المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 - [صقلية] - تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف - جـ ٩

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌1 - [ليبيا]

- ‌2 - [تونس]

- ‌3 - [صقلية]

- ‌القسم الأولليبيا

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 - الجغرافية

- ‌2 - التاريخ القديم

- ‌3 - من الفتح العربى إلى منتصف القرن الخامس الهجرى

- ‌4 - من الهجرة الأعرابية إلى منتصف القرن العاشر الهجرى

- ‌5 - فى العهد العثمانى

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع الليبى

- ‌1 - عناصر السكان

- ‌2 - المعيشة

- ‌3 - الدين

- ‌4 - الإباضية والشيعة

- ‌(ا) الإباضية

- ‌(ب) الشيعة: الدعوة العبيدية

- ‌5 - الزهد والتصوف

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌(أ) فاتحون وناشرون للإسلام

- ‌(ب) الكتاتيب

- ‌(ج) المساجد

- ‌(د) الرحلة فى طلب العلم والوافدون

- ‌(هـ) المدارس

- ‌(و) الزوايا

- ‌(ز) خمود فى الحركة العلمية

- ‌2 - علوم الأوائل-علوم اللغة والنحو والعروض

- ‌(أ) علوم الأوائل

- ‌(ب) علوم اللغة والنحو والعروض

- ‌3 - علوم القراءات والتفسير والحديث والفقه والكلام

- ‌4 - التاريخ

- ‌الفصل الرّابعالشعر والنثر

- ‌خليل بن إسحاق

- ‌(أ) فتح بن نوح الإباضى

- ‌(ب) ابن أبى الدنيا

- ‌(ج) ابن معمر

- ‌4 - الشعراء فى العهد العثمانى

- ‌5 - النّثر

- ‌القسم الثانىتونس

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 - الجغرافية

- ‌(ا) الفتح

- ‌(ب) بقية الولاة

- ‌(ج) الدولة الأغلبية

- ‌4 - الدولة العبيدية-الدولة الصنهاجية-الهجرة الأعرابية

- ‌(ب) الدولة الصنهاجية

- ‌ا دولة الموحدين

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع التونسى

- ‌2 - المعيشة

- ‌3 - الرّفة-المطعم والملبس-الأعياد-الموسيقى-المرأة

- ‌(ب) الأعياد

- ‌(ج) الموسيقى

- ‌(د) مكانة المرأة

- ‌4 - الدين

- ‌5 - الزهد والتصوف

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌1 - الحركة العلمية

- ‌(أ) فاتحون مجاهدون معلمون

- ‌(ب) النشأة العلمية

- ‌(ج) دور العلم: الكتاتيب-المساجد-جامعا عقبة والزيتونة-بيت الحكمة-الزوايا-المدارس

- ‌(د) المكتبات

- ‌3 - علوم اللغة والنحو والبلاغة والنقد

- ‌5 - التاريخ

- ‌الفصل الرّابعنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 - تعرب القطر التونسى

- ‌3 - أغراض الشعر والشعراء

- ‌شعراء المديح

- ‌ ابن رشيق

- ‌ التراب السوسى

- ‌ ابن عريبة

- ‌4 - شعراء الفخر والهجاء

- ‌5 - شعراء الغزل

- ‌ على الحصرى

- ‌ محمد ماضور

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 - شعراء الغربة والشكوى والعتاب

