الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفارس الذى إذا
…
أسرج كلّ شيظم (1)
وسلّ كلّ مرهف
…
وسلّ كل لهذم (2)
تراه إن صاح بهم
…
تحت وطيس قد حمى
تراكبوا من خوفه
…
بعضا على بعضهم
والأبيات تسيل عذوبة مع صور بديعة، فالعارض أو السحاب الذى يخلف صوب الديم والأمطار لا يزال يهطل بجانبه عارض جوده بغيثه المدرار، حتى ليفيض أنهارا من الحيا والغيث المتدافع لكل معدم، وحين يسرج كل فرس كأنه أسد ضخم، ويسل كل سيف حاد ولهذم قاطع ترى الأعداء حين يحمى وطيس الحرب ويصيح بهم يتراكبون بعضا على بعض فزعا منه ورعبا ما بعده رعب. والقصيدة تموج بمثل هذه الصور البديعة، مع ما تموج به من خفة فى الموسيقى حتى لكأنما تطير عن الفم طيرانا، مما يرتفع بالتراب السوسى إلى منزلة عليا فى عالم الشعر. وقد ظل الناس فى الإقليم التونسى يغرمون بإنشادها حتى أوائل القرن الثامن الهجرى، إذ يشهد التجانى بذلك فى رحلته قائلا إن أعراب زماننا قد أولعوا بإنشادها وكثرة تردادها حتى عصره.
ولعل فى ذلك ما يدل-من بعض الوجوه-على صحة ما زعمناه فى غير هذا الموضع من أن الفصحى كانت لا تزال تجرى فى ألسنة الناس-وخاصة من الأعراب-حتى هذا التاريخ.
ابن (3) عريبة
هو أبو عمرو عثمان بن عتيق المهدوى، من شعراء المهدية وفقهائها ومحدّثيها الأعلام، ولد سنة 600 وبها منشؤه ومرباه، وله كثير من المصنفات منها كتاب جوامع الكلم النبوية، وآثار السحابة فى أشعار الصحابة، وله ديوان سماه قصائد المدح ومصائد المنح، وكانت له فى أبى زكريا مؤسس الدولة الحفصية مدائح كثيرة، وقد استدعاه مع جماعة من خواصه وشعرائه لنزهة فى روضه المسمى بأبى فهر، فنظموا فى وصفه قصائد وقدموها إليه، وأجابهم عنها بأبيات تتضمن تفضيل قصيدة
ابن عريبة
على قصائد من حضره من الشعراء قائلا:
ألا إنّ مضمار القريض لممتدّ
…
به شعراء السّبق أربعة لدّ
فأما المجلّى فهو شاعر جمّة
…
أتى أوّلا والناس كلّهم بعد
وجمّة من قرى المهدية، وواضح أنه يريد بشاعرها ابن عريبة، وله شعر طريف فى
(1) الشيظم الطويل الضخم ويعنى به الفرس.
(2)
لهذم: سيف قاطع.
(3)
انظر فى ترجمة ابن عريبة الحلل السندسية 2/ 503 وما بعدها وكتاب الفارسية فى مبادئ الدولة الحفصية ص 113 ومجمل تاريخ الأدب التونسى ص 197.
التشوق إلى بلده، وهو ما جعله فى أثناء مدحه لأبى زكريا يطلب إليه أن يوليه قضاء بلدته جمة قائلا:
ذكرت جمّة والذّكرى تهيج أسى
…
وأين جمّة منّى والمنستير
وما مناى لياليها التى سلفت
…
وما هواى محانيها المعاطير (1)
لكن بها رحم مجفوّة يئست
…
من أن تقرّبنى منها المقادير
فإن رأى من أدام الله نعمته
…
عليه لى خطّة فيها فمأجور
وكأن ابن عريبة خيّر أبا زكريا بين قضاء جمة أو قضاء المنستير بالقرب منها، وعيّنه قاضيا بتبرسق وظل بها إلى وفاته سنة 659. ولما توفى أبو زكريا وتولى ابنه المستنصر نظم قصيدة رائعة جعل شطرها الأول عزاء فى أبى زكريا وشطرها الثانى تهنئة للمستنصر، وتمضى على هذه الشاكلة:
ولئن طوى بدر الإمارة مغرب
…
فلقد جلا شمس الخلافة مطلع
فأضاء بالمرحوم ذلكم الثّرى
…
وأنار بالمنصور ذاك المربع
بسطوا لسان الشكر فيمن بايعوا
…
وثنوا عنان الصّبر عمّن ودّعوا
ورأوا خلال محمد فتباشروا
…
وتذكّروا يحيى الرّضا فتفجّعوا
ويقول الرواة إنها قصيدة طويلة، ويدل ما ذكروه من أبياتها السالفة على مهارة ابن عريبة فى الجمع بين التعزية والتهنئة فى كل بيت من أبياتها. ولو وصلتنا القصيدة أو بعبارة أدق لو وصلنا ديوان ابن عريبة لاستطعنا أن نحكم على إبداعه الشعرى بصورة أكثر دقة، ومع ذلك فالأشعار التى أنشدها له الأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب تدل على موهبة شعرية فذّة، وإذا كان التّراب السّوسى يدل على خطأ حكم ابن خلدون فى أن الشعر التونسى توقف بعد ابن رشيق وابن شرف، فابن عريبة يدل بدوره على خطأ هذا الحكم.
