الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - من الهجرة الأعرابية إلى منتصف القرن العاشر الهجرى
هاجرت إلى ليبيا وإفريقية التونسية والمغرب الأوسط جموع أعرابية كبيرة من قبائل بنى سليم وبنى هلال كان القرامطة فى البحرين قد ضموها من نجد إلى جيش ضخم نازلوا به الفاطميين فى الشام ومصر، وما كادت تدخل فى الديار المصرية حتى انضمت إلى الجيش الفاطمى، مما كان سببا فى اندحار الجيش القرمطى وارتداده إلى البحرين، وقد نقلها العزيز بالله الفاطمى إلى الضفة الشرقية على النيل بالصعيد الأعلى، وظلت هناك مصدر قلاقل واضطرابات لأهل الريف الصعيدى، مما جعلها تتحول إلى مشكلة كبرى للحكم الفاطمى بمصر. ودار الزمن دورات وإذا الحاكم الصنهاجى الرابع المعز بن باديس (406 - 454 هـ) فى إفريقية التونسية والمغرب الأوسط يؤثر المذهب السنى مشايعة لشعبه المغربى ويقطع الدعوة الفاطمية الإسماعيلية منضويا تحت لواء الخليفة العباسى سنة 438 للهجرة، وامتلأ الخليفة الفاطمى المستنصر سخطا وموجدة عليه، ولكن ماذا يفعل وهو لا يملك من الجند والجيوش ما يستطيع به القضاء على المعز بن باديس، وانتهز الفرصة وزيره الحسن بن على اليازورى، فأشار عليه بإقطاع مشايخ بنى سليم وبنى هلال أعمال المعز بن باديس فى المغربين الأدنى والأوسط وهجرتهم إليهما مع قبيلتيهما، وقال له إنهم إن ظفروا بالمعز وقبيلته: صنهاجة تحققت أمنيته وصاروا أولياء للدولة وعمالا لها فى تلك الأنحاء القاصية مع زوال عيثهم وفسادهم عن أهل الصعيد بمصر، وإن هم لم يظفروا بالمعز نكن قد تخلصنا منهم، ودبّرنا له ما يقضى عليه. ووقعت المشورة من نفس المستنصر موقعا حسنا، واستدعى مشايخ القبيلتين وقال لهم:«قد أعطيتكم المغرب وملك المعز بن باديس الصنهاجى العبد الآبق فلا تفتقرون» وأغرى الشيوخ بجوائز كبيرة، وأمر لكل بدوى من القبيلتين ببعير ودينار. وانطلقت جموع بنى سليم وبنى هلال بفروعها (الأثبج وزغبة ورياح وجشم وعدى وربيعة والزواودة) سنة 443 للهجرة إلى برقة وانسابوا فيها بخيلهم ورجلهم ينهبون ويسلبون واستقرت فيها مجاميع من بنى سليم، وتقدمت بقية هذه القبيلة مع بنى هلال بفروعها إلى طرابلس وإفريقية التونسية، وكان يتولى قيادتها جميعا يحيى الرياحى شيخ بنى رياح الهلاليين، ولما استقرت جموع القبيلتين فى طرابلس انعقدت له الرياسة فيها وفى انتقالهم إلى إفريقية التونسية، ولا يعرف عدد من دخل المغرب من القبيلتين، ويرى بعض المؤرخين أنهم لم يكونوا يقلون عن خمسمائة ألف ويقول ابن خلدون إنهم كانوا يسيرون فى جموعهم كجراد منتشر لا يمرون على شئ إلا أتوا عليه، فهم يطلقون
قطعانهم من الإبل والغنم على الزروع وهم يخرّبون المنشآت والقصور ويقتلعون الأبواب ويقدمونها وقودا للنار. وحقا قد يكون ابن خلدون مسرفا فيما وصف به القبيلتين المذكورتين من النهب والسلب وتخريب العمران ولكن من الحق أيضا أن أعراب هاتين القبيلتين لم يكونوا مثل عرب الأجيال العربية الأولى الذين فتحوا بلدان الدولتين الساسانية والبيزنطية وأقاموا دولة الإسلام الكبرى المجيدة، إذ لم يكونوا جيوشا نظامية، وكانوا بدوا لا صلة لهم بالحضارة، ولم يكن لهم فى هجرتهم إلى المغرب لا هدف دينى ولا هدف قومى، كما كان الشأن فى فتوح العرب الإسلامية الكبرى وقد نازلهم المعز بن باديس فى مكان يسمى حيدران بالقرب من قابس ودارت عليه الدوائر ودخلوا القيروان سنة 446 ونهبوها وخرّبوها، واضطر أن ينسحب منها إلى المهدية عاصمة الفاطميين بالقرب منها وبها توفى سنة 454 للهجرة. وظل هؤلاء الأعراب سادة القسم الأكبر من إفريقية التونسية وسادة طرابلس إلى عهد الموحدين فى القرن السادس الهجرى.
وقد تحولت برقة منذ هجرة بنى سليم إليها فى أواسط القرن الخامس الهجرى من حياتها المستقرة فى المدن الشمالية والواحات الداخلية إلى مشيخات بدوية لبنى سليم واستحالت فى جميع أجزائها إلى مراع واسعة، وظل ذلك فترة طويلة نحو مائة عام، بل تزيد وكانت فى أثناء ذلك تدين بالولاء لمصر، وانشغل حكامها عنها بالحروب الصليبية وتزعزع هذا الولاء فى أواخر زمن الدولة الفاطمية لهذا السبب. ونرى صلاح الدين الأيوبى حين قضى على تلك الدولة يفكر فى برقة وفرض ولاء مصر عليها وعلى إفريقية التونسية، ويكلف بهذه المهمة ابن أخيه المظفر تقى الدين، فتستولى فرق أو كتائب من جيشه على أجزاء من برقة ويعهد إلى اثنين من قواده-ربما بمشورة صلاح الدين-بإتمام هذه المهمة، هما إبراهيم بن قراتكين وقراقوش، أما ابن قراتكين فتوغل فى أوائل العقد الثامن من القرن السادس فى ليبيا، ومضى حتى بلغ قفصة فى إفريقية التونسية، واتخذها مقرا له، واستقر بها إلى أن فتكت به دولة الموحدين المغربية سنة 583 ودخلت قفصة فى حوزتهم. وأما قراقوش فقد مضى إلى أوجلة فافتتحها، وتقدم إلى فزّان فاستولى على عاصمتها زويلة من بنى الخطاب واتجه إلى الشمال واستولى على طرابلس سنة 579 فترة وتقدم فاستولى على قابس، ومنه استردها الموحدون بعد استردادهم لقفصة من ابن قراتكين سنة 583 مما اضطره إلى إعلان طاعته لهم، غير أنه عاد إلى العيث والإفساد واضعا يده فى يدى ابنى غانية على ويحيى حين عاثا فى إفريقية التونسية ضد الموحدين، وبعد مغامرات شتى مع من انضم إليه من بنى سليم قتل سنة 609 للهجرة، وظلت برقة بعده موالية لمصر طوال العصر الأيوبى، واطرد ولاؤها فى زمن المماليك، ونرى الظاهر بيبرس سلطانهم (658 - 676 هـ) بطل موقعة عين جالوت ضد التتار الذى دفع سيولهم عن الشام إلى غير
رجعة يولى برقة اهتمامه منذ سنة 662 للهجرة ويولّى عليها شيخا حصيفا من بنى سليم هو عطاء الله بن عزاز، ويكل إليه جباية الزكاة من الإبل والأغنام وعشر الزروع والثمار. وحين غزا لويس التاسع تونس سنة 668 بعد إخفاقه المشهور فى غزو مصر وأسره فى دار ابن لقمان بالمنصورة أمر بيبرس ابن عزاز بإرسال نجدة سريعة إلى تلك المدينة، وأخفقت غزوة لويس التاسع لها، ومات مقهورا تحت أسوارها. وكانت بعض البلدان فى برقة تثور أحيانا على ابن عزاز، فكانت مصر تسارع إلى تأييده على نحو ما حدث فى طلميثة شمالى بنغازى وعودتها سريعا إلى الطاعة. وظل بنو عزاز يتولون برقة ويصرّفون شئونها ويشرفون على قبائلها إن لم يكن فيها جميعا ففى أكثر بلدانها وبواديها. وفى النصف الأول من القرن التاسع الهجرى نازعهم فيها عريف بن عمر وابنه. وتظل برقة موالية لمصر إلى أن استولى العثمانيون على القطر المصرى من أيدى المماليك سنة 923 للهجرة، وطبيعى أن يمدوا سلطانهم إلى برقة التى ظلّت تدين بالولاء طويلا لمصر، وظلت تستشعر هذا الولاء إلى أن ضمّها والى طرابلس العثمانى محمد الساقلى (1043 - 1059 هـ). إلى ولايته.
وتاريخ طرابلس ينفصل عن تاريخ برقة منذ انضمامها إلى إفريقية التونسية سنة 367 هـ/977 م فى عهد حكامها من بنى زيرى الصنهاجيين، وقد استقل بها بنو خزرون منذ أواخر القرن الرابع الهجرى إلى نحو سبعين عاما، وتكتسحها الهجرة الأعرابية الكبيرة لبنى هلال وبقايا بنى سليم، وتعانى من ذلك طويلا، وفى هذه الأثناء زالت السيادة العربية عن صقلية وسقطت فى حجر النورمان سنة 484 هـ/1092 م نهائيا، وحينئذ أخذت تتراءى فى الأفق نذر خطر جسيم على الساحل الإفريقى، فقد استولى النورمان على مالطة سنة 485 هـ/1093 م وأعلن روجار الثانى ملك صقلية الحرب الصليبية على الساحل الإفريقى سنة 537 هـ/1142 م وجهّز أسطولا يحاصر طرابلس وينقب سورها، غير أن أهلها ومن وراءهم من الأعراب ردوا الأسطول على أعقابه وغنموا أسلحته، ولم يلبث شيخ من شيوخ العرب هو أبو يحيى بن مطروح التميمى أن استخلص طرابلس لنفسه، ونازعه فى سيادتها وسلطانها بعض أهليها، ونشبت بينهما الحرب، وكان النورمان يعلمون ما صار إليه الشمال الإفريقى من ضعف الدولة الزيرية الصنهاجية وانزواء تميم بن المعز وأبنائه فى المهدية وأنحائها وما تبعهم من شريط ساحلى ضيق، به جزيرة جربة وصفاقس وقابس، ولم يلبث الأسطول النورمانى أن استولى على المهدية وجزيرة جربة وصفاقس سنة 543 هـ/1148 وعاد إلى طرابلس يريد الاستيلاء عليها، وبدلا من أن تغمد الفئتان المتنازعتان فى طرابلس أسلحتهما ويوجهاها إلى صدور أعدائهما الصليبيين ظلا يتحاربان ويقتتلان، وبذلك هيئ الفرصة لأعدائهما النورمان، فتسلقوا الأسوار، ودخلوا طرابلس وأمعنوا فى النهب والسلب والقتل وفرضوا على أهلها جزية يؤدونها لملك صقلية، وتركوا
حكمها فى يد أبى يحيى بن مطروح، فحكمها حكما شوريا، إذ ألّف لها مجلسا مكونا من عشرة شيوخ كانوا يعقدون اجتماعاتهم فى مسجد خارج المدينة للتشاور والتداول فى تدبير أمورها.
وظل النورمان الصقليون يحكمون طرابلس أكثر من عشر سنوات، ولاح لابن مطروح وأهلها نور قوة كاسحة فى المغرب الأقصى، هو نور دولة الموحدين التى أخذت تستولى على بلدان المغرب، فعظم الأمل فى نفوس الطرابلسيين أن تمد إليهم يد العون فى التخلص من حملة الصليب، وما توافى سنة 555 هـ/1160 م حتى يشتد بهم الغضب لأدائهم جزية لنصارى صقلية، وفى إحدى الليالى يهجمون على الحامية الصقلية، فيحرقون بيوتها بالنار حرقا، ويذبحونها عن آخرها ذبحا، حتى لا يفكر النورمان فى النزول بطرابلس ثانية. وينزل خليفة الموحدين عبد المؤمن بن على المهدية سنة 555 بعد طرد النورمان من ساحل إفريقية التونسية نهائيا، ويفد عليه ابن مطروح على رأس وفد من رجالات طرابلس، ويحتفى بهم، ويولى ابن مطروح حاكما على طرابلس من قبله، وما زال يتولاها حتى أدركته الشيخوخة، فرأى فى سنة 586 للهجرة أن يؤدى فريضة الحج فاستأذن أبا زيد بن أبى حفص والى تونس للموحدين، وأذن له واستقلّ سفينة، واضطرت فى طريقها إلى الإسكندرية أن تتوقف قبل الوصول إليها ورست فى موضع لا يزال ينسبه المصريون إليه هو:«مرسى مطروح» المدينة المعروفة الآن على الشاطئ المصرى. وتنبّه عبد المؤمن خليفة الموحدين للانتفاع بأعراب بنى سليم وبنى هلال فى جهاده لأعداء الدين الحنيف فى الأندلس، فكلّف القاضى ابن عمران بنظم قصيدة يستحث فيها بنى سليم للجهاد فى نصرة الإسلام كما نصره آباؤهم قديما، وصنع صنيعه ابنه يوسف حين اعتزم غزو نصارى الأندلس سنة 566 هـ/1170 م إذ طلب إلى صديقه ابن طفيل الفيلسوف الأندلسى المشهور أن يستنفر الأعراب بقصيدة حماسية، فنظم قصيدة تتأجج حماسة ملتهبة استهلّها بقوله:
أقيموا صدور الخيل نحو المغارب
…
لغزو الأعادى واقتناء الرغائب
وتأخر وفودهم على يوسف خليفة الموحدين، فأرسل إليهم ابن طفيل قصيدة ثانية، فلبّى يوسف كثيرون منهم انتظموا فى جيشه المتجه لغزو النّصارى فى الأندلس، وأكبر الظن أن ابنه يعقوب خليفة الموحدين بعده جنّد منهم كثيرين فى جيشه المظفّر الذى جاز به إلى الأندلس، وأوقع بالقشتاليين ومن كانوا معهم من نصارى الشمال وقعة الأرك المشهورة سنة 591 التى مزّق فيها أعداء الدين الحنيف كل ممزّق.