- ‌ ابن عبدون

- ‌ محمد بن أبى الحسين

- ‌2 - شعراء الطبيعة

- ‌ ابن أبى حديدة

- ‌أبو على بن إبراهيم

- ‌3 - شعراء الرثاء

- ‌(أ) رثاء الأفراد

- ‌(ب) رثاء المدن والدول

- ‌ابن شرف القيروانى

- ‌ محمد بن عبد السلام

- ‌4 - شعراء الوعظ والتصوف

- ‌(أ) شعراء الوعظ

- ‌ أحمد الصواف

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ محرز بن خلف

- ‌5 - شعراء المدائح النبوية

- ‌ ابن السماط المهدوى

- ‌الفصل السّادسالنثر وكتّابه

- ‌1 - الخطب والوصايا

- ‌2 - الرسائل الديوانية

- ‌3 - الرسائل الشخصية

- ‌4 - المقامات

- ‌ أبو اليسر الشيبانى

- ‌5 - كبار الكتاب

- ‌ ابن خلدون

- ‌القسم الثالثصقلّيّة

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 - الجغرافية

- ‌(أ) العهد العبيدى

- ‌(ب) عهد بنى أبى الحسين الكلبيين

- ‌5 - التاريخ النورمانى-أحوال المسلمين

- ‌(ب) أحوال المسلمين

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع الصقلى والثقافة

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 - نشاط الشعر

- ‌2 - شعراء المديح

- ‌ ابن الخياط

- ‌3 - شعراء الغزل

- ‌ البلّنوبى

- ‌4 - شعراء الفخر

- ‌5 - شعراء الوصف

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 - شعراء الرثاء

- ‌ محمد بن عيسى

- ‌2 - شعراء الزهد والوعظ

- ‌ ابن مكى

- ‌3 - شعراء التفجع والحنين واللوعة

- ‌ ابن حمديس

- ‌الفصل الخامسالنّثر وكتّابه

- ‌نشاط النثر

- ‌ ابن ظفر الصقلى

- ‌ أنباء نجباء الأبناء

- ‌سلوان المطاع فى عدوان الأتباع

- ‌خاتمة

- ‌[ليبيا]

- ‌[تونس]

- ‌[جزيرة صقلية]

الفصل: ‌3 - [صقلية]

الشّقراطسى وابن السماط المهدوى. ومع كل غرض من هذه الأغراض ما يوضح نشاط الشعراء فيه من الترجمة لنابهيهم وعرض روائع أشعارهم.

ونهض النثر مبكرا فى القيروان وتونس على لسان الولاة والقواد وتأسست الدواوين منذ القرن الأول الهجرى، ونهض أبو اليسر الشيبانى بالكتابة الديوانية لعهد الأغالبة نهضة عظيمة وكوّن فيها مدرسة، وأصبح لها فيها تقاليد متبعة، صوّرها القلقشندى فى صبح الأعشى، واحتفظ برسالة ديوانية فى العهد الحفصى بليغة بلاغة رائعة. وكثرت الرسائل الشخصية منذ القرن الثالث الهجرى بين استعطاف وعتاب ومديح وهجاء واستمناح وعزاء، وهى مسجوعة، ودخلها فى الحقب المتأخرة غير قليل من التكلف. ونلتقى ببعض مقامات، وهى لا تقوم على أديب متسول وحيله الكثيرة فى جذب السامعين وإثارة عطفهم، وإنما تقوم على موضوعات أدبية يراد بها إظهار التفنن فى الكتابة الأدبية. وترجمت لثلاثة من أهم الكتّاب، هم أبو اليسر الشيبانى رئيس ديوان الإنشاء فى عهد الأغالبة، وإبراهيم الحصرى صاحب زهر الآداب، وابن خلدون درة تونس الفريدة

‌3 - [صقلية]

