الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثّانى
المجتمع الليبى
(1)
1 - عناصر السكان
سكان ليبيا-منذ الأزمان السحيقة-سلالات عريقة من البربر الذين استوطنوا قديما الشمال الإفريقى من مصر إلى المحيط الأطلسى، واختلف المؤرخون فى بيان أصل منشئهم، فمن قائل إن جدودهم هاجروا إلى بلاد المغرب من فلسطين، ومن قائل إنهم عرب هاجروا من جنوب الجزيرة: من حمير، ويقال بل إن أصلهم من عرب الشمال، ويقول الطبرى إنهم أخلاط من كنعان والعماليق وغيرهم، ويقول ابن خلدون إنهم من ولد كنعان بن حام. وعلى هذا النحو يضطرب المؤرخون فى أصلهم وهل هم من العرب الساميين أو هم حاميون أو هم من الفلسطينيين الذين أخرجوا قديما من ديارهم. ومعروف أن قبائل منهم حين اعتنقت الدين الحنيف وتعرّبت انتسبت إلى حمير أو إلى بعض القبائل العدنانية، وهو إحساس عميق بأنهم يرجعون إلى أصول عربية.
وليس هؤلاء السكان للشمال الإفريقى هم الذين سموا أنفسهم بربرا، إنما سماهم بذلك الرومان أخذا من الكلمة الإغريقية:«بربروس» ومعناها: الأجنبى الذى يتكلم لغة غير
(1) انظر فى المجتمع الليبى وسكانه ومعيشته كتب التاريخ قديما وحديثا وخاصة تاريخ ابن خلدون ووصف إفريقيا للحسن الوزان (طبع جامعة محمد ابن سعود) وتاريخ المغرب الكبير لدبوز، وراجع كتب الرحلات مثل رحلة التجانى (طبع تونس) ورحلة العبدرى (طبع الرباط) وصورة الأرض لابن حوقل والمسالك والممالك للبكرى وتراجم المالكى فى رياض النفوس ومعالم الإيمان لابن الدباغ وابن ناجى والبيان المغرب لابن عذارى وكتاب السير للشماخى وليبيا فى كتب الجغرافيا والرحلات لإحسان عباس ومحمد يوسف نجم وتاريخ طرابلس الغرب لمحمود ناجى (طبع بيروت) وتاريخ ليبيا لإحسان عباس والإباضية فى موكب التاريخ لمعمر ونفحات النسرين والمنهل العذب لأحمد النائب الأنصارى وأعلام ليبيا للزاوى والنشاط الثقافى لأحمد مختار عمر وليبيا فى كتب التاريخ والسير لإحسان عباس ومحمد يوسف نجم.
مفهومة، إذ كان لسان المغاربة بالقياس إلى الرومان أصواتا مبهمة لا يفهمونها. وحين فتح العرب البلاد المغربية وجدوا هذا الاسم «البربر» يطلق على سكانها، فاستخدموه، ومن الغريب أن فعل بربر فى العربية بمعنى قريب من المعنى الإغريقى، إذ يراد به التمتمة فى الكلام بحيث لا يفهم.
ويقسّم النسّابون هذه الأمة الضخمة من حيث أسلوب الحياة إلى حضر وبدو رحّل، ويسمون الأولين البرانس وهم سكان المدن الشمالية مثل هوارة ونفزاوة فى ليبيا وتونس وكتامة وصنهاجة فى الجزائر ومصمودة فى المغرب الأقصى. ويسمون الثانيين الرحّل باسم البتر وهم سكان الهضاب والصحارى مثل لواته فى برقة ونفوسة فى طرابلس. والمظنون أن أهل ليبيا كانوا يعيشون أولا على الترحال وراء المراعى، حتى قدم عليهم الفينيقيون فى طرابلس واليونان فى برقة، فأنشئوا المدن وأخذ الليبيون يستقرون فيها وفيما وراءها من السهول والوديان. ونزل القرطاجيون مع الفينيقيين فى طرابلس، واكتسح الرومان طرابلس وبرقة جميعا. وبذلك تكاثرت العناصر التى نزلت ليبيا قديما من الفينيقيين والقرطاجيين واليونان والرومان ونزلتها -وظلت تنزلها-سلالات من الزنوج منذ زمن الفينيقيين بعامل الاتجار فى الرقيق ومن أجل الانتفاع بهم فى المزارع والمراعى، وكانوا يكثرون فى فزّان. ونزلت ليبيا فى زمن القرطاجيين- منذ القرن الثالث قبل الميلاد-جماعات من اليهود، وبالمثل بعد تخريب تيتوس لمعبد بيت المقدس سنة 70 للميلاد. ونزلتها فى القرن الخامس الميلادى جماعات من الواندال الألمان.
ونزلها لخدمة الكنائس المسيحية بها بعض رهبان القبط المصريين. ومعنى ذلك أن سلالات ليبيا الأصيلة من البربر وفدت عليها عناصر جنسية أجنبية كثيرة من قارات العالم الثلاث القديمة:
من آسيا ممثلة فى الفينيقيين والقرطاجيين واليهود، ومن أوربا ممثلة فى الإغريق والرومان والواندال، ومن إفريقيا ممثلة فى الزنوج والقبط المصريين. وهذا كله قبل الفتح العربى، وأخذ ينزلها معه وبعده مزيد من الأجناس الوافدة وخاصة من العرب وجيوشهم الباسلة ومن كان بها من الفرس والعراق والشام ومصر. ولا ننسى هجرة العرب الكبرى إلى ليبيا وإفريقيا فى القرن الخامس الهجرى وقد استوطن بنو سليم برقة. ومنذ القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) أخذ ينزلها أندلسيون كثيرون فى أثناء سقوط مدنهم فى حجر الإسبان، وتكاثر نزولهم فى أوائل القرن السابع عشر الميلادى حين أخرج الإسبان من بقى بديارهم من المسلمين. ونزلت طرابلس بعض أسر إسبانية حين احتلها الإسبان سنة 916 هـ/1510 م وبالمثل نزلتها أسر مالطية كثيرة حين احتلها بعدهم فرسان مالطة. وفى العهد العثمانى الذى ظل حقبا متطاولة نزل طرابلس وليبيا كثير من الترك والأسر التركية بجانب من نزلوها من الانكشارية وجنود الترك سوى عناصر الأكراد والشركس.