الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ج) الموسيقى
(1)
عقد الأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب فى الجزء الثانى من كتابه: «ورقات عن الحضارة العربية بإفريقية التونسية» مبحثا طويلا رائعا عن الموسيقى وآلات الطرب فى القطر التونسى ذكر فيه أنه ليس لهذا القطر مأثور قديم ذو بال فى الموسيقى، وأنه يتصل فيها مباشرة بالعرب.
وقد عرف عن الفاتحين الأولين طريقة الحداء التى اشتهر بها العرب من قديم، حتى إذا تولاه المهالبة وخاصة يزيد بن حاتم (154 - 170 هـ) استحالت القيروان إلى مركز نشاط أدبى بمن استقدمهم معه من الشعراء والمغنين من بغداد، فعرفت من حينئذ بالقطر التونسى آلات الطرب مثل الطنبور والمزاهر (الدفوف) وشبّابات القصب. وازدادت فى القيروان المعرفة بالغناء وآلات الطرب حين نزل بها زرياب على زيادة الله الأغلبى سنة 205 وظل لديه أشهرا قبل رحلته المشهورة إلى قرطبة، وزيادة الله يستمع إلى ألحانه. ويظنّ أنه أخذت بعض الجوارى فى القصر عنه شيئا من تلاحينه، وما نلبث أن نسمع بأن فى القيروان حيّا خاصا للملاهى والطرب، يقصده أهلها للفرجة وكان مجمعا للمغنين والضاربين على الآلات الموسيقية، وكان أهل الخلاعة والمجون يختلفون إليه، ويذكرون من أسماء المغنين فيه قاسما الجوعى وأبا شرف. ونمضى إلى أيام إبراهيم بن أحمد الأغلبى (261 - 289 هـ) فنجده يرسل سفارات متعددة إلى المشرق لتجلب إليه صفوة من العلماء والموسيقيين ليحدث فى رقّادة-التى شادها بجوار القيروان-نهضة علمية وموسيقية، وجلب إليه من بغداد مغن اسمه مؤنس، لقّن غناءه جوارى القصر فى رقادة عاصمة الأغالبة وهو يقوم فيها مقام زرياب فى قرطبة عاصمة الأمويين، وجلبت لزيادة الله الأصغر آخر الأغالبة جوار يحسنّ الغناء من بغداد. ويتكاثر هؤلاء الجوارى المغنيات كما يتكاثر المغنون أو قل يأخذون فى التكاثر لعهد العبيديين، وتتسع الموجة فى عهد الدولة الصنّهاجية وما كان فى قصورها من مجالس الأنس ويشترك فى الغناء غير تونسى يتقدمهم عبد الوهاب حاجب المنصور الأمير الصنهاجى (374 - 386 هـ) وكان شاعرا ويتغنى فى شعره ويلحّنه، ويتحدث مرارا مؤرخ القيروان إبراهيم الرقيق عن مجالس غنائه. ويفد على يحيى حفيد المعز بن باديس فى عاصمته المهدية (501 - 508 هـ) أمية بن أبى الصلت الشاعر الأندلسى، وكان متقنا لعلم الموسيقى الأندلسية، فنقل إلى المغنين فى المهدية ألحان المغنين فى الأندلس، ولحن لهم-على أساسها-الأغانى الإفريقية، ومن حينئذ أخذ الغناء فى إفريقية التونسية وما يصحبه من موسيقى يزدهران، وما لبثت الهجرات الأندلسية المارة بنا-فيما أسلفنا-
(1) انظر فى الموسيقى الجزء الثانى من كتاب ورقات عن الحضارة العربية فى إفريقية التونسية وما به من مراجع وبرنشفيك 2/ 432 وما بعدها ووصف إفريقيا للحسن الوزان ص 453 - 454.
لعهد الدولة الحفصية أن زادتهما ازدهارا. ومما يدل على هذا الازدهار فى العهد الحفصى أنه كان للجيش فيه فرقة موسيقية تصحب أمير البلاد الحفصى فى حفلاته وتنقلاته تمشى وراء الأعلام السلطانية تدقّ الطبول وتنفخ فى البوقات، وذكر برنشفيك أن السلطان أبا فارس الحفصى (795 - 833 هـ) ألغى ضريبة كانت تؤخذ من الموسيقيين والمغنيات المحترفات، وأهدى ملك نابولى آلة أورجن إلى ابن السلطان عثمان سنة 877 هـ/1472 م ويذكر الحسن الوزان أن السلطان الحفصى أبا عبد الله بن الحسن الذى زار تونس فى عهده سنة 922 للهجرة كان يعيش بين المطربين والمطربات فى قصره وبساتينه. ولا يعنى الولاة العثمانيون بالموسيقى إلى أن تولى رمضان باى (1108 - 1110 هـ) إذ كان خبيرا بأنواع الموسيقى ذات الأوتار وذات المزامير، وكان عارفا للألحان ولوعا بالغناء، وجلب من بلاد النصارى الآلة الموسيقية. المعروفة باسم الأورجن وكان مغنيه «مزهود» يطربه بتلاحينه عليه.
وتزدهر الموسيقى بتونس فى العهد الحسينى العثمانى منذ عهد الباي محمد الرشيد (1169 - 1172 هـ) وكان يتقن النظم بالشعر العربى، كما كان يتقن الضرب على مختلف الآلات الموسيقية مثل العود والكمنجة، وجعله ولعه بالألحان والإيقاعات يؤلف بين الأغانى الأندلسية المعروفة فى تونس باسم المألوف والألحان التركية. وقد أدخل فيها من تلك الألحان البشرف وهو افتتاح اللحن واستهلاله. وكان للبايات احتفال موسيقى يقيمونه ليلة العيد فى باردو، وكان أشبه بموكب موسيقى كبير، ويحضر فيه كبار الفقهاء، فإذا صلّى المغرب مدّ سماط بأنواع الأطعمة وألوان الحلوى، ويجلس الباي فى صدر السماط وتتوالى طبقات المدعوين، وبعد برهة يجلس الباي ببهوه، ويجلس عن يمينه وشماله الفقهاء والكتّاب، ويصطفّ باقى الناس صفين عن اليمين وعن الشمال، وتوقد الشموع ويؤتى بالمجامر يفوح منها الطيب والمسك، ثم يدخل المغنون من الترك بآلاتهم فيغنون باللسان التركى برهة ثم يخرجون ويدخل بعدهم المطربون والمغنون بالغناء العربى. وظلت هذه المواكب تعقد فى مواسم الأعياد بباردو حتى نهاية هذا العصر.
وبجانب هذه الحركة الغنائية عند سكان الحضر، وخاصة فى تونس كانت هناك حركة غنائية بدوية عند أهل الوبر التونسيين حملها إليهم-كما يقول الأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب- بنو سليم وبنو هلال فى هجرتهم الكبيرة، إذ ظلوا يحافظون على أغانيهم التى ورثوها عن أسلافهم فى بوادى نجد والحجاز، وقد لقنوها فى بوادى تونس بعض عبيدهم وأرقّائهم من أصحاب الأصوات الشجيّة، لينشدوها فى الأعراس مصحوبين بعازفى الشبابات وضاربى الطبول. ويقول الأستاذ عبد الوهاب إن لهم عزفا يسمى طرق الصيد أى صيد الأسد، يعزف به على الشّبابة البدوية، وفيه يقصون أقاصيصهم الغرامية فى وصف رحلاتهم مع محبوباتهم