الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْغَالِبَ عَلَى الْمَنَافِعِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الأَْمْثَال، حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الأُْخْرَى الْقِيمَةُ، وَيَتَوَجَّهُ فِي الْمُتَقَوِّمِ أَنَّهُ يَجُوزُ رَدُّ الْمِثْل بِتَرَاضِيهِمَا (1) .
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي بَابِ الْقَرْضِ كَوْنَ مَحَل الْقَرْضِ عَيْنًا، وَلَكِنَّهُمْ أَقَامُوا ضَابِطًا لِمَا يَصِحُّ إِقْرَاضُهُ، وَهُوَ أَنَّ كُل مَا جَازَ السَّلَمُ فِيهِ صَحَّ إِقْرَاضُهُ، وَفِي بَابِ السَّلَمِ نَصُّوا عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ فِي الْمَنَافِعِ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي الأَْعْيَانِ (2) ، وَعَلَى ذَلِكَ يَصِحُّ إِقْرَاضُ الْمَنَافِعِ الَّتِي تَنْضَبِطُ بِالْوَصْفِ بِمُقْتَضَى قَوَاعِدِ مَذْهَبِهِمْ (3) .
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا:
16 -
لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي اشْتِرَاطِ مَعْلُومِيَّةِ مَحَل الْقَرْضِ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، وَذَلِكَ لِيَتَمَكَّنَ الْمُقْتَرِضُ مِنْ رَدِّ الْبَدَل الْمُمَاثِل لِلْمُقْرِضِ، وَهَذِهِ الْمَعْلُومِيَّةُ تَتَنَاوَل أَمْرَيْنِ: مَعْرِفَةَ الْقَدْرِ، وَمَعْرِفَةَ الْوَصْفِ (4) ، جَاءَ فِي
(1) الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية للبعلي ص 131، وكشاف القناع 3 / 300.
(2)
روضة الطالبين 4 / 27، وأسنى المطالب وحاشية الرملي عليه 2 / 123، والخرشي 5 / 203، والقوانين الفقهية ص 280 (ط. الدار العربية للكتاب) .
(3)
وهناك قول للقاضي حسين حكاه عنه النووي وهو أنه لا يجوز إقراض المنافع؛ لأنه لا يجوز السلم فيها، (روضة الطالبين 4 / 33) .
(4)
روضة الطالبين 4 / 33 - 34، ونهاية المحتاج 4 / 223، وتحفة المحتاج 5 / 44، وشرح منتهى الإرادات 2 / 225، والمبدع 4 / 205، وكشاف القناع 3 / 300.
" أَسْنَى الْمَطَالِبِ ": يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الإِْقْرَاضِ الْعِلْمُ بِالْقَدْرِ وَالصِّفَةِ لِيَتَأَتَّى أَدَاؤُهُ، فَلَوْ أَقْرَضَهُ كَفًّا مِنْ دَرَاهِمَ لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ أَقْرَضَهُ عَلَى أَنْ يُسْتَبَانَ مِقْدَارُهُ وَيَرُدَّ مِثْلَهُ صَحَّ (1) .
وَقَدْ أَوْضَحَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي عِلَّةَ هَذَا الاِشْتِرَاطِ، فَقَال:" وَإِذَا اقْتَرَضَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ غَيْرَ مَعْرُوفَةِ الْوَزْنِ لَمْ يَجُزْ؛ لأَِنَّ الْقَرْضَ فِيهَا يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْل، فَإِذَا لَمْ يُعْرَفِ الْمِثْل لَمْ يُمْكِنِ الْقَضَاءُ، وَكَذَلِكَ لَوِ اقْتَرَضَ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا جُزَافًا لَمْ يَجُزْ لِذَلِكَ، وَلَوْ قَدَّرَهُ بِمِكْيَالٍ بِعَيْنِهِ أَوْ صَنْجَةٍ بِعَيْنِهَا غَيْرِ مَعْرُوفَيْنِ عِنْدَ الْعَامَّةِ لَمْ يَجُزْ؛ لأَِنَّهُ لَا يَأْمَنُ تَلَفَ ذَلِكَ، فَيَتَعَذَّرُ رَدُّ الْمِثْل، فَأَشْبَهَ السَّلَمَ فِي مِثْل ذَلِكَ (2) ".
وَقَدِ اسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مِنْ قَوْلِهِمْ بِاشْتِرَاطِ كَوْنِ مَحَل الْقَرْضِ مَعْلُومَ الْقَدْرِ مَا سَمَّوْهُ بِالْقَرْضِ الْحُكْمِيِّ (3)، كَقَوْلِهِ:" عَمِّرْ دَارِي " وَنَحْوِهِ، فَلَمْ يُوجِبُوا مَعْرِفَتَهُ لِصِحَّةِ الْقَرْضِ (4) .
أَحْكَامُ الْقَرْضِ:
أ -
(مِنْ حَيْثُ أَثَرُهُ) :
17 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَرَتُّبِ أَثَرِ الْقَرْضِ،
(1) أسنى المطالب 2 / 142.
(2)
المغني 6 / 434 (ط هجر) .
(3)
انظر المراد بـ " القرض الحكمي " عند الشافعية في فقرة 1.
(4)
حاشية الرشيدي على نهاية المحتاج 4 / 223.
وَهُوَ نَقْل مِلْكِيَّةِ مَحَلِّهِ مِنَ الْمُقْرِضِ إِلَى الْمُقْتَرِضِ، هَل يَتِمُّ بِالْعَقْدِ، أَمْ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ، أَمْ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَاّ بِتَصَرُّفِ الْمُقْتَرِضِ فِيهِ أَوِ اسْتِهْلَاكِهِ. .؟ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
(أَحَدُهَا) لِلْحَنَابِلَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ فِي الْقَوْل الْمُعْتَمَدِ، وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْصَحِّ: وَهُوَ أَنَّ الْمُقْتَرِضَ إِنَّمَا يَمْلِكُ الْمَال الْمُقْرَضَ بِالْقَبْضِ (1)، قَال الشَّافِعِيَّةُ: غَيْرَ أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْقَرْضِ غَيْرُ تَامٍّ لأَِنَّهُ يَجُوزُ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْفَسْخِ (2) .
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ:
أ - بِأَنَّ مَأْخَذَ الاِسْمِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ الْقَرْضَ فِي اللُّغَةِ الْقَطْعُ، فَدَل عَلَى انْقِطَاعِ مِلْكِ الْمُقْرِضِ بِنَفْسِ التَّسْلِيمِ.
ب - وَبِأَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ بِنَفْسِ الْقَبْضِ صَارَ بِسَبِيلٍ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْقَرْضِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْمُقْرِضِ بَيْعًا وَهِبَةً وَصَدَقَةً وَسَائِرَ التَّصَرُّفَاتِ، وَإِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ الْقَرْضِ، وَتِلْكَ أَمَارَاتُ الْمِلْكِ، إِذْ لَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ لَمَا جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ.
(1) رد المحتار 4 / 173، والبدائع 7 / 396، والأشباه والنظائر لابن نجيم وحاشية الحموي عليه 2 / 204، ومرشد الحيران م (797) ، وأسنى المطالب 2 / 143، والروضة 4 / 35، والمهذب 1 / 310، ونهاية المحتاج 4 / 226، وتحفة المحتاج 5 / 48، وفتح العزيز 9 / 391، وكشاف القناع 3 / 301، وشرح منتهى الإرادات 2 / 225، والمبدع 4 / 206.
(2)
المهذب للشيرازي 1 / 310.
ج - وَبِأَنَّ الْقَرْضَ عَقْدٌ اجْتَمَعَ فِيهِ جَانِبُ الْمُعَاوَضَةِ وَجَانِبُ التَّبَرُّعِ، أَمَّا الْمُعَاوَضَةُ: فَلأَِنَّ الْمُسْتَقْرِضَ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ بَدَلٍ مُمَاثِلٍ عِوَضًا عَمَّا اسْتَقْرَضَهُ، وَأَمَّا التَّبَرُّعُ: فَلأَِنَّهُ يَنْطَوِي عَلَى تَبَرُّعٍ مِنَ الْمُقْرِضِ لِلْمُسْتَقْرِضِ بِالاِنْتِفَاعِ بِالْمَال الْمُقْرَضِ بِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، غَيْرَ أَنَّ جَانِبَ التَّبَرُّعِ فِي هَذَا الْعَقْدِ أَرْجَحُ؛ لأَِنَّ غَايَتَهُ وَثَمَرَتَهُ إِنَّمَا هِيَ بَذْل مَنَافِعِ الْمَال الْمُقْرَضِ لِلْمُقْتَرِضِ مَجَّانًا؛ لأَِنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ عِوَضٌ فِي الْحَال، وَلَا يَمْلِكُهُ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ، وَلِهَذَا كَانَ حُكْمُهُ كَبَاقِي التَّبَرُّعَاتِ مِنْ هِبَاتٍ وَصَدَقَاتٍ، فَتَنْتَقِل الْمِلْكِيَّةُ فِيهِ بِالْقَبْضِ لَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَلَا بِالتَّصَرُّفِ، وَلَا بِالاِسْتِهْلَاكِ.
(وَالثَّانِي) لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُقْتَرِضَ يَمْلِكُ الْقَرْضَ مِلْكًا تَامًّا بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَيَصِيرُ مَالاً مِنْ أَمْوَالِهِ، وَيُقْضَى لَهُ بِهِ (1) ، وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الشَّوْكَانِيُّ وَرَجَّحَهُ، وَحُجَّتُهُ أَنَّ التَّرَاضِيَ هُوَ الْمَنَاطُ فِي نَقْل مِلْكِيَّةِ الأَْمْوَال مِنْ بَعْضِ الْعِبَادِ إِلَى بَعْضٍ (2) .
(وَالثَّالِثُ) لِلشَّافِعِيَّةِ فِي الْقَوْل الْمُقَابِل لِلأَْصَحِّ، وَهُوَ أَنَّ الْمُقْتَرِضَ إِنَّمَا يَمْلِكُ الْمَال
(1) الخرشي 5 / 232، والبهجة شرح التحفة 2 / 288، وكفاية الطالب الرباني وحاشية العدوي عليه 2 / 150، والشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه 3 / 226.
(2)
السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار للشوكاني 3 / 144.