عبد (2) الله التجانى
هو عبد الله بن محمد التجانى، من أسرة ظلت راعية للأدب والثقافة منذ عهد مؤسس الدولة الحفصية أبى زكريا إلى عهد أبى يحيى زكريا الذى اشتهر باسم ابن اللحيانى (711 - 717 هـ)
(1) محانيها: منعطفاتها.
(2)
انظر فى التجانى الحلل السندسية (راجع الفهرس) والقسم الثالث من كتاب الورقات للأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب ص 162 وكتابه المجمل فى تاريخ الأدب التونسى ص 212 وراجع الرحلة طبع تونس.
وقد ولد عبد الله حوالى سنة 670 هـ/1272 م ورعاه أبوه محمد خير رعاية، فأخذ ما عند أبيه وأسرته من الأدب والفقه، وانتظم مبكرا مثله فى ديوان الإنشاء وعرف بالبراعة فى الشعر والترسل، وكان طموحه أوسع من ذلك، فأخذ يختلف إلى حلقات الفقهاء والمحدثين من أهل تونس والطارئين عليها. وانعقدت صداقة وثقى بينه وبين أبى يحيى زكريا المشهور بابن اللحيانى كبير أمراء الدولة الحفصية، حتى إذا رأى هذا الأمير أن يقوم برحلة واسعة فى شرقى الإقليم التونسى وجنوبيه سنة 706 هـ/1307 م اصطحبه معه فى تلك الرحلة التى ظلت سنتين ونصفا، وفى نهايتها تجوّل معه فى الإقليم الطرابلسى، وأقام به التجانى مدة تحدثنا عنها فى طرابلس وعمن أخذ عنه صحيح البخارى ومسلم، وعاد إلى تونس وأخذ فى تأليف رحلته الطريفة، وفيها يتحدث عن البلدان التى زارها مع ابن اللحيانى جغرافيا ونباتيا وتاريخيا مع عرض أعلامها من الفقهاء والمحدثين وأصحاب العربية والشعراء الأفذاذ على مر العصور حتى عصره، ويذكر أن الأمير ابن اللحيانى فكر سنة فى الحج فجاءتهم الأنباء بمجاعة شديدة فى برقة، ويذكر أن ابن حسينة نظم قصيدة ينهاه فيها عن الحج حينئذ، وينشد مطلعها، ويقول إنها سقطت من ذاكرته، غير أن له قصيدة جعلها معارضة لقصيدته، وينشدها، وفيها يقول مادحا ابن اللحيانى:
مولى زهت الأيام به
…
وتحلّت من بعد العطل
شرف بالإرث تملّكه
…
فتنقّل أحسن منتقل
بأس كالنار إذا اضطرمت
…
وندى كالغيث المنهمل
يمضى الآراء مسدّدة
…
فى قول أنفذ أو عمل
فأقم للدين تجدّده
…
فى عزّ باق متّصل
فشروط الحج قد ارتفعت
…
لزوال القدرة والسّبل
والقصيدة طويلة، وهى تدل على قدرة ملكته الشعرية إذ يندفع فيها ولا يكاد يتوقف، ويقول لابن اللحيانى أقم فيكفى ما تقدمه للدين من خدمات، وقد ارتفع عنك الحج لفقد شرط الاستطاعة وأمن السبل. وتمتلئ الرحلة بأشعار يتبادلها مع أصدقائه وأبيه وأفراد أسرته، من ذلك محاولة الشاعر ابن حسينة أن يتبادل معه الشعر، فأجابه مادحا:
أمحرز كلّ منقبة حميدة
…
ومن لم نلف فى الدنيا نديده
أعنت على النّظام يحسن طبع
…
وأفكار مؤيّدة سديده
وتسألنى الجواب وإنّ فكرى
…
ليقصر عن مجاريك المديده
فمهّد لى على التقصير عذرا
…
وهوّن من مطالبك الشديده
ودم فى عزّة وبلوغ قصد
…
وسعد دائم وعلا جديده
وهو يعلى من شاعرية ابن حسينة ويجعله أكثر منه تفوقا فى عالم الشعر، ولم يكن ابن حسينة يقلّ عنه شاعرية وبراعة فيما يورد من أشعار له.
