الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَهْلِيَّةُ الْمُعَامَلَةِ دُونَ اشْتِرَاطِ أَهْلِيَّةِ التَّبَرُّعِ (1) ، وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الْمُقْتَرِضِ تَمَتُّعُهُ بِالذِّمَّةِ؛ لأَِنَّ الدَّيْنَ لَا يَثْبُتُ إِلَاّ فِي الذِّمَمِ، ثُمَّ فَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ عَدَمَ صِحَّةِ الاِقْتِرَاضِ لِمَسْجِدٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ أَوْ رِبَاطٍ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ ذِمَمٍ لِهَذِهِ الْجِهَاتِ عِنْدَهُمْ (2) ، أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَمْ يَنُصُّوا عَلَى شُرُوطٍ خَاصَّةٍ لِلْمُقْتَرِضِ، وَالَّذِي يُسْتَفَادُ مِنْ فُرُوعِهِمُ الْفِقْهِيَّةِ اشْتِرَاطُهُمْ أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ فِيهِ، بِأَنْ يَكُونَ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلاً، وَعَلَى ذَلِكَ قَالُوا: إِذَا اسْتَقْرَضَ صَبِيٌّ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ شَيْئًا فَاسْتَهْلَكَهُ الصَّبِيُّ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ، فَإِنْ تَلِفَ الشَّيْءُ بِنَفْسِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالاِتِّفَاقِ، فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُهُ بَاقِيَةً فَلِلْمُقْرِضِ اسْتِرْدَادُهَا (3) ، وَهَذَا الْحُكْمُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ اقْتِرَاضِ الْمَحْجُورِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ، وَجَاءَ فِي جَامِعِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ لِلأُْسْرُوشَنِيِّ: اسْتِقْرَاضُ الأَْبِ لاِبْنِهِ الصَّغِيرِ يَجُوزُ، وَكَذَا اسْتِقْرَاضُ الْوَصِيِّ لِلصَّغِيرِ، فَقَدْ ذُكِرَ فِي رَهْنِ " الْهِدَايَةِ ": وَلَوِ اسْتَدَانَ الْوَصِيُّ لِلْيَتِيمِ فِي كِسْوَتِهِ وَطَعَامِهِ وَرَهَنَ بِهِ مَتَاعًا لِلْيَتِيمِ
(1) حاشية الشهاب الرملي على أسنى المطالب 2 / 140، ونهاية المحتاج وحاشية الشبراملسي عليه 4 / 220.
(2)
كشاف القناع 3 / 300، وانظر شرح منتهى الإرادات 2 / 225.
(3)
رد المحتار 4 / 174 (ط. بولاق سنة 1272 هـ) ، وانظر مرشد الحيران (م 809) .
جَازَ؛ لأَِنَّ الاِسْتِدَانَةَ جَائِزَةٌ لِلْحَاجَةِ، وَالرَّهْنُ يَقَعُ إِيفَاءً لِلْحَقِّ، فَيَجُوزُ (1) .
الاِقْتِرَاضُ عَلَى بَيْتِ الْمَال وَالْوَقْفِ:
12 -
لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلإِْمَامِ الاِسْتِقْرَاضُ عَلَى بَيْتِ الْمَال وَقْتَ الأَْزَمَاتِ وَعِنْدَ النَّوَائِبِ وَالْمُلِمَّاتِ لِدَاعِي الضَّرُورَةِ أَوِ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ، قَال إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْجُوَيْنِيُّ: وَمَا ذَكَرَهُ الأَْوَّلُونَ مِنِ اسْتِسْلَافِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ مَسِيسِ الْحَاجَاتِ وَاسْتِعْجَالِهِ الزَّكَوَاتِ، فَلَسْتُ أُنْكِرُ جَوَازَ ذَلِكَ، وَلَكِنِّي أُجَوِّزُ الاِسْتِقْرَاضَ عِنْدَ اقْتِضَاءِ الْحَال وَانْقِطَاعِ الأَْمْوَال، وَمَصِيرُ الأَْمْرِ إِلَى مُنْتَهًى يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ فِيهِ اسْتِيعَابُ الْحَوَادِثِ لِمَا يَتَجَدَّدُ فِي الاِسْتِقْبَال (2) .
غَيْرَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ قَيَّدُوا ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ:
(أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ إِيرَادٌ مُرْتَجًى لِبَيْتِ الْمَال لِيُوَفَّى مِنْهُ الْقَرْضُ، قَال الشَّاطِبِيُّ: وَالاِسْتِقْرَاضُ فِي الأَْزَمَاتِ إِنَّمَا يَكُونُ حَيْثُ يُرْجَى لِبَيْتِ الْمَال دَخْلٌ يُنْتَظَرُ أَوْ يُرْتَجَى (3) .
(وَالثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الاِسْتِقْرَاضُ مِنْ أَجْل
(1) جامع أحكام الصغار 4 / 104 - 105 (ط. بغداد 1983 م) .
(2)
غياث الأمم في التياث الظلم تحقيق د. الديب ص 279 (ط. قطر) .
(3)
الاعتصام 2 / 122 (ط. دار الفكر بيروت) .
الْوَفَاءِ بِالْتِزَامٍ ثَابِتٍ عَلَى بَيْتِ الْمَال، وَهُوَ مَا يَصِيرُ بِتَأْخِيرِهِ دَيْنًا لَازِمًا عَلَيْهِ، وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ لَا يُسْتَقْرَضُ لَهُ، قَال أَبُو يَعْلَى: لَوِ اجْتَمَعَ عَلَى بَيْتِ الْمَال حَقَّانِ ضَاقَ عَنْهُمَا وَاتَّسَعَ لأَِحَدِهِمَا، صُرِفَ فِيمَا يَصِيرُ مِنْهُمَا دَيْنًا فِيهِ، وَلَوْ ضَاقَ عَنْ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا، كَانَ لِوَلِيِّ الأَْمْرِ إِذَا خَافَ الضَّرَرَ وَالْفَسَادَ أَنْ يَقْتَرِضَ عَلَى بَيْتِ الْمَال مَا يَصْرِفُهُ فِي الدُّيُونِ دُونَ الإِْرْفَاقِ (1) ، وَكَانَ مَنْ حَدَثَ بَعْدَهُ مِنَ الْوُلَاةِ مَأْخُوذًا بِقَضَائِهِ إِذَا اتَّسَعَ لَهُ بَيْتُ الْمَال (2) .
(وَالثَّالِثُ) أَنْ يُعِيدَ الإِْمَامُ إِلَى بَيْتِ الْمَال كُل مَا اقْتَطَعَهُ مِنْهُ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَذَوِيهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَمَا وَضَعُوهُ فِي حَرَامٍ، وَتَبْقَى الْحَاجَةُ إِلَى الاِسْتِقْرَاضِ قَائِمَةً، قَال ابْنُ السُّبْكِيِّ: لَمَّا عَزَمَ السُّلْطَانُ قُطُزُ عَلَى الْمَسِيرِ مِنْ مِصْرَ لِمُحَارَبَةِ التَّتَارِ، وَقَدْ دَهَمُوا الْبِلَادَ، جَمَعَ الْعَسَاكِرَ، فَضَاقَتْ يَدُهُ عَنْ نَفَقَاتِهِمْ، فَاسْتَفْتَى الإِْمَامَ الْعِزَّ بْنَ عَبْدِ السَّلَامِ فِي أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْ أَمْوَال التُّجَّارِ، فَقَال لَهُ الْعِزُّ: إِذَا أَحْضَرْتَ مَا عِنْدَكَ وَعِنْدَ حَرِيمِكَ، وَأَحْضَرَ الأُْمَرَاءُ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْحُلِيِّ الْحَرَامِ اتِّخَاذُهُ، وَضَرَبْتَهُ سِكَّةً وَنَقْدًا، وَفَرَّقْتَهُ فِي الْجَيْشِ وَلَمْ يَقُمْ
(1) الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 252 - 253.
(2)
الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 253، والأحكام السلطانية للماوردي ص 215 (ط. مصطفى البابي الحلبي) وتحرير الكلام في تدبير أهل الإسلام لابن جماعه (ط. قطر) ص 150، 151.
بِكِفَايَتِهِمْ، ذَلِكَ الْوَقْتَ اطْلُبِ الْقَرْضَ، وَأَمَّا قَبْل ذَلِكَ فَلَا (1) .
هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِاسْتِقْرَاضِ الإِْمَامِ عَلَى بَيْتِ الْمَال لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، أَمَّا اسْتِقْرَاضُهُ عَلَيْهِ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي بَابِ اللَّقِيطِ عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَال إِذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ تَعَذَّرَ أَخْذُ نَفَقَتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَال - بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَال شَيْءٌ أَوْ كَانَ مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ - اقْتَرَضَ الْحَاكِمُ عَلَى بَيْتِ الْمَال مِقْدَارَ نَفَقَتِهِ (2) .
13 -
أَمَّا الاِسْتِقْرَاضُ عَلَى الْوَقْفِ، فَهُوَ جَائِزٌ لِدَاعِي الْمَصْلَحَةِ، قَال الْبُهُوتِيُّ الْحَنْبَلِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الدَّيْنَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِل يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْمُقْتَرِضِ وَبِهَذِهِ الْجِهَاتِ، كَتَعَلُّقِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي، فَلَا يَلْزَمُ الْمُقْتَرِضَ الْوَفَاءُ مِنْ مَالِهِ، بَل مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ وَمَا يَحْدُثُ لِبَيْتِ الْمَال، أَوْ يُقَال: لَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ رَأْسًا (3) ، أَيْ بِذِمَّةِ الْمُقْتَرِضِ.
غَيْرَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي شُرُوطِ الاِقْتِرَاضِ عَلَى الْوَقْفِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
(أَحَدُهَا) لِلْحَنَفِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الاِقْتِرَاضُ عَلَى الْوَقْفِ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِ
(1) طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 8 / 215، وطبقات المفسرين للداودي 1 / 316.
(2)
تحفة المحتاج 6 / 348، وكشاف القناع 4 / 252، وشرح منتهى الإرادات 2 / 482.
(3)
كشاف القناع 3 / 300، وشرح منتهى الإرادات 2 / 225.