وانتقلت إلى جزيرة صقلّية، فتحدثت عن جغرافيتها وتاريخها القديم وفتح إفريقية التونسية لها فى عهد زيادة الله الأغلبى سنة 212 هـ/827 م ونشر الدين الحنيف فيها ولغتها العربية وغزو الدولة الأغلبية فيها قلوريّة جنوبى إبطاليا واستمرار استيلائها عليها إلى نهاية أيام الدولة الأغلبية وفتحها لجزيرة مالطة سنة 255 هـ/868 م ونشرها للدين الحنيف فيها واللغة العربية، ولا تزال إلى اليوم تتكلم لكنة عربية تونسية ودخلت عليها تحريفات كثيرة بحكم طول الزمن وما وقع على لغة مالطة من تأثيرات. وولى للدولة العبيدية على صقلية ولاة حكموها حكما جائرا، إلى أن وليها الحسن بن أبى الحسين الكلبى سنة 336 هـ/947 م وظلت وراثية فى أبنائه، وحكموها فى القرن الرابع حكما سليما، واضطرب حكمهم، وساء سوءا شديدا فى القرن الخامس، فثارت صقلية عليهم، واستحالت إلى أمراء طوائف وبلدان، وتحارب ابن الثمنة أمير بلرم مع أمير قصريانة، وهزم فاستغاث بالنورمان حكام قلوريّة، فأغاثه ملكهم روجار الأول، وسرعان ما تحولت الاستعانة به إلى الاستيلاء على مدينة بلرم سنة 464 هـ/1072 م وما توافى سنة 484 هـ/1091 م حتى يكون قد استولى على جميع مدن صقلية. ويدور العام فيستولى على جزيرة مالطة سنة 485 هـ/1092 م. ورأى روجار أن شعب صقلية العربى أكثر حضارة ومدنية من شعبه مع تفوقه عليه فى شئون الزراعة والصناعة اليدوية، فأخذ يصانعه للإفادة منه وأخذ ما عنده مع التنكيل الغاشم به، وخفّف ابنه روجار الثانى وحفيده غليوم الأول

ص: 13

من هذا التنكيل البشع، غير أنه من الخطأ ما يقال من أنهما عاملا المسلمين فى صقلية معاملة عادلة سمحة فإن ذلك إن صدق على تعاملهما مع حاشيتهما المسلمة فى بلرم فإنه لا يصدق على معاملتهما العامة للمسلمين فى البلدان الأخرى على نحو ما يصور ذلك ابن جبير فى رحلته حين زار صقلية أيام غليوم الأول. واستحالت المعاملة السيئة إلى عسف لا يطاق حين استولى على الجزيرة أباطرة الألمان منذ سنة 591 هـ/1194 م واستغاث أهلها بالمستنصر الحفصى، فاتفق سنة 647 هـ/1249 م مع فردريك الثانى على إجلائهم إلى إفريقية التونسية، فجلوا عنها جميعا، وأجلى فردريك من كان بمالطة من المسلمين أو بعبارة أدق أجبرهم على الجلاء عنها إلى مدينة أمالفى (Amalfi) جنوبى إيطاليا.

وقد عامل المسلمون-طوال حكمهم لصقلية-أهلها المسيحيين معاملة سمحة كريمة أقصى ما تكون السماحة والكرم، فحافظوا لهم على كنائسهم وقوانينهم الدينية والمدنية. وكان بصقلية ثلاث ولايات كبيرة، ولكل ولاية مساعدون للوالى يسمون قوادا، كما كان لها قضاة عدول ومجموعة من الدواوين، من أهمها ديوان المحاسبة، وكانت صقلية تزخر بطيبات كثيرة من الرزق، فكان أهلها يعيشون فى رخاء واسع بفضل زروعها وصناعاتها الكثيرة، وانتقلت إليها صناعة الورق من القيروان ونقلتها عنها أوربا، مما أتاح لغوتنبرج اختراع الطباعة. ونلتقى فى صقلية بنفر من الزهاد أمثال القاضيين ميمون وابن أبى محرز وببعض من لهم ميول صوفية مثل أبى القاسم عبد الرحمن بن محمد البكرى.

وقد فتح النورمان صقلية العربية الإسلامية حربيا وفتحتهم حضاريا، إذ رأوا-هم وملوكهم-سمو العرب المسلمين الحضارى، فحاولوا-بكل ما وسعهم-الإفادة من حضارتهم، ونكّل روجار الأول بالمسلمين تنكيلا شديدا، واضطرته هذه الحضارة أن يدفع ابنه روجار الثانى إلى تعلم العربية والإكباب على ثقافتها وعلومها، وأخذ الرومان يفيدون من نظم المسلمين وتراتيبهم الإدارية فى الجزيرة، واتخذوا لأنفسهم دواوين على شاكلة الدواوين العربية، واندفع غليوم الأول مثل أبيه إلى إتقان العربية ومعرفة علومها ودفع النورمان معه إلى اقتباس العلوم والفنون وعناصر الحضارة الإسلامية فتحضروا بعد أن كانوا متبدين، وانغمسوا فى تلك الحضارة، ومع ذلك ظلوا يقسون على المسلمين ويحاولون بكل ما استطاعوا فتنتهم فى دينهم الحنيف وازداد الظلم والعسف فى عهد أباطرة الألمان، مما اضطر من بقى بصقلية من المسلمين إلى الجلاء عنها نهائيا.