على (1) الغراب الصفاقسى
منشؤه ومرباه مدينة صفاقس فى القرن الثانى عشر الهجرى، وكان أبوه محمد فى ثراء ونعمة مما أتاح له الاختلاف إلى حلقات العلماء والأدباء فى بلدته والنّهل من ينابيع علمهم وأدبهم وانتقل إلى تونس، فحضر دروس علمائها المختلفين فى المنطق والفلك وأصول الفقه والفقه المالكى والحديث النبوى والبلاغة والعربية، ويقال إن أصل مجيئه إلى تونس قضية شرعية فى إرث أبيه وتعرف على رجالاتها: رجال الدواوين وساستها وقد وضع بين يدى ديوانه مقدمة طريفة ذكر فيها أنه كان فى بدء حياته (بصفاقس على ما يظن) لا يزال حين تفتحت موهبته الشعرية يتنقل بين الجد والمجون إظهارا لمقدرته، وكثير منها لم يكن مطابقا للواقع بل على حسب ما يقتضيه المقام من المفاكهات أو محاكاة للبلغاء فى بعض المطارحات. ويعود الغراب إلى ذكر ذلك فى مقدمته لديوانه لعلى الثانى بن الحسين وقد سماه «ديوان بهجة النفس والعين فى صفات الأمير على بن الحسين» . وكان اتصاله برجالات العصر من الساسة وكتبة الدواوين سلما طبيعيا لاتصاله بعلى الأول ابن الأمير محمد الذى استلب أولاد أخيه الحسين الحكم إلى أن استرده محمد الرشيد وإخوته بعد عشرين عاما بفضل جيش جزائرى نصرهم على عمهم، واستقر الحكم من حينئذ فى يد الأسرة الحسينية. وقد أسند على الأول إلى الشاعر خطة العدالة التى كان يرنو إليها، وله فيه ثلاث مدائح، أهمها مدحة رائية، وفيها يقول:
مليك له فضل ومجد وسؤدد
…
وكلّ مليك عن معاليه يقصر
له عفّة مقرونة بصيانة
…
عن الفحش فى أفعاله وتطهّر
إذا وقعت أسيافه فى عداته
…
رأيت رءوس المعتدين تطيّر
إذا رفع الأعلام فاجزم بفتحه
…
لما أمّ والجمع الصحيح يكسّر
(1) انظر فى ترجمة الغراب مقدمته العامة لديوانه والخاصة التى وضعها بين يدى ديوانه الثانى فى مدائح على باى بن الحسين وهو مضمّن فى ديوانه بتحقيق وتقديم محمد الهادى الطاهر المطوى وعمر ابن سالم (طبع تونس) وقد ضمّن الديوان رسائله ومقاماته، ومن الكتب التى اهتمت بالترجمة له كتاب عنوان الأريب عما نشأ بالمملكة التونسية من عالم أديب (طبع تونس) 2/ 32 وشجرة النور الزكية فى طبقات المالكية لمحمد مخلوف (طبع القاهرة) ومجمل تاريخ الأدب التونسى للأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب ص 239 وكتاب الأدب التونسى فى العهد الحسينى للهادى الغزى (طبع تونس) ص 91.
وإنما ذكرت البيت الأخير لأنه كان يتصنع أحيانا لقواعد النحو، فقد ذكر فيه الرفع والجزم والفتح والجمع الصحيح السالم والجمع المكسر، ولكن ذلك كله لم يفسد البيت عنده، وهو لا يكثر من مثل ذلك فى شعره، فقول من قال إنه كان يكثر من التورية فى شعره يريد مثل ذلك من التصنع لبعض مصطلحات العلوم وخاصة النحو وأنه يخرج بذلك عن الحد المحدود فيه مبالغة، إذ تتضح فى شعره قوة شاعريته وأنه يتدفق فيه رغم ما قد يتصنع له من المحسنات وخاصة الجناس، وله مدحة لم يخل منه بيتا من أبياتها وقد ذكر فى فاتحتها أن ذلك طلب منه.
والحق أنه يتميز بشاعرية خصبة، وديوانه الثانى أنشأه فى على بن الحسين وقد استولى على صولجان الحكم بعد أخيه الرشيد من سنة 1172 حتى سنة 1196 وكان سياسيا محنّكا وقرب الشاعر منه وعاش فى زمنه حتى توفى سنة 1183 هـ/1769 م وأهداه أكثر من ثلاثين مدحة مكونا بذلك هذا الديوان الثانى الذى قلنا آنفا إنه سماه:«ديوان بهجة النفس والعين فى صفات الأمير على بن الحسين» وله يقول فى بعض مديحه:
مليك إذا الآمال منك توجّهت
…
إليه فثق أنّ الإياب مغانم
بحلم وعدل خصّ، هذا لمن جنى
…
وهذا لجرح النائبات مراهم
له وثبات فى وغى الحرب تنثنى
…
-وتجبن عنهن-الكماة الضّراغم (1)
له عفّة لو أنها فى الورى سرت
…
لما علقت بالعالمين مآثم
إذا انبجست مزن السماء وكفّه
…
فذاك له كفّ وذلك ساجم
نعمنا به فى ظلّ عيش كأنما
…
بنا من جنان الخلد حفّت تمائم (2)
والقصيدة تتدفق برنات موسيقية بديعة، والألفاظ سلسة عذبة، والتقسيم فى البيت الثانى دقيق، فالعدل لمن جنى والحلم مرهم لجرح النائبات، وله وثبات فى وغى الحرب يتحاشاها ويحيد عنها الشجعان شجاعة ضارية، ويبالغ فى وصف عفته وأنها لو وزعت على العالمين ما كان فى الدنيا مآثم، ويقول إذا انفجر مزن السماء بالغيث وكفّه بالجود وتوقف المزن وكفّ فكفّه تظل هاطلة ولا تتوقف أبدا، ويذكر أنهم نعموا بالأمير على الثانى فى ظل عيش ناعم رافه، حتى لكأنما يعيشون معه فى جنان الخلد، وقد حفت معيشتهم بتمائم وتعويذات حتى لا تتبدل أبدا.
ولعل صوت على الغراب الصفاقسى اتضح لنا الآن، وهو صوت فيه غير قليل من جمال العبارة وحسن الصياغة وأحيانا مع المبالغة الشديدة.
(1) الكماة الضراغم: الشجعان الأسود.
(2)
تمائم: تعاويذ.
محمد (1) الورغىّ
هو محمد بن أحمد الورغى، نسبة إلى قبيلة ورغة التى كانت تنزل قرب مدينة الكاف فى الجنوب وقيل بل كانت تنزل على الحدود التونسية الجزائرية، ولا نعرف شيئا عن ميلاده ولا عن نشأته، ويبدو أنه التحق أولا بالكتاتيب، وحفظ فيها القرآن الكريم. ونفاجأ به فى جامع الزيتونة بتونس يدرس على شيوخه الفقه والتاريخ وعلوم الحديث والتفسير والكلام والمنطق وعلوم العربية والبلاغة، ويبدى من الذكاء ما جعله يجلس للتدريس بجامع الزيتونة. وجعلته نزعته الأدبية يختار العمل كاتبا فى ديوان الإنشاء لعهد الأمير على الأول، ونال فى عهده من الشهرة والجاه ما جعله كاتبه وشاعره الأول فلا يترك حادثا ولا عيدا إلا ويدبج فيه مدحة، وتدور الدنيا دورات وإذ أولاد أخيه حسين يستردون السلطان المفقود، ويجلس على أريكة الحكم محمد الرشيد لمدة ثلاث سنوات ثم أخوه الأمير على الثانى حتى سنة 1196 ويوشك نجمه أن يأفل منذ ولاية الرشيد سنة 1169 فيسجن ويعذب، وما يزال يبعث بمدائحه إلى أخيه الأمير على الثانى، ويتوسط له عند أخيه وترد إليه حريته، حتى إذا أصبح صولجان الحكم بيده قرّبه منه، ونظن ظنا أن لزوجته ابنة على الأول أثرا فى قربه منه وقرب على الغراب الصفاقسى كما مر بنا، مما جعله ينظمهما بين كتابه وشعرائه. وظل الورغى يحظى بجوائز على الثانى حتى وفاته سنة 1190 للهجرة. ومدائحه منقسمة بين على الأول وعلى الثانى، ومن بديع ما له من مديح فى على الأول قصيدته فى إيقاعه بقبيلة النمامشة حين نهبت ركب حجيج من فاس وألزمها برد كل ما نهبته، وله يقول:
