الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
الثقافة
1 -
الحركة (1) العلمية
(أ) فاتحون وناشرون للإسلام
منذ فتح عمرو بن العاص ليبيا وولاتها يعنون بنشر الدين الحنيف وتعاليمه وثقافته فيها، فقد كان ذلك الغاية المثلى والمقصد الأسمى من الفتوح الإسلامية لا فى ليبيا وحدها، بل أيضا فى كل ما فتحه المسلمون فى عهد أبى بكر وعمر وعثمان، ولذلك نرى ولاة المغرب فى ليبيا وغير ليبيا يحثّون كثيرين من جنودهم-وخاصة من أقاموا واستوطنوا هناك-إلى تحفيظ البربر القرآن الكريم وتعليمهم مبادئ العربية كى يستطيعوا تلاوته تلاوة سليمة، وحثّهم على ذلك-بقوة-عقبة بن نافع مؤسس مدينة القيروان فى أواسط القرن الأول الهجرى، وبالمثل مؤسس مدينة تونس: حسّان بن النعمان (71 - 85 هـ) واتسع خلفه: موسى بن نصير-فى هذه الغاية من تعليم البربر القرآن وتعاليم الإسلام، ويقال إنه كلّف بذلك سبعين رجلا من جنوده بثّهم فى قبائل البربر، ويقال: بل إنه جعل ذلك فريضة على جميع جنود العرب الفاتحين.
(1) راجع فى ثقافة ليبيا رياض النفوس للمالكى والبيان المغرب لابن عذارى وتراجم معالم الإيمان لابن الدباغ وابن ناجى والسير للشماخى وطبقات النحويين واللغويين للزبيدى وإنباه الرواة للقفطى والديباج المذهب لابن فرحون وتاريخ علماء الأندلس لابن الفرضى وتاريخ ابن خلدون والأنساب للسمعانى وكتابى الأزمنة والأنواء وكفاية المتحفظ ونهاية المتلفظ لابن الأجدابي ورحلة التجانى ورحلة العياشى والرحلة المغربية للعبدرى والتذكار لابن غلبون وحكاية مدينة لخليفة محمد التليسى وتاريخ المغرب الكبير لدبوز ونفحات النسرين والمنهل العذب لأحمد النائب وكتابى أعلام ليبيا ومعجم البلدان للزاوى وأعلام من طرابلس للمصراتى والإباضية فى موكب التاريخ لمعمر وكتاب النشاط الثقافى فى ليبيا لأحمد مختار عمر وتاريخ ليبيا لإحسان عباس وتاريخ طرابلس الغرب لمحمود ناجى.
ولا بد من ملاحظة أن البربر الذين اعتنقوا الدين الحنيف أخذوا يشتركون مع الجيوش العربية فى الفتوح وحرب الكفار، وكان زملاؤهم من العرب فى حمل السلاح يلقّنونهم آى الذكر الحكيم ومبادئ الإسلام وتعاليمه، ويذكر المالكى فى كتابه «رياض النفوس» أن جيش زهير بن قيس والى المغرب بعد عقبة بن نافع كان مكوّنا-فى بعض حربه لكسيلة الثائر المغربى-من ألفين من البربر وأربعة آلاف من العرب، كما يذكر ابن عذارى فى كتابه «البيان المغرب» أنه كان فى جيش حسان بن النعمان (71 - 85 هـ) اثنا عشر ألفا من البربر، ويذكر أيضا أن جيش طارق بن زياد البربرى والى طنجة لموسى بن نصير كان مكونا-فى فتحه لإيبيريا-من سبعة عشر ألفا من العرب واثنى عشر ألفا من البربر، ويعقّب ابن عذارى على ذلك بأن موسى بن نصير «أمر العرب أن يعلّموا البربر القرآن وأن يفقّهوهم فى الدين» . ومعنى ذلك أن الجند العربى الذى كان يعايش الجند البربرى فى حرب الكفار ونشر الإسلام كان يعلّمه القرآن وتعاليم الإسلام الدينية. ويصوّر ذلك من بعض الوجوه ما رواه الشمّاخى فى كتابه السّير عن عمر بن يمكتن أول معلم من البربر للقرآن الكريم فى جبل نفوسة بطرابلس قبيل اشتراكه فى ثورة أبى الخطاب المعافرى سنة 140 للهجرة وتوليته له على مدينة سرت، فقد روى عنه أنه تعلم القرآن بطريق (مقمداس) كان يتلقّى فيها السّابلة والمارّة من المشرق (يريد الجند العربى الداخل إلى إفريقية التونسية) فيكتب عنهم لوحا من القرآن وينصرف إلى منزله، فإذا حفظ ما فيه رجع إلى المحجّة (الطريق) فيكتب من المارّة والرّفاق كذلك حتى حفظ القرآن وتعلّم العلم». ويقول الشمّاخى إنه «كان يصنع ذلك لحرصه على طلب العلم والقرآن فى أول الإسلام وقلة المعلمين فى البلدان» . ونظن أنه إنما كان يصنع هذا الصنيع حتى يتلقّن بدقة أداء ألفاظ الذكر الحكيم على وجوهها الصحيحة، لأن أداءها لا يكفى فيه ما كتب فى مصاحفه أو فى الصحف، بل لا بد فى القرآن الكريم من أخذه شفاها، حتى يحكم الشخص تلاوة آياته بنطقها وأدائها الدقيق، وهو ما دفع ابن يمكتن إلى أخذه شفاها من أفواه السابلة والمارّة من الجند العربى الداخل إلى إفريقية التونسية والبلاد العربية. وفى هذا الخبر ما يوضح مدى ما أسداه الجند العربى الفاتح للمغرب-حتى المارّة منهم بالطرق-فى تحفيظ القرآن وحسن أدائه للمغاربة شبابا وغير شباب، ويقول ابن يمكتن إنه تعلم-من مارّة الجند أيضا-العلم يريد تعاليم الإسلام والفقه بالدين الحنيف. فأينما كان الجند العربى مجاهدا فى سبيل الله مع البربر ومقيما بين ظهرانيهم ومارا بطرقاتهم كان يعنى بشدّ أزرهم فى حفظ القرآن الكريم والمعرفة الدقيقة بمبادئه والتفقه البصير بتعاليمه.