الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقرب إلى الفصحى من لغة أى بلد عربى. ولم تحدث فى ليبيا قبل عصرها الحديث نهضة أدبية واسعة، ومرجع ذلك إلى أنها لم تنشأ بها دولة ترعى الأدب والأدباء ولا أنشئ فيها ديوان يبعث فيها حركة نثرية أدبية، وأول شاعر بها ينال شيئا من الشهرة خليل بن إسحاق فى القرن الثالث الهجرى، ويتكاثر شعراؤها فى القرن السابع من أمثال فتح بن نوح الإباضى وابن أبى الدنيا وابن معمر، وأهم شعرائها فى العهد العثمانى البهلول الطرابلسى، وله ديوان كله مدائح نبوية، ومن الشعراء بعده أحمد بن عبد الدائم. وتشير كتب التراجم بأن لهذا الكاتب الليبى أو ذاك رسالة أو مقامة، وتكتفى بمثل هذه الإشارة ولا تذكر منهما شيئا، ولفتح بن نوح الإباضى الشاعر كتاب كله وعظ على شاكلة كتاب ملتقى السبيل لأبى العلاء المعرى.
[تونس]
2
وانتقلت فى القسم الثانى من هذا الجزء إلى تونس فتحدثت عن جغرافيتها وتاريخها القديم وفتح العرب لها ودخول أهلها فى الإسلام أفواجا وظل مدة يتعاظم فيها وفيما وراءها من بلاد المغرب. ومن ولاتها الأولين وولاة المغرب جميعه عقبة بن نافع مؤسس مدينة القيروان وحسان بن النعمان مؤسس مدينة تونس وموسى بن نصير فاتح الأندلس وناشر الإسلام فيه وفى المغرب جميعه حتى المحيط، ووليها للعباسيين يزيد بن حاتم المهلبى وأحدث بها حركة أدبية خصبة، وتولاها إبراهيم بن الأغلب للرشيد سنة 184 هـ/800 م ويجعلها الرشيد وراثية فى أبنائه، وتظل تلك الدولة الأغلبية حتى سنة 296 هـ/908 م ومن أعمالها الجليلة فتح صقلية سنة 212 هـ/827 م وفتح مالطة سنة 255 هـ/868 م ونشر الدين الحنيف واللغة العربية بهما، وتخلف الدولة العبيدية تلك الدولة إلى أن انتقل الخليفة العبيدى المعز إلى القاهرة سنة 361 هـ/971 م وجعل حكم إفريقية التونسية بعده لقبيلة صنهاجة وزعيمها بلكين، وظلت تلك الدولة الصنهاجية موالية للخلفاء الفاطميين فى القاهرة إلى أن أعلن المعز بن باديس الصنهاجى استقلاله عن خلافتهم سنة 438 هـ/1046 م وقبل بل فى سنة 439 أو 440 وغضب الخليفة الفاطمى المستنصر، فسلّط عليه أعراب بنى سليم وبنى هلال النازلين شرقى الصعيد، وكانوا نحو نصف مليون، فاكتسحوا ليبيا وإفريقية التونسية، وحاربوا المعز فى القيروان وهزموه، واضطروه إلى الانزواء فى مدينة المهدية، واستقل بعض الولاة فى مدن إفريقية التونسية وأنحائها بالحكم، وقام فيها نظام أمراء الطوائف إلى نحو قرن. ونزل روجار الثانى النورمانى ساحل تونس سنة 543 هـ/1148 م واستولى على المهدية وطرده منها عبد المؤمن أمير دولة الموحدين المغربية سنة 555 هـ/1160 م وعاث بها فى النصف الثانى من القرن السادس الهجرى قراقوش وابن قراتكين وابنا غانية، وخلصها منهم الموحدون والدولة الحفصية، وازدهرت الحياة بها فى أيام
الحفصيين، وحاصر لويس التاسع تونس، وقبر تحت أسوارها، ونهضت البلاد طوال ثلاثة قرون، وأغار عليها شارل الخامس ملك إسبانيا سنة 943 هـ/1536 م وخلصها من الإسبان الأسطول العثمانى سنة 981 هـ/1574 م وأصبحت تابعة للدولة العثمانية وتوالى عليها البايات، ومن خيرهم مراد باى وتوارثها أبناؤه وحسين بن على وبالمثل توارثتها أسرته حتى العصر الحديث.
ونزل إفريقية التونسية-بجانب سلالات البربر العريقة بها-عناصر جنسية كثيرة:
فينيقية وقرطاجنية ويهودية وزنجية ورومانية وألمانية من الواندال وبيزنطية وعربية ومن كان فى جيوش العرب من الشعوب الإسلامية ونزلتها عناصر أندلسية وتركية وأوربية مسيحية ممن كان يأسرهم القراصنة، ومع كل هذه العناصر ظلت للعنصر البربرى الغلبة، وظل يفرض عليها شخصيته وهويته. وتموج إفريقية التونسية-من قديم-بطيبات الرزق من الزروع وأشجار الزيتون والفاكهة والنخيل، وتموج مراعيها بقطعان الغنم والأبقار والخيل والإبل. وتكثر بها الصناعات اليدوية مثل عصر الزيتون ودبغ الجلود وصناعة الزجاج والبلور والخزف والمنسوجات على اختلاف أنواعها والورق وكل ما تحتاج إليه المنشآت العمرانية. وأهلتها هذه المنتجات الصناعية والزراعية وما كان يرد إليها من إفريقيا السوداء لتكون سوقا تجاريا عالميا.
وهيّأها كل ذلك لرفه واسع فى المطعم والملبس وما يتصل بذلك من كثرة الاحتفالات والأعياد والعناية بالموسيقى وآلات الطرب. وحظيت المرأة فى هذا المجتمع بمكانة كريمة.
وكان البربر قديما وثنيين، ونزلت بينهم جماعات من اليهود، وحاولت نشر دينها اليهودى فيهم واستجابت لها أقلية، واستولى الرومان على ديارهم وأخذوا يحاولون-كما حاولت كنيسة الإسكندرية-نشر الدين المسيحى بها وتأسست بعض الكنائس والأسقفيات، واعتنقه بعض البربر-وخاصة فى المدن الشمالية، وظلت فى العهود الإسلامية عناصر صقلية مسيحية تنزل بالبلاد، وعناصر أخرى ممن كان يأسرهم القراصنة من البحر المتوسط. والإسلام هو الدين السماوى الوحيد الذى عمّ-بعد الفتح-إفريقية التونسية وجميع البلدان المغربية لتحريره الشعوب من الظلم والاستعباد ولبساطته ومحوه الفوارق الطبقية بين أفراد الأمة. واختارت إفريقية التونسية مذهب مالك الفقهى السنى، وعاش بجانبه المذهب الحنفى حتى نهاية القرن الثالث الهجرى، وعاد إلى الظهور أيام العثمانيين. ولم تنجح فى إفريقية التونسية مبادئ الإباضيين ولا مبادئ العبيديين الإسماعيلية الشيعية، ومن قديم يتكاثر بها الزهاد وكثرت فيها-منذ القرن السابع-الطحق الصوفية.
ونشطت الحركة العلمية فى إفريقية التونسية منذ الفتح، وكان يقودها فى أول الأمر الفاتحون بنشرهم للدين الحنيف وتعاليمه، وما نكاد نقبل على القرن الثانى الهجرى حتى ينشأ جيل من أبناء البربر والعرب يطلب المزيد من العلم، ويرحل فى طلبه إلى المشرق للقاء أبى حنيفة ومالك
ويحمل مذهبيهما إلى مدينتى القيروان وتونس، ويساعد فى ازدهار الحركة العلمية-على مر العصور-جامع أو جامعة عقبة فى القيروان وجامع أو جامعة الزيتونة فى تونس وما أنشأ الحفصيون من مدارس ومكتبات. وتعنى إفريقية التونسية بعلوم الأوائل ويؤسس فيها الأمير إبراهيم بن أحمد الأغلبى (271 - 489 هـ) بيت الحكمة للعناية بتلك العلوم، وتشتهر القيروان بأطباء كبار كان لهم تأثير عظيم فى النهضة الغربية كما تشتهر بفلكى جزائرى كبير هو على بن أبى الرجال كان له تأثير قليل فى علم الفلك الأوربى. وتؤسس الدولة الصنهاجية مدرسة فى الكيمياء، وينبغ فى الدولة الحفصية كيميائى هو التيفاشى، ونلتقى فيها بأطباء ورياضيين متعددين وببعض الجغرافيين. ويكثر علماء اللغة والنحو فى العهد الصنهاجى من مثل القزاز والحصرى، ويضع ابن عصفور أسس مدرسة نحوية تونسية، ويقود ابن رشيق بكتابه «العمدة فى صناعة الشعر ونقده» حركة نقدية واسعة، ويشتهر فى القراءات ابن خيرون حامل قراءة ورش عن نافع إلى موطنه، ولا يلبث أن يظهر إمام كبير من أئمة القراءات هو مكى بن أبى طالب. ومن أوائل المفسرين عكرمة مولى ابن عباس ومن كبارهم فى القيروان على بن فضال وابن بزيزة ويكثر الحفاظ المحدثون ومن كبارهم القابسى فى القرن الرابع والمازرى فى القرن السادس، ويتعايش فى الفقه المذهبان: المالكى والحنفى وفقهاؤهما فى القرنين الثانى والثالث من أمثال سحنون المالكى وعبد الله بن فروخ الحنفى، ثم تصبح الغلبة للمذهب المالكى منذ أخذ المعز بن باديس الناس والفقهاء به، ويعود المذهب الحنفى إلى الظهور فى عهد العثمانيين، وتكون له الكلمة العليا فى الفتوى والقضاء. وكل ما كان موضعا للمناظرة والجدل من المذاهب الكلامية فى المشرق انتقل إلى المغرب سواء فى ذلك مذاهب الخوارج والمرجئة والمعتزلة، وأخذ المذهب الأشعرى يعم منذ القرن الخامس الهجرى. ونشطت الكتابات التاريخية فى القيروان عن مغازى إفريقية والدولة الأغلبية وأمرائها والدولة العبيدية وخلفائها وعن علماء إفريقية وتاريخهم وتاريخ المغرب وعن شعرائها وعمن كان بها من الزهاد وكبار العلماء وعن دولة بنى عبد الواد بتلمسان، ولابن خلدون تاريخه العظيم ومقدمته النفيسة، ويلقانا بعده كتاب الهنتاتى عن الدولة الحفصية وكتاب ابن أبى دينار: المؤنس فى أخبار إفريقيا وتونس، وكتاب السراج:
الحلل السندسية وكتاب حسين خوجه: ذيل بشائر أهل الإيمان بفتوحات آل عثمان، وفيه ترجمات لفقهاء البلدان الكبيرة.
