الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - شعراء الفخر والهجاء
الفخر وما يتصل به من الحماسة من موضوعات الشعر القديمة، حتى لقد سمى أبو تمام مختاراته من الشعر حتى عصره باسم ديوان الحماسة إشارة إلى أنه الموضوع الغالب على الشعراء قديما، ومدّ مختاراته إلى عصره، ودائما يزدهر فى البيئات الحربية التى تكثر فيها الحروب، ولا نغلو إذا قلنا إن القيروان ظلت تشهد حروبا كثيرة فى القرنين الأول والثانى للهجرة، واتصل شئ من ذلك فى فتح صقلية سنة 212 ثم فى فتح مالطة سنة 255 وهاجمها مخلد بن كيداد الصفرى فى عصر القائم الفاطمى ثم كانت زحفة بنى سليم وهلال فى القرن الخامس، ومنذ غلب روجار النورماندى على صقلية سنة 484 كانوا ينازلون الساحل الشمالى للإقليم التونسى واستولوا على المهدية مرارا. وفى القرن السادس الهجرى صلّى الإقليم نار الحرب التى أشعلها فيه قراقوش وابنا غانية، واستولى عليه الموحدون، ثم قامت الدولة الحفصية وكانت القبائل فى الجنوب والجزائر ماتنى تناوئها، ونزلها الإسبان بأخرة من الدولة ثم العثمانيون. وإنما ذكرنا ذلك لندل على أن الإقليم التونسى كان معدا دائما ليزدهر فيه شعر الفخر والحماسة، وأول عصر ازدهر فيه هذا الشعر عصر الدولة الأغلبية إذ نجده على لسان مؤسس الدولة الأغلبية إبراهيم بن الأغلب وحفيده أبى العباس بن الأغلب إذ يقول فى قصيدة بناها على الفخر بالنسب والحسب (1):
أنا الملك الذى أسمو بنفسى
…
فأبلغ بالسموّ بها السّحابا
إذا نقّبت عن كرمى ومجدى
…
وجدتنى المصاصة واللّبابا
فهو يسمو بنفسه مصعدا فى السماء حتى يبلغ بها السحاب، وهو المصاصة أو الجوهر واللباب من المجد والكرم، ويمضى متحدثا عن سياسته وحسن تدبيره وشجاعته. وكان من بيته أحمد بن سوادة الأغلبى المتوفى سنة 260 والى الزاب وطرابلس وصقلية، وكان بطلا فى الحروب وله فى جميعها وقائع مشهورة، وله شعر كثير يفخر فيه ببأسه وبطولته وبلائه فى الحروب من مثل قوله (2):
أنا من قد جال ذكرى
…
وجرى بين الأنام
(1) مجمل تاريخ الأدب الأندلسى ص 59.
(2)
مجمل تاريخ الأدب التونسى ص 63.
أركب الهول بكرّا
…
تى على الجيش اللهام (1)
تعرف الأنسر بأسى
…
فهى من فوقى حوامى
فقد طار اسمه وطار صيت شجاعته بين الناس بركوبه أهوال الحرب، وإن النسور لتعرف بأسه فهى ما تزال حائمة حول راياته، ولا تزال خلفه وأمامه تنتظر غذاءها من أشلاء أعدائه ممّن يذيقهم كأس المنون. وكان القائم بأمر الله، الفاطمى شاعرا مثل أبيه وله مثله شعر يفتخر فيه، من ذلك قوله، وقد غزا مصر مرارا ولم يكتب له النصر كما كتب فيما بعد لجوهر الصقلى، ومن قوله يذكر هذا الغزو آملا فى النصر (2):
فسرت بخيل الله تلقاء أرضكم
…
وقد لاح وجه الموت من خلل الحجب
وأردفتها خيلا عتاقا يقودها
…
رجال كأمثال الليوث لها خبب (3)
فكان بحمد الله ما قد عرفتم
…
وفزت بسهم الفلج والنصر والغلب (4)
وذلك دأبى ما بقيت ودأبكم
…
فدونكم حربا تضرم كاللهب
