الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَيْتِ التَّامِّ بِذِرَاعٍ وَنِصْفٍ مِنَ السُّفْل فَقَطْ، وَتَكُونُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَثْلَاثًا، إِذْ يُحْسَبُ ذِرَاعٌ مِنَ الْبَيْتِ التَّامِّ بِذِرَاعَيْنِ مِنَ السُّفْل فَقَطْ، وَيَقْسِمُ مُحَمَّدٌ حَسَبَ الْقِيمَةِ، كَيْفَمَا اقْتَضَتْ.
هَكَذَا قَرَّرَ الْحَنَفِيَّةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ (1) .
الآْثَارُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى قِسْمَةِ الأَْعْيَانِ:
إِذَا تَمَّتْ قِسْمَةُ الأَْعْيَانِ عَلَى الصِّحَّةِ تَرَتَّبَتْ عَلَيْهَا آثَارٌ شَتَّى، مِنْ أَهَمِّهَا:
51 -
أَوَّلاً: لُزُومُ الْقِسْمَةِ:
قَال الْحَنَفِيَّةُ: تَلْزَمُ الْقِسْمَةُ إِذَا لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ لِلْخِيَارِ (ر: ف 54) ، فَإِنَّهَا لَا تَقْبَل الرُّجُوعَ بِالإِْرَادَةِ الْمُنْفَرِدَةِ، بِمَعْنَى أَنْ يَنْقُضَهَا وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ وَيَرُدَّ الْمَال إِلَى الشَّرِكَةِ، دُونَ اتِّفَاقٍ مِنْ جَمِيعِ الْمُتَقَاسِمِينَ.
وَتَتِمُّ الْقِسْمَةُ بِتَعْيِينِ الْقَاسِمِ لِكُل وَاحِدٍ نَصِيبَهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ هَذَا الْقَاسِمُ هُوَ قَاسِمَ الْقَاضِي أَمْ قَاسِمًا حَكَّمُوهُ بَيْنَهُمْ لِيَقُومَ بِهَذَا التَّعْيِينِ، وَإِلْزَامِ كُل وَاحِدٍ بِالنَّصِيبِ الَّذِي يُفْرِزُهُ لَهُ - سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ بِقُرْعَةٍ أَمْ بِدُونِهَا (2) ، كَمَا تَتِمُّ إِذَا اقْتَسَمُوهُمْ بِالتَّرَاضِي - دُونَ تَحْكِيمِ مُحَكَّمٍ مُلْزِمٍ - وَاقْتَرَعُوا اقْتِرَاعًا تَامًّا خَرَجَتْ بِهِ جَمِيعُ الأَْجْزَاءِ (السِّهَامِ)
(1) تكملة فتح القدير 8 / 266 - 369، بدائع الصنائع 7 / 27.
(2)
تكملة فتح القدير 8 / 363، الفتاوى الهندية 5 / 217.
لأَِرْبَابِهَا، وَيَكْفِي لِذَلِكَ إِجْرَاءُ الْقُرْعَةِ عَلَى جَمِيعِ الأَْجْزَاءِ عَدَا الْجُزْءِ الأَْخِيرِ؛ لأَِنَّهُ يَتَعَيَّنُ تِلْقَائِيًّا لِمَنْ بَقِيَ مِنَ الشُّرَكَاءِ، وَإِذَنْ فَيَكُونُ لِبَعْضِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَقُّ الرُّجُوعِ أَثْنَاءَ الْقُرْعَةِ أَيْ قَبْل أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ (1) ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَخْدِمُوا الْقُرْعَةَ وَاكْتَفَوْا بِالتَّرَاضِي عَلَى أَنْ يَخْتَصَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِنَصِيبٍ بِعَيْنِهِ، فَإِنَّ الْقِسْمَةَ لَا تَتِمُّ بِمُجَرَّدِ هَذَا التَّرَاضِي، بَل يَتَوَقَّفُ تَمَامًا عَلَى قَبْضِ كُل وَاحِدٍ نَصِيبَهُ، أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي (2) .
وَقَالُوا: إِنْ كَانَتِ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاقْتَسَمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ مِنْ مُؤَخِّرِهَا بِجَمِيعِ حُقُوقِهِ، وَيَأْخُذَ الآْخَرُ الثُّلُثَيْنِ مِنْ مُقَدِّمِهَا بِجَمِيعِ حُقُوقِهِ، فَلِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ، مَا لَمْ تَقَعِ الْحُدُودُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُمَا بِمَا قَالَا قَبْل وُقُوعِ الْحُدُودِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُمَا بَعْدَ وُقُوعِ الْحُدُودِ.
فَإِذَا كَانَ هُنَاكَ رُجُوعٌ مُعْتَبَرٌ، أَوِ اعْتِرَاضٌ وَعَدَمُ رِضًا أُعِلْنَ بِهِ حَيْثُ احْتِيجَ إِلَى الرِّضَا، فَإِنَّ الْعُدُول بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْمُوَافَقَةِ عَلَى الْقِسْمَةِ وَاسْتِمْرَارِهَا لَا يُجْدِي فَتِيلاً؛ لأَِنَّ الْقِسْمَةَ تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ (3) .
أَمَّا الرُّجُوعُ بِاتِّفَاقِ جَمِيعِ الْمُتَقَاسِمِينَ فَهُوَ
(1) رد المحتار 5 / 172.
(2)
الفتاوى الهندية 5 / 217.
(3)
رد المحتار 5 / 176.
