الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ (1) .
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ إِشْرَاعُ جَنَاحٍ فِيهِ، مَهْمَا كَانَ ارْتِفَاعُهُ إِلَاّ بِرِضَا سَائِرِ الشُّرَكَاءِ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ رَأْيٌ بِالْجَوَازِ، بِشَرِيطَةِ عَدَمِ الضَّرَرِ بِحَجْبِ ضَوْءٍ أَوْ تَعْوِيقِ رَاكِبٍ مَثَلاً، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالأَْشْبَهُ بِمَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ (2) .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الْعُلُوُّ وَالسُّفْل:
50 -
الْعُلُوُّ وَالسُّفْل لِبَيْتٍ وَاحِدٍ أَوْ لِبَيْتَيْنِ، أَوْ مَنْزِلَيْنِ مُتَلَاصِقَيْنِ، فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ، وَتَصْوِيرُهُ فِي حَالَةِ التَّعَدُّدِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الأَْمْرَيْنِ (الْعُلُوِّ وَالسُّفْل) مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ وَالآْخَرُ لِثَالِثٍ (3) .
وَهَل الْعُلُوُّ وَالسُّفْل جِنْسٌ (نَوْعٌ) وَاحِدٌ مُتَّحِدُ الصِّفَةِ فَيُقْسَمَانِ قِسْمَةَ جَمْعٍ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ، لَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ: أَيْ أَنَّهُمَا يُقْسَمَانِ بِالذَّرْعِ وَالْمِسَاحَةِ، وَالْقَسْمُ فِي السَّاحَةِ مِنَ السَّطْحِ أَوِ الأَْرْضِ لَا فِي الْبِنَاءِ، أَمْ هُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ مُخْتَلِفُ الصِّفَةِ، فَلَا يُمْكِنُ تَعْدِيل قِسْمَتِهِمَا قِسْمَةَ جَمْعٍ، إِلَاّ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ؟
بِالأَْوَّل قَال أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ، وَبِالثَّانِي قَال مُحَمَّدٌ، وَمَحَل النِّزَاعِ إِنَّمَا هُوَ فِي
(1) قواعد ابن رجب 202، حواشي الخرشي 4 / 277.
(2)
الخرشي 4 / 278، منهاج الطالبين بتعليق السراج 235، دليل الطالب 118.
(3)
العناية بهامش تكملة فتح القدير 8 / 366.
قِسْمَةِ الإِْجْبَارِ، لَا فِي قِسْمَةِ التَّرَاضِي، إِذْ لِلْمُتَقَاسِمِينَ أَنْ يَتَرَاضَوْا عَلَى مَا شَاءُوا فِي مِثْل هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَجْهُ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ: أَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا هُوَ السُّكْنَى، وَلَا تَفَاوُتَ فِي أَصْل السُّكْنَى بَيْنَ عُلُوٍّ وَسُفْلٍ، فَلَا نُبَالِي بِتَفَاوُتِهِمَا فِي مَرَافِقَ أُخْرَى مِنْ مِثْل اسْتِنْشَاقِ الْهَوَاءِ، وَاتِّقَاءِ الْحَرِّ.
وَوَجْهُ قَوْل مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَجَاهُل الْمَرَافِقِ الأُْخْرَى لِتَأْثِيرِهَا الْبَالِغِ فِي قِيمَةِ الْعَيْنِ، وَإِلَاّ كَانَتْ قِسْمَةً جَائِرَةً، وَالتَّعْدِيل هُوَ أَسَاسُ قِسْمَةِ الإِْجْبَارِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ لِكُلٍّ مِنَ الْعُلُوِّ وَالسُّفْل مَرَافِقَهُ الْخَاصَّةَ، فَفِي الْوُسْعِ أَنْ يُتَّخَذَ فِي السُّفْل، دُونَ الْعُلُوِّ، بِئْرٌ أَوْ سِرْدَابٌ أَوْ إِصْطَبْلٌ، وَأَنْ يُتَّقَى فِي الْعُلُوِّ، دُونَ السُّفْل التَّأْثِيرُ الضَّارُّ لِلرُّطُوبَةِ عَلَى الْجُدْرَانِ وَأُسُسِهَا، وَأَنْ يُسْتَنْشَقَ الْهَوَاءُ فِي وَفْرَةٍ وَنَقَاءٍ، وَأَغْرَاضُ النَّاسِ إِذْ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَرَافِقُ، تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا بَعِيدَ الْمَدَى فِي كُل زَمَانٍ وَمَكَانٍ.
وَيَقُول الْقُدُورِيُّ: قُوِّمَ كُل وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ، وَقُسِمَ بِالْقِيمَةِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَيَقُول صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْل مُحَمَّدٍ (1) .
(1) تكملة فتح القدير 8 / 366.
وَبَعْدَ اتِّفَاقِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَى الْقِسْمَةِ بِالذَّرْعِ وَالْمِسَاحَةِ، دُونَ الْقِيمَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَا فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ بِالذَّرْعِ أَتَكُونُ ذِرَاعًا مِنَ السُّفْل بِذِرَاعٍ مِنَ الْعُلُوِّ؟ أَمْ ذِرَاعًا مِنَ السُّفْل بِذِرَاعَيْنِ مِنَ الْعُلُوِّ؟ بِالثَّانِي قَال أَبُو حَنِيفَةَ، وَبِالأَْوَّل قَال أَبُو يُوسُفَ.
أَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَجَرَى عَلَى أَصْلِهِ مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ السُّكْنَى، وَلَا تَفَاوُتَ فِيهَا؛ لأَِنَّ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى عُلُوِّهِ دُونَ رِضَاءِ صَاحِبِ السُّفْل أَوْ غَيْرِهِ، كَمَا أَنَّ لِصَاحِبِ السُّفْل أَنْ يَبْنِيَ عَلَى سُفْلِهِ دُونَ رِضَاءٍ مِنْ أَحَدٍ.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ صَاحِبَ الْعُلُوِّ لَيْسَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى عُلُوِّهِ إِلَاّ بِرِضَا صَاحِبِ السُّفْل، تَحَقَّقَ عِنْدَهُ تَفَاوُتٌ فِي الْمَقْصُودِ - وَهُوَ السُّكْنَى - عَلَى الْجُمْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ تَفَاوُتٌ فِي أَصْل السُّكْنَى، فَصَاحِبُ السُّفْل يَسْكُنُ - وَهَذِهِ مَنْفَعَةٌ - وَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ فَوْقَ سُفْلِهِ لِيَتَوَسَّعَ فِي السُّكْنَى كَمَا شَاءَ - وَهَذِهِ مَنْفَعَةٌ أُخْرَى - وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ إِلَاّ مَنْفَعَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ أَصْل السُّكْنَى، دُونَ التَّوَسُّعِ فِيهَا بِالْبِنَاءِ عَلَى عُلُوِّهِ، فَإِذَا كَانَ ثَمَّ مَنْفَعَةٌ وَاحِدَةٌ فِي مُقَابِل مَنْفَعَتَيْنِ كَانَتِ الْعَدَالَةُ أَنْ تَكُونَ الْقِسْمَةُ كَذَلِكَ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ؛ لأَِنَّ الثُّلُثَ مَعَ مَنْفَعَتَيْنِ يَعْدِل الثُّلُثَيْنِ مَعَ مَنْفَعَةٍ وَاحِدَةٍ.
فَإِذَا كَانَ سُفْلٌ مِنْ بَيْتٍ، وَعُلُوٌّ مِنْ بَيْتٍ آخَرَ، وَكَانَا بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهُمَا، يُقْسَمُ الْبِنَاءُ بِالْقِيمَةِ دُونَ نِزَاعٍ مِنْ أَحَدٍ، وَأَمَّا السَّاحَةُ (الْعَرْصَةُ) فَتُقْسَمُ بِالذَّرْعِ أَيِ الْمِسَاحَةِ، ذِرَاعًا مِنَ السُّفْل بِذِرَاعَيْنِ مِنَ الْعُلُوِّ، أَيْ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ عِنْدَ الإِْمَامِ، وَذِرَاعًا مِنَ السُّفْل بِذِرَاعٍ مِنَ الْعُلُوِّ، أَيْ عَلَى التَّسَاوِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقَوَّمَانِ وَيُقْسَمَانِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَلَا يَلْزَمُ التَّسَاوِي وَلَا التَّثْلِيثُ، فَإِنِ اسْتَوَيَا فِي الْقِيمَةِ قُسِمَا ذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا ضِعْفَ قِيمَةِ الآْخَرِ قُسِمَا ذِرَاعًا مِنَ الأَْعْلَى بِذِرَاعَيْنِ مِنَ الآْخَرِ أَيًّا مَا كَانَ.
فَإِذَا كَانَ بَيْتٌ تَامٌّ (سُفْلٌ وَعُلُوٌّ) ، وَعُلُوٌّ فَقَطْ مِنْ بَيْتٍ آخَرَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ يُقْسَمُ الْبِنَاءُ بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ تَكُونُ قِسْمَةُ السَّاحَةِ أَرْبَاعًا عِنْدَ الإِْمَامِ، إِذْ يُحْسَبُ كُل ذِرَاعٍ مِنَ الْبَيْتِ التَّامِّ بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ مِنَ الْعُلُوِّ وَحْدِهِ، وَتَكُونُ أَثْلَاثًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، إِذْ يُحْسَبُ ذِرَاعٌ مِنَ الْبَيْتِ التَّامِّ بِذِرَاعَيْنِ مِنَ الْعُلُوِّ فَقَطْ، وَتَكُونُ الْقِسْمَةُ عِنْدَ مُحَمَّدِ كَمَا تَقْتَضِيهِ قِسْمَةُ الْقِيمَةِ، دُونَ قُيُودٍ.
وَإِذَا كَانَ بَيْتٌ تَامٌّ (سُفْلٌ وَعُلُوٌّ) ، وَسُفْلٌ فَقَطْ مِنْ بَيْتٍ آخَرَ بَعْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ يُقْسَمُ الْبِنَاءُ بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ تَكُونُ قِسْمَةُ السَّاحَةِ عِنْدَ الإِْمَامِ عَلَى أَسَاسِ ذِرَاعٍ مِنَ