وعلى الرغم من أن اللغة البربرية ظلت تعايش لغتين متحضرتين هما الفينيقية واللاتينية فإنها لم تتحول قديما إلى لغة متحضرة لها أبجديتها وكتاباتها التاريخية، وكان من يتحضر من البربر أيام الفينيقيين يكتب بلغتهم، وبالمثل أيام الرومان، وكثيرون منهم كانوا يتقنون اللاتينية نطقا وكتابة، وظلت من ذلك بقية بعد الفتح، وسريعا أخذت البربرية لغة الشعب واللاتينية لغة بعض الخاصة تزايلان الألسنة وتحل محلها العربية حتى إذا كانت الهجرة الأعرابية الكبرى فى منتصف
القرن الخامس الهجرى اختلط البربر بالأعراب وكوّنوا شعبا عربيا واحدا فى حياته ولغته ودينه. وظلت الكثرة من الأعراب تنطق بالفصحى نطقا سليما حتى القرن السابع الهجرى، وسرت إليهم عدوى العامية فهجروا الإعراب، ومع ذلك ظلت الفصحى لغة العلم والأدب الرفيع، وغذاها المهاجرون الأندلسيون فى القرن السابع ثم فى القرن التاسع والحادى عشر بغذاء قويم بثّ فيها روحا وغير قليل من الانتعاش. ويكثر الشعراء فى إفريقية التونسية منذ ولاية يزيد بن حاتم المهلبى فى أواسط القرن الثانى الهجرى، وكان أمراء الدولة الأغلبية وخلفاء الدولة العبيدية شعراء وأجزلوا العطايا لمادحيهم، وينهض الشعر فى زمن الدولة الصنهاجية، ويقال إن مادحى المعز بن باديس بلغوا المائة عدّا، وكان ابنه تميم شاعرا ومقصدا للشعراء من كل بلد مغربى ومشرقى وكان ابنه يحيى وحفيده على وابنه الحسن غاية فى الجود، فقصدهم غير شاعر، ولابن حمديس وأمية بن أبى الصلت الأندلسى فيهم مدائح رائعة، ويتكاثر الشعراء حول أمراء الطوائف مثل سلامة بن فرحان شاعر أبى الحملات أمير مدينة قابس والتراب السوسى شاعر جبارة بن كامل أمير مدينة سوسة. ومن شعراء هذا العهد على الحصرى وعبد الله الشقراطسى. ويزدهر الشعر فى العهد الحفصى ويرفده جدول أندلسى، ومن شعرائه جابر بن عنان وابن عريبة وابن حسينة وابن السماط المهدوى والليانى وغيرهم كثير، ومنذ القرن الثامن الهجرى يزاحم الشعر الشعبى الملحون الشعر، ويهاجر كثير من الأندلسيين إلى إفريقية التونسية فى القرن الحادى عشر ويسترد الشعر شيئا من حيويته ونشاطه فى العصر العثمانى، وخاصة منذ عهد الأسرة الحسينية.
وتظهر فى كل غرض من أغراض الشعر طائفة من الشعراء المبدعين، ودائما كانت سوق المديح نافقة، ومن أعلامه الذين ترجمنا لهم على بن محمد الإيادي، والكاتب الرقيق وابن رشيق والتراب السوسى وابن عريبة وعبد الله التجانى وعلى الغراب والورغى. ومن أعلام الفخر المهمين تميم بن المعز ومحمد الرشيد الحسينى. ومن أعلام الغزل على الحصرىّ وأحمد اللّليانى ومحمد ماضور. ومن أعلام شعر الغربة والشكوى والعتاب ابن عبدون ومحمد بن أبى الحسين.
ومن أعلام شعر الطبيعة عبد الواحد بن فتوح وابن أبى حديدة وأبو على بن إبراهيم. ومن أعلام شعر الرثاء للأفراد والمدن والدول ابن شرف القيروانى ومحمد بن عبد السلام. ومن أعلام الوعظ أحمد الصواف، ومن أعلام التصوف محرز بن خلف، ومن أعلام المديح النبوى الشقراطسى والسماط المهدوى. وكل هؤلاء الشعراء حاولت تبين شخصياتهم، مع عرض أهم روائعهم الشعرية.
ونهض النثر فى تونس على لسان الولاة والقواد، وتأسست بها-مبكرة-الدواوين، ونهض أبو اليسر الشيبانى رئيس ديوان الانشاء فى عهد الأغالبة بالكتابة الديوانية وكون فيها