ومرّ فى حديثنا عن برقة أن المظفر تقىّ الدين ابن أخى صلاح الدين الأيوبى كان قد أرسل إلى ليبيا وإفريقية التونسية قائدين من قواده للاستيلاء عليهما، هما إبراهيم بن قراتكين وقراقوش وأن الأول استطاع الاستيلاء على قفصة بإفريقية التونسية إلى أن استولت عليها
دولة الموحدين سنة 583 هـ/1187 م وأن الثانى استطاع الاستيلاء على أوجلة وفزان، كما استولى على طرابلس فترة محدودة سنة 579 بعون بنى رياح وبنى دياب الهلاليين، واتجه غربا واستقر فى قابس بإفريقية التونسية، واستولى عليها منه الموحدون سنة 583 وفى هذه الأثناء كان على بن غانية صاحب ميورفة حفيد يوسف بن تاشفين يضطغن على دولة الموحدين إزالة ملك أسرة ابن تاشفين أصحاب دولة المرابطين من المغرب والأندلس، فرأى أن يقدم على أعراب طرابلس ويكوّن منهم جيشا لحرب الموحدين واسترداد ملك المرابطين، ووجد قراقوش يحاول دفع هؤلاء الأعراب للانتقاض على الموحدين، فوضع يده فى يد قراقوش مددا متطاولة مثيرين للقلاقل والاضطرابات فى المنطقة، وحين استولى الموحدون من قراقوش على قابس أعلن طاعته لهم مداراة ومكرا، ودار العام ففتك الموحدون بعلى بن غانية سنة 584 هـ/1188 م وكان يرافقه أخوه يحيى، فخلفه فى الشغب على الموحدين، واشتبك مع جنودهم فى معارك مختلفة، واشترك مع قراقوش فى الاستيلاء على طرابلس سنة 599 هـ/1202 م واختار يحيى بن غانية واليا عليها تاشفين بن غازى، ووالته قابس وصفاقس، وفسد ما بينه وبين قراقوش، فحاصره فى ودان جنوبى مدينة سرت حتى نفد زاده واضطر إلى الاستسلام وقتله وصلبه سنة 609 واسترد الموحدون طرابلس سنة 614 هـ/1217 م وأداروا مع يحيى بن غانية بالقرب من تونس سنة 621 معركة حامية الوطيس هزم فيها هزيمة ساحقة، وفر إلى الجنوب هاربا، وظل يتنقل بين الأعراب إلى أن توفى سنة 631 للهجرة. وظلت طرابلس-منذ استولى عليها الموحدون- تتبع حاكم تونس-وتطورت الظروف سريعا وأسس بتونس أبو زكريا الحفصى الدولة الحفصية سنة 625، وأخذ فى العمل على تأسيسها وعاشت قرونا متوالية حتى القرن العاشر الهجرى. وعاشت طرابلس فى إطار سيادتها وأخذت تسترد نشاطها الزراعى والتجارى، واشتهر من قضاتها الطرابلسيين فى أوائل هذا العصر أبو موسى عمران بن معمر الهوارى، وظل يقوم على القضاء العادل البصير بها حتى سنة 658 هـ/1259 م وطارت شهرة أحكامه وفتاويه إلى تونس وسلطانها المستنصر الحفصى فاستدعاه وأسند إليه القضاء فى عاصمته: تونس. وولى إفريقية التونسية بعد المستنصر ابنه الواثق يحيى سنة 674 هـ/1275 م وخلع سنة 678 للهجرة وتولاها عمه إبراهيم. وظهر-حينئذ-دعىّ من بجاية يسمى ابن أبى عمارة أحمد بن مرزوق طمح إلى الملك فترك مهنة الحياكة التى كان يمتهنها فى بلدته، ونزح إلى سجلماسة، وادّعى فى الأعراب هناك أنه المهدى المنتظر، وبايعه بعضهم، غير أنه شعر أن دعوته لن تنجح هناك، فتركهم، ونزل بين أعراب طرابلس، وادّعى أنه ابن الخليفة الواثق المخلوع وأن اسمه الفضل وبايعه كثيرون من بنى سليم على نصرته، ودانت له طرابلس وبعض البلدان فى غربى ليبيا وشرقى تونس وتقدم فاستولى على تونس سنة 681 وولى على طرابلس مرغم بن صابر من بنى سليم، وأسره الصقليون فى بعض غاراتهم سنة 682 للهجرة، وباعوه لملك أراجون البرشلوني.
ولم يلبث الخليفة الحفصى عمر بن أبى زكريا أن استرد ملك آبائه الحفصيين سنة 683 وأرسل إليه والى طرابلس محمد بن عيسى الهنتانى رسالة مذعنا فيها لطاعته. وفى سنة 688 أرسل ملك أراجون سنة 688 مع أسيره مرغم بن صابر حملة إلى طرابلس يريد الاستيلاء عليها وباءت بالفشل الذريع. ونزل بطرابلس سنة 708 أمير حفصى فى أثناء توجهه إلى أداء فريضة الحج هو أبو يحيى زكريا بن محمد اللحيانى وفى عودته سنة 709 أقام بها فترة جعلت أهلها يجلّونه ويقدرونه. وكان الحكم فى إفريقية التونسية قد ساء سوءا شديدا، إذ تولاه خليفتان اختلّت الدولة فى عهدهما اختلالا سيّئا. فتحدث كثيرون من أهل طرابلس إلى الأمير المذكور محرّضين له على تولّى مقاليد الخلافة بتونس حتى يصلح شئون الحكم بها وتعهدوا له بتأييده ونصرته، ونجحت الخطة، واحتل اللحيانى تونس سنة 711 هـ/1311 م وأخذت له فيها البيعة، وظل يلى شئونها ويصرف أمورها تصريفا حسنا لمدة ست سنوات، ونهض فى آخرها لمقاومته أمير قسنطينة بالجزائر وكأنما داخله اليأس من الانتصار عليه، فلجأ إلى طرابلس آملا أن يعود منها بجموع تنصره، وترك الحكم فى تونس لابنه محمد الملقب بأبى ضربة، وأخذ يكوّن فى طرابلس جيشا فتح به كثيرا من البلدان الليبية، غير أن أمير قسنطينة تغلب على ابنه أبى ضرية، وشعر أن وضعه فى طرابلس لم يعد آمنا، فرحل من طرابلس بحرا إلى الإسكندرية وحلّ بها ضيفا على السلطان قلاوون إلى أن توفّى، أما طرابلس فقد ترك الحكم فيها إلى صهره محمد بن عمران، وظل يلى شئونها إلى أن ثار عليه أهلها سنة 724 هـ/1323 م واختاروا بعده لحكمهم شخصا من أسرة طرابلسية نابهة هو ثابت بن محمد بن ثابت بن عمار، وبه تأسست دولة بنى عمار فى طرابلس من سنة 724 للهجرة إلى سنة 803 وظل الأميران الأولان من هذه الأسرة يسوسان طرابلس وإقليمها سياسة حسنة، ويقول ابن خلدون إن تجارا من جنوة كانوا يترددون على طرابلس ولاحظوا ضعف تحصيناتها لعهد أميرها الثالث من بنى عمار ثابت بن محمد بن ثابت وأغراهم ذلك بمهاجمتها، وتجمع أسطولهم فى مينائها، وانتشروا فى أسواقها يتظاهرون بأن غرضهم التجارة ومبادلة السلع وفى الليل أو فى إحدى الليالى سنة 756 هـ/1355 م تسلقوا أسوار طرابلس واستولوا عليها فى غفلة من أهلها، وفرّ ثابت أو حاول الفرار فى أثناء حصارهم لقصره بها، ورآه بعض الأعراب ممن يعادى قبيلته فقتله. وظل الجنويون بطرابلس نحو عام، ودفعت الحمية لأهلها وللدين الحنيف أبا العباس أحمد بن مكى حاكم قابس فى إفريقية التونسية إلى أن يفاوض قائد البحرية الجنوية لإخلائها والنزوح عنها فطلب لقاء ذلك خمسين ألف دينار ذهبا، فجمع ما عنده وأكمل ما بقى من أهل قابس والحامّة وبلاد الجريد، دفعوها له متحمسين، وأداها ابن مكى، وبارح الجنويون طرابلس بعد أن تركوا لهم فيها قنصلية ومستودعا لبيع سلعهم. وتولى شئونها ابن مكى حتى وفاته سنة 766 هـ/1364 م وخلفه عليها ابنه عبد الرحمن.