ونقل العرب إلى صقلية الإسلامية ما كان بالقيروان من حركة علمية، فإذا الشباب فيها يكبّ على ما لدى علمائها من علوم دينية ولغوية، ويرحل منهم نفر إلى القيروان والمشرق للتزود من علمائهما، ويرحل إليهم كثير من علماء القيروان لتزويدهم بالعلوم والآداب ونشير

ص: 14

خاصة إلى رحلة ابن رشيق القيروانى بكتابه العمدة فى صناعة الشعر ونقده إلى صقلية، مما كان له أثر بعيد فى نهضتها الأدبية لعهد الكلبيين وبعدهم، وهاجر إليها كثير من شباب الأندلس وعلمائه للتعلم والتعليم، وبالمثل من علماء المشرق وأدبائه وكتب المشرق ودواوينه. ويقول ابن حوقل إنه كان فى مدينة بلرم وحدها أكثر من مائتى مسجد وثلاثمائة معلم، مما يدل على أنه كان بها نشاط علمى واسع، ومثلها بقية المدن. وكان نحو نصف سكانها المسيحيين فئتين: فئة تتكلم الإغريقية، وفئة تتكلم اللاتينية، وربما كان فى الفئتين من يتقن اللغتين جميعا، وكان فيهما من يتقن العربية، كما كان بين العرب من يتقن اللاتينية أو الإغريقية، وأهّل ذلك للاشتغال بترجمة بعض علوم الأوائل، ويدل على ذلك-من بعض الوجوه-أن الأمير إبراهيم الأغلبى مؤسس بيت الحكمة فى عاصمته رقّادة بجوار القيروان طلب إلى بعض الرهبان الصقليين المتكلمين بالعربية ترجمة بعض المصنفات اللاتينية فى العلوم الرياضية، كما يدل عليه طبيب صقلى يسمى أبا عبد الله كان يتقن الإغريقية ومعرفة أسماء العقاقير والأدوية رحل إلى الأندلس فى زمن عبد الرحمن الناصر (300 - 350 هـ) فضمه إلى من يشتغلون بالترجمة عن الإغريقية إلى العربية كتاب ديوسقيريدس فى الأدوية أو الصيدلة والنباتات، ومما يدل على شهرة صقلية حينئذ بالفلسفة وعلوم الأوائل أن نجد بعض متفلسفة الأندلس يهاجرون إليها. وكان بها علماء رياضيون متعددون ومهندسون كبار بشهادة عماراتها السامقة ومن تتردد أسماؤهم منهم فى الكتب. ورحل إليها غير لغوى من الأندلس ومن أشهر أبنائها ابن البرّ وقد أسس بها مدرسة لغوية خصبة، ومن أهم تلاميذه ابن مكى صاحب كتاب تثقيف اللسان فى أغلاط العلماء وغيرهم، وهاجرت إلى صقلية دواوين كثيرة على يده ويد غيره كما هاجرت إليها كتب لغوية وبلاغية ونقدية كثيرة. ونلتقى بغير مقرئ للذكر الحكيم مثل محمد بن خراسان الصقلى وبغير مفسر مثل ابن ظفر وغير حافظ محدّث مثل عتيق السمنطارى. ويتكاثر بها الفقهاء من قضاة وغير قضاة، ومن أهم فقهائها البراذعي ومحمد بن يونس التميمى وعبد الحق بن محمد القرشى.

وإذا تحولنا مع الثقافة إلى العهد النورمانى وجدنا علوم الأوائل تظل ناشطة فى صقلية ويعنى روجار الأول بترجمة الثقافة العربية ويتكفل بترجمة عيونها إلى اللاتينية القيروانية فى الطب والفلك وغيرهما قسطنطين الإفريقى، واشتهرت صقلية فى هذا العهد بفلكيين ورياضيين ومهندسين كبار من تلامذة الأساتذة فى العهد الإسلامى، وألّف الإدريسى الجغرافى المغربى لروجار الثانى كتابين جغرافيين للعالم كبير وصغير وبهما خرائط جغرافية مهمة، ووضع له خريطة كبرى للعالم على كرة ضخمة من الفضة، وكان حريا بالإدريسى أن يقدم هذه الأعمال الجغرافية الباهرة إلى حاكم عربى لا إلى حاكم نورمانى. وتظل العلوم اللغوية ناشطة فى العهد النورمانى وتسجل كتب التراجم أسماء غير عالم منهم سوى من بارحوا صقلية فرارا من الظلم

ص: 15

النورمانى مثل ابن القطاع الصقلى وعثمان بن على الصقلى نزيلى مصر وقد رحبت هى وأدباؤها وعلماؤها بهم أيما ترحيب. ويهاجر منها فى العهد النورمانى إمام كبير من أئمة القراءات هو ابن الفحام إلى الإسكندرية ومفسر صقلى مهم هو ابن ظفر وفقيه كبير بل إمام من أئمة الفقهاء والحفاظ هو المازرى.

ويزدهر الشعر بصقلية منذ عهد الأسرة الكلبية فى القرن الرابع الهجرى، ولو أن كتاب الدرة الخطيرة لابن القطاع الذى ترجم فيه لمائة وسبعين شاعرا فى عهد الكلبيين وصلنا لرأينا بوضوح مدى ازدهار الشعر فى أيامهم، وكأنه كان ينافس بهم شعراء الأنموذج لابن رشيق الذى ترجم فيه لمائة شاعر. وقد وصلتنا منه اختيارات مبتورة لأبى إسحاق بن أغلب تشتمل على ثلاثة وأربعين شاعرا واختيارات أخرى لابن منجب الصيرفى المصرى تشتمل على تسعة عشر شاعرا وهى منشورة، وأهم من هاتين المجموعتين ما ضمنه العماد الأصبهانى فى كتابه الخريدة من اختيارات له من الدرة بلغت سبعة وأربعين شاعرا، وأضاف إلى مجموعته شاعرا من كتاب أمية ابن أبى الصلت من شعراء العهد الكلبى ثم ضم إليها اثنى عشر شاعرا فى العهد النورمانى اختارهم من كتاب لابن بشرون المهدوى يسمى المختار من النظم والنثر لأفاضل أهل العصر، وعرضت فى إجمال نشاط الشعراء فى عهد الأسرة الكلبية وأهم أمرائهم الذين التف حولهم شعراء صقلية والقيروان والجزائر. ثم تحدثت عن موضوعات الشعر الصقلى بادئا بالمديح وما نثره شعراء صقلية على الأمراء الكلبيين وعلى المعز بن باديس أمير القيروان وأمراء الطوائف من مدائح بديعة وما كان من تمجيد خلفاء هؤلاء الشعراء لملوك النورمان مكرهين إذ كانوا أسرى فى أيديهم فأشادوا بقصور روجّار الثانى: القبة والمنصورية والفوّارة، وكل ذلك-فى رأيى-على أمل أن يفكوا عنهم أغلال الأسر وقيوده، وترجمت لشاعر مهم من شعراء المديح فى عهد الكلبيين هو ابن الخياط. وعرضت طائفة من غزليات بديعة لشعراء صقلية فى عهد الكلبيين والعهد النورمانى، وترجمت لشاعر بارع فى نظم الغزل هو أبو الحسن البلّنوبى.

