الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لبست ثوب الرّجا والناس قد رقدوا
…
وقمت أشكو إلى مولاى ما أجد
وقلت يا سيّدى يا منتهى أملى
…
يا من عليه بكشف الضرّ أعتمد
أشكو إليك أمورا أنت تعلمها
…
مالى على حملها صبر ولا جلد
وقد مددت يدى للضّرّ مشتكيا
…
إليك يا خير من مدّت إليه يد
وهو يضرع إلى ربه لابسا ثوب الرجاء والأمل والناس نيام قائما بين يديه يشكو متضرعا متذللا إلى سيد الكون ومنتهى أمله فى دنياه أن يكشف عنه الضر وكل ما يعلمه مما لا طاقة له ولا صبر ولا جلد على حمله، ويقول ضارعا شاكيا لقد مددت يدى إلى خير من تمد له الأيدى فلا تردنى عن بابك خائبا. واكشف عنى ما أصابنى من ضر بفضلك وإحسانك وإنعامك.
5 - شعراء المدائح النبوية
الرسول صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى الكامل للمسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها، وهم حين يحجون يقصدون إليه فى المدينة لزيارة قبره العطر، وما من مسلم إلا وهو يتمنى هذه الزيارة الشريفة، فإن أقعدته-أو منعته-الضرورة وكان شاعرا دبج قصيدة يتشوق فيها إلى اكتحال عينيه برؤية قبر حبيب الله وصفيه: الرحمة المهداة والنعمة المسداة إلى أمته المخصوص بالإسراء ليلا إلى بيت المقدس ومعراجه أو رقيه إلى السموات السبع، الذى خصّ بالقرآن الكريم معجزته الكبرى التى ليس لها سابقة مماثلة ولا لاحقة، مع ما اتصف به من خلق رفيع يعجز البيان عن وصفه، ومع رسالته الإلهية الهادية التى تحقق للناس السعادة فى الدارين. وقد دبج حسان وكعب بن زهير وغيرهما فى حياته قصائد بديعة فى مديحه، وتكاثرت سيول هذا المديح بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى إلى اليوم على ألسنة شعراء العالم الإسلامى شرقا وغربا بحيث تكوّن نهرا عظيما لكل بلد أو قطر إسلامى جدوله المتدفق فيه. والإقليم التونسى كغيره من الأقطار الإسلامية له جدول تترقرق فيه المدائح النبوية. ولن نستطيع أن نعرض ما قاض على ألسنة شعراء القيروان وتونس من هذه المدائح، وخاصة فى العصر الحسينى-لكثرتها، ولذلك ستكتفى باثنين من العصور المختلفة اشتهرت مدائحهما النبوية، وهما عبد الله الشقراطسى وابن السّماط المهدوى.
عبد (1) الله الشّقراطسى
هو عبد الله بن يحيى بن على الشّقراطسى نسبة إلى قلعة رومية أقيمت قديما بالقرب من قفصة تسمى «شقراطس» . ومولده ومرباه فى «توزر» مثل أبى الفضل بن النحوى، وهو يسبقه بنحو خمسين عاما إذ توفى سنة 466 هـ/1074 م. ولما بلغ مبلغ الشباب رأى أن يكمل دراسته فى القيروان، فاختلف إلى شيوخها، وأخذ ما استطاع منهم حتى غدا فقيها محدثا، وحجّ، وعاد فعين قاضيا فى بلده توزر إلى وفاته، وكان مع قيامه فيها بالقضاء يدرس للطلاب وينشر العلم ما استطاع، ويقال إن ابن النحوى درس عليه. وقد طار صيته فى أنحاء العالم العربى بقصيدة فريدة فى 133 بيتا نظمها فى مديح الرسول صلى الله عليه وسلم، استهلها بقوله:
الحمد لله منا باعث الرّسل
…
هدى بأحمد منا أحمد السّبل
خير البريّة من بدو ومن حضر
…
وأكرم الخلق من حاف ومنتعل
توراة موسى أتت عنه فصدّقها
…
إنجيل عيسى بحقّ غير مفتعل
ضاءت لمولده الآفاق واتّصلت
…
بشرى الهواتف فى الإشراق والطّفل (2)
وهو يحمد الله باعث الرسل إلى الأمم أن بعث الرسول إلى أمته المحمدية هاديا لها إلى خير السّبل أو الطرق وإنه لأفضل البرية جمعاء متبدية ومتحضرة وأكرم الخلق جميعا حفاة ومنتعلين، ويقول إن توراة موسى بشرت به وصدقها الإنجيل، مشيرا بذلك إلى آية سورة الأعراف وأنه ممن تشملهم رحمة الله {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} ويقول إن الآفاق أضاءت لمولده ودقت البشائر فى الإشراق والظلام. ويمضى فى ذكر معجزات مولده ومعجزاته فى حياته وفى الهجرة وما خصه الله به من عروجه إلى السماء. ويعود إلى تفصيل القول فى معجزاته ومعجزته الكبرى القرآن، ويلم بأذى قريش لمن اتبعوه وهو لا يزال بمكة وخاصة بلالا، ويذكر انتصاره على قريش ببدر إذ حطم جيشهم حطما، وأسر نفرا من أشرافهم، وبكى أهل مكة من رجال ونساء بدموع غزار، ويذكر يوم فتح مكة، وقد جاءها الرسول فى عديد من الجنود من يثرب
(1) انظر فى الشقراطسى الوفيات لابن منقذ طبع بيروت) ص 252 وعنوان الأريب 1/ 42، ومجمل تاريخ الأدب التونسى ص 163 وبروكلمان 5/ 108 وذكر أن للشقراطسية شرحا لابن الشباط التوزرى مواطنه المتوفى سنة 681 هـ/1282 م، كما ذكر لها تخميسات لابن الشباط وغيره.
(2)
الطفل: الظلام.
ومختلف القبائل، ورأت قريش أن لا قبل لها بلقائه، فاستسلمت ودخلت فى دين الله، يقول:
ويوم مكة إذ أشرفت فى أمم
…
يضيق عنها فجاج الوعث والسّهل (1)
خوافق ضاق ذرع الخافقين بها
…
فى قاتم من عجاج الخيل والإبل (2)
وجحفل قذف الأرجاء ذى لجب
…
عرمرم كزهاء الليل منسجل (3)
وأنت صلّى عليك الله تقدمهم
…
فى بهو إشراق نور منك مكتمل
والخيل تختال زهوا فى أعنّتها
…
والعيس تنثال رهوا فى ثنى الجدل (4)
أهلّ ثهلان بالتهليل من طرب
…
وذاب يذبل تهليلا من الذبل (5)
الملك لله هذا عزّ من عقدت
…
له النبوة قبل العرش فى الأزل
وهو يتحدث عن يوم فتح مكة ومع الرسول أمم من يثرب والقبائل تضيق عنها فجاج الأرض العسرة والممهدة السهلة، خوافق متحركة ضاقت بها لكثرتها طاقة المشرق والمغرب، وقد عقدت حركة الخيل والإبل عليها غبارا كثيفا، وإنه لجيش ضخم متسع الأرجاء له لجب وصخب عرمرم أو شديد، كزهاء الليل ومقداره، تنصب قطعه انصبابا، والرسول-صلى الله عليه وسلم-على رأس هذا الجحفل، يحفّ به بهاء ونور منه مكتملان والخيل تختال فى أعنتها ومسيرتها زهوا، والعيس أو الإبل تتابع سائرة فى مضاعف من جدلها أو أزمتها، وأهلّ ثهلان رافعا صوته بذكر الله من طرب وفرح، وذاب يذبل خوفا من الرماح وكثرة السلاح، وهذا عز لا يماثله عز، عز من كتبت له النبوة فى الأزل البعيد قبل خلق العرش وتكوينه. ويتحدث عن الانتصارات فى الفتوح الإسلامية فى أنحاء المعمورة فى العراق وديار الفرس والترك والصين وبلاد النوبة والزنج ومصر والمغرب، كما يتحدث عن منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم عند الله واختصاصه بالشفاعة للعباد خلاصا من هول المحشر، ويطلب منه الشفاعة ومن الله الغفران.
(1) فجاج الوعث: الطرق العسرة.
(2)
ضاق ذرع الخافقين: ضاق وسع المشرق والمغرب. عجاج الحرب: غبارها.
(3)
جحفل: جيش ضخم. قذف: بعيد. لجب: صباح. عرمرم: شديد. زهاء الليل: مقداره. منسجل: منصبّ ومصبوب.
(4)
العيس: الإبل. تنثال: تسيل وتنصبّ. رهوا: بطيئة أو متّئدة. ثنى الجدل: الأزمّة المزدوجة الطاقات.
(5)
ثهلان ويذبل: جبلان عند مكة. الذبل: الرماح.