تَقَايُلٌ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ أُصُول الْحَنَفِيَّةِ وَنُصُوصَ بَعْضِ مُتُونِهِمْ وَشُرَّاحِهِمْ تَقْتَضِي إِطْلَاقَ قَبُولِهِ.
وَعِبَارَةُ مَتْنِ تَنْوِيرِ الأَْبْصَارِ وَشَرْحِهِ: الْقِسْمَةُ تَقْبَل النَّقْصَ، فَلَوِ اقْتَسَمُوا وَأَخَذُوا حِصَصَهُمْ، ثُمَّ تَرَاضَوْا عَلَى الاِشْتِرَاكِ بَيْنَهُمْ صَحَّ، وَعَادَتِ الشَّرِكَةُ فِي عَقَارٍ أَوْ غَيْرِهِ (1) .
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَيُطْلِقُونَ الْقَوْل بِلُزُومِ الْقِسْمَةِ إِذَا صَحَّتْ، سَوَاءٌ بِقُرْعَةٍ أَمْ بِدُونِهَا، وَلَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الإِْجْبَارِ عِنْدَهُمْ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ إِلَاّ بِقُرْعَةٍ، وَيَذْكُرُونَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْهُ، وَيُعَلِّلُونَهُ بِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ مَعْلُومٍ إِلَى مَجْهُولٍ (2) ، وَهُوَ تَعْلِيلٌ يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَيْضًا مَنْعُ التَّقَايُل بِاتِّفَاقِ الْمُتَقَاسِمِينَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ، إِذْ يَقُول: الْقِسْمَةُ مِنَ الْعُقُودِ اللَاّزِمَةِ، لَا يَجُوزُ لِلْمُتَقَاسِمِينَ نَقْضُهَا وَلَا الرُّجُوعُ فِيهَا، إِلَاّ بِالطَّوَارِئِ عَلَيْهَا (3) ، وَهُوَ نَقِيضُ مَا صَرَّحَ بِهِ الدَّرْدِيرُ فِي قِسْمَةِ التَّرَاضِي (4)، لَكِنَّ الْمُدَوَّنَةَ صَرِيحَةٌ فِيمَا قَرَّرَهُ الأَْوَّلُونَ: فَقَدْ سَأَل سَحْنُونٌ ابْنَ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ دَارًا بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ تَرَاضَيْنَا فِي أَنْ جَعَلْتُ لَهُ طَائِفَةً مِنَ الدَّارِ عَلَى أَنْ جَعَل
(1) رد المحتار 5 / 176.
(2)
الخرشي 4 / 412، بلغة السالك 2 / 243.
(3)
بداية المجتهد 2 / 270.
(4)
بلغة السالك 2 / 238.
لِي طَائِفَةً أُخْرَى، فَرَجَعَ أَحَدُنَا قَبْل أَنْ تُنْصَبَ الْحُدُودُ بَيْنَنَا؟ . فَأَجَابَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُمَا، وَلَا يَكُونُ لَهُمَا أَنْ يَرْجِعَا عِنْدَ مَالِكٍ (1) ، إِلَاّ أَنَّهُ عَلَّلَهُ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ مِنَ الْبُيُوعِ.
وَالْحَنَابِلَةُ مَعَ الْمَالِكِيَّةِ فِي أَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تَقْبَل الرُّجُوعَ بِالإِْرَادَةِ الْمُنْفَرِدَةِ وَلَا الْمُجْتَمِعَةِ، لَكِنْ فِيمَا كَانَ مِنَ الْقِسْمَةِ مَحْضَ تَمْيِيزِ حُقُوقٍ، وَهَذِهِ هِيَ الْقِسْمَةُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا عَدَا قِسْمَةِ الرَّدِّ فِي قِيل اعْتَمَدَهُ الْحَنَابِلَةُ، أَمَّا مَا هُوَ مِنْهَا بَيْعٌ، فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ عَقْدٌ لَازِمٌ بِمُجَرَّدِ التَّرَاضِي وَالتَّفَرُّقِ. وَيَقْبَل التَّقَايُل كَالْبَيْعِ، إِلَاّ أَنَّهُ إِذَا اسْتُخْدِمَتِ الْقُرْعَةُ تَوَقَّفَ لُزُومُ الْقِسْمَةِ عَلَى خُرُوجِهَا، وَعَلَى الرِّضَا بِالْقِسْمَةِ بَعْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ، هَذَا فِي قِسْمَةِ التَّرَاضِي، أَمَّا فِي قِسْمَةِ الإِْجْبَارِ، فَيَتَوَقَّفُ اللُّزُومُ عَلَى خُرُوجِ الْقُرْعَةِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ وَقَعَتِ الْقِسْمَةُ بِتَرَاضٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ بِغَيْرِ نِزَاعٍ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضًا بِهَا بَعْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ، سَوَاءٌ فِي قِسْمَةِ الإِْفْرَازِ أَوِ الرَّدِّ أَوِ التَّعْدِيل، أَمَّا فِي قِسْمَةِ الرَّدِّ وَالتَّعْدِيل فَلأَِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بَيْعٌ، وَالْبَيْعُ لَا يَحْصُل بِالْقُرْعَةِ، فَافْتَقَرَ إِلَى الرِّضَا بَعْدَ خُرُوجِهِمَا كَقَبْلِهِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِمَا فَقِيَاسًا عَلَيْهِمَا، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمَا: رَضِينَا بِهَذِهِ
(1) المدونة 14 / 169.