هو العزّ فى سمر القنا والقواضب
…
وإلا فما تغنى صدور المراتب
وسيّان أغمار الرجال وصيدها
…
إذا لم يميّز فضلها بالتجارب (2)
هو الملك الداعى إلى الحق وحده
…
وإن كثرت أهل الدواعى الكواذب
ومن عرف الأيام قصّ غريبها
…
وفى قصص الباشا عيون الغرائب
ومن مثله يدعى لكشف ملمّة
…
إذا قال: وا غوثاه أهل المصائب
(1) انظر فى الورغى شجرة النور الزكية لمخلوف وعنوان الأريب لمحمد النيفر والجزء الثانى من تاريخ ابن أبى الضياف والورغى للحبيب ابن الخوجة ومجمل تاريخ الأدب التونسى للأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب ص 247 والأدب التونسى فى العهد الحسينى ص 149 وديوانه مطبوع بتونس.
(2)
أغمار الرجال: من ليس لهم خبرة من العامة. الصيد: السادة.
ترى الخيل فى آثارهم مستطيرة
…
سحائب حتف أردفت بسجائب
وما ارتفعت شمس الضحى قيد رمحهم
…
عن الأفق حتى أنشبوا فى المخالب (1)
والأبيات حماسية والورغى يقول فيها إن العز فى الرماح والسيوف ولا فضل بين شجاع وجبان إذا لم تميزهما التجارب فى وطيس الحرب، ويصف عليّا الأول بأنه يعيش للدفاع عن الحق وكشف الملمات عند أهل المصائب، ويقول إن خيل على الأول عصفت بأعدائه، وما زالت سحائب حتفها تعقبها سحائب حتف حتى دمرتهم، وما ارتفعت شمس الضحى قدر رمح حتى أنشبوا فى مخالب فرسانه كأن لم يكونوا شيئا مذكورا. وتختلف مدائحه فى على الثانى عنها فى على الأول فأكثرها استعطافات واعتذارات على شاكلة قوله:
يا أيّها الملك الذى نظر السّنا
…
فى وجهه الأسنى فقال موفّق
أنت الذى ينسى الغريب بقربه
…
أوطانه ويجود منه المملق
مالى أحاول شربة من عفوكم
…
فأذاد وهو على الورى يتدفّق
إن كان لى الذّنب العظيم فحلمكم
…
يبلى به ذاك العظيم ويمحق
قالت قتيلة للرسول «وربما
…
منّ الفتى وهو المغيظ المحنّق»
والقصيدة من نفس الوزن والقافية اللذين اختارتهما قتيلة لبكاء أبيها النضر بن الحارث ومقتل رسول الله له بعد غزوة بدر بالصفراء، ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع شعرها قال:
أما إنّي لو سمعت هذا قبل مقتله لم أقتله، وتمثل الورغى فى البيت الأخير بجزء مؤثر من بيت لقتيلة، وكماله:
ما كان ضرّك لو مننت وربّما
…
منّ الفتى وهو المغيظ المحنق
وكأنه يلفت عليا الثانى إلى مدى تأثر الرسول باستعطاف قتيلة، وهو يتخذ وزن قصيدتها وقافيتها وسيلة إلى قلبه، ويتأثر ببعض معانيها، وله قصيدة فى مديح على الثانى تسيل عذوبة وسلاسة بدأها بقوله:
حاجة المدح لحلو الغزل
…
حاجة الصبّ لأولى القبل
حتى إذا استوفى الغزل فيها أخذ يمدحه بانتصاره على بعض الثائرين مسبغا عليه كثيرا من الشمائل مبالغا مبالغات مفرطة. وكان لا يقل عن على الغراب الصفاقسى متانة أسلوب ورصانة صياغة وجزالة ألفاظ، ولم يستكثر مثله فى شعره من مصطلحات العلوم ومحسنات البديع.
(1) قيد: قدر.