الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي: ومن سلم من الحرص الشديد الذي يحمله على ارتكاب المحارم، {فَأولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ، أي: الفائزون.
قال ابن زيد وغيره: من لم يأخذ شيئًا نهاه الله عنه، ولم يمنع الزكاة المفروضة فقد برئ من شح النفس.
وقال ابن مسعود: شح النفس: أكل مال الناس بالباطل. أما منع الإنسان ماله فبخل، وهو قبيح.
قال ابن عطية: شح النفس فقر لا يذهبه غنى المال بل يزيده.
وأما الأحاديث فتقدمت جملة مِنْهَا في الباب السابق.
[563]
وعن جابر رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ. وَاتَّقُوا الشُّحَّ؛ فَإنَّ الشُّحَّ أهْلَكَ مَنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أنْ سَفَكُوا دِمَاءهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ» . رواه مسلم.
أي: استحلوا ما حرم الله عليهم حرصًا على المال، كما احتالوا على ما حرم الله عيهم من الشحوم، فأذابوها فباعوها واحتالوا لصيد السمك فحبلوا له يوم الجمعة وأخذوه يوم الأحد، وغير ذلك مما استحلوا به محارمهم وسفكوا به دماءهم.
62- باب الإيثار والمواساة
قَالَ الله تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}
[الحشر (9) ] .
يعني: فاقة وحاجة، أي: يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم.
وقال تَعَالَى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً}
…
[الدهر (8) ] . إلى آخر الآيات
يعني: ويطعمون الطعام وهم يحبونه، ويشتهونه، مسكينًا، ويتيمًا، وأسيرًا، وإن كان كافرًا، لوجه الله تعالى لا لحظ النفس، وخوفًا من عذاب يوم القيامة، فوقاهم الله شرَّ ذلك اليوم، ولقاهم نضرة في وجوههم، وسرورًا في قلوبهم، وجزاهم بما صبروا على ترك الشهوات، وأداء الواجبات جنةً وحريرًا.
[564]
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إنِّي مَجْهُودٌ، فَأرسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقالت: وَالَّذي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا عِنْدِي إلا مَاءٌ، ثُمَّ أرْسَلَ إِلَى أُخْرَى، فَقَالَتْ مِثلَ ذَلِكَ، حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثلَ ذَلِكَ: لا وَالَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ مَا عِنْدِي إلا مَاءٌ. فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُضيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ؟» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ: أنَا يَا رسولَ الله، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ، فَقَالَ لامْرَأَتِهِ: أكرِمِي ضَيْفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي روايةٍ قَالَ لامْرَأَتِهِ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ فقَالَتْ: لا، إلا قُوتَ صِبيَانِي. قَالَ: فَعَلِّليهم بِشَيْءٍ وَإذَا أرَادُوا العَشَاءَ فَنَوِّمِيهمْ، وَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأطْفِئي السِّرَاجَ، وَأريهِ أنَّا نَأكُلُ. فَقَعَدُوا وَأكَلَ الضَّيْفُ وَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«لَقَدْ عَجبَ الله مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ» . متفقٌ عَلَيْهِ.
هذا الحديث: أخرجه البخاري في التفسير، وفي فضائل الأنصار.
وفيه: استحباب الإيثار على النفس ولو كان محتاجًا، وكذلك على العيال إذا لم يضرهم.
[565]
وعنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طَعَامُ الاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلَاثَةِ، وَطَعَامُ الثَّلَاثَةِ كَافِي الأربَعَةِ» . متفقٌ عَلَيْهِ.
وفي رواية لمسلمٍ عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «طَعَامُ الوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الاثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الأَرْبَعَة يَكْفِي الثَّمَانِية» .
المراد بذلك: الحض على المكارم، والتقنع بالكفاية، وأنه ينبغي للاثنين إدخال ثالث لطعامهما، وإدخال رابع أيضًا بحسب من يحضر.
وعند الطبراني: «كلوا جميعًا ولا تفرقوا فإن طعام الواحد يكفي الاثنين» . الحديث. فيؤخذ منه أن الكفاية تنشأ من بركة الاجتماع، وأن الجمع كلما زاد زادت البركة.
وفيه: إشارة إلى أن المواساة إذا حصلت حصل معها البركة.
وفيه: أنه ينبغي للمرء أن لا يستحقر ما عنده فيمتنع من تقديمه، فإن القليل قد يحصل به الاكتفاء.
[566]
وعن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، فَجَعَلَ يَصرِفُ بَصَرَهُ يَميناً وَشِمَالاً، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَليَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا ظَهرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا زَادَ لَهُ» . فَذَكَرَ مِنْ أصْنَافِ المالِ مَا ذكر حَتَّى رَأيْنَا أنَّهُ لا حَقَّ لأحَدٍ مِنَّا في فَضْلٍ. رواه مسلم.
في هذا الحديث: الأمر بالمواساة من الفاضل، وهو كحديث: إنك يا ابن آدم إن تبذل الفضل خير لك، وإن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول.