الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَنَّهَا مِنْ أَهْل الْيَمِينِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُسْتَحْلَفُ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ، وَمَعْنَى النُّصْرَةِ يُرَاعَى وُجُودُهُ فِي الْجُمْلَةِ لَا فِي كُل فَرْدٍ كَالْمَشَقَّةِ فِي السَّفَرِ (1) .
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ: فَإِنَّهُمْ سَوَاءٌ فِي الْقَسَامَةِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، خِلَافًا لأَِبِي يُوسُفَ الَّذِي يَرَى أَنَّ الْقَسَامَةَ عَلَى الْحَاضِرِ فَقَطْ دُونَ الْغَائِبِ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ مَسْئُولاً عَنْ تَدْبِيرِ الْمَحَلَّةِ أَثْنَاءَ غِيَابِهِ (2) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الْقَسَامَةِ:
19 -
لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي حُجِّيَّةِ الْقَسَامَةِ، وَوُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى عَوَاقِل الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ إِذَا كَانَ الْقَتْل خَطَأً، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِيمَا يَجِبُ بِهَا إِذَا كَانَ الْقَتْل الْمُدَّعَى بِهِ عَمْدًا
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ الْقَوَدِ، وَبِهِ قَال الزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُمْ (3) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ وُجُوبَ الدِّيَةِ وَعَدَمَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ بَعْضِ صَحَابَةِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَأَبِي بَكْرٍ
(1) بدائع الصنائع 10 / 4756.
(2)
المبسوط للسرخسي 26 / 111.
(3)
المدونة الكبرى 6 / 416، وشرح الخرشي 8 / 98، ونهاية المحتاج 7 / 376.
وَعُمَرَ وَغَيْرِهِمْ رضي الله عنهم، وَبِهِ قَال الأَْوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ (1) .
وَاسْتَدَل الْقَائِلُونَ عَلَى وُجُوبِ الْقَوَدِ بِالْقَسَامَةِ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا مَا جَاءَ فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ سَهْل بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ هُوَ وَرِجَالٌ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ وَذَكَرُوا الْحَدِيثَ وَفِيهِ: فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟ قَالُوا: لَا (2) .
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا مَا رَوَاهُ أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْقَسَامَةَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَسَامَةُ الدَّمِ، فَأَقَرَّهَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَضَى بِهَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أُنَاسٍ مِنَ الأَْنْصَارِ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ فِي قَتِيلٍ ادَّعَوْهُ عَلَى الْيَهُودِ (3) ، فَإِضَافَةُ قَسَامَةِ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَى الدَّمِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُحْكَمُ بِهَا بِالْقِصَاصِ.
وَأَمَّا أَدِلَّةُ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ الْقَوَدِ بِالْقَسَامَةِ، فَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْل بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: " أَنَّهُ أَخْبَرَهُ
(1) نهاية المحتاج 7 / 376، والأم للشافعي 6 / 97، والمبسوط 26 / 111 وما بعدها.
(2)
حديث عبد الله بن سهل. تقدم ف 4.
(3)
حديث: " أن القسامة كانت في الجاهلية ". أخرجه البيهقي (8 / 122) بهذا اللفظ وهو في صحيح مسلم (3 / 1295) دون قوله " قسامة الدم ".
عَنْ رِجَالٍ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمْ فَأَتَى مُحَيِّصَةُ فَأَخْبَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَدْ قُتِل وَطُرِحَ فِي عَيْنٍ أَوْ فَقِيرٍ، فَأَتَى يَهُودَ فَقَال: أَنْتُمْ وَاللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ، قَالُوا: وَاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ فَأَقْبَل حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَذَكَرَ لَهُمْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقْبَل هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ لِيَتَكَلَّمَ وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِخَيْبَرَ فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمُحَيِّصَةَ: كَبِّرْ كَبِّرْ - يُرِيدُ السِّنَّ - فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ، وَإِمَّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ فَكَتَبَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ فَكَتَبُوا إِنَّا وَاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ، فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟ قَالُوا: لَا، قَال: فَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودٌ؟ قَالُوا: لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ، فَوَدَاهُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِائَةَ نَاقَةٍ حَتَّى أُدْخِلَتْ عَلَيْهِمُ الدَّارَ فَقَال سَهْلٌ: فَلَقَدْ رَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ (1) .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه أَبْرَزَ سَرِيرَهُ يَوْمًا
(1) حديث: " أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر ". تقدم تخريجه ف 4.
لِلنَّاسِ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا، فَقَال: مَا تَقُولُونَ فِي الْقَسَامَةِ؟ قَالُوا: نَقُول الْقَسَامَةُ الْقَوَدُ بِهَا حَقٌّ، وَقَدْ أَقَادَ بِهَا الْخُلَفَاءُ (1)، قَال لِي: مَا تَقُول يَا أَبَا قِلَابَةَ، وَنَصَبَنِي لِلنَّاسِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَكَ رُءُوسُ الأَْجْنَادِ وَأَشْرَافُ الْعَرَبِ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ خَمْسِينَ مِنْهُمْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ مُحْصَنٍ بِدِمَشْقَ أَنَّهُ قَدْ زَنَى وَلَمْ يَرَوْهُ أَكُنْتَ تَرْجُمُهُ؟ قَال: لَا، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ خَمْسِينَ مِنْهُمْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِحِمْصٍ أَنَّهُ سَرَقَ أَكُنْتَ تَقْطَعُهُ وَلَمْ يَرَوْهُ؟ قَال: لَا، قُلْتُ: فَوَاللَّهِ مَا قَتَل رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدًا قَطُّ إِلَاّ فِي إِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ: رَجُلٍ قَتَل بِجَرِيرَةِ نَفْسِهِ فَقُتِل، أَوْ رَجُلٍ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ رَجُلٍ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَارْتَدَّ عَنِ الإِْسْلَامِ. . . إِلَخْ. الْحَدِيثَ (2) .
وَقَال الْكَاسَانِيُّ: وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ أَنَّهُ قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال يَا رَسُول اللَّهِ: إِنِّي وَجَدْتُ أَخِي قَتِيلاً فِي بَنِي فُلَانٍ، فَقَال عليه الصلاة والسلام: اجْمَعْ مِنْهُمْ خَمْسِينَ فَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَتَلُوهُ وَلَا عَلِمُوا لَهُ قَاتِلاً، فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ لَيْسَ لِي مِنْ أَخِي إِلَاّ هَذَا؟ فَقَال: بَل لَكَ مِائَةٌ
(1) المراد بالخلفاء معاوية، وعبد الله بن الزبير، وعبد الملك بن مروان ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري شرح البخاري 2 / 240.
(2)
المبسوط للسرخسي 26 / 109 وحديث " أبي قلابة " أخرجه البخاري (فتح الباري 12 / 230) .