وكان أحد أبناء أسرة بنى عمار: أبو بكر بن محمد بن ثابت فرّ عنها-حين نزلها الجنويون-
إلى الإسكندرية، فعاد إليها سنة 772 هـ/1370 م فى أسطول، فحاصرها، وأعانه أهلها فى استيلائه عليها، حتى يتخلصوا من عبد الرحمن لسوء سيرته. ولما استولى عليها أبو بكر استسلم له عبد الرحمن، فأرسله مكرّما إلى بلدة قومه قابس، وظل أبو بكر يدبّر شئون طرابلس عشرين سنة. وخلفه عليها أخوه عمران حتى سنة 800 هـ/1397 م وأخذ أبناء الأسرة يحملون السلاح بعضهم ضد بعض، وحاول أحدهم وهو على بن عمار الاستعانة بملك صقلية المسيحى مما جعل السلطان الحفصى أبا فارس عبد العزيز يذهب إلى طرابلس بنفسه سنة 803 هـ/1400 م ويعزل عنها آخر ولاتها من بنى عمار: يحيى بن أبى بكر ويعيدها إلى حظيرة الدولة الحفصية ويولى عليها أحد قواده، وبذلك انتهت دولة بنى عمار فى طرابلس. وظل الولاة الحفصيون يلون شئونها فى القرن التاسع الهجرى، وكانوا يوجهون إليها أحيانا بعض حملات، وآخرها حملة أبى عمرو عثمان الحفصى سنة 863 وبلغ فيها تاجوراء شرقى طرابلس. وحين أخذت الدولة الحفصية فى الضعف أخذت طرابلس تحكم حكما ذاتيا بمجلس شورى يرأسه أحد الشيوخ النابهين، وكان آخرهم الشيخ عبد الله الذى رأس مجلسها وحكمها منذ سنة 898 هـ/1492 م إلى أن هاجمها الأسطول الإسبانى سنة 916 هـ/1510 م.
وكان يتولّى إسبانيا فرديناند الكاثوليكى الذى استولى على غرناطة من يد أبى عبد الله الصغير وأخرج العرب من الأندلس وقد سوّل له شيطانه أن يستأنف الحرب الصليبية بتعقبهم فى الساحل الإفريقى الذى نزلوا فيه، ولم يكن للدولة الزيانية فى الجزائر ولا للدولة الحفصية فى تونس وطرابلس أسطول يحمى الساحل الإفريقى، واستطاع أسطول فرديناند الاستيلاء على المرسى الكبير فى الجزائر سنة 910 هـ/1505 م وعلى وهران سنة 914 هـ/1508 م. وفى سنة 916 هـ/1510 م هاجم الأسطول الإسبانى طرابلس، واحتلها بعد مقاومة عنيفة من أبنائها استشهد فيها منهم كثيرون، وخرج منها أكثر سكانها إلى تاجوراء واتخذوها مركزا لمقاومة العدو الصليبى، وبذلك توقف كل ما كان بطرابلس من نشاط وتعطلت حركتها التجارية بينها وبين الإسكندرية والشرق وأيضا بينها وبين صقلية والبندقية وجنوة فى الغرب وساءت أحوال أهلها الاقتصادية، وفى سنة 936 هـ/1530 م سلم المدينة شارل الخامس ملك إسبانيا إلى فرسان مالطة المعروفين باسم القديس يوحنا، وظلت الأحوال فى طرابلس تزداد سوءا على سوء، وظل كثير من سكانها يغادرونها إلى مدينة تاجوراء مركز المقاومة.