وهو يصور سيره بجيشه تلقاء مصر وقد تراءى الموت له ولرجاله، ولم ينكص، بل أردف خيله خيولا أخرى عليها رجال شجعان كأنهم الأسود، يثبون ويسرعون حتى تم له النصر، غير أنه اضطر إلى العودة بجيشه إلى المهدية، وهو يتوعد خصومه بأنه سيظل يعاود الكرة عليهم وسيظل يشعل حربا تضطرم باللهب حتى يحقق ما يريد من النصر النهائى. وشاعر الفخر فى الدولة الصنهاجية تميم بن المعز وسنخصه بكلمة، وممن نلتقى بهم فى العصر أبو طاهر التجيبى، ومن طريف ما له فى عزة النفس (5):
إلى كم أقرّ النفس فى المرتع المحل
…
وأقنع من جدّ المكاسب بالهزل (6)
أكلّف أقلامى مدى متماحلا
…
ولم أعتمل مهرى ورمحى ولا نصلى
ومن كلّف الأقلام لا البيض همّه
…
أقمن به بين المذلّة والقلّ
فهو يرى نفسه بكتاباته وأدبه قد أقام فى المرتع المجدب، إذ الأقلام لا تعود على صاحبها بحياة رافهة إنما الذى يعود عليه بذلك سلاحه، ويقول إن من كانت الأقلام لا السيوف مدى همه فى الحياة أقام فيها بين الذل والفقر، وإنه حرى به أن يحمل سيفه حتى يعدّ بين الأبطال
(1) اللهام: العظيم.
(2)
مجمل تاريخ الأدب التونسى ص 83.
(3)
خبب: عدو سريع.
(4)
الفلج: النصر.
(5)
نفس المصدر ص 138.
(6)
المحل: المجدب.
الشجعان ويعيش معيشة جديرة به. ويلقانا فى أول الدولة الحفصية مؤسسها أبو زكريا، وله قصيدة حماسية طويلة يقول فى فاتحتها (1):
أجب داعييها فالنجيب يجيب
…
وشبّ لظاها فالنّخيب يخيب (2)
وشم عزمة لا يغمز العجز متنها
…
فذو العزم فى اليوم العصيب يصيب
ولا تتبع العلياء إلا بأبيض
…
لغربيه فى هام الكماة غروب (3)
وهو يدعو كل شخص إلى أن يخوض غمار الحرب، إذ لا ينكل عنها إلا الجبان. ويتدرّع بعزم قوى فصاحب العزم هو الذى يصيب الهدف المأمول، ودائما تتسلح للعلياء بسيف حاد يقطع رءوس شجعان الأعداء قطعا ولا يبقى منها بقية. وتلقانا عند شعراء هذه الدولة الحفصية أشعار حماسية كثيرة، ونجد ابن خلدون يشارك فيها واصفا شجاعة البدو وبطولة فرسانهم، وبالمثل نجد طائفة من هذه الأشعار عند شعراء العصر الحسينى، ومما يمثلها فيه قصيدة على الغراب الصفاقسى فى الأسطول الذى أنشأه على الثانى الحسينى، وفيها يقول (4):
بشائر فى الإسلام زاد بها عزّا
…
وآيات نصر نورها يذهب العجزا
سوابح فلك للمغانم أنشئت
…
يسابق أفلاك السّما جريها وخزا
يفوز بأجر من علاها ومغنم
…
إذا ضربوا فى البحر أو ركبوا غزّا (5)
إذا لقى الإسلام كفرا ترى بها
…
جميع العدا أسرى وأعناقهم حزّا
والقصيدة تموج بحماسة ملتهبة، فالأسطول وسفنه بشرى للإسلام وآيات نصر مجيد له، وإن السفن لتسابق أفلاك السماء فى جريها حتى لا يمكن أن يفلت منها العدو، وحتى إذا لقيته أصبح كل أفراده إما أسرى وإما مذبوحين ذبحا، فهم بين أسير وقتيل، وكان يعاصر على الغراب الأمير على الثانى الحسينى وله فى الفخر شعر بديع وسنخصه بكلمة، وممن أنشد لهم الأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب أشعارا فى الفخر ابن سعيد الحجرى وحمودة بن عبد العزيز.
