الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1666]
وعن أبي موسى رضي الله عنه أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ بَاكِيهِمْ فَيَقُولُ: وَاجَبَلَاهُ، واسَيِّدَاهُ، أو نَحْوَ ذلِكَ إلا وُكِّلَ بِهِ مَلَكَانِ يَلْهَزَانِهِ: أهكَذَا كُنْتَ؟» . رواه الترمذي، وقال:(حَدِيثٌ حَسَنٌ) .
«اللَّهْزُ» : الدَّفْعُ بِجُمْعِ اليَدِ فِي الصَّدْرِ.
قوله: أهكذا كنت. يقولان له ذلك تقريعًا وتوبيخًا.
[1667]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى المَيِّتِ» . رواه مسلم.
فيه: تغليظ تحريم النياحة، والطعن في النسب الثابت شرعًا.
303- باب النَّهي عن إتيان الكُهّان
والمنجِّمين والعُرَّاف وأصحاب الرمل
والطوارق بالحصى وبالشعير ونحو ذلك
[1668]
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سأل رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَاسٌ عَنِ الكُهَّانِ، فَقَالَ:«لَيْسُوا بِشَيءٍ» فَقَالُوا: يا رَسُولَ اللهِ إنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا أحْيَاناً بِشَيءٍ، فَيَكُونُ حَقّاً؟ فقالَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«تِلْكَ الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ يَخْطَفُهَا الجِنِّيُّ فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ، فَيَخْلِطُونَ مَعَهَا مئَةَ كَذْبَةٍ» . متفق عليه.
وفي رواية للبخاري عن عائشة رضي الله عنها: أنَّها سمعتْ
رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «إنَّ المَلائِكَةَ تَنْزِلُ فِي العَنَانِ - وَهُوَ السَّحَابُ - فَتَذْكُرُ الأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّماءِ، فَيَسْتَرِقُ الشَّيْطَانُ السَّمْع، فَيَسْمَعُهُ، فَيُوحِيَهُ إلَى الكُهَّانِ، فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِئَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ» .
قَولُهُ: «فَيَقُرُّهَا» هو بفتح الياء وضم القاف والراء، أي: يُلْقِيها، «والعَنانِ» بفتح العين.
الكاهن: من يخبر عن المغيبات، والتنجيم: نوع من الكهانة. والعرافة: نوع من التنجيم، وأصحاب الرمل والطوارق من الكهان، وقد كذبهم الشرع، ونهى عن تصديقهم وإتيانهم.
قال الخطابي: هؤلاء الكهان فيما عُلم بشهادة الامتحان قومٌ لهم أذهان حادة، ونفوس شريرة، وطبائع نارية، فهم يفزعون إلى الجن في أمورهم، ويستفتونهم في الحوادث، فيلقون إليهم الكلمات.
قوله: «فقال: ليس بشيء» ، أي: ليس قولهم بشيء يعتمد عليه.
قال الحافظ: قوله: «فَيقرَّها» بفتح أوله وثانيه وتشديد الراء، أي: يصبها.
وفي رواية: «فيقرقرها» ، أي: يرددها.
وفي الحديث: بقاء استراق الشياطين السمع، لكنه قل وندر حتى كاد يضمحل بالنسبة لما كانوا فيه من الجاهلية.
وفيه: النهي عن إتيان الكهان.
قال القرطبي: يجب على من قدر على ذلك من محتسب وغيره، أن يقيم من يتعاطى شيئًا من ذلك من الأسواق، وينكر عليهم أشد النكر، وعلى من يجيء إليهم، ولا يغتر بصدقهم في بعض الأمور، ولا بكثرة من يجيء إليهم ممن ينسب إلى العلم، فإنهم غير راسخين في العلم، بل من الجهال لما فيه في إتيانهم من المحذور.
[1669]
وعن صَفِيَّةَ بِنتِ أبي عُبيدٍ، عن بعض أزواجِ النبي صلى الله عليه وسلم ورَضِيَ اللهُ عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ أَتَى عَرَّافاً فَسَأَلَهُ عنْ شَيْءٍ فَصَدَّقَهُ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أرْبَعِينَ يَوماً» . رواه مسلم.
العرَّاف: من جملة أنواع الكُهَّان.
قال الخطابي وغيره: العرَّاف: الذي يتعاطى معرفة مكان المسروق، ومكان الضالة. ونحوهما.
قوله: «لم تقبل له صلاة أربعين يومًا» . قال الشارح: لأنه لا ثواب له فيها وإن كانت مجزئةً في سقوط الَفرْضِ عنه.
[1670]
وعَنْ قَبِيصَةَ بنِ المُخَارِقِ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «العِيَافَةُ، وَالطِّيَرَةُ، والطَّرْقُ، مِنَ الجِبْتِ» . رواه أبو داود بإسناد حسن.
وقال: «الطَّرْقُ» هُوَ الزَّجْرُ: أيْ زَجْرُ الطَّيْرِ وَهُوَ أنْ يَتَيَمَّنَ أو يَتَشَاءمَ بِطَيَرَانِهِ، فإنْ طَارَ إلَى جِهَةِ اليَمِين، تَيَمَّنَ، وإنْ طَارَ إلَى جِهَةِ اليَسَارِ، تَشَاءمَ. قال أبو داود:«والعِيَافَةُ» : الخَطُّ.
قالَ الجَوْهَريُّ في الصِّحَاحِ: الجِبْتُ كَلِمَةٌ تَقَعُ عَلَى الصَّنَمِ وَالكاهِنِ والسَّاحِرِ وَنَحْوِ ذلِكَ.
قوله: «من الجبت» . قال الشارح: أي: من الكفر، إن استحل ذلك أو من السحر والكهانة وقد حذّر منها.
[1671]
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اقْتَبَسَ عِلْماً مِنَ النُّجُوم، اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ زَادَ ما زَادَ» . رواه أبو داود بإسناد صحيح.
قوله: «من اقتبس علمًا من النجوم» .
قال الشارح: أي: ما ينشأ من الحوادث عن سيرها، أمّا علمُ الوقت والقبلة فليسا مرادين هنا.
قوله: «فقد اقتبس شعبة» ، أي: قطعة من السحر، أي: وهو من باب الكبائر، وقد يكون كفرًا. «زاد» : أي: من السحر. «ما زاد» : أي: من علوم النجوم.
قال الخطابِّي: علم النجوم المنهي عنه: هو ما يدعيه أهل التنجيم من علم الكوائن والحوادث التي لم تقع، وستقع في مستقبل الزمان، كأوقات هبوب الرياح، ومجيء المطر، وتغيير السعر، وما في معناها مما يزعمون إدراكه من الكواكب في مجاريها وافتراقها، ويدعون أنَّ لها تأثيرًا في السلفيات، وأنها تجري على ذلك، وهذا منهم تحكم على الغيب، وتعاطٍ لعلم قد استأثر الله تعالى به، لا يعلم الغيب سواه.
وأما علم النجوم الذي يدرك بالمشاهدة والخبر، كالذي يعرف به الزوال، ويعلم به جهة القبلة، فغير داخل فيما نهي عنه؛ لأن مدار ذلك على ما يشاهد من الظل في الأول، والكواكب في الثاني. انتهى ملخصًا.
[1672]
وعن مُعاوِيَةَ بنِ الحَكَمِ رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسُولَ اللهِ إنِّي حديثُ عَهْدٍ بالجاهِليَّةِ، وَقَدْ جَاءَ اللهُ تَعَالَى بالإسْلَامِ، وإنَّ مِنَّا رِجَالاً يَأتُونَ الكُهَّانَ؟ قال:«فَلا تأتِهِمْ»
قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ؟ قَالَ: «ذَلِكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ، فَلا يَصُدُّهُمْ» قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ؟ قَالَ: «كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الأنْبِيَاءِ يَخُطُّ، فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ» . رواه مسلم.
فيه: تحريم المجيء إلى الكهان.
قوله: ومنا رجال يتطيرون؟ قال: «ذلك شيء يجدونه في صدورهم» .
قال الشارح: أي أمر خلقي بحسب الطبع، لا يكلفون برفعه، إنما يكلفون أن لا يعملوا بقضيته، كما قال: فلا يصدهم، أي لا يعيقهم ذلك عما خرجوا له، فإن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى، ولا أثر لغيره في شيء ألبتة.
قوله: ومنا رجال يخطّون؟ قال: «كان نبِيٌّ من الأنبياء يخط فمن وافق خطة فذاك» .
قال في النهاية: قال ابن عباس: الخط: هو الذي يخطه الحازي، وهو علم قد تركه الناس، يأتي صاحب الحاجة إلى الحازي فيعطيه حلوانًا، فيقول له: اقعد حتى أخط لك. وبين يدي الحازي غلام له معه ميل، ثم يأتي إلى الأرض رخوة فيخط فيها خطوطًا كثيرة بالعجلة لئلا يلحقها العدد، ثم يرجع فيمحو منها على مهل خطين خطين، وغلامه يقول للتفاؤل: ابنَيْ عيان أسرعا البيان، فإن بقي خطان فهما علامة النجح، وإن بقي خط واحد فهو علامة الخيبة.
وقال الحربي: الخط: هو أن يخط ثلاثة خطوط، ثم يضرب عليهن بشعير أو نوى، ويقول: يكون كذا وكذا، وهو ضرب من الكهانة.
قلت: الخط المشار إليه علم معروف، وللناس فيه تصانيف كثيرة، وهو معمول به إلى الآن، ولهم فيه أوضاع، واصطلاح، وأسام. وعمل كثير، ويستخرجون به الضمير وغيره، وكثيرًا ما يصيبون فيه. انتهى كلام النهاية.
وقال الخطابي: الكهانة على أصناف، منها ما يتلقونه من الجن، إلى أنْ
قال: ثالثها: ما يستند إلى ظن، وتخمين، وحدث، فهذا قد يجعل الله فيه لبعض الناس قوة، مع كثرة الكذب فيه. رابعها: ما يستند إلى التجربة والعادة، فيستدل على الحادث بما وقع قبل ذلك.
ومن هذا القسم الأخير ما يضاهي السحر، وقد يعْتضد بعضهم في ذلك بالزجر، والطرق، والنجوم، وكل ذلك مذموم شرعًا.
وقال الخطابي أيضًا: وأما قوله: «فمن وافق خطه فذاك» . فقد يحتمل أنْ يكون معناه الزجر عنه إذا كان من بعده لا يوافق خطه، ولا ينال حظه من الصواب؛ لأن ذلك إنما كان آية لذلك النبي، فليس لمن بعده أنْ يتعاطاه طمعًا في نيله. والله أعلم.
[1673]
وعن أَبي مَسعودٍ البدريِّ رضي الله عنه أنَّ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ، وَمَهْرِ البَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الكاهِنِ. متفق عَلَيْهِ.
قوله: «نهى عن ثمن الكلب» . قال الحافظ: ظاهر النهي تحريم بيعه، وهو عام في كل كلب؛ معلمًا كان أو غيره، مما يجوز اقتناؤه أو لا يجوز، ومن لازمِ ذلك أنْ لا قيمة على متلفه وبذلك قال الجمهور. انتهى.
وقال عطاء والنخعي: يجوز بيع كلب الصيد دون غيره. لما روى النسائي عن جابر، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب صيد.
قوله: «ومهر البغي» : هو ما تُعْطاه على الزنى، وسُمِّي مهرًا على سبيل المجاز، وهو حرام؛ لأنه في مقابلة حرام.
قوله: «وحلوان الكاهن» : وهو ما يعطاه على كهانته.