الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِمْ، وكذلك الخُلفاءُ الرَّاشدون، ومن بعدَهُم مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، ومن بَعدَهُم من عُلَماءِ المُسلمين وأَخْيَارِهم، وَهُوَ مَذْهَبُ أكثَرِ التَّابِعينَ وَمَنْ بَعدَهُمْ، وبه قَالَ الشافعيُّ وأحمدُ وأكثَرُ الفقهاءِ رضي الله عنهم أجمعين.
…
قَالَ الله تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة (2) ] .
ففي الاختلاط: الاجتماع للتعاون على البر، أي: فعل المأمورات، كالجمعة والجماعات وإقامة الشرائع، وفيه التعاون على التقوى عن المنهيات وترك المحرمات.
والآيات في معنى مَا ذكرته كثيرة معلومة.
كقوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران (104) ] ،
وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} [الصف (4) ] .
71- باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين
قَالَ الله تَعَالَى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ}
…
[الشعراء (215) ] .
أي: ألن جانبك للمؤمنين وارفق بهم.
…
[المائدة (54) ] .
وقد ارتد قبائل من العرب في عهده صلى الله عليه وسلم وفي خلافة أبي بكر فقاتلهم أبو بكر والصحابة رضي الله عنهم. ولما نزلت: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}
[المائدة (54) ]، أشار صلى الله عليه وسلم إلى أبي موسى الأشعري وقال:«هم هذا وقومه» . يعني أهل اليمن.
وقال تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات
…
(13) ] .
الشَّعْب: رأس القبائل، كمضر، والقبيلة: كتميم، أي: جعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا لا لتفاخروا.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم منسأة في الأجل» .
وقال تَعَالَى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم (32) ] .
أي: لا تمدحوها ولا تفخروا بأعمالكم.
وفي الحديث الصحيح: «إذا كان أحدكم مادحًا صاحبه لا محالة فليقل: أحسب فلانًا كذا، وكذا، والله حسيبه. ولا أُزكِّي على الله أحدًا» .
…
[الأعراف (48، 49) ] .
الأعراف: السُّوْرُ المضروب بين الجنة والنار، وأصحابه رجال تساوت حسناتهم وسيآتهم يقولون لأهل النار: ما أغنى عنكم مالكم ولا تكبركم، ولا منعكم ذلك عن دخول النار، وهؤلاء الضعفاء الذين كنتم تسخرون منهم
وتحقرونهم في الدنيا وأقسمتم أن الله لا يُدخلهم الجنة، أدخلهم الله إيَّاها برحمته.
[602]
وعن عِيَاضِ بنِ حمارٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله أوْحَى إِلَيَّ أنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لا يَفْخَرَ أحَدٌ عَلَى أحَدٍ، وَلا يَبْغِي أحَدٌ عَلَى أحَدٍ» . رواه مسلم.
التواضع: الانكسار والتذلُّل، وضده: التكبر والرَّفع، ومَنْ تواضع لله رفع الله قدره، وطيَّب ذِكْرَه، ورفع درجته في الآخرة.
[603]
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زادَ اللهُ عَبْداً بعَفْوٍ إلا عِزّاً، وَمَا تَوَاضَعَ أحَدٌ للهِ إلا رَفَعَهُ اللهُ» . رواه مسلم.
[604]
وعن أنس رضي الله عنه أنَّهُ مَرَّ عَلَى صبيَانٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وقال: كَانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يفعله. متفقٌ عَلَيْهِ.
في هذا الحديث: تدريب الصبيان على أداب الشريعة، وطرح رداء الكبر والتواضع، ولين الجانب.
[605]
وعنه قَالَ: إن كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إمَاءِ المَدينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءتْ. رواه البخاري.
في الحديث: مزيد تواضعه صلى الله عليه وسلم، والتحريض على ذلك.
[606]
وعن الأَسْوَدِ بن يَزيدَ، قَالَ: سَأَلْتُ عائشةُ رضي الله عنها مَا كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قالت: كَانَ يَكُون في مِهْنَةِ أهْلِهِ - يعني: خِدمَة أهلِه - فإذا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ. رواه البخاري.
جاء ذلك مفسرًا في بعض الروايات: كان في بيته في مهنة أَهله يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويخدم نفسه، ويعلِّف ناضحه، ويعقل البعير، ويأكل مع الخادم ويحمل بضاعته إلى السوق. ففي ذلك مزيد فضله، وكمال تواضعه صلى الله عليه وسلم.
[607]
وعن أَبي رِفَاعَةَ تَميم بن أُسَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يخطب، فقلت: يَا رسول الله، رَجُلٌ غَريبٌ جَاءَ يَسْألُ عن دِينهِ لا يَدْرِي مَا دِينُهُ؟ فَأقْبَلَ عَليَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إلَيَّ، فَأُتِيَ بِكُرْسيٍّ، فَقَعَدَ عَلَيْهِ، وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ، ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ فَأتَمَّ آخِرَهَا. رواه مسلم.
في هذا الحديث: استحباب تلطف السائل.
وفيه: كمال تواضعه صلى الله عليه وسلم ورفقه بالمسلمين وشفقته عليهم.
[608]
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أكَلَ طَعَاماً، لَعِقَ أصَابِعَهُ الثَّلَاثَ. قَالَ: وقال: «إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِط عنها الأَذى، وليَأكُلْها وَلا يَدَعْها لِلشَّيْطان» وأُمِرْنا أن نُسْلُتَ
القَصْعَةُ، قَالَ:«فإنَّكُمْ لا تَدْرُونَ في أيِّ طَعَامِكُمُ البَرَكَة» . رواه مسلم.
في هذا الحديث: رد على من كره لعق الأصابع استقذارًا. قال الخطابي: عاف قَوْمٌ - أَفْسد قلوبهم - الرَّفه لعقها، وزعموا أَنه مستقبح، كأنهم لم يعلموا أَن الطعام الذي علق بالأَصابع جزءٌ ما أَكلوه وليس فيه أَكثر من مصها بباطن الشفة. انتهى.
قلت: إنما يستقذر اللعق أَثناء الأَكل.
وفيه: استحباب أَكل لقمته الساقطة كسرًا لنفسه، وتواضعًا لربه، والتماسًا للبركة.
[609]
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا بَعَثَ الله نَبِيّاً إلا رَعَى الغَنَمَ» قَالَ أصْحَابُهُ: وَأنْتَ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، كُنْتُ أرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ» . رواه البخاري.
في هذا الحديث: تنبيه على التواضع. وأَن تعاطي الكامل ما فيه كسر النفس لا يخل بمروءته.
[610]
وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُراعٍ أَوْ ذِرَاعٍ لأَجَبْتُ، ولو أُهْدِيَ إِلَيَّ ذراعٌ أَوْ كُراعٌ لَقَبِلْتُ» . رواه البخاري.
قال الحافظ: خصَّ الذراع والكراع بالذكر ليجمع بين الخطير والحقير، لأَن الذراع كانت أَحب إِليه من غيرها، والكراع لا قيمة لَهُ.
وقال ابن بطال: أَشار النبي صلى الله عليه وسلم إِلى الحض على قبول الهدية وإن قلَّت، لئلا يمتنع الباعث من الهدية لاحتقار الشيء، فحض على ذلك لما فيه من التآلف.