وإذا تركنا الفخر إلى الهجاء لم نجد ابن رشيق ولا من جاءوا بعده يتوسعون فى الكتابة عن هذا الفن، إما لأن أهل الإقليم لم يكونوا يعجبون به، وإما لأن الشعراء أنفسهم لم يكونوا يعيشون له كما كان يعيش بعض الشعراء فى العراق وفى الشام ومصر، ومع ذلك فقد توقف ابن
(1) مجمل تاريخ الأدب التونسى ص 188.
(2)
النخيب: الجبان.
(3)
لغربيه: لجانبيه. هام الكماة: رءوس الشجعان.
(4)
مجمل تاريخ الأدب التونسى ص 241. الأدب التونسى فى العهد الحسينى ص 102.
(5)
غزّا: غزاة.
رشيق عند شاعر يسمى بكر بن على الصابونى، وقال إنه كان صاحب نوادر وهجاء خبيث، ولم يكد يلمّ من هجائه إلا بأمثلة قليلة كان يسف فيها إسفافا شديدا، ونجد عند بعض هجّائيهم هجاء للفقهاء كالشأن فى الأندلس من مثل قول أبى طالب الدّلائى (1):
لا تكن مثل معشر فقهاء
…
جعلوا العلم للدراهم صيدا
طلبوه فصيروه معاشا
…
ثمّ كادوا به البريّة كيدا
وفى ظننا أنّ أحد الأسباب فى انصراف الناس بتونس وغيرها من البلاد المغربية إلى المتصوفة أن وجدوهم زهادا فى كل ما بيد الحكام من أموال فاطمأنوا إليهم، ومما ساقه ابن رشيق فى أنموذجه قول بعض الهجائين فى أحد الكتاب (2):
وكاتب يمسخ ما ينسخ
…
جميع ما يكتبه يفسخ
حرت فلا أدرى أأثوابه
…
أم عرضه أم حبره أوسخ
وقد عمم الوساخة فى حبر الكاتب وعرضه وأثوابه، وبذلك لسعه لسعا شديدا، وأكثر منه لسعا وإيلاما ما قيل فى مصلوب، وهو قول قرهب الخزاعى، ويبدو أنه صلب معه آخرون بنفس تهمة المروق عن الدين (3):
ما راقب الله فى عرض النّبىّ ولا
…
خاف العقاب ولا صلّى ولا سجدا
مردتم فلقيتم بطش مقتدر
…
وتلك سنّته فى كلّ من مردا
فهو-وأصحابه-مارقون ملحدون، يستحقون ما نزل بهم من عقاب أليم. وتخف حدة الهجاء فى زمن الدولة الحفصية ويعود إلى الاشتعال فى عصر الدولة الحسينية، وخير من يمثله محمد الرشيد الحسينى فى هجاء ابن عمه على الأول وبيان عقوقه لعمه ونهبه للحكم منه ومن إخوته، وظل يكرر ذلك طويلا فى مثل قوله (4):
استأصل الناس نهبا واستباح دما
…
وما نجا غير من نجّته رجلاه
بغى علينا وأهلينا وشتّتنا
…
وعمّ بالجور، والخسران أعماه
قد عقّ والده والعمّ يا عجبا
…
حتى ابنه بسهام الحرب أصلاه
(1) الأنموذج لابن رشيق ص 118.
(2)
الأنموذج ص 249.
(3)
الأنموذج ص 329.
(4)
ديوان محمد الرشيد ص 64 وانظر الأدب التونسى فى العهد الحسينى ص 69.
وهو يهجوه بظلمه وعسفه واستباحة أموال الناس ودمائهم وتشتيته له ولأخوته وفرارهم منه إلى الجزائر، مع عقوق ضخم لأبيه ولعمه الحسين وابن عمه، بل لقد ظل يوقد الحرب حتى نصر الله الشاعر وعاد إلى صولجان حكمه. وحرى أن نتوقف الآن قليلا لنخصه ونخص تميم بن المعز بكلمة.
