الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُقَلَّدَ الْجَاهِل بِالأَْحْكَامِ، لأَِنَّ الْجَاهِل قَدْ يَقْضِي بِالْبَاطِل مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ. (1)
وَيَرَى فَرِيقٌ آخَرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاجْتِهَادِ الرَّأْيِ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالنَّصِّ وَالْمَعْقُول، أَمَّا النَّصُّ: فَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَال لَهُ: كَيْفَ تَقْضِي؟ قَال: أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، قَال: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَال: فَبِسُنَّةِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: أَجْتَهِدُ رَأْيِي، قَال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُول رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (2) .
وَأَمَّا الْمَعْقُول: فَإِنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِالْقَضَاءِ بِالْحَقِّ، قَال تَعَالَى:{يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَْرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} (3) ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُهُ الْقَضَاءُ بِالْحَقِّ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاجْتِهَادِ الرَّأْيِ؛ لأَِنَّ الْحَوَادِثَ مَمْدُودَةٌ، وَالنُّصُوصَ مَعْدُودَةٌ، فَلَا يَجِدُ الْقَاضِي فِي كُل حَادِثَةٍ نَصًّا يَفْصِل بِهِ الْخُصُومَةَ، فَيَحْتَاجُ إِلَى اسْتِنْبَاطِ الْمَعْنَى مِنَ النُّصُوصِ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالاِجْتِهَادِ (4) .
(1) بدائع الصنائع للكاساني 7 / 3.
(2)
حديث: " لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذًا إلى اليمن. . . " سبق تخريجه ف 7.
(3)
سورة ص / 26.
(4)
شرح أدب القاضي للصدر الشهيد 1 / 126.
أَمَّا الْعَدَالَةُ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ التَّقْلِيدِ لَكِنَّهَا شَرْطُ كَمَالٍ فَيَجُوزُ تَقْلِيدُ الْفَاسِقِ وَتَنْفُذُ قَضَايَاهُ إِذَا لَمْ يُجَاوِزْ فِيهَا حَدَّ الشَّرْعِ، لأَِنَّهُ مِنْ أَهْل الشَّهَادَةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْل الْقَضَاءِ. (1)
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ شُرُوطَ تَوْلِيَةِ الْقَاضِي أَرْبَعَةٌ:
أَوَّلُهَا:
أَنْ يَكُونَ عَدْلاً. وَالْعَدَالَةُ تَسْتَلْزِمُ الإِْسْلَامَ وَالْبُلُوغَ وَالْعَقْل وَالْحُرِّيَّةَ وَعَدَمَ الْفِسْقِ.
ثَانِيهَا:
أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا.
ثَالِثُهَا:
أَنْ يَكُونَ فَطِنًا، وَالْفِطْنَةُ جَوْدَةُ الذِّهْنِ وَقُوَّةُ إِدْرَاكِهِ لِمَعَانِي الْكَلَامِ.
رَابِعُهَا:
أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي وُلِّيَ لِلْقَضَاءِ بِهَا وَلَوْ مُقَلِّدًا لِمُجْتَهِدٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، خِلَافًا لِخَلِيلٍ حَيْثُ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا إِنْ وُجِدَ وَإِلَاّ فَأَمْثَل مُقَلِّدٍ. (2)
وَيَجِبُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي سَمِيعًا بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا، فَلَا يَجُوزُ تَوْلِيَةُ الأَْعْمَى وَالأَْبْكَمِ وَالأَْصَمِّ.
وَاتِّصَافُهُ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا وَاجِبٌ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّوْلِيَةِ إِذْ يَنْفُذُ حُكْمُهُ إِنْ وَقَعَ صَوَابًا مَعَ فَقْدِ إِحْدَى تِلْكَ الصِّفَاتِ، وَفِي فَقْدِ صِفَتَيْنِ خِلَافٌ، أَمَّا
(1) بدائع الصنائع 7 / 3، وابن عابدين 5 / 355.
(2)
الدسوقي 4 / 129، الشرح الصغير 4 / 187.