الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انتظار نجدة من العباسيين، ووافاه الأجل بمدينة الرملة فى فلسطين. وهكذا انتهت فى إفريقية التونسية دولة الأغالبة التى استطاعت فى نحو مائة عام أن تنهض بها نهضة حضارية ثقافية كبرى، كما استطاعت أن تكوّن لإفريقية وللعرب أكبر أسطول فى البحر المتوسط لزمنها، ومن أعمالها المجيدة فتح صقلية ومالطة وتعريبهما ونشر الإسلام بهما آمادا طويلة إلى أن استولى عليهما النورمان.
4 - الدولة العبيدية-الدولة الصنهاجية-الهجرة الأعرابية
(أ) الدولة (1) العبيدية
كان أبو عبد الله الصنعانى قد تعرف على جماعة من قبيلة كتامة الجزائرية فى الحج وقدم معهم إلى ديارهم، وكان لسنا جدلا، فأعجب من اجتمعوا حوله من هذه القبيلة، ولما اطمأن لهم أخذ يعلن بينهم أن آل البيت هم الأحق بإمامة المسلمين وخلافتهم، ودعا للرّضا المعصوم المستتر منهم صاحب الزمان، وأخذ المستجيبون له يتكاثرون ودخلت كتامة فى دعوته وطاعته فأخذ ينظمها تنظيما عسكريا، وزحف بها-كما أسلفنا-إلى إفريقية التونسية وهزم جيش الأغالبة فى الأربس، وتقدم إلى القيروان ودخلها بجنوده واستولى على دواوينها وخزائنها، وكان قد أرسل إلى عبيد الله المهدى إمامه يستقدمه من سلمية فى سوريا مقر الدعوة الإسماعيلية. وخوفا من ولاة العباسيين اتجه به رفاقه إلى سجلماسة مركز الصفرية فى المغرب الأقصى فسجنه صاحبها، وخلصه أبو عبد الله الصنعانى، وقدم به إلى القيروان سنة 297 هـ/909 م وسلّمه مقاليد الحكم.
وسمى المؤرخون دولته باسم الدولة العبيدية تمييزا لها فى إفريقية من دولة أحفاده بمصر التى لقبوها باسم الدولة الفاطمية. وبايع أهل القيروان عبيد الله وتلقب بأمير المؤمنين. ويبدو أنه أحسّ فى أبى عبد الله الصنعانى ندمه على ما أولاه من الخلافة والملك فبادر إلى سفك دمه على نحو ما صنع قديما المنصور العباسى بأبى مسلم الخراسانى داعيتهم، وبين المؤرخين خلاف فى نسب عبيد الله المهدى إلى البيت الفاطمى وهل هو على حقيقة أو غير علوى، وصحح نسبه
(1) انظر فى الدولة العبيدية بتونس البيان المغرب لابن عذارى ومعالم الإيمان للدباغ وابن ناجى والقسم الثالث من كتاب أعمال الأعلام لابن الخطيب وسيرة الأستاذ جوذر والحلة السيراء لابن الأبار وتاريخ ابن الأثير وابن خلدون والمؤنس فى أخبار إفريقية وتونس لابن أبى دينار وخلاصة تاريخ تونس لحسن حسنى عبد الوهاب.
ابن خلدون. وأخذ يصرف الأمور فى الدولة، وقرب منه قبيلة صنهاجة الجزائرية وأرسل زعيمها مصالة على رأس جيش إلى المغربين الأوسط والأقصى واستطاع الاستيلاء على مدينة فاس من الأدارسة الحسنيين. وأخذ دعاته يحاولون إقناع فقهاء السنة بمبادئ الدعوة الفاطمية وعقدوا لذلك مجالس تجرّد لهم فيها كبار الفقهاء فى القيروان وناظروهم مناظرات حامية مبيّنين ما فى الدعوة العبيدية الإسماعيلية من مبادئ تخالف الإسلام من مثل تقديس الخليفة العبيدى وادّعاء أنه الصورة المجسّدة لله فى الأرض وأنه معصوم وأنه يعلم الغيب إلى غير ذلك مما كان يزعمه دعاة عبيد الله المهدى، وشعر أن القيروان ليست-بفقهائها وشيوخها-دار أمن له ولأسرته، فرأى أن يختار موضعا على الساحل لمدينة جديدة له، واختار رأسا بارزا بين سوسة وصفاقس، وأخذ منذ سنة 303 يؤسسها، وتم له تأسيسها سنة 308 هـ/920 م وسماها المهدية نسبة إليه ونقل إليها آله وجنده ودواوينه وأمواله واتخذها مقر حكمه. وكانت قد عصت عليه صقلية فردها إلى طاعته وولّى عليها أحد عماله، كما كانت قد عصت عليه طرابلس وشبت بها ثورة إباضية، فردّها ابنه وولىّ عهده القائم إلى الطاعة وأغرمها ثلاثمائة ألف دينار، ومضى القائم فى حملة إلى الإسكندرية والفيوم وعاد دون طائل، وفى سنة 315 خرج القائم إلى المغرب الأوسط وبنى مدينة المحمدية (المسيلة). وتوفى عبيد الله المهدى سنة 322 هـ/933 م وخلفه ابنه القائم، واهتم-مثل أبيه-بالأسطول وبعث على بعض قطعه وسفنه يعقوب بن إسحاق فغزا جنوة وكرسيكا وسردانيه، وعاد بغنائم وافرة، وثار عليه سنة 326 هـ/933 م أبو يزيد مخلد بن كيداد الزناتى من الصّفرية النّكّاريّة الذين يستحلون سفك الدماء، وتبعه خلق كثير، وفى سنة 333 هـ/944 م زحف إلى إفريقية التونسية، واستولى على تبسة والأربس وباجة وتونس ورقادة بجوار القيروان وعلى القيروان نفسها وحاصر المهدية واستولى على سوسة، وتوفى القائم فى أثناء ذلك سنة 334 هـ/945 م وخلفه ابنه المنصور واستنجد بقبيلة صنهاجة، فجاءته وفكت عن المهدية الحصار، وأرسل أسطوله إلى سوسة ونصرها ضد أبى يزيد واستبيح معسكره نهبا وإحراقا واتجه إلى القيروان فمنعه أهلها من دخولها وظل المنصور يتعقبه، وظفر به فى أرض كتامة بالجزائر فى أول سنة 336 هـ/947 م. وأنشأ المنصور-ابتهاجا بانتصاره عليه-مدينة بالقرب من القيروان سنة 337 هـ/948 م سمّاها «المنصورية» . وولّى على صقلية ابن أبى الحسين الكلبى، وظلت إمارتها لعقبة حقبة طويلة. وتوفى سنة 341 هـ/952 م وخلفه ابنه المعز، وفى سنتى 347 و 348 دوّخ قائده جوهر الصقلى البلاد المغربية إلى المحيط، ودان له المغرب الأوسط (الجزائر) والأقصى. وبلغ المعز اضطراب أحوال مصر بعد موت كافور الإخشيدى ولانشغال بغداد عنها بما كان بها من الفتن، فأرسل إليها قائده جوهرا الصقلّى فى جيش جرار سنة 358 هـ/968 م فدخلها حتى الفسطاط دون مقاومة تذكر، وخطب جوهر فى الجامع العتيق جامع عمرو بن العاص بالفسطاط باسم المعز، وأقام بمصر الدعوة الفاطمية وأخذ فى بناء