الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النحو. ونلم بكتابيه البارعين فى الأدب وهما
أنباء نجباء الأبناء
، وسلوان المطاع فى عدوان الأتباع.
أنباء نجباء الأبناء
كتاب تربوى عرض فيه نجابة الصفوة من أبناء الأمة العربية فى حداثتهم، وأضاف إليهم بعض من عرفوا بنجابتهم فى الصغر من الفرس وزراء للعباسيين أو ملوكا فى القديم، واستهله بأخبار الفريدة اليتيمة المهداة إلى الأمة الإسلامية محمد صلى الله عليه وسلم وبعض ما ذكر عنه قبل بعثته، تيمنا بذكره العطر، ثم وزع الكتاب على أربعة أصناف ممن رويت الأخبار عن نجابتهم فى صغرهم، والصنف الأول عشرة ممن كرّمهم الله بصحابة رسوله، وهم أبو بكر الصديق وعلى بن أبى طالب والعباس عم الرسول والحسن والحسين حفيداه والنفس الزكية محمد بن على ومعاوية وعمرو بن العاص وعبد الله بن العباس وعبد الله بن جعفر الطيار وعبد الله بن الزبير، والصنف الثانى فى ذكر طائفة من أبناء الصحابة النجباء وغيرهم مثل عبد الملك بن مروان ويزيد بن المهلب والمأمون، والصنف الثالث للنجباء فى الصغر من الزهاد والمتصوفة، والصنف الرابع للنجباء من عرب الجاهلية فى الحداثة مثل لبيد ومن ملوك الفرس مثل بهرام جور.
ويقول ابن ظفر فى مقدمة الكتاب: «وبعد فهذا كتاب أودعته من أبناء نجباء الأبناء ما هو كشررة من ضرام (نار مضطرمة) بل كقطرة من رهام (غيث منهمر) لأنى قصدت به تلقيح همة غلام، وتنقيح فطنة كهام (بليد). فغرضه من الكتاب تعليمى، ليبعث الهمة فى الناشئة بما يعرض عليهم من همم نظرائهم، وليشحذ أذهانهم بما يعرض عليهم من فطن قرنائهم. وأيضا ليتخذوا من خلقهم وحسن سلوكهم أمثلة رفيعة يقتدون بها فى حياتهم، ونضرب لذلك مثلا بما ساقه فى الصنف الثانى مما يدل على نجابة الفضل وجعفر ابنى يحيى البرمكى ووزيرى هارون الرشيد فيما بعد. وعادة إذا كان الحديث عن شخص يجعل له عنوانا: درّة زين لقرّة عين، وإذا كان عن شخصين مثل الفضل وأخيه جعفر يجعل العنوان: درتازين لقرتى عين أى لمسرتى الأب والأم، ويذكر أن ابن صاحبة لأمهما سألها عن ابنيها أيهما يفضل صاحبه قائلا إن الناس يختلفون فيهما منهم من يقدم الفضل ومنهم من يقدم جعفرا، فقالت له: أحدثك عنهما واقض أنت.
«إنهما كانا يوما يلعبان فى دارى، فدخل أبوهما يحيى، فدعا بالغداء وأحضرهما، فطعما معه ثم آنسهما بحديثه، فقال لهما أتلعبان بالشطرنج، فقال جعفر وكان أجرأهما: نعم، قال فهل لا عبت أخاك بها قال جعفر: لا، قال: فالعبا بها بين يدى لأرى لمن الغلب، فقال جعفر:
نعم-وكان الفضل أبصر منه بها-فجئ بالشطرنج، فصفّت بينهما، وأقبل عليها جعفر، وأعرض عنها الفضل، فقال له أبوه: مالك لا تلاعب أخاك، فقال: لا أحب ذلك، فقال جعفر
إنه يرى أنه أعلم بها فيأنف من ملاعبتى، وأنا ألاعبه مخاطرة (قمارا) فقال الفضل: لا أفعل، فقال أبوه: لاعبه وأنا معك، فقال جعفر: رضيت، وأبى الفضل، واستعفى أباه فأعفاه. ثم قالت الأم للسائل: قد حدثتك عنهما فاقض، فقال: قد قضيت لجعفر بالفضل على أخيه، فقالت له:
لو علمت أنك لا تحسن القضاء ما حكّمتك أفلا ترى أن جعفرا قد سقط أربع سقطات تنزّه الفضل عنهن، فسقط حين اعترف على نفسه بأنه يلعب بالشطرنج وكان أبوه صاحب جدّ، وسقط على التزام ملاعبة أخيه وإظهار الشهوة لغلبه والتعرض لغضبه، وسقط فى طلب المقامرة وإظهار الحرص على مال أخيه. والرابعة قاصمة الظهر حين قال أبوه لأخيه: لاعبه وأنا معك، فقال أخوه: لا، وقال هو: نعم، فناصب (عادى) صفّا فيه أبوه وأخوه، فقال السائل [حين سمع منها ذلك] أحسنت والله. ثم قال لها: عزمت عليك أخبرينى هل خفى مثل هذا على جعفر وقد فطن له أخوه، فقالت له: لولا العزمة ما أخبرتك، إن إياهما لما خرج قلت للفضل خالية به:
ما منعك من إدخال السرور على أبيك بملاعبة أخيك؟ فقال أمران: أحدهما لو أنى لاعبته لغلبته فأخجلته، والثانى قول أبى: لاعبه وأنا معك، فما يسرنى أن يكون أبى معى على أخى. ثم خلوت بجعفر فقلت له: يسأل أبوك عن اللعب بالشطرنج فيصمت أخوك وتعترف، وأبوك صاحب جد، فقال: إنّي سمعت أبى يقول: نعم لهو البال المكدود، وقد علم ما نلقاه من كد التعلم والتأدب، ولم آمن أن يكون بلغه أنا نلعب بها، ولا أن يبادر فننكر، فبادرت بالإقرار إشفاقا على نفسى وعليه، وقلت إن كان توبيخ فديته من المواجهة به. فقلت له: يا بنىّ فلم تقول: ألاعبه مخاطرة، كأنك تقامر أخاك وتستكثر ماله؟ فقال: كلا، ولكنه يستحسن الدواة التى وهبها لى أمير المؤمنين (الرشيد) فعرضتها عليه، فأبى قبولها، وطمعت أن يلاعبنى فأخاطره عليها وهو يغلبنى، فتطيب نفسه. فقال لها السائل: ما كانت هذه الدواة؟ فقالت إن جعفرا دخل على أمير المؤمنين، فرأى بين يديه دواة من العقيق الأحمر محلاة بالياقوت الأزرق والأصفر، فرآه ينظر إليها، فوهبها له. ثم قالت: قلت لجعفر: هبك اعتذرت بما سمعت، فما عذرك من الرضا بمغاضبة أبيك حين قال: لاعبه وأنا معك، فقلت أنت: نعم، وقال هو: لا، فقال: عرفت أنه غالبى ولو فتر لعبه لتغالبت له مع ماله من الشرف والسرور بتحيز أبيه إليه. فقال لها السائل مادحا للأخوين ومعجبا: بخ بخ هذه والله السيادة، ثم قال لها: أكان منهما من بلغ الرشد، فقالت له:
يا بنىّ أين يذهب بك؟ ! أخبرك عن صبيّين يلعبان، فتقول أكان منهما من بلغ الرشد، لقد كنا ننهى الصبىّ-إذا بلغ العشر وحضر من يستحيى منه-أن يبتسم».
وهذه الدرة-كما يسميها ابن ظفر-أو هذا الخبر عن الفضل بن يحيى البرمكى وأخيه جعفر بلسان أمهما يصور مدى براعة ابن ظفر الأدبية فى السرد الأسلوبى لأخبار نجباء الأبناء بحيث لا تجد عنده أى غرابة ى لفظة ولا أى التواء فى عبارة، بل تجد أسلوبا مطردا متسقا