وتحدثت عن شعر الفخر فى عهد الكلبيين مع الترجمة لأبى الحسن الطوبى، وألممت بشعر الوصف وتصوير الشعراء الصقليين للطبيعة الفاتنة وللمغنين والراقصين وترجمت لأبى عبد الله بن الطوبى مع عرض تصاويره البديعة، وعرضت روائع الشعراء فى الرثاء مع الترجمة لمحمد بن عيسى ومراثيه وما أودع فيها من لظى نار متقدة، وألممت بما لشعراء صقلية من زهد فى متاع الحياة ومناجاة لربهم مع الأمل فى عفوه ومغفرته، يوم يؤخذ العاصون بالنواصى ويسأل كل شخص عما قدمته يداه، مع الترجمة لابن مكى ودعوته إلى العمل الصالح قبل الموت والعزلة عن الناس، بل حتى عن الزواج وتكوين الأسرة وما يصاحبه من عواصف. وآخر الموضوعات التى عرضتها التفجع والحنين واللوعة التى لا تنطفئ جذوتها أبدا فى نفوس المهاجرين من صقلية الذين لم يهاجروا منها طوعا، وإنما هاجروا قسرا وفرارا من جحيم ظلم

ص: 16

لا يطاق. وقد ترجمت لابن حمديس الذى عاش مغتربا عن وطنه، يتفجع عليه ويتوجع له ويئن ويحنّ حنينا ظامئا دائما إلى رؤية عشه وسكنه وكل يوم يأتيه ما يزيده يأسا من لقائه وحرمانا من رؤيته، وحاولت أن أرسم حياته منذ خرج من فردوسه فى الرابعة والعشرين من عمره سنة 471 هـ/1078 م إلى نهاية حياته غريبا فى بجاية، وهو فى أثناء ذلك يحاول أن يرسل إلى قومه فى صقلية شعلا من شعره تحمّسهم وتدفعهم دفعا إلى جهاد العدو الباغى. وتسقط فى أيدى النورمان سرقوسة مسقط رأسه وقصريانة بعد نضال مستميت امتد سنوات، ويودعهما بقصيد جنائزية تسيل حزنا وألما ويأسا مريرا، وظل يبكى صقلية طويلا ويبكى معها راعيه المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية حين نفاه يوسف بن تاشفين إلى أغمات فى مراكش، وتعاوده مرارا ذكرياته فى صقلية ويذرف الدمع عليها حارا، ويلمع له شئ من الأمل حين ينتصر الحسن بن على بن تميم أمير المهدية على النورمان سنة 517 هـ/1123 م فيصوب إليهم قذيفة ملتهبة من مدحة له.

وديوانه ضخم وليس فيه هجاء فقد كان أكرم على نفسه من أن يؤذى أحدا إلى وفاته سنة 527 هـ/1133 م ويكتظ الديوان بكثير من المعانى والأخيلة المبتكرة. وهو يعد فى الذروة الرفيعة من شعراء العرب قاطبة.

وتحدثت عن النثر فى صقلية وكتّابه البارعين، واحتفظ ابن بشرون المهدوى فيما عقد من ترجمات لبعض شعراء صقلية برسائل لهم بديعة، وترجم ابن بسام فى الذخيرة لكاتب بارع من كتابها قبل العصر النورمانى، هو ابن الصباغ، وأفردت له ترجمة، وبالمثل لابن ظفر وعرضت له كتابين بارعين هما: أبناء نجباء الأبناء، وسلوان المطاع فى عدوان الأتباع. وألحقت بالحديث عن صقلية كلمة عن رحلة ابن قلاقس الإسكندرى إليها وأشعاره فيها ومدائحه لأعيانها ولغليوم الثانى وبعض قواده من النورمان، وربما اضطر إلى ذلك اضطرارا، وله فى راعيه هناك أبى القاسم بن الحجر كتاب سماه:«الزهر الباسم» ضمنه مدائحه فيه. والله اسأل أن يلهمنى السداد والإخلاص فى القول والفكر والعمل وهو حسبى ونعم الوكيل.

شوقى ضيف

القاهرة فى 15 من أبريل سنة 1992 م

ص: 17