تميم (1) بن المعز الصنهاجى
كانت الدولة الصنهاجية تنسب نفسها وقبيلتها إلى حمير، وهو أثر من آثار التعرب الذى أحدثته الزحفة الهلالية فى قبائل البربر، إذ انتسب كل قبيلة إلى قبيلة عربية وخاصة القبائل العربية الجنوبية، وولد تميم لأبيه المعز بصيرة (المنصورية) سنة 422 هـ/1031 م وعنى بتربيته وتثقيفه عناية واسعة، ولما بلغ سن الثالثة والعشرين فوّض إليه حكم المهدية، ولم تلبث الزحفة الهلالية أن قدمت إلى القيروان بدعوة من المعز لاستعانته بهم فى حرب أبناء عمه بنى حماد أصحاب القلعة المنسوية إليهم فى الجزائر، ونصحه تميم أن لا يفعل ذلك ولكنه لم يستمع إلى نصحه فقدموا القيروان والإقليم التونسى وخرّبوا كل ما نزلوا به، ولم يجد المعز بدا من أن يلجأ إلى تميم فى المهدية سنة 449 وظل بها إلى أن توفى سنة 454 وطالت إمارة تميم فيها وتمهّد سلطانه بها وظل ينازل بنى هلال مرارا إلى أن توفى سنة 501 عن تسع وسبعين سنة. وانتجعه شعراء الأندلس والمغرب والشام فأجزل لهم العطاء سوى من كان ينتجعه من شعراء الإقليم التونسى أمثال أبى الحسين بن خصيب وأبى عبد الله محمد بن على القفصى وأبى الحسن على بن محمد الحداد، وممن مدحه من شعراء أبيه ابن شرف وعبد الكريم بن فضال وابن رشيق ومرّ بنا مدحه له. وكان مع شاعريته الفذة ناقدا مجيدا للشعر، قال ابن الأبار: كان يعترض الشعراء وينتقد عليهم ألفاظهم، ويذكر أن شاعرا أنشده فى وقت هرج:
تثبّت لا يخامرك اضطراب
…
إليك تمدّ أعينها الرّقاب
فقال له: أرأيتنى-ويحك-طرت خفّة ورميت بنفسى من علو هذا القصر قلقا واضطرابا، وسكّته ولم يسمع من قصيدته سوى هذا البيت. وروى له شعر كثير، من ذلك قوله يحمّس بعض القبائل لمنازلة الأعداء:
متى كانت دماؤكم تطلّ
…
أما فيكم بثأر مستقلّ
أغانم ثم سالم إن فشلتم
…
فما كانت أوائلكم تذلّ
(1) انظر فى ترجمة تميم الحلة السيراء 2/ 21 وابن خلدون 6/ 159 وابن خلكان 1/ 304 وأعمال الأعلام 3/ 73 ومجمل تاريخ الأدب التونسى ص 168.
ونمتم عن طلاب المجد حتى
…
كأنّ العزّ فيكم مضمحلّ
وما كسّرتم فيه العوالى
…
ولا بيض تفلّ ولا تسلّ (1)
وتميم يستثير حمية القبيلة بذكر الثأر الذى يشتعل له الغضب فى صدر كل عربى، فالعار كل العار عند العرب أن لا يأخذوا بثأرهم وأن تطلّ دماؤهم وتذهب هدرا دون مناضل عنها يقتحم لها الموت اقتحاما. ويضرب للقبيلة على وترثان هو الذل، فالعربى الكريم لا يمكن أن يقبل الذل ولا الضيم، فقبل كل شئ عزة النفس، ومن أجلها تحطّم الرماح وتفل السيوف. ولا بد أن القبيلة امتلأت غيظا وحقدا على أعدائها، واندفعت تطلب ثأرها وتحامى عن كرامتها وعزتها باذلة المهج والأرواح. وينشد متحمسا غاية التحمس:
بكرّ الخيل دامية النّحور
…
وقرع الهام بالقضب الذّكور (2)
لأقتحمنّها حربا عوانا
…
يشيب لهولها رأس الكبير (3)
فإما الملك فى شرف وعزّ
…
علىّ التاج فى أعلى السّرير
وإما الموت بين ظبا العوالى
…
فلست بخالد أبد الدهور (4)
فسيظل تميم يدفع الخيل فى موقعة بعد موقعة وقد تلطخت نحورها وصدورها بدماء الأعداء، وسيظل يضرب فى رءوسهم وأعناقهم بسيوفها الحادة مشعلا مع أعدائه حروبا ضارية يشيب لهولها كل من يراها، ويقول إنه لن يغادر ساحة هذا الشرف والعز، فإما يحمى التاج على رأسه ويصونه، وإما الموت الزؤام بين الرماح والسيوف، أو بعبارة أخرى إما حياة شريفة عزيزة، وإما موت أيضا شريف عزيز، موت الأبطال الكرام. ومن طريف ما لتميم فى هجاء منافق:
رأيتك قاعدا عن كل خير
…
وأنت الشهم فى قالوا وقلت
وأطوار لها لطف وحذق
…
وألفاظ تنمّقها وسمت
وقد يعد الوعود وليس يوفى
…
وليس بقائل يوما فعلت
كخزّ الماء فوق الماء طاف
…
يروق وماله أصل ونبت (5)
كذلك زهرة الدّفلى تراها
…
تشوق العين حسنا وهى سحت (6)
(1) العوالى: الرماح. بيض: سيوف.
(2)
القضب الذكور: السيوف الحادة القاطعة.
(3)
الحرب العوان: الحرب المكررة مرة بعد أخرى.
(4)
ظبا: جمع ظبة: حد الرمح القاطع.
(5)
خز الماء: الطحلب.
(6)
الدّقلى: نبت مر زهره أحمر، السحت: الخبيث الكريه.
وهو يصوره يقعد عن كل خير، ويبادر بكلام فيه حذق ولطف وتنميق دون أن تكون فيه فائدة وإذا وعد أخلف ولم يوف بوعده، ولا خير عنده ولا غناء فيه كالخز الذى ينسجه الماء أحيانا على سطحه يروق النظر ولا أصل له، بل كزهرة الدفلى الحمراء تشوق العين ولا رائحة لها ولا عطر تنشره حولها
محمد (1) الرشيد الحسينى
من أهم ما يميز الحكم العثمانى فى عهد الدولة الحسينية التى امتد حكمها منذ سنة 1117 للهجرة/1705 للميلاد أن حسين بن على مؤسسها مع أنه كان تركى الأصل كان تونسى المولد والنشأة واللغة فأخذ يعنى بتقاليد التونسيين هو وجميع أفراد أسرته كما عنوا بالحركة العلمية فى جامع الزيتونة وفيما أنشئوا من مدارس كثيرة، وعنوا أيضا بالحركة الأدبية فضموا إليهم كثيرا من الشعراء وأغدقوا عليهم الأموال والرواتب، وشاركوا بأنفسهم فى الحركتين العلمية والأدبية، وقد اشتهر علىّ الأول بشرح له على كتاب التسهيل لابن مالك كما اشتهر على الثانى بمدارسته صحيح البخارى غير تعمقه فى النحو والفقه وأصول الدين والبيان كما تشهد مدائح الغراب الصفاقسى. واشتهر محمد الرشيد الذى استرد حكم تونس له ولإخوته بأنه كان شاعرا فذا كما كان موسيقارا كبيرا، وإليه يرجع فضل ترتيب الأغانى الشعبية التونسية والأندلسية المسماة باسم المألوف، وله ديوان شعر، ونراه فيه أيام غربته بالجزائر يفتخر بتونس وما نشر فيها أبوه من العلوم والآداب بمثل قوله عن تونس ويسميها باسمها القديم: ترشيش:
أقمنا بقدر الجهد قائم شرعنا
…
فترشيش أضحى علمها يتدفّق
وجرّت ذيول الفخر عن نظرائها
…
فلا الشام يحكيها وما هى جلّق
وما فى جميع الأرض مصر يفوقها
…
وليس لنا نيل عليها محلّق
أبى الله أن تمحى ديار أعزّة
…
وتدرس آثار المعانى وتمحق (2)
فهو يفخر بأن أباه أقام فى تونس الشريعة وأحيا بها الآداب حتى غدت تفاخر الشام وعاصمتها جلق أو دمشق، ويرفعها فوق جميع البلدان العربية، رغم أن ليس فيها كمصر نيل يتدفّق، ويقول إن الله حفظها وصانها عن أن تعفى ديارها ورسومها. وتبتسم له الدنيا ويعود إلى تونس ويجلس على أريكتها ويشعر بفخر لا يضاهية فخر وينشد:
(1) انظر فى ترجمة محمد الرشيد المشرع الملكى والتاريخ الباشى والخلاصة النقية للباجى المسعودى ومجمل تاريخ الأدب التونسى ص 236.
(2)
تدرس: تمحى.