الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإِْيثَارُ بِالْقُرَبِ:
12 -
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: فِي حَاشِيَةِ الأَْشْبَاهِ لِلْحَمَوِيِّ عَنِ الْمُضْمِرَاتِ عَنِ النِّصَابِ: وَإِنْ سَبَقَ أَحَدٌ إِلَى الصَّفِّ الأَْوَّل فَدَخَل رَجُلٌ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا أَوْ أَهْل عِلْمٍ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَخَّرَ وَيُقَدِّمَهُ تَعْظِيمًا لَهُ. اهـ
فَهَذَا يُفِيدُ جَوَازَ الإِْيثَارِ بِالْقُرَبِ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَنَقَل الْعَلَاّمَةُ الْبِيرِيُّ فُرُوعًا تَدُل عَلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ، وَيَدُل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (1) ، وَمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ وَعَنْ يَسَارِهِ أَشْيَاخٌ، فَقَال لِلْغُلَامِ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ؟ فَقَال الْغُلَامُ: لَا وَاللَّهِ، لَا أُوثِرَ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا، قَال: فَتَلَّهُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَدِهِ (2) ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ مُقْتَضَى طَلَبِ الإِْذْنِ مَشْرُوعِيَّةُ ذَلِكَ بِلَا كَرَاهَةٍ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ أَفْضَل مِنْهُ. أهـ.
أَقُول: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إِذَا عَارَضَ تِلْكَ الْقُرْبَةَ مَا هُوَ أَفْضَل مِنْهَا، كَاحْتِرَامِ أَهْل الْعِلْمِ وَالأَْشْيَاخِ كَمَا أَفَادَهُ الْفَرْعُ السَّابِقُ وَالْحَدِيثُ. . .، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَل عَلَيْهِ مَا فِي النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ ذَكَرُوا
(1) سورة الحشر / 9.
(2)
حديث: " أنه عليه الصلاة والسلام أتى بشراب. . . " أخرجه مسلم (3 / 1604) .
أَنَّ الإِْيثَارَ بِالْقُرَبِ مَكْرُوهٌ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الصَّفِّ الأَْوَّل فَلَمَّا أُقِيمَتْ آثَرَ بِهِ، وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ (1) .
وَقَال السُّيُوطِيُّ: الإِْيثَارُ فِي الْقُرَبِ مَكْرُوهٌ، وَفِي غَيْرِهَا مَحْبُوبٌ، قَال تَعَالَى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (2) .
قَال الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا إِيثَارَ فِي الْقُرُبَاتِ، فَلَا إِيثَارَ بِمَاءِ الطَّهَارَةِ، وَلَا بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَلَا بِالصَّفِّ الأَْوَّل؛ لأَِنَّ الْغَرَضَ بِالْعِبَادَاتِ التَّعْظِيمُ وَالإِْجْلَال، فَمَنْ آثَرَ بِهِ فَقَدْ تَرَكَ إِجْلَال الإِْلَهِ وَتَعْظِيمَهُ.
وَقَال الإِْمَامُ: لَوْ دَخَل الْوَقْتُ - وَمَعَهُ مَاءٌ يَتَوَضَّأُ بِهِ - فَوَهَبَهُ لِغَيْرِهِ لِيَتَوَضَّأَ بِهِ لَمْ يَجُزْ، لَا أَعْرِفُ فِيهِ خِلَافًا؛ لأَِنَّ الإِْيثَارَ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالنُّفُوسِ، لَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُرَبِ وَالْعِبَادَاتِ.
وَقَال النَّوَوِيُّ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ: لَا يُقَامُ أَحَدٌ مِنْ مَجْلِسِهِ لِيُجْلَسَ فِي مَوْضِعِهِ. فَإِنْ قَامَ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يُكْرَهْ، فَإِنِ انْتَقَل إِلَى أَبْعَدَ مِنَ الإِْمَامِ كُرِهَ، قَال أَصْحَابُنَا: لأَِنَّهُ آثَرَ بِالْقُرْبَةِ.
وَقَال الْقَرَافِيُّ: مَنْ دَخَل عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ، وَمَعَهُ مَا يَكْفِيهِ لِطَهَارَتِهِ، وَهُنَاكَ مَنْ يَحْتَاجُهُ لِلطَّهَارَةِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ الإِْيثَارُ، وَلَوْ أَرَادَ
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 382 - 383.
(2)
سورة الحشر / 9.