَدَّ الْيَقِينِ وَذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ (1741) .
الأَْخْذُ بِالْقَرَائِنِ:
4 -
قَال ابْنُ فَرْحُونَ رحمه الله فِي تَبْصِرَتِهِ نَاقِلاً عَنِ الإِْمَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ الْفَقِيهِ الْمَالِكِيِّ قَوْلَهُ: عَلَى النَّاظِرِ أَنْ يَلْحَظَ الأَْمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ إِذَا تَعَارَضَتْ، فَمَا تَرَجَّحَ مِنْهَا مَضَى بِجَانِبِ التَّرْجِيحِ، وَهُوَ قُوَّةُ التُّهْمَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي الْحُكْمِ بِهَا، وَقَدْ جَاءَ الْعَمَل بِهَا فِي مَسَائِل اتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الْمَذَاهِبُ الأَْرْبَعَةُ، وَبَعْضُهَا قَال بِهِ الْمَالِكِيَّةُ خَاصَّةً (1) .
عَلَى أَنَّ ضَبْطَ كُل الصُّوَرِ الَّتِي تَعْمَل فِيهَا الْقَرِينَةُ أَمْرٌ مُسْتَبْعَدٌ، إِذْ أَنَّ الْوَقَائِعَ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ، وَالْقَضَايَا مُتَنَوِّعَةٌ، فَيَسْتَخْلِصُهَا الْقَاضِي بِفَهْمِهِ وَذَكَائِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ جَانِبًا مِنَ الصُّوَرِ لِلاِسْتِنَارَةِ بِهَا، وَلِلتَّدْلِيل عَلَى
(1) التبصرة ص 97 - 98.
اعْتِبَارِ الْعُلَمَاءِ بِالْقَرَائِنِ الَّتِي تَوَلَّدَتْ عَنْهَا، وَهَذَا الْبَعْضُ مِنْهَا:
الأُْولَى: أَنَّ الْفُقَهَاءَ كُلَّهُمْ يَقُولُونَ بِجَوَازِ وَطْءِ الرَّجُل الْمَرْأَةَ إِذَا أُهْدِيَتْ إِلَيْهِ لَيْلَةَ الزِّفَافِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَنَّ هَذِهِ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَنْطِقِ النِّسَاءُ أَنَّ هَذِهِ امْرَأَتُهُ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا، اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ، الْمُنَزَّلَةِ مَنْزِلَةَ الشَّهَادَةِ.
الثَّانِيَةُ: اعْتِمَادُ النَّاسِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى الصِّبْيَانِ وَالإِْمَاءِ الْمُرْسَلَةِ مَعَهُمُ الْهَدَايَا إِلَيْهِمْ، فَيَقْبَلُونَ أَقْوَالَهُمْ، وَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ الْمُرْسَل بِهِ.
الثَّالِثَةُ: أَنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ إِذْنَ الصِّبْيَانِ فِي الدُّخُول لِلْمَنْزِل.
الرَّابِعَةُ: جَوَازُ أَخْذِ مَا يَسْقُطُ مِنَ الإِْنْسَانِ إِذَا لَمْ يُعْرَفْ صَاحِبُهُ، وَمَا لَا يَتْبَعُهُ الإِْنْسَانُ نَفْسُهُ لِحَقَارَتِهِ، كَالتَّمْرَةِ وَالْفَلْسِ، وَكَجِوَازِ أَخْذِ مَا بَقِيَ فِي الْحَوَائِطِ مِنَ الثِّمَارِ وَالْحَبِّ بَعْدَ انْتِقَال أَهْلِهِ مِنْهُ وَتَخْلِيَتِهِ وَتَسْيِيبِهِ، كَجَوَازِ أَخْذِ مَا يَسْقُطُ مِنَ الْحَبِّ عِنْدَ الْحَصَادِ مِمَّا لَا يَعْتَنِي صَاحِبُ الزَّرْعِ بِلَقْطِهِ، وَكَأَخَذِ مَا يَنْبِذُهُ النَّاسُ رَغْبَةً عَنْهُ مِنَ الطَّعَامِ وَالْخِرَقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُحَقَّرَاتِ.
الْخَامِسَةُ: الشُّرْبُ مِنَ الْمَصَانِعِ الْمَوْضُوعَةِ
عَلَى الطُّرُقَاتِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الشَّارِبُ إِذْنَ أَرْبَابِهَا فِي ذَلِكَ لَفْظًا، اعْتِمَادًا عَلَى دَلَالَةِ الْحَال.
السَّادِسَةُ: قَوْلُهُمْ فِي الرِّكَازِ: إِذَا كَانَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ كَنْزٌ، وَيَأْخُذُ حُكْمَ اللُّقَطَةِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَامَاتُ الْكُفْرِ كَالصَّلِيبِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ رِكَازٌ.
السَّابِعَةُ: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَكِيل عَلَى بَيْعِ السِّلْعَةِ قَبْضُ ثَمَنِهَا، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمُوَكِّل فِي ذَلِكَ لَفْظًا، اعْتِمَادًا عَلَى قَرِينَةِ الْحَال.
الثَّامِنَةُ: الْقَضَاءُ بِالنُّكُول وَاعْتِبَارُهُ فِي الأَْحْكَامِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَاّ رُجُوعًا إِلَى مُجَرَّدِ الْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ، فَقُدِّمَتْ عَلَى أَصْل بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ.
التَّاسِعَةُ: جَوَازُ دَفْعِ اللُّقَطَةِ لِوَاصِفِ عِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا.
الْعَاشِرَةُ: النَّظَرُ فِي أَمْرِ الْخُنْثَى، وَالاِعْتِمَادُ فِيهِ عَلَى الأَْمَارَاتِ وَالْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى إِحْدَى حَالَتَيْهِ الذُّكُورَةِ أَوِ الأُْنُوثَةِ.
الْحَادِيَةَ عَشَرَةَ: مَعْرِفَةُ رِضَا الْبِكْرِ بِالزَّوْجِ بِصُمَاتِهَا.
الثَّانِيَةَ عَشَرَةَ: إِذَا أَرْخَى السِّتْرَ عَلَى الزَّوْجَةِ وَخَلَا بِهَا، قَال أَصْحَابُنَا: إِذَا طَلَّقَهَا وَقَال إِنَّهُ لَمْ يَمَسَّهَا وَادَّعَتْ هِيَ الْوَطْءَ صُدِّقَتْ، وَكَانَ لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلاً (1) .
(1) هذه المجموعة من الأمثلة والصور التي أعملت فيها القرينة انتخبت من كتاب التبصرة تحت عنوان: فصل في بيان عمل فقهاء الطوائف الأربعة بالحكم والقرائن والأمارات، وأيضًا من كتاب الطرق الحكمية لابن القيم، ومن كتاب معين الحكام الحنفي المذهب.
وَمِنْ هَذَا الْعَرْضِ يَبْدُو اتِّفَاقُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى الْعَمَل بِقَرَائِنِ الأَْحْوَال بِصِفَةٍ مُطْلَقَةٍ بِدُونِ قُيُودٍ وَلَا حُدُودٍ، وَمَصَادِرُ مَذْهَبَيْهِمْ تَشْهَدُ بِذَلِكَ (1) .
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ عَمِلُوا بِالْقَرَائِنِ فِي حُدُودٍ ضَيِّقَةٍ، وَيَعْتَدُّونَ بِالْقَرِينَةِ الْحِسِّيَّةِ وَالْحَالِيَّةِ، وَبِالْقَرِينَةِ الْقَاطِعَةِ فَقَدْ ذَكَرَ الْعَلَاّمَةُ ابْنُ نُجَيْمٍ عِنْدَ إِحْصَائِهِ لِلْحُجَجِ الَّتِي يَعْتَمِدُهَا الْقَاضِي، فَقَال: إِنَّ الْحُجَّةَ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ، أَوْ إِقْرَارٌ، أَوْ نُكُولٌ عَنْ يَمِينٍ، أَوْ يَمِينٌ، أَوْ قَسَامَةٌ، أَوْ عِلْمُ الْقَاضِي بَعْدَ تَوَلِّيهِ، أَوْ قَرِينَةٌ قَاطِعَةٌ، وَقَال: وَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي الشَّرْحِ مِنَ الدَّعْوَى.
وَذُكِرَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِالْقَرِينَةِ إِلَاّ فِي مَسَائِل ذَكَرَهَا فِي الشَّرْحِ فِي بَابِ التَّحَالُفِ.
وَقَدْ نَصَّ الْمُزَنِيُّ فِي كِتَابِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِالظُّنُونِ، بَعْدَ ذِكْرِ النِّزَاعِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى مَتَاعِ الْبَيْتِ، وَتَنَازُعِ عَطَّارٍ وَدَبَّاغٍ، وَأَنَّهُ لَوْ صَحَّ اسْتِعْمَال الظُّنُونِ لَقُضِيَ بِالْعِطْرِ لِلْعَطَّارِ، وَالدِّبَاغِ لِلدَّبَّاغِ (2) .
(1) التبصرة لابن فرحون 2 / 95 وما بعدها، والطرق الحكمية ص 194.
(2)
مختصر المزني على هامش كتاب الأم 5 / 266، وكتاب تبويب الأشباه والنظائر ص 310 للشيخ محمد أبي الفتح المفتي الحنفي.