الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روجار الثانى حين استدعاه وتأليفه له-أو إهدائه إليه-كتابه المشهور فى الجغرافيا الذى مر حديثنا عنه ووضعه له خريطة العالم. ونتوقف قليلا للحديث عن
ابن الخياط
شاعر المديح فى زمن الكلبيين.
ابن (1) الخياط
شاعر من شعراء الكلبيين فى عهدهم الأخير، ولا نعرف شيئا عن نشأته كأكثر شعراء صقلية الإسلامية، ونراه يمدح من أمرائهم الأكحل الملقب بمؤيد الدولة (410 - 427 هـ) كما يمدح أخاه صمصام الدولة (427 - 431 هـ) وفى مدحهما معا يقول:
كلاهما زين أخوه به
…
كما يزين الفرقد الفرقد (2)
من تره منفردا منهما
…
فى مجلس قلت هو السّيّد
فهما فرقدان أو كوكبان لا يتميز أحدهما عن صاحبه وكل منهما عليه سيماء السيادة والشرف، وتراه حين شغبت صقلية على الأكحل فى سنة 427 يعزيه عن شغبهم بمثل قوله:
أرى كلّ شئ له دولة
…
لحكم التعاقب فيها عمل
فلا تفرحنّ ولا تحزننّ
…
لشئ إذا ما تناهى انتقل
فالدول لا تظل لأحد، بل تتعاقب كما يتعاقب الليل والنهار والحاكم العاقل لا يحزن إن عبس له القدر، كما لا يفرح له حين يبتسم، إذ لا شئ من عبوسه ولا من ابتسامه باق، بل الكل إلى زوال. ونراه يتعلق بمديح قائد من قواد الدولة كانت لقبته بلقب انتصار الدولة، ويصور شجاعته وبأسه فى الحروب منشدا:
ويا رب يوم له مسعر
…
إذا خمدت ناره أوقدا (3)
تخاف به الرّجل من أختها
…
ولا تأمن اليد فيه اليدا
ترى السّيف عريان من غمده
…
وتحسبه من دم مغمدا
فهو مسعر حرب بوقدها كلما خمدت أو خبت، ويكاد الخوف والفزع يخنقان محاربيه حتى لتتخوف الرجل من أختها واليد من شقيقتها لما يأخذ الناس من الهول، وترى السيف فتخاله
(1) انظر فى أشعار ابن الخياط شرح صديقه التجيبى القيروانى للمختار من شعر بشار، وراجع ترجمة إحسان عباس له فى كتابه: العرب فى صقلية ص 207.
(2)
الفرقد: نجم قريب من القطب الشمالى.
(3)
مسعر: موقد.
عريان من غمده بينما هو مغمد ومغمور من دم الأعداء. ويصور أحد أعدائه وقد أخذه الهلع من كل جانب:
ظنّ الإمارة ظلّة فإذا بها
…
حرب يكاد أوارها يتأجّج (1)
ومهنّدات كالعقائق ماؤها
…
مترقرق ولهيبها متأجّج
لا تستقرّ العين فوق متونها
…
فكأنما هى زئبق مترجرج
فى موطن سلب الحليم وقاره
…
فكأنما هو مستطار أهوج
فهذا الخارج ظن الإمارة ظلة يستظل بها ويستريح عندها فإذا هى نار حرب متأججة. وإذا السيوف يلمع عليها ما يشبه الماء بل ما يشبه النار المضطرمة، والعين لا تستطيع استقرارا فوق متونها لأنها زئبق مترجرج، فى ساحة حرب تسلب الحليم وقاره حتى ليغدو كأنه مستطار أهوج من شدة الهول والفزع. وتولى الحكم بعد الأكحل صمصام الدولة لمدة أربع سنوات وضاعت الجزيرة من يده ودخلت فى عصر أمراء الطوائف وأخذ ابن الخياط يعزى أمراء بنى أبى الحسين الكلبيين بمثل قوله:
ليسلكم أنّ الجزيرة بعدكم
…
كما قيل فى الأمثال لحم على وضم (2)
تركتم بقايا حسنكم فى خرابها
…
كما ذبل النّوّار فى خلل الحمم (3)
وجوه كأن الله قال لمائها
…
ترقرق حياء وامزج الحسن بالكرم
كأنهم فوق الأسرّة أنجم
…
سعود وفى الهيجا ضراغمة بهم (4)
فالجزيرة قد تعرّت بعد الكلبيين من بهجتها وأصبحت عارية من حسنها لحما على وضم، وإن شعبها لا يزال يكنّ لكم حبا وكأنى به ذبل كما يذبل النوار فى أثناء الحمم الملتهبة، ويقول ما أروع وجوه الكلبيين، لقد كان الحياء يترقرق فيها، وكان الحسن يمتزج بالكرم، وكانوا فوق الأسرة والعروش وبأيديهم صولجان الحكم كأنهم نجوم ساطعة فى السلم، وفى الهيجاء أسود لا يماثلها أسود. ولا نعرف شيئا عن مولد ابن الخياط ولا عن وفاته، ويبدو أنه عاش فى عصر أمراء الطوائف حتى زمن محمد بن الثمنة حاكم بلرم، غير أنه لم يلحق عصر روجّار وأبنائه، وربما كان قد ترك صقلية إلى القيروان قبل هذا التاريخ.
(1) أوارها: نارها.
(2)
لحم على وضم: الوضم: ما يوضع عليه اللحم. مثل للدلالة على أنه لم يعد لها واق.
(3)
الحمم: الفحم والرماد.
(4)
بهم، جمع